مَدِينَةُ النِّسَاء

مدينة النساء

عندما تبحث في الأدب الأوروبيّ في العصور الوسطى ستجد على رأس القائمة (كريستين دي بيزان-Christine de pizan) كاتبةُ وبطلَةُ كتابِ مدينةِ النّساء (Le Livre de la Cité des Dames). أوّل امرأةٍ تحترفُ الكتابةَ في تاريخ أوروبا(1).

فمن تكون؟ ولماذا اختلقت هذا العالم؟

عن حياة كريستين دي بيزان(1364-1430)

وُلِدتْ (كريستينا دا بيتزانو- Cristina Da Pizzano) بإيطاليا في مدينة البندقية، ولكنها انتقلت للعيش بباريس لعمل والدها كعرّافٍ عند ملك فرنسا شارل الخامس. تزوجَت في الخامسة عشر من عمرها كجميع فتيات هذه الحِقبة. وأنجبت ثلاث أطفالٍ في عشرِ سنواتٍ قبل وفاة زوجها بمرض الطاعون ووفاة والدها في العام الأسبق. وتُركت لتعول والدتَها وأطفالَها، فاتّجهت للكتابة(2).

وبالرغم من كَونِها إيطالية الأصل، إلّا أنّ كتاباتِها ذاتَ وطنيةٍ فرنسيةٍ متأصّلة، وكانت معظمُ كتاباتها باللّغة العاميّة الفرنسيّة.

في عام 1402 اشتركت في الجدال الأدبيّ المعروف على قصيدة (رومانسية الوردة-Le Roman De La Rose)، فقامت كريستين بالتّحريض على إقامة مناظرةٍ للتشكيك في الوقائع الأدبية لقصيدة (جان دي موي- Jean De Meun) لتصويره النّساء كأنّهنّ مُغريات لا أكثر، وردت على ادّعاءات جان في كتابها (أقصوصة وردة- Le Dit De La Rose) زاعمةّ بأنّ وجهةَ نظرهِ كارهةٌ للنّساء بصورةٍ فظّةٍ وغير أخلاقيّة ومُغرضة.

وكانت كريستين أيضًا مفكرةً سياسيةً، ففي نفس العام ووسط حرب المائة عام بين ملوك فرنسا وإنجلترا(3)، نشرت قصيدة مجازية (الطريق للدراسة الطويلة- Le Chemin De Long Estude)، في إشارةٍ منها أنّ من الممكن تحقيق العدل على الأرض من خلال حاكمٍ واحدٍ ذي صفاتٍ ضروريةٍ. وفي عام 1403 حكت قصة حياة الملك شارل الخامس في كتاب (الحقائق والأخلاق الحكيمة للملك الحكيم تشارلز الخامس- Le Livre des fais et bonnes meurs du sage roy Charles V) وصَوَّرَتْهُ الحاكمَ والقائدَ السياسيّ الأمثل، ولكنّها انتقدت أحوال البلاط الملكي. وبجانب كلّ هذا كانت أكبرَ مُناصرةٍ للمرأة في وقتها، فكانت سابقةً لأوانِها، فأكملت عام 1405 كتابَ مدينةِ النّساء وبعدَه كتاب (الفضائل الثلاث- Le Livre des trois vertus) المعروف بكَنز مدينة النّساء؛ فيُوضِّحُ الأوّلُ أهمية إسهامات المرأة السابقة للمجتمع، والثاني يُعلِّمُ جميع ساكنات المدينة كيفيّة غرس الخصال النافعة.

أحوالُ النّساءِ في العصور الوُسطى

كانت المرأةُ ممقوتةً في ذلك العصر ومستخفًا بها من معظم الرجال، مُحتجّين دائمًا بخطيئة حوّاء التي أََهوت آدمَ من الجنّة. وعلى الرغم من وجود بعض السّيدات ذواتِ النّفوذ في العصور الوسطى إلا أن الغالبية العظمى غير ذلك. فكانت المرأة يُحدد لها طريقُها في مُقتبلِ حياتها، فتُوضعُ إمّا في إطار الزواج أو الرّهبنة، طريقان لا ثالث لهما. ولكن كسرت كريستين هذه القواعد عندما بَنت مستقبلًا لنفسها ولأطفالها بعد وفاة زوجها.

«فكنتُ أفكِّرُ في تلك الغُمّةِ الّتي تسَحَّبَت على قلبي، فمَقَتُّ نفسي والجنسَ الأنثويّ بكاملِه. فلماذا يا اللّه لم أولد رجلًا في هذا العالَم؟»1

الكِتاب

تبدأ القصّة ببطلتها كريستين -الكاتبة- وهي تقرأُ كتابًا لماثيولوس، تقرأ منه قليلًا ثُمّ تَضَعه جانبًا مُستاءةً لخُلوِّه من المصداقيّة الأسلوبيّة والموضوعيّة.

فتقول: هذا الكتاب بالرغم من أنّه لا يملكُ أيّ سلطةٍ، جعلني أتساءل كيف يميل كثيرٌ من الرجال -بما فيهم المتعلّمون- للكلام والكتابة عن النّساء بأسلوبٍ مهينٍ خبيث. ليس ماثيليوس هذا وحده، بل عامة الرّجال.

يبدو في أطروحات جميع الفلاسفة والشعراء والخطباء -لا متّسعَ لذكر أسمائِهم-  أنّهم يتكلَّمون بلسانٍ واحدٍ»(4).

فبدأَتْ بفحصِ شخصيّتها وسلوكِها كامرأةٍ طبيعيّة، وأيضًا فحَصَتْ مَن حولَها مِن سيدات المجتمع سواء كُنّ أميراتٍ أم سيداتٍ من الطبقتين المتوسّطة والفقيرة، أملًا منها أن تَحكُمَ بضميرٍ دون تحيّزٍ في كَونِ شهادةِ كثيرٍ من الرجال المرموقين صحيحة أم لا.

وكلما أمضت وقتًا في مواجهة وتحليل المشكلة؛ لم تستطع أن ترى كيف يمكن أن تكونَ ادّعاءاتهم صحيحة طبقًا لِما قارَنَتْه بسلوك النّساء وشخصياتهم.

ومع ذلك جادلَت بشدّة ضد النساء فقالت: من المستحيل أنّ كلّ هؤلاء الرجال المشهورين الذين يحظون بفهمٍ عميقٍ، وعلي ما يبدو أنّ رؤيتَهم واضحةٌ في كلّ شيء أن يتكلموا كلامًا باطلًا في كثيرٍ من المناسبات في حق النّساء، فلم أجد كتابًا عن الأخلاق -أيًا كان كاتبه- إلّا وجدت فيه عدّة فصولٍ تهاجم المرأة.

 

تكتمل القصة مجازًا، فتأتي ثلاث سيدات، سيدة السبب، وسيدة الحق، وسيدة الاستقامة؛ ليوجِّهن كريستين ويعلّمونها كيفية بناء مدينةٍ للسيّدات العفيفات. تحكي لها سيدة السبب عن نبل النساء والمخاطر والصعاب التي يواجهنها. فتقول كريستين أن المرأة أنبل المخلوقات على وجه الأرض، ولكن برغم ذلك يقول شيشرون -كاتب روماني وخطيب- أنّه يجب على الرجل ألا يخدم أيّ امرأة، وأيُّ رجلٍ يفعل ذلك فإنّه يهين نفسه، فلا يجب على أيِّ رجلٍ أن يخدم أيَّ أحدٍ أدنى منه، فترد عليها سيّدة السبب بأنّ الرجل أو المرأة يحتكمان إلى فضيلةٍ أعظم، ليس الجلال أو الجنس، ولكن حسن المعاملة والفضيلة(4).

 

المصادر

1. https://www.ancient.eu/article/1345/wo

men-in-the-middle-ages/ 2. https://www.bl.uk/collection-items/the-book-of-the-city-of-ladies 3.

Karen Green (2010). Preface – The Book of Peace. Penn State Press. p. 26. ISBN 978-0-271-04557-3

 4. https://www.pgliterarytranslation.com/resources/Christine-de-Pisan_The-Book-of-the-City-of-the-Ladies.pdf

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي