أخذ المستكشف العملاق فيرا سي.روبن خطوة تجريبيَّة جديدة قبيل إطلاقه المنتظر في 2022. إذ تم استخدام كاميرته ذي الثلاثة آلاف ومئتي ميجابكسيل في التقاط صورتها الأولى، وذلك ضمن اختبار معملي تمَّ إجراؤه في مركز المعجل الخطي الوطني بستانفورد (SLAC). وتعد هذه الكاميرا هي أكبر كاميرا تم صناعتها حتى الآن، وتعد هذه القدرة الهائلة هي القوة المحركة لمرصد المسح الشامل الكبير(LSST) أو ما يعرف بمرصد فيرا روبن.
تعد الكاميرا مصدر هائل لإنتاج البيانات بشكل كبير مقارنة بالمرايا ذات قطر 8.4 متر. إذ يحتوي سطحها البؤري على 189 جهاز لاقتران الشحنات لاستكشاف الضوء، ويحتوي كل جهاز منهم على 16 ميجابيكسل. ولكي تتخيل قوة الصور التي يمكن التقاطها بكاميرا كهذه، فإن صورة واحدة من هذه الكاميرا تحتاج لعرضها على شاشة تليفزيون 4K UHD بمساحة 378 بوصة. وبالفعل، فهذه الصور عملاقة للغاية، إذ تغطي كل صورة مساحة من السماء تعادل مساحة 40 قمرًا كاملًا!
يقول الفريق المختص بإدارة الكاميرا أن أجهزة استشعار الصور قوية للغاية لدرجة أنها يمكنها رؤية الأجسام الخافتة للغاية أفضل من التي تراها العين المجردة بمئة مليون مرة. ويستطرد المركز الاعلامي للمرصد قائلًا:
« أننا مع هذا المستوى من الحساسية، يمكننا أن نرى شمعةً مضيئةً من مسافة آلاف الأميال.»
ويقول فينسنت ريوت مدير مشروع الكاميرا:
«سيقوم السطح البؤري للكاميرا بإنتاج الصور لمرصد المسح الشامل، لذلك تعتبر هذه الكاميرا هي العين القوية والحسَّاسة أيضًا لمرصد روبين.»
ويقول ستيفن كان مدير مشروع المرصد:
«يعد هذا الإنجاز هو أحد أهم الإنجازات بالنسبة لمشروع مرصد روبين. فاكتمال إنشاء السطح البؤري لها بهذا الشكل واختباره بنجاح يعد نصرًا لفريق إدارة الكاميرا، والذي سيمكِّن مرصد روبين من أخذ خطوة نحو مستقبٍل جديدٍ من علوم الفضاء.»
ولعشرة أعوام سيقوم المرصد بالتقاط أكثر من 20 تيرابايت من البيانات كل ليلة! مما يعني أنه بنهاية المشروع، سيكون لدينا 60 بيتابايت من البيانات. وهو كم هائل للغاية، لهذا تم تخصيص خطيْن من الألياف الضوئية بسرعة 40 جيجا لنقل البيانات المتحصل عليها إلى مركز حفظها، حيث سيتم هناك معالجتها وتخزينها وإتاحتها للعلماء.
كل هذه الصور المتجمعة والمعالجة ستشكل الهدف النهائي من مرصد روبين وهو إنشاء صور بانورامية واسعة المجال للسماء الجنوبية لمدة عشرة أعوام، ليتم تجميع هذه الصور في شكل فيديو كبير وطويل لسماء الليل. وتعتبر هذه المهمة هي الإضافة الأساسية التي سيضيفها مرصد روبن لعلوم الفضاء، حيث سيكون مرصد المسح الشامل بمثابة قائمة ضخمة تضم أكثر من عشرين مليار مجرة، أي أكثر من عدد سكان البشرية نفسها. كما سيقوم برصد جميع الأجسام التي تسبح في الفضاء كالمذنبات التي تحوم في نظامنا الشمسيِّ، إضافة إلى انفجارات السوبر نوفا التي تجري في الأنحاء البعيدة من كوننا. كل هذا بدوره سيساهم في زيادة معرفتنا بمجرتنا درب التبَّانة، بجانب رصد أفضل لكلٍّ من الكتل والطاقة المظلمة في كوننا.
يتكون نظام الاستشعار في الكاميرا من وحدات تدعى بالطوَّافات، حيث تحتوي كل طوافة على العديد من المستشعرات. وهناك نوعيْن من الطوافات:
- النوع الأول يتضمن 21 طوافة، تحتوي كلٌّ منها على تسع حساسات، وتتلخص وظيفة هذه الفئة من الطوافات في تجميع الصور.
- بينما يتلخص دور النوع الآخر من الطوافات والبالغ عددهم أربع طوافات خاصة يحتوي كلٌّ منهم على ثلاث حساسات على ضبط تركيز الكاميرا ومزامنة حركتها مع دوران الأرض.
ويقول ستيفن ريتز أحد العلماء المشاؤكين في البرنامج من جامعة كاليفورنيا بسانتا كروز:
«بهذه الخصائص الفريدة، سيتمكّن مرصد روبين بنجاح من تحقيق الأهداف العلميَّة الطموحة للبرنامج، وهذه البيانات من شأنها أن تزيدَ من معرفتنا بكيفية تطور المجرات مع مرور الزمن، كما ستتيح لنا الفرصة لاختبار نماذجنا الخاصة بالطاقة المُظلمة والكتلة المظلمة بشكل أعمق وأكثر دقة. سيكون المرصد أداةً رائعةً لمجالات متنوعة من العلوم، بدايةً من الدراسات المفصلة لنظامنا الشمسي وحتى الدراسات الخاصة بالأجسام المتوجهة نحو حافة الكون المرئي.»
استغرق فريق الكاميرا عدة أشهر لتركيب الطوافات على السطح البؤري للكاميرا؛ إذ يحتاج الأمر للكثير من الدقة والانتباه نظرًا لضيق مساحة تركيبهم على السطح، إذ تصل المسافة بين كل طوافتين إلى أقل من سُمك خمس شعرات لإنسان. وإضافة إلى ذلك، تمثل قيمة تلك الطوافات عبئًا أكبر خلال تركيبها، إذ يصل ثمن الواحدة منها إلى حوالي ثلاثة ملايين دولار.
تقول هاننا بوليك مهندسة الميكانيكية بمختبرستانفورد الوطني والتي تعمل ضمن عملية تكامل المستشعرات:
«في ظل تلك الظروف المحيطة من ضيق مساحة العمل وتكلفة الأجهزة الباهظة، كل هذا من شأنه أن يزيد من صعوبات المشروع، إلا أنَّه مع وجود فريق قويّ ومتنوع، تمكننا نسبيًا من إنجاز المهمة.»
كي يتمكن الفريق من تجربة التقاط الصور لأول مرة، تم تبريد المستشعرات إلى درجة حرارة تشغيلها التي تصل إلى 101 درجة سيليزية، وبما أن الكاميرا لم يتم تثبيتها بعد، قام الفريق بعرض الصور المتجمِّعة على سطح بؤري بثقب قطره 150 ميكرون. وتم التقاط صور تجريبية للعديد من الأشكال المختلفة كنبات القرنبيط ولوحة نقش (Flammarion) وصورة لفريق المرصد وصورة أيضًا للعالمة فيرا روبن ذاتها التي تم تسمية المرصد تيمنًا بها.
يقول أرون روودمان من مختبر ستانفورد والمسئول عن تركيبات واختبارات الكاميرات في المرصد:
«يُعد التقاط هذه الصور إنجازا عظيمًا، فمع ضيق الإمكانيات، تمكّننا من تجاوز حدودنا في استغلال كل ميلليمتر من السطح البؤري أقصى مايمكن، وزيادة حجم الاستفادة العلميَّة منه.»
الخطوة التالية هي تركيب الكاميرا بالكامل، حيث يتم تركيب السطح البؤري ونظام التبريد داخل جسم الكاميرا بجانب تركيب عدساتها الثلاثة. إحدى هذه العدسات والتي يبلغ قطرها 1.57 متر يُعتقد أنها أكبر عدسة بصرية تم تصنيعها على الإطلاق. وكل هذا بالإضافة إلى باقي أجزاء الكامير كالـ (shutter) ونظام الفلتر التبادلي. كل هذا سيزيد من حجم الكاميرا لتصبح كحجم سيارة رياضية من الطراز (SUV). وبحلول عام 2021 سيكون قد تم الانتهاء من تركيب الكاميرا وتجهيزها إلى الاختبارات الأخيرة، ومن ثمَّ نقلها إلى شيلي.
تقول الدكتورة جوونا هيويت كبير مسئولي الأبحاث في المعمل الوطني للمعجلات(SLAC):
«من المُثير أن نشهدَ اقتراب انتهاء الكاميرا، ونحن فخورون للغاية لمشاركتنا في تصميم مثل هذا المكون الرئيس من مرصد روبن. فهو بلا شك نقلة نوعيَّة ستقربنا من اكتشاف أهم الأسئلة الوجودية عن الكون، والتي لم يتسن لنا معرفة إجابتها مسبقًا»
إحدى الأشياء التي تجعل مرصد فيرا روبن مُميزًا للغاية هو حقيقة أنه يصور نفس المناطق من السماء مرارًا وتكرارًا في تتابُع سريع. كل هذا النشاط يتم بشكلٍ آليّ إلى حد كبير أيضًا. وهذا يعني أنه سيرصد الأجسام العابرة وسيكون قادرًا على تنبيه المراصد الأخرى لأشياء مثل المستعرات العظمى وغيرها. كما سيسمح ذلك بإطلاق التلسكوبات القوية على الإنترنت في وقت قريب مثل التلسكوب الكبير (ELT) ، واستخدام قوتها والاعتماد عليها بطريقة أسهل من مرصد روبن.
المثير في الأمر أنَّ جميع بيانات هذه الصور الرائعة ستكون في متناولنا. ففي عام 2007 أعلنت جوجل عن مشاركتها في المشروع. وفي حين أنَّ بيانات LSST ستكون متاحة للباحثين في شكل صورتها الخام، تريد جوجل استخدام خبراتهم في البيانات لجعل بيانات LSST أكثر سهولة للجمهور. حيث يأملون في توفير تغطية رقمية لأشياء مثل المستعرات العظمي (Supernova)، والكويكبات، والمجرات البعيدة.
الكلمات الجذَّابة لمرصد فيرا روبين هي واسع وعميق وسريع. وهذا لأنه سيعمل بشكل متكرر على مسح السماء الليلية بمجال رؤية واسع وبعمق عالي الدقة وبسرعة فائقة بصورة لا مثيل لها من قبل.
وفي الحقيقة، فإن أيّ شخص لديه اتصال بالإنترنت سيكون قادرًا على المشاركة في الاكتشافات ورؤية الصور، مما يعني أن مرصد روبن يمكن أن يلهم أجيالًا من علماء الفلك المستقبليين بنفس الطريقة التي قام بها تلسكوب هابل الفضائي.