مراجعة للرواية الإسبانية ببيتا خيمنث

22-5

ببيتا خيمنث||||

صراعات النفس هي أشد الصراعات احتدامًا، وسر السعادة والنجاح من الأمور النسبية التي لم يُعرف لها قاعدة. هل النجاح في الترقي الاجتماعي؟ هل العيش ببساطة كالباقين؛ كعامة الناس يُعد نجاحًا؟ هل السعادة في الحب؟ وفي أي أنواع الحب تكمن السعادة؟

كل هذه الأسئلة وأكتر يطرحها خوان باليرا (Juan Valera) من خلال الراهب الشاب لويس (Luis).

نبذة عن كاتب ببيتا خيمنث

ولد خوان باليرا في مدينة (كابرا – cabra) بقرطبة عام (1824)م ونشأ في أسرة أرستقراطية ليبرالية معتدلة؛ كانت والدته السيدة دولوريس (ألكالا جاليانو – doña Dolores Alcalá Galiano) ماركيزة ووالده السيد (خوسيه باليرا إي بانيانا – don José Valera y Viaña) موظف في البحرية. درس الفلسفة والقانون وشغل العديد من المناصب الدبلوماسية؛ التي أتاحت له فرصة السفر والاطلاع على ثقافات متعددة. قرأ خوان باليرا بنَهَم كما كان دائم الحضور للندوات والصالونات الثقافية.[1]

مارس (باليرا) الأنواع الأدبية كافة.[2] وبدأ مسيرته بكتابة بعض المؤلفات الشعرية وذلك في عام (1835)م. عُرف ككاتب صحفي وناقد مرموق ثم غزا عالم الكتابة الروائية بقوة؛ في عام (1874)م أطلق أول وأهم أعماله الروائية الرواية الإسبانية «ببيتا خيمنث» (Pepita Jiménez) وتوالى نشرها حتى أنها أُعيدت طباعتها ثمان مرات في أربعة عشر عامًا فقط! حازت فور نشرها على إعجاب القُراء وترجمت للغات عدة ونالت شهرة عالمية واسعة.[3]

ببيتا خيمنث
خوان باليرا

منشأ رواية ببيتا خيمنث

الأحداث الواردة في الرواية مبنية على قصة حقيقية وقعت لأحد أفراد عائلته الخاصة؛ حيث انتقلت من فم إلى فم بين أفراد العائلة.[2]

نُشرت في بادئ الأمر على هيئة حلقات متتالية في مجلة إسبانية ثم تحولت إلى كتاب وتوالى النشر. سماها باليرا في البداية باسم لاتيني غريب ثم خلص إلى تسميتها ببيتا خيمنث لتصبح أكثر رواجًا.[2]

ببيتا خيمنث
تمثال لـ خوان باليرا مع الشخصية الرئيسية في روايته ببيتا خيمنث

موجز أحداث رواية ببيتا خيمنث

لا أجرؤ تقريبًا على الاعتراف لنفسي بشيءٍ ما، لكن رغمًا عني هذا الشيء، وهذه الفكرة، وهذه الخاطرة تسطو على عقلي كثيرًا. ومادامت كذلك؛ يجب أن أعترف لسيادتك بها؛ فليس من حقي إخفاؤها عنك. (جزء من الرواية)

صاغ الكاتب عمله في قالب الرواية الرسائلية  وتدور حول قصة الراهب الشاب لويس الذي كرس حياته لدراسة الدين وطمح إلى الترقي في المناصب الكنسية وكيف تبدلت أحواله وجال في خاطره الكثير من التساؤلات والصراعات إثر رؤيته للأرملة الجميلة ببيتا وشرع في عقد مقارنات بين الحب الإلهي والحب البشري، بين أن يكمل مسيرته الدينية ويكتسب مكانة رفيعة أو أن يحيا حياة العامة ويعود كجزء من القطيع.

وصف خوان باليرا ببراعة مراحل وقوع هذا الراهب في الحب واستنكاره لهذا الشعور ومحاولة التملص من الاعتراف به وكيف تحول من ناسك لعاشق متهور يقهر منافسيه حتى وإن كان والده ضمنهم  وأقصى أمانيه أن يحظى بمحبوبته مهما كلف الأمر.

تنقسم الرواية إلى ثلاثة أجزاء:

  1. «خطابات من ابن أخي»: مُكونة من خمسة عشر خطابًا تُروى على لسان الراهب (لويس) وموجهة لعمه الأسقف.
  2. «سفر الأيام»: يبدأ المؤلف بالتدخل ليشرح التطور النفسي للراهب ويتحدث عنه بصيغ الغائب.
  3. «خطابات من أخي»: هي عبارة عن خطابات يبعثها والد البطل (الراهب لويس) لأخيه الأسقف.[3]

تعكس الرواية ثقافة خوان باليرا الواسعة والتي اكتسبها كحصيلة لأسفاره ومطالعاته المُتعددة. يحوي العمل بين طياته شخصيات تاريخية وأسطورية وأدبية. طبقًا لباليرا، فإن مصدر الرواية الأساسي هو كتب الصوفية الإسبانية. أسهمت علاقات الكاتب العاطفية المتعددة في الإسهاب في وصف الحب وماهيته بسهولة.[2]

ببيتا خيمنث
رواية ببيتا خيمنث

مرآة الواقع

تنتمي الرواية بشكل أساسي إلى تيار الواقعية (realismo)؛ وهو تيار فني وأدبي ظهر في منتصف القرن التاسع عشر، تأسس على يد الكاتب الفرنسي (أونوريه دي بلزاك – Honoré de Balzac) الذي حاول رسم لوحة مُفصلة للمجتمع الفرنسي في ذلك الوقت. راقت تلك الحركة لمختلف كُتاب ومُفكري العصر؛ حيث تاقت النفوس للواقعية بعد نزعة الرومانسية التي أخذت الكاتب لعوالم غريبة وبعيدة عن الواقع وأقعدت المجتمع بمختلف صوره وأحداثه ومشاكله بمنأى عن المشهد الأدبي.[4]

وبالتالي؛ رسم خوان باليرا في رائعته ببيتا خيمنث مشاهد وصور من المجتمع الأندلسي كما وصف بالتفصيل منزل الأرملة الجميلة ببيتا وكازينو المدينة وشوارعها. لكن لم يكتفي بالتصوير الخارجي فحسب بل صور ما يجول في نفس الراهب من خلال رصد الكاتب للتطور السيكولوجي الذي يمر به ومن خلال الرسائل الموجهة لعمه.[3]

على الرغم من أن العمل مُدرج ضمن أعمال الروايات الواقعية الإسبانية إلا أنه من خلال قراءة العمل يلاحظ تعدد أساليب الكاتب وتأرجحه بين الواقعية والرومانسية والحداثة وغيرها ويرجع ذلك كما أشرنا سابقًا إلى تبحر ثقافة خوان باليرا.[3]

حقًا إنها رواية لا يمل من قراءتها بل إنك ستجد في نفسك رغبة لمطالعتها أكثر من مرة وبلا شك ستترك على وجهك ابتسامة عزبة كما لو أنك مررت بالأحداث بنفسك.

يمكن لحضراتكم قراءتها من هنا

إعداد: رقية التهامي
مُراجعة علمية ولُغوية: آلاء مرزوق
تحرير: زياد الشامي

المصادر:

(1)

Biografía de Juan Valera / Enrique Rubio Cremades | Biblioteca Virtual Miguel de Cervantes [Internet]. [cited 2018 Jul 27]. Available from: http://www.cervantesvirtual.com/portales/juan_valera/obra-visor/biografia-de-juan-valera–0/html/ffe6f04a-82b1-11df-acc7-002185ce6064_5.html#I_0_

(2)

روايات-وقصص-عالمية.pdf [Internet]. [cited 2018 Jul 27]. Available from: http://www.sooqukaz.com/index.php/%D8%A3%D8%AF%D8%A8-%D9%88%D8%B4%D8%B9%D8%B1/%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%82%D8%B5%D8%B5-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9?task=document.viewdoc&id=17947

(3)

SAYAH SH, BENMAAMAR SF. Estudio de la de la obra de Pepita Jiménez del autor Juan Valera. :86.

(4)

realism | Definition & Characteristics [Internet]. Encyclopedia Britannica. [cited 2018 Jul 27]. Available from: https://www.britannica.com/art/realism-art

 

 

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي