مرصد كيبلر من المهد إلى اللحد -القريب-

kepler_interrupt_feature-700x432

كيبلر

منذ أقدم القرون، ظل شغف البحث عن الكواكب الصالحة للسكن والكواكب الشبيهة بالأرض يزداد يومًا بعد يوم بشكلٍ كبيرٍ بين الناس، ولقد شغل بال العلماء والمجتمع بسبب الإثارة الشديدة حوله، بالإضافة للاهتمام باكتشاف الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى.

وبالنسبة لتلك الكواكب الخارجية –خارج نطاق مجموعتنا الشمسية- فإنه يوجد منها الآن ثلاثة أنواعٍ والتي تحوي أعدادًا كبيرة منها، وهي:

  • الكواكب الغازية العملاقة
  • الكواكب الجليدية العملاقة
  • الكواكب الصخرية الحارة.[3]

لكن يكمن التحدي الآن في العثور على كواكب أرضية تمتلك حجمًا بمقدار نصف إلى ضعف حجم الأرض، خاصة تلك الموجودة حول النجوم في المناطق الصالحة للسكن، والتي قد يوجد مياه سائلة على سطحها.[3]

وللبحث عن كل ذلك، تم تصميم مهمة (كيبلر) خصيصًا لمسح منطقتنا من مجرة درب التبانة، وذلك لاكتشاف المئات من كواكب كحجم الأرض وأصغر منها في المناطق الصالحة للسكن أو بالقرب منها، وتحديد البعض من مئات المليارات من النجوم والتي قد تحتوي على مثل تلك الكواكب.[3]

مهمة التليسكوب كيبلر

إن الهدف العلمي من مهمة (كيبلر) هو استكشاف بنية وتنوع أنظمة الكواكب، والذي يتحقق من خلال استطلاع عينة كبيرة من النجوم وتحديد عدة أشياء، منها:

  • تحديد نسبة الكواكب الأرضية الموجودة في المناطق الصالحة للسكن أو بالقرب منها لمجموعة كبيرة من النجوم.
  • تحديد خصائص النجوم التي تضم أنظمة كوكبية.
  • تحديد أحجام وأشكال مدارات تلك الكواكب وتوزيعها في الفضاء.
  • تقدير عدد الكواكب الموجودة في أنظمة متعددة النجوم.
  • تحديد الأجسام التي تنتمي لكل كوكب تم اكتشافه.[3]

إطلاق مرصد كيبلر

لكن متى بدأت تلك المهمة في العمل والخروج إلى الفضاء لتعقب تلك الكواكب؟

تم اقتراح مرصد (كيبلر) للمرة الخامسة في عام 2000، وذلك ليؤدي مهمة اكتشاف لكواكب خارج المجموعة الشمسية، والتي أعلنت عنها فئة (#10  Discovery) وهي فئة خاصة بمهمات الاستكشاف. ولقد كان (كيبلر) منافسًا قويًا للغاية، فقد كان واحدًا من ثلاثة مراصد تم اختيارها من إجمالي 26 آخرين بالمنافسة.[5]

وفي ديسمبر من عام 2001 تم أخيًرا اختيار (كيبلر)، والذي بدأ تطوير بعثته في عام 2002 وذلك من خلال وضع أوامر لأجهزته الخاصة بالكشف. ولقد ساعدت العديد من الأحداث على قبول فكرة المهمة خلال السنوات التي سبقت الاختيار، مثل اكتشاف الكواكب خارج المجموعة الشمسية، والنجاح من قبل العديد من المجموعات البحثية على الأرض.

وبمجرد أن أثبتت تقنية السرعة الإشعاعية بشكل مقنع أن العديد من الكواكب الخارجية موجودة، وإدراك (ناسا) بأن التكنولوجيا التي يمكنها العثور على كواكب بحجم الأرض موجودة، فقد تم تمويل تطوير المهمة (كيبلر) على الفور.[5]

وبذلك، تم إطلاق مركبة كيبلر الفضائية على متن الصاروخ (Delta II) في 6 مارس / آذار 2009 من محطة الإطلاق (17-B) من محطة (كيب كانافيرال) للقوات الجوية في (فلوريدا)، في تمام الساعة 7:49 مساءً.[4]

ولقد استمر العد التنازلي بسلاسة طوال اليوم، وكانت توقعات الطقس مثالية للغاية، مما سمح بالخروج في الوقت المناسب ومن المحاولة الأولى.

طريقة كيبلر في الكشف عن الكواكب

تعد طريقة (كيبلر) للبحث عن كوكب خارج المجموعة الشمسية شبيهة لطريقة رؤيتنا لكواكب مجموعتنا من على سطح الأرض. فعند مرور أحد كوكبنا أمام الشمس، تتم رؤيته كنقطة سوداء تزحف عبر الشمس، وذلك لأنه عند مرورها تقوم بحجب أشعة الشمس بشكلها الذي نراه من بعيد كالنقطة، وذلك كالزهرة وعطارد. ويسمى ذلك الحدث بالعبور.

ويتم إيجاد الكواكب الخارجية بمرصد (كيبلر) بنفس الكيفية، وذلك عن طريق البحث عن انحناءات صغيرة في سطوع نجم ما عند عبور الكوكب أمامه.[3]

وبمجرد اكتشافه، يمكن حساب حجم الكوكب المداري –وهي المدة التي يستغرقها الكوكب للدوران حول النجم مرة واحدة- وباستخدام كتلة النجم باستخدام قانون كبلر الثالث للحركة الكوكبية.

وبعد العثور على الحجم المداري، يتم العثور على حجم الكوكب، وذلك عن طريق حجم النجم ودرجة حرارته، بالإضافة إلى عمق العبور –وهو مقدار انخفاض ​​سطوع نجم عند مرور الكوكب أمامه-، ومن خلال كل هذا يمكننا معرفة ما إذا كان الكوكب قابلًا للسكنِ أم لا.[3]

عدد الكواكب المكتشفة بواسطة كيبلر

وبعد رحلة طويلة في الفضاء لمهمة (كيبلر) الأولى -والتي دامت ل4 سنوات- تم اكتشاف 2244 كوكب مرشّح، و 2327 كوكب مؤكد. أما الكواكب التي تمتلك حجمًا أقل من ضعفي حجم الأرض، فقد اكتُشف منها ثلاثون كوكبًا فقط. [6]

مهمة كيبلر الثانية K2

لكن ولأنه لم يعلم بأن فرحته لن تكتمل، فقد أدى عطل شديد في التليسكوب في أواخر أغسطس 2013 إلى سلب قدرته على التركيز على نقطة واحدة في الفضاء دون الانحراف عن المسار. وبالرغم من ذلك، فقد تم اتخاذ الإجراءات اللازمة لإصلاحه، وتم تطوير المهمة بشكل كبير على مدى الأشهر التالية لهذا الخطأ، وأصبحت تمثل المهمة الثانية (لكيبلر K2) مفهومًا جديدًا لعمليات المركبات الفضائية، والتي أصبحت تستطيع إجراء ملاحظات علمية مستمرة باستخدام تليسكوب (كيبلر) الفضائي.

وقد أصبحت (K2) تعمل بكامل طاقتها في مايو 2014 ومن المتوقع أن تستمر في العمل حتى عام 2018. وحتى الآن، قامت مهمة (كيبلر) الثانية باكتشاف 479 كوكبًا مرشحًا، وبالنسبة للكواكب المؤكد عليها، فيبلغ عددها 323. [3]

العثور على أشياء أخرى

وفي أثناء مهمة (كيبلر) الأولى وبالتحديد عام 2012 حدث ما لم يكون متوقعًا، فقد كان عالم الفلك (إد شيا – Ed Shia) يجري أبحاثًا في مكتبه عن بيانات من مرصد (كيبلر)، وذلك عند ملاحظته سطوع شديد وسريع لضوء من مجرة، والذي كان في الواقع أمرًا غير عاديًا في هذا الشأن؛ فذلك «التغير المفاجئ» في الضوء جعل من (شيا) متحمسًا للغاية، ولكن قام بإعطاء النصيب الأكبر للعصبية في المقابل.

ولتفسير ما حدث، يمكن القول بأن ما حدث كان نتيجة انفجار هائل للنجم بكونه مستعر أعظم! أو بأنه خطأ في جهاز الكمبيوتر وهو الأمر الأكثر إثارةً للقلق، فلقد فكر شيا بدلًا من الاحتفال بذلك قائلًا:

لا أعرف ما إذا كان ينبغي أن أصدق ذلك أم لا. هل ارتكبت خطأ؟ بل هل أفعل  كل هذا خطأ؟ [1]

 تُظهر هذه الرسوم المتحركة نوعًا من الانفجار النجمي يُسمى «الانفجار المضيء العابر سريع التطور». ويقوم النجم في تلك الحالة قبل حوالي عام من الانفجار بتجميع قذيفة من الغاز والغبار، ثم تتحول معظم الطاقة من المستعر الأعظم إلى ضوء عندما تضرب هذه المادة التي تم تجميعها سابقًا، مما يؤدي إلى انفجار قصير وساطع جدًا من الإشعاع.[1] 

Credits: NASA/JPL-Caltech

عندما تحدث الانفجارات النجمية، فإنها تقوم بتوزيع المواد التي تشكل العالم الذي نعيش فيه، ولكنها تحمل أيضًا مفاتيحًا عن مدى سرعة توسع الكون، فمن خلال فهم المستعرات العظمى، يمكن للعلماء أن يكشفوا عن الألغاز التي تعتبر المفتاح لما صُنع منه الكون منه بالإضافة إلى مصيره.[1]

لكن للحصول على الصورة الكاملة، يجب على العلماء مراقبة تلك المستعرات من أكثر من منظور، ولا سيما في اللحظات الأولى من انفجارها والذي يعد أمرًا صعبًا للغاية، فلا يوجد أي شيء قد يقول متى أو أين قد ينفجر مستعر أعظم بعد ذلك.[1]

وبالرغم من ذلك، استطاع (كيبلر) -كونه تلسكوب يحدق لفتراتٍ طويلة في نقاطٍ من الفضاء-  التقاط مجموعة كبيرة من الكنوز الكونية الأخرى، خاصة ما يتغير منها أو يبتعد عن الأنظار سريعًا، كالمستعرات العظمى.

قالت (جيسي دوتسون-Jessy Dotson) -عالمة مشروع كيبلر في مركز أبحاث (أميس) التابع لوكالة (ناسا) في كاليفورنيا:

لقد قام تلسكوب (كيبلر) بفتح بابٍ جديد للنظر إلى السماء، فلقد تم تصميمه لفعل شيء واحد بشكل جيد، العثور على كواكب حول النجوم الأخرى، فقد كان عليه أن يقدم بيانات مستمرة وعالية الدقة والذي اعتبُر أمرًا ذو قيمة كبيرة لمجالات الفلك الأخرى.[1]

ولكن لم تلسكوب (كيبلر) بالذات؟ إن التليسكوبات الأخرى تستطيع تقديم الكثير من المعلومات حول النجوم المتفجرة، ولكن فقط خلال فترات قصيرة من الزمن وعند انخفاض الشمس، بالإضافة إلى وجوب أن تكون السماء صافية، ولذلك يعد من الصعب توثيق تأثيرات قبل و بعد الانفجارات كما يفعل (كيبلر).[1]

آخر التحديثات

وفي وقت سابق تلقى فريق (Kepler) التابع (لناسا) مؤشرًا على أن خزان وقود المركبة الفضائية يعمل بشكلٍ منخفض للغاية، وقد وضعتها وكالة (ناسا) في حالة تشبه السبات استعدادًا لتنزيل البيانات العلمية التي تم جمعها في حملتها الأخيرة للمراقبة، والذي يتوقع أن تبدأ كتابة الملاحظات للحملة التالية بمساعدة أي وقود متبقي بمجرد تنزيلها.[2]

ومنذ 12 مايو، كانت (كيبلر) في حملتها الثامنة عشرة للمراقبة محدقةً في بقعةٍ من السماء نحو كوكبة السرطان -والتي كانت تدرسها منذ عام 2015- والتي ستوفر بياناتها للفلكيين فرصة لتأكيد الكواكب المرشحة سابقًا واكتشاف المزيد منها، لكن تمتلك الآن إعادة البيانات إلى الأرض بالوقود المتبقي الأولوية القصوى.[2]

ولإحضار البيانات للوطن، يجب على المركبة الفضائية أن تشير إلى الهوائي الكبير مرة أخرى إلى الأرض وترسل البيانات خلال الوقت المخصص لها، والتي من المقرر أن تبدأ في أوائل أغسطس. أما بالنسبة للمركبة، فستبقى في حالة استقرار ومتوقفة في وضع آمن لا يستخدم الوقود حتى ذلك الحين.

وفي 2 أغسطس 2018، سيتم قيادة المركبة بواسطة الفريق وذلك بتحويلها من حالة السبات إلى الاستيقاظ، ومن ثم بدء مناورة لإرسائها في الاتجاه الصحيح وتنزيل بالبيانات بشكلٍ سليم، وإذا نجح كلًا منهما، سيبدأ الفريق حملة المراقبة التاسعة عشرة في 6 أغسطس مع الوقود المتبقي.[2]

ومن الفترض أن وكالة (ناسا) ستقوم بتقديم تحديث للمعلومات بعد التنزيل المتفق عليه حسب الجدول، وتراقب الوكالة المركبةِ عن كثب بحثا عن علامات انخفاض الوقود أكثر، والذي تتوقع أن ينفد في الاشهر القليلة القادمة.
وبينما يحافظ المهندسون على البيانات الجديدة التي تم تخزينها على المركبة، يستمر العلماء في إزالة البيانات الموجودة بالفعل على الأرض. ومن بين النتائج الأخيرة، تم مؤخراً اكتشاف 24 كوكبًا جديدًا باستخدام بيانات من حملة المراقبة العاشرة، مما سيضيف إلى مكاسب الفضاء المتزايدة 2650 كوكبٍ مؤكد.[2]

إعداد وترجمة: دينا الخطيب
مراجعة: آية غانم
تحرير: زياد الشامي

المصادر:

  1. https://www.nasa.gov/feature/jpl/kepler-beyond-planets-finding-exploding-stars
  2. https://www.nasa.gov/feature/ames/nasa-s-kepler-spacecraft-pauses-science-observations-to-download-science-data
  3. https://www.nasa.gov/mission_pages/kepler/overview/index.html
  4. https://www.nasa.gov/mission_pages/kepler/launch/index.html
  5. https://www.nasa.gov/kepler/overview/historybyborucki
  6. https://www.nasa.gov/kepler/discoveries
شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي