سافرت الدكتورة “كاثلين كوني” حول العالم، بل تحدَّت حاجز الوقت إلى عوالم مصرية قديمة وشاهدت ما خلفت تلك الأزمنة من حفريّات وشواهد على ممارسات دفن مُعقَّدَة واستطاعَت أن تُوَثِّق ما يقرُب من 300 تابوت، بما في ذلك أولئك الموجودين في القاهرة ولندن والفاتيكان.
كانت معرفة كوني الواسعة عن الأسرات “الحادية عشرة، والحادية والعشرين” في مصر القديمة وشغفها الزائد بالسيدات اللاتي حكمن البلاد وقتها في ظل النظام الأبوي، محطَّ اهتمام “ناشيونال جيوغرافيك”.
صَدَر كتاب كوني الأول “المرأة التي ستكون ملكاً” في عام 2014 م. ولأنه لقى نجاحًا باهرًا، طلب الناشرون من كوني التَوَسُّع في المناهِج الدراسية التي تُدرِّسها كأستاذة في الفن والعمارة المصرية بجامعة كاليفورنيا.
أما الكتاب الجديد الذي صدر تحت عنوان “عندما حكمت النساء العالم، ست ملكات مصريات” فهو عالمٌ مليء بالقصص والحكايات الغامضة عن القتل والعلاقات المُحرَّمَة وتدبير المكائد ومَشَاهِد السُلطة السياسية، وهو خليطٌ كافٍ لإرضاء حتى القارئ الأكثر تعقيدًا.
يبدأ الكتاب بعرض ومناقشة تفاصيل بعض التوابيت المميزة، ومن ثم أخذت كوني تُفنِّد الأسباب الأنثروبولوجية حول عدم ثقة المجتمعات بسلطة الإناث الحاكمة. وقبل البدء في الحديث الرئيسي والأكثر تشويقًا: استكشاف حيوات ست حاكمات مصريات. فإنه بطبيعة الحال لا يمكن البدء بغير تلك الفرعونة الأكثر شهرة: كليوباترا.
كليوباترا
إنها المرأة التي أودَت بأرواح أشِقَّائها وشقيقاتها (بمساعدة الأب والحبيب) واستفادت من نشاطها الجنسي في سبيل الحكم. استطاعت كليوباترا في الواقع أن تتخلص من نظام الاحتفاظ بالسلطة الذي استخدمه البطلميون للأجيال: عم يتزوج ابنة أخيه، أخ يتزوج أخته كي يضمن بقاء السلطة في كنف عائلة واحدة لأجيال. تخلَّصت كليوباترا من كل ذلك ودبرت بدهاء لهلاك أخوتها لتنفرد هي بالحكم، وبذلك رسمت نهاية أسرتها. وحاولت إنجاب أطفال من أُمراء الحرب الرومان (يوليوس قيصر وماركوس أنطونيوس) لكن بلا فائدة، فكانت نهاية 300 عام من عهد البطالمة في مصر.
سوبيك نفرو
كانت سوبيك نفرو آخر من حكم من أسرتها.
تقول كوني:
لم يكن لديها أطفال، كانت متزوجة من أخاها غير الشقيق، ويمكن أن تكون هي كذلك نتاج أجيال من العلاقات المحرمة.
يمكن للقارئ أن يتصوَّر الحجم الذي وصلت إليه ممارسة اكتناز الأموال والسلطة من خلال عدم الزواج من خارج العائلة، وعلى الرغم من أن سوبيك نفرو لم تنجب أولادََا، إلا إنها بقيت في الحكم حتى وفاتها.
كان هناك اعتقادٌ في ألوهية الملك، وكانت ابنة ملك.
نفرتيتي
تخبرنا كوني أن اسم “نفرتيتي” يُتَرجم إلى الجميلة التي أتت. وأضافت:
لم تُتَوّج نفرتيتي في منصب الملك إلا حين مات زوجها الملك، أما قبل ذلك أخذت دورها بجانب زوجها كمستشار أو معاون له. غيرت اسمها وتخلت عن أنوثتها وجمالها واعتمدت مظهرًا يوحي أكثر بالذكورة والقوة. لقد انفصلت نفرتيتي بالكامل عن هويتها القديمة.
إن ما يوحِّد تلك القصص الثلاث، والحكايات الأخرى في الكتاب، هو أن هنالك أزمة ما أوقعت سلطة الحكم بين أيديهن، فتدخلن لصد نوع مختلف من الانتهاك.
ترجمة: زهرة المنصوري
مراجعة: عمر بكر
تدقيق: مي محسن