مدخل مبسط إلي تاريخ اللغة المصرية القديمة، اندثار اللغة المصرية وإعادة اكتشافها. (الحلقة السابعة)

exclusive

|رحلة اللغة المصرية القديمة7

ثالثا: اندثار اللغة المصرية وإعادة اكتشافها:

تعرضت فيما سبق لأهم مراحل اللغة المصرية القديمة تاريخيا، ويبدو واضحا للقارئ من خلال هذا العرض أن اللغة المصرية ظلت مستخدمة كلغة رسمية لمصر حتى دخول العرب، وذلك علي الرغم من أن مصر كانت قبل دخولهم يحكمها أجانب (البطالمة – الرومان – البيزنطيين) و علي الرغم من ذلك فلم تتغير اللغة الرسمية لليونانية أو اللاتينية، حقا كانت اللغة اليونانية هي لغة الثقافة والعلم طوال العصور اليونانية الرومانية والعصر البيزنطي وكان الكثير من أفراد الشعب يجيدونها خاصة الطبقات الأرستقراطية، و لكنها كانت دائما لغة ثانية لم تحل محل اللغة المصرية المحلية ابدا، خاصة بعد عقد مجمع خلقيدونية عام 451 م والذي أدي إلي انفصال عدة كنائس من ضمنها الكنيسة المصرية عن كنيسة القسطنطينية و بالتالي أصبحت اليونانية (اللغة الرسمية للإمبراطورية البيزنطية) لغة مكروهة تمثل لغة مذهب البيزنطيين المخالف للمذهب المصري المعتمد، و من هنا أصبح اهتمام المصريين باليونانية ينحسر وزاد تركيزهم علي اللغة القبطية، ولكن تغير الوضع بعد دخول العرب مصر الذين خلافا عمن جاءوا قبلهم من المحتلين اهتموا بتغيير لغة المصريين للعربية سواء بشكل مقصود أو غير مقصود بسبب نتائج بعض سياساتهم، و يمكن إيجاز أهم الأسباب التي أدت إلي الاندثار التدريجي للغة القبطية كلغة حياة يومية للمصريين كالتالي:

  • قرار والي مصر “عبد الله بن عبد الملك بن مروان” عام 706م، باستخدام العربية كلغة وحيدة للإدارة بدلا من القبطية، الأمر الذي أجبر الموظفين الأقباط على تعلم اللغة العربية للحفاظ على وظائفهم، كذلك أجبر الكثير من عامة العشب علي تعلم اللغة العربية لتسيير أمورهم مع إدارات الدولة المختلفة.
  • التزايد المستمر لعدد المصريين المتحولين للإسلام نتيجة للضغوط المادية المختلطة باضطهادات على أساس ديني والتي تعمدها بعض أولياء بني أمية لتحصيل الأموال من المصريين، خاصة وأن الجزية المفروضة على غير المسلمين لم تكن محددة القيمة في الفقه الإسلامي، الأمر الذي أدي بالكثير من الأولياء لرفع قيمتها بشكل مرهق وعدم التهاون في استخدام صنوف التعذيب الجسدي للمتأخرين عن سدادها.
  • الاضطهاد المتعمد من قبل بعد الحكام علي مر فترات التاريخ الإسلامي لمتكلمي اللغة القبطية، ويرجع السبب في ذلك الاضطهاد غالبا إلي خوف الحكام من المؤامرات القبطية ضدهم خاصة في فترات اندلاع الثورات و الاضطرابات، ومن أهم هؤلاء الحكام كان “الحاكم بأمر الله” (996-1020م) الخليفة الفاطمي الذي اشتهر بقرارته الجنونية والذي كان أحد قرارته منع التحدث باللغة القبطية تماما ليس فقط في الأماكن العامة والدواوين الحكومية ولكن أيضا في البيوت والأماكن الخاصة حتى ولو كانت أم تحدث أبنائها في دارهم، وكان المخالف الذي يضبط وهو يتحدث القبطية يعاقب بقطع لسانه.
  • تدهور أحوال الرهبنة وانخفاض عدد الرهبان نظرا للمعاملة السيئة والتحرشات التي كان يتعرض لها الرهبان بين الحين والآخر من الولاة أو من عامة الشعب، حيث دائما ما كانت اديرة الرهبان والكنائس من الأماكن المفضلة لهجوم العامة حينما تندلع فتنة طائفية -وكانت كثيرة الحدوث إلي حدا ما- نظرا لاحتوائها علي أموال التبرعات بالإضافة إلي الأدوات الكنسية التي كان بعضها مطعما بمعادن ثمينة، كذلك كان الولاة كثيرا ما يطالبوا الأديرة بضرائب كبيرة حينما تخلو خزائنهم، هذا بالإضافة بالطبع إلى الوسائل القاسية التي يتبعها الولاة في جبي الأموال، فيذكر علي سبيل المثال أن الوالي الأموي عام 710م كان يميز الرهبان الذين دفعوا مستحقاتهم بكي أيديهم بعلامة معينة، و الراهب الذي تخلو يداه من هذه العلامة كان يتعرض للتعذيب نظرا لتهربه من دفع الضرائب المستحقة، وبما أن الرهبان كانوا هم المسئولين غالبا عن عمليات النسخ والترجمة والتأليف باللغة القبطية فإن تدهور أحوالهم انعكس بالتأكيد علي أحوال اللغة.
  • مع الوقت تناقص عدد عامة المسيحيين الذين يفهمون القبطية في المدن الكبرى كالقاهرة والإسكندرية، وهو الأمر الذي دفع البطريرك جبرائيل الثاني في القرن الثاني عشر الميلادي بتعريب الطقوس الكنسية، حتى يفهمها أغلب العامة المسيحيين الذين أصبحت لغتهم الأولي هي العربية، وقد انعكس ذلك بالسلب علي الأدب الديني الذي كان يكتب بالقبطية، فقد أصبحت الرسائل والكتابات الدينية تكتب بالعربية بدلا من القبطية كما أصبحت المؤلفات الهامة المتعلقة بتاريخ الكنيسة تكتب بالعربية مثل كتاب “تاريخ الكنائس و الأديرة” الذي ألفه المعلم أبو المكارم في القرن الثالث عشر بالعربية، وقد ظلت لغة الطقوس الكنسية حتى الآن هي العربية في الكنيسة المصرية، وأصبحت القبطية تستخدم علي نطاق أكثر ضيقا بكثير في بعض الطقوس.

 

علي الرغم من أن اللغة القبطية قد انقرضت تقريبا من المدن الكبرى نظرا للاحتكاك مع العرب، إلا أنها ظلت موجودة ومستخدمة بين المسيحيين المصريين في الأماكن البعيدة عن المدن وخاصة في قري الصعيد، فيذكر المؤرخ “تقي الدين المقريزي” (1364-1442م) الذي عاش بين القرون الرابع و الخامس عشر في كتابه “المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار” أن سكان الصعيد المسيحيين يتكلمون القبطية فيما بينهم، و بعضهم لا يكاد يفهم لغة أخري غيرها، و تشير بعض كتابات الرحالة الأوروبيين أن بعض سكان الصعيد كانوا لازالوا يتحدثون اللغة القبطية فيما بينهم حتي القرن السابع عشر الميلادي.

 

بعد أن تبنت اللغة المصرية القديمة الأبجدية اليونانية بدأت الرموز المصرية الهيروغليفية والهيراطيقية والديموطيقية تسقط في طي النسيان وبدأ عدد الناس الذين يستطيعون فهمها يتناقص باستمرار إلي أن أصبحت الرموز المصرية القديمة غامضة تماما، فكما قلت فيما سبق أن آخر نص هيروغليفي دُون في مصر يعود إلي عام 394م و أن آخر نص ديموطيقي يعود تاريخه إلي عام 452 م لذلك يحق لنا أن نقول إنه بحلول نهاية القرن الخامس الميلادي لم يعد هناك من يفهم هذه الرموز مما أدي إلي تحول الرموز الهيروغليفية الواضحة علي جدران المعابد المصرية المتناثرة هنا وهناك في كل مكان علي أرض مصر إلي مرادفات للغموض والسحر، فقد ارتبطت الهيروغليفية عند العامة في العصور الوسطي بالتعاويذ السحرية والخيمياء (تحويل المعادن الرخيصة إلي ذهب) و خاصة في العصور الإسلامية حيث خلب لب العرب دائما إمكانية حصولهم علي كنوز مخبئة في أهرامات مصر ومعابدها، لذلك فقد اهتم الكثير من الحكام المسلمين بنبش الآثار المصرية بحثا عن كنوز مخبأة بداخلها من ناحية و من ناحية أخري ليستخدموا أحجارها لبناء مشاريعهم الضخمة، و من اهم تلك المحاولات ما قام به الخليفة العباسي المأمون عام 820م، والذي كان هرم خوفو مغلقا في عهده ولكنه جند عماله لمحاولة اختراقه ظنا منه بوجود كنوز بداخله، وقد نجح بالفعل في حفر المدخل المعروف باسمه والذي يستخدم حاليا للدخول إلي الهرم ولكنه لم يعثر علي شيء.

 

نظرا لارتباط الهيروغليفية بالسحر في اعتقاد الناس في ذلك الوقت، فقد سعي بعض المهتمين من المسلمين لتفسير رموزها دون أن يحققوا نجاحا كبيرا، ومن أهم هؤلاء “جابر بن حيان” (حوالي 721-815م) الذي حاول تفسير بعض الرموز الهيروغليفية في كتابيه “الحاصل” و “كشف الرموز”، و “ذو النون المصري” الذي عاش في القرن التاسع الميلادي و حاول في كتابيه “حل الرموز” و “برأ الأرقام في كشف أصول اللغات والأقلام” كشف الغموض عن بعض الكتابات القديمة و منها الهيروغليفية، كما حاول الكيميائي العراقي “أبو القاسم العراقي المصري” الذي عاش ما بين القرون الثالث والرابع عشر الميلاديين أن يفسر في كتابه “الأقاليم السبعة” بعض مدلولات العلامات الهيروغليفية و قد كانت بعض افتراضاته صحيحة، و يعتبر الكيميائي العراقي “أبوبكر أحمد بن وحشية الكلداني” الذي عاش ما بين القرنين التاسع والعاشر الميلاديين من أهم العلماء العرب الذين بحثوا في معاني الكتابة الهيروغليفية، فقد تضمن كتابه “شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام” دراسة افتراضية تتضمن بعض القيم الصوتية للرموز الهيروغليفية، وقد جاءت بعض افتراضاته صحيحة، كما يعد أهم ما توصل إليه هو افتراضه بأن الرمز الذي يقع في نهاية الكلمة الهيروغليفية هو بمثابة شكل يشير لمعني اللفظ و بهذا يكون قد توصل إلي المخصص في الكلمة المصرية.

 

جاءت المحاولات العلمية الجادة لفهم رموز اللغة المصرية القديمة من أوروبا أثناء القرون الثامن و التاسع عشر الميلاديين، و لكن كان الاهتمام بالرموز المصرية في أوروبا أقدم من ذلك حيث ظهرت كتابات تحاول تفسير رموز الهيروغليفية ابتداء من القرن الخامس الميلادي، كما ظهرت بعض المحاولات أثناء عصر النهضة و لكن لم تختلف هذه المحاولات كثيرا عن محاولات العرب بل ربما تكون أكثر بعدا عن الصحة منها، و لم يقدر النجاح التام في فك الرموز الهيروغليفية إلا مع اكتشاف حجر رشيد عام 1799م أثناء حفر الجنود الفرنسيين لخندق حول إحدى القلاع الدفاعية بالقرب من مدينة رشيد، و هذا الحجر المصنوع من البازلت الأسود يعد المفتاح الذي أدي لفهم رموز اللغة المصرية بخطيها الهيروغليفي و الديموطيقي، و يعود تاريخ هذا الحجر إلي عام 196ق.م حيث نقشه بعض الكهنة المصريين المجتمعين في مدينة “منف” تعبيرا عن شكرهم و عرفانهم بالجميل تجاه الملك البطلمي “بطليموس الخامس” الذي قام بإعفاء الكهنة من بعض الالتزامات كما أوقف بعض الأوقاف لمعابدهم، و قد قام الكهنة -لحسن حظنا- بتسجيل ذلك المرسوم بلغتين، المصرية بخطيها الهيروغليفي (المقدس) والديموطيقي (الشعبي)، واللغة اليونانية وهي لغة الحكام البطالمة الأصلية، وعندما وصل الحجر إلي القاهرة بعد اكتشافه أمر “بونابرت” بصناعة نسخ منه و توزيعها علي المتخصصين لدراسته، و ينبع هذا الاهتمام من افتراض العلماء المرافقين للحملة أن الحجر قد سجل عليه نص واحد بثلاثة لغات وهو أمر غير مسبوق في الاكتشافات الأثرية بمصر، وبما أن أحد هذه اللغات الثلاثة وهي اليونانية القديمة معروفة فقد افترض الكثيرون وجود احتمال لفهم القليل من اللغة المصرية عن طريق مقارنة النص، وقد أثبتت الأيام فيما بعد صدق هذا الافتراض.

 

حصل العديد من المتخصصين في اللغات القديمة علي نسخ من الحجر و يعتبر أبرز من درسه وتوصل إلي نتائج مرضية الفرنسي “سيلفستر دي ساسي” (1758-1838م) ، والسويدي “يوهان ديفيد أكربلاد” (1763-1819م)، و الإنجليزي “توماس يونج” (1773-1829م)، وبالطبع الفرنسي “جان فرانسوا شامبليون” (1790-1832م)، و قد كان سيلفستر دي ساسي هو أول عالم فرنسي يبدأ بدراسة الحجر، وقد توصل إلي نتائج جيدة في تمييز بعض أسماء الإعلام بالنقش الديموطيقي، إما أكربلاد فقد ركز اهتمامه من البداية علي النص الديموطيقي أيضا مثل أستاذه دي ساسي و قد بني أطروحته علي بحث دي ساسي الخاص بأسماء الأعلام الديموطيقية وتوصل إلي تمييز جميع أسماء الأعلام في الجزء الديموطيقي كما توصل إلي القيمة الصوتية لبعض الرموز الديموطيقية والتي ثبت فيما بعد أن حوالي ستة عشر من هذه القيم الصوتية صحيحة، كذلك كان أكربلاد محقا في افتراضه بوجود علاقة بين الديموطيقية والقبطية وهو الافتراض الذي استفاد منه شامبليون فيما بعد، وعلي الرغم من ذلك فإن أكربلاد كان مخطئا في افتراضه بأن الرموز الديموطيقية هي رموز ألفبائية بشكل كامل ولا تحمل خصائص تصويرية مثل الهيروغليفية، وفي عام 1813م دخل العالم الطبيعي الإنجليزي توماس يونج إلي سباق فك رموز اللغة المصرية القديمة، وقد بدأ يونج العمل علي النص الديموطيقي اعتمادا علي ما توصل إليه أكربلاد من ناحية القيم الصوتية للرموز، وبحلول عام 1814م كان يونج قد تمكن من تصحيح أخطاء أكربلاد ونشر ترجمة كاملة للنص الديموطيقي من حجر رشيد، ثم وجه اهتمامه للنص الهيروغليفي ولكنه لم يتوصل لنتائج هامة بخلاف التوصل للقيمة الصوتية لستة من الرموز الهيروغليفية كما افترض أن الرموز التي تقع داخل أشكال بيضاوية في النص الهيروغليفي (خراطيش) هي أشكال تحتوي أسماء الملوك، وهو افتراض استفاد منه شامبليون في بحثه، ولكنه لم يتوصل لشيء يذكر فيما يخص البنية النحوية للنص.

 

كان للفرنسي شامبليون الفضل الأعظم في تفسير الكتابة الهيروغليفية والهيراطيقية المصرية القديمة، فقد افترض بداية أن الهيروغليفية والهيراطيقية والديموطيقية هم ثلاثة خطوط لنفس اللغة وأن الهيراطيقية ما هي إلا شكل مبسط من الرموز الهيروغليفية، واتباعا لنظرية يونج حول كون الديموطيقية خليط من الرموز الصوتية و التصويرية فقد افترض أيضا أن الهيروغليفية ليست رموزا تصويرية صرفة وإنما تحمل قيمة صوتية أيضا، ومن واقع تأكده بعد ترجمة يونج للنص الديموطيقي أن النص ثابت ولكنه مكتوب بثلاثة أساليب كتابية فقد أفترض أن أسماء الملوك الموجودة في النص اليوناني وخاصة بطليموس الذي ذكر ست مرات هي المكتوبة داخل الخراطيش في النص الهيروغليفي، ومن واقع كون الحروف الثابتة في أسماء الأعلام لا تتغير بين لغة وأخري فقد بدأ في مقارنة الرموز الواردة في الخرطوش المصري لأسم بطليموس و كليوباترا مع الإسمين اليونانيين ومن هنا توصل إلي القيمة الصوتية لحوالي اثنا عشر رمزا، ومع المزيد من الدراسات المقارنة والاستفادة من معرفته باللغة القبطية أعلن شامبليون عام 1822م إنه قد توصل إلي كشف الغموض عن الكتابة الهيروغليفية و اللغة المصرية القديمة.

 

في نهاية مقالي، أقول إنه وعلي الرغم من فرض اللغة العربية علي المصريين بعد دخول العرب مصر في القرن السابع الميلادي فهم لم ينسوا لغتهم تماما، فقد استطاعت المصرية أن تدخل إلي لغة الحياة اليومية للمصريين حتى الآن، و الحقيقة فإن اللغة التي يتحدثها المصريون حاليا و التي يصطلح علي تسميتها بالعامية المصرية مليئة بالمفردات والتركيبات اللغوية التي ترجع بأصلها لأصول مصرية قديمة فكلمات مثل “بت = فتاة” “ست=امرأة” “يدي=يعطي” “ننة=طفل رضيع” و المئات غيرهم جميعهم لا يبتون بصلة للعربية بل هم مفردات مصرية خالصة، كذلك الأمر في التركيب القواعدي للغة الدارجة المصرية فهي تختلف عن التركيب القواعدي للعربية وفي الحقيقة فهي أقرب للنظام القواعدي المصري القديم، فمثلا عن رؤية فتاة في الشارع نقول “البت دي” بتقديم المشار إليه عن اسم الإشارة بدلا عن “هذه الفتاة” بتقديم اسم الإشارة علي المشار إليه، و بالإضافة إلى الحضور القوي للغة المصرية في لغتنا المعاصرة فإنه لحسن حظنا أن القبطية مازالت مستخدمة علي نطاق ضيق في الكنيسة الأرثوذكسية المصرية ولكنها للأسف اقتربت كثيرا من اللغة اليونانية نتيجة عصور من الاحتكاك مع البيزنطيين و لغتهم اليونانية بالإضافة بالطبع لحقيقة أن اللغة المصرية القديمة كانت لا تميل للمعاني المجردة كما ذكرت سابقا الأمر الذي أدي برجال اللغة إلي استيراد الكثير من المفردات والتراكيب اليونانية للتعبير عن الأفكار الدينية المصرية، وفي نهاية القرن العشرين قام البطريرك السابق للكنيسة المصرية “شنودة الثالث” بتشجيع القائمين علي تدريس اللغة القبطية في الأماكن المخصصة لذلك و خاصة “الكلية اللاهوتية القبطية بالقاهرة Coptic Theological Seminary” علي استبعاد التأثيرات اليونانية علي اللغة القبطية ومحاولة إعادتها إلي شكلها القديم بقدر الإمكان، وهو أمر نتمنى أن يكتب له النجاح، كما نأمل في المستقبل أن يتم تدريس اللغة القبطية المصرية لجميع المصريين دون تفرقة علي أساس دينهم، فببساطة كلمة “قبطي” لا تعني مسيحي كما يعتقد العامة بل هي كلمة مشتقة من الكلمة اليونانية Αἰγύπτιος (Aigýptios) و التي تعني “مصري” و الكلمة اليونانية مشتقة بدورها من أصل مصري قديم هو “حت-كا-بتاح” (منزل قرين الإله بتاح) و هو اسم معبد هام للإله بتاح كان يقع في مدينة “منف” ويبدو أن اليونانيين قد أخذوا اسم هذا المعبد الهام كعلم علي مصر، ثم حور مع مرور الزمن و اختلاف اللسان اليوناني عن المصري إلي الشكل Aigýptios الذي عاد ودخل للمصريين مرة أخري في الشكل kubti في اللهجة القبطية البحيرية، وkuptaion في اللهجة القبطية الصعيدية، ثم حورها العرب إلي “قبط” و “قبطي” و مع الوقت أصبحت كلمة “قبطي” تطلق علي أهل البلاد الأصليين بينما “مصري” أصبحت تطلق علي أفراد القبائل العربية الذين نزحوا وأقاموا بمصر، ولكن مع مرور الزمن فقدت الكلمتان معناهما فأصبحت مصري تطلق علي جميع من يسكن أرض مصر ويحمل جنسيتها بلا تمييز بينما قبطي أصبحت مرادفا للمسيحي.

 

 

إعداد: محمد جمال

مراجعة وتصميم: عبدالله طه

المصدر:

  1. Hart-Davis, Adam. History: The Definitive Visual Guide. New York: D.K Publishing, 2012. Digital.
  2. Green, Jen. “EARLY CIVILIZATIONS: The Story of Writing” in Smithsonian Timelines of History: The Ultimate Visual Guide to The Events that Shaped The World. London: D.K Publishing, 2011. Digital.
  3. Loprieno, Antonio. Ancient Egyptian: A linguistic Introduction. Cambridge University Press, 1995. Print.
  4. Trombley, Frank (R.). Hellenic Religion and Christianization c. 370-529: Volume.II paperback. Leiden: Brill Publishing, 2014. Print.
  5. Junge, Friedrich &Behlmer, Heike. “Language”in The Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt, Edited by Donald B. Redford. Volume. II. Oxford, New York, and Cairo: Oxford University Press and The American University in Cairo Press, 2001. Print.
  6. Orlandi, Tito. “GRAMMAR: Coptic”in The Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt, Edited by Donald B. Redford. Volume. II. Oxford, New York, and Cairo: Oxford University Press and The American University in Cairo Press, 2001. Print.
  7. Wente, Edward (F.). “SCRIPTS: Hieratic”in The Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt, Edited by Donald B. Redford. Volume. III. Oxford, New York, and Cairo: Oxford University Press and The American University in Cairo Press, 2001. Print.
  8. Johnson, Janet (H.). “SCRIPTS: Demotic” in The Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt, Edited by Donald B. Redford. Volume. III. Oxford, New York, and Cairo: Oxford University Press and The American University in Cairo Press, 2001. Print.
  9. Callahan, Allen Dwight. “SCRIPTS: Coptic” in The Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt, Edited by Donald B. Redford. Volume. III. Oxford, New York, and Cairo: Oxford University Press and The American University in Cairo Press, 2001. Print.
  10. “Egyptian language.” Encyclopædia Britannica. Encyclopædia Britannica Ultimate Reference Suite. Chicago: Encyclopædia Britannica, 2014.
  11. Ishaq, Emile Maher. “Coptic Language, spoken” in The Coptic Encyclopedia, Edited By Aziz SuryalAtiya. Volume. II.New York: Macmillan Publishing Company, 1991. Print
  12. أديب، سمير. موسوعة الحضارة المصرية القديمة. القاهرة: العربي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولي، 2000م.
  13. نور الدين، عبد الحليم. اللغة المصرية القديمة. القاهرة: الطبعة التاسعة، 2011م.
شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي