بتاريخ 6 مارس 2021، نشرت الكاتبة جوليا كوليوي (Julia Kollewe) في جريدة الجارديان (The Guardian) مقالًا بعنوان «من فايزر حتى موديرنا: مَنْ الذي سيجني أرباحاً أكثر من اللقاحات؟»؛ تستعرض فيه حجم الأرباح التي حصلت عليها أهمّ شركات الأدوية العالميَّة التي صنعت لقاحات كوفيد 19.
وعلى الرَّغم من مرور أكثر من ستّة أشهر على نشر المقال؛ إلَّا أنَّ أصداء الحقائق الاقتصاديَّة والتَّجاريَّة لحجم الأرباح التي حصلت عليها الشَّركات ما زالت تدوي في العالم، ممَّا جعل المقالة تستحقّ التَّرجمة وإعادة النَّشر.
فأرباح شركات الأدوية التي صنعت اللقاحات في اتِّجاهات مستمرَّة لتحقيق مكاسب أكبر، والمساهمين فيها قد حقَّقوا ثروات كبيرة بالفعل!
يعتبر تَوَصُّل شركات الأدوية العالميَّة للقاحات كوفيد 19 أمراً مُبشِّرًا باتِّجاه العودة للحياة الطَّبيعيَّة، وإنهاء الإجراءات الحمائيَّة التي فُرضَت لحماية الأفراد من مخاطر الجائحة. ولكن على الجانب الآخر من الواقع، نجد أنَّ هذا الإنجاز البشريّ الرَّائع قد ساهم في فرض سوق عالميَّة جديدة لهذه اللقاحات، وعادت على شركات الأدوية بعشرات المليارات من الدولارات من مبيعاتها لهذه اللقاحات؛ إذ باتت تُعتبَر ضرورةً لا بُدَّ منها لعودة الحياة الطَّبيعيّة لجميع الدُّول.
لقاحات متنوعة
أُنتِج أكثر من عشرة أنواع من اللقاحات، وهي: لقاح شركة موديرنا (Moderna) الأمريكيّ، لقاح أسترازينكا (AstraZeneca) لشركة بريطانية سويديَّة، ولقاح فايزر بيونتك (Pfizer-biontech) الألماني الأمريكي، كما أنَّ هناك لقاحان صينيَّان آخران هما سينوفارم (Sinopharm)، وكورونا فاك (CoronaVac)، و 4 لقاحات روسيّة منها سبوتنك ڤي (Sputnik V)، وهناك أيضًا لقاح هنديّ ولقاح آخر كوبيّ، وهي جميعًا لقاحات لفيروس كوفيد 19 ذات الجرعتين؛ بينما أُعِدَّ لقاح جونسون آند جونسون (Johnson & Johnson) كأحد اللقاحات ذوات الجرعة الواحدة.
إلَّا أنَّ درجة الثِّقة في هذه اللقاحات اختلفت باختلاف اعتراف الدُّول بها؛ ممَّا ترتَّب عليه اختلاف مبيعات الشَّركات؛ فمن المُتوقَّع أن تكون شركتا موديرنا وفايزر من بين أكبر الفائزين في الاستحواذ على أكبر الحصص السُّوقيَّة من بيع لقاحات كوفيد 19. فبالرغم من أنَّهما شركتان أمريكيَّتان مختلفتان تمامًا؛ تحصل كلٌّ منهما على ما يزيد عن 30 دولارًا مقابل لقاحهما ذو الجرعتين عن كلِّ فرد. والجدير بالذِّكْر أنَّ هناك فارق زمنيّ كبير في عُمْر كلتا الشَّركتين؛ إذ تأسَّست شركة موديرنا قبل 11 عامًا فقط، ولم تُحقِّق أيَّة أرباح على الإطلاق، ويعمل بها 830 موظَّفًا فقط تمَّ توظيف غالبيَّتهم بعد انتشار الجائحة؛ بينما تُعتبَر شركة فايزر قديمة، يعود تأسيسها للعام 1849، كما أنَّها حقَّقت أرباحًا صافية بقيمة 9.6 مليار دولار في العام الماضي، ويعمل بها 80 ألف موظف.
بينما اتَّجهت شركات الأدوية الأخرى مثل: (أسترازينكا وجونسون آند جونسون الأمريكيَّة)، إلى تقديم لقاحاتهما على أساسٍ غير هادف للرَّبح؛ حتَّى تساعد في إنهاء الجائحة.
ومن هناك ظهرت اتِّجاهات جديدة في السُّوق، يفترض بعضها أنَّ سوق اللقاحات سيبقى مصدرًا للأرباح في المستقبل؛ على أساس أنَّ اللقاحات ستصبح من النَّوع ذو الجرعة الواحدة فقط، وسيكون هناك حاجة إلى الحصول على اللقاح بصورة منتظمة على غرار لقاحات الأنفلونزا السَّنويَّة.
أمَّا البعض الآخر فيفترض أنَّ الجائحة لن تدوم طويلًا، وستنتهي في المستقبل القريب؛ لذلك لا بُدَّ من استغلال هذه الفرصة في الحصول على الأرباح الكبيرة التي أصبحت في متناول اليد.
ومن هنا نلقي الضَّوء على حجم الأرباح التي حصلت عليها شركات الأدوية الدُّوليَّة من بيع لقاحاتها المختلفة منذ بدء الجائحة حتَّى الآن، وحجم ثروات المساهمين التي حقَّقوها بالفعل.
أرباح شركة فايزر- بيونتك
قامت شركة فايزر بالتَّعاون مع بيونتك الألمانيَّة بصناعة لقاح كومينارتي (Cominarty)، وهو يعتمد على الـRNA المرسال المُعاد هندسته ليقوم بإرسال تعليمات وراثيَّة من الحمض النَّووي، والتي بدورها تحفِّز على صنع البروتين في الخليَّة، ويتميَّز هذا اللقاح بأنَّ شروط تخزينه تتمُّ في درجات حرارة منخفضة للغاية (- 70) درجة مئوية.
وطلبت الحكومات نحو 780 مليون جرعة منذ بدء الجائحة، خُصِّص منها 200 مليون جرعة دُفع مقابلها مبلغ 3.9 مليار دولار للولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، و300 مليون جرعة للاتِّحاد الأوروبِّي، كما خُصِّصت 40 مليون جرعة للدُّول ذات الدَّخل المنخفض تُرسل على شكل معونات طبِّيَّة عبر مؤسسة كوڤاكس (Covax)، كما بلغت تكلفة الجرعتين في الولايات المتحدة 39 دولارًا، ونحو 30 دولارًا في الاتِّحاد الأوروبِّي.
وتتوقَّع شركة فايزر التي تقتسم التَّكاليف والأرباح بالتَّساوي مع شركة بيونتك، أن تصل مبيعاتها إلى 15 مليار دولار في عام 2021؛ وذلك بناءً على الصَّفقات الحالية التي عقدتها. كما يمكن أن يكون الرَّقم النِّهائي أعلى بمرَّتين، حيث أعلنت شركة فايزر إنَّها قد تُقدِّم ملياريّ جرعة هذا العام. فيما يتوقَّع كارتر جولد (Karter Gold) -المحلِّل الاقتصادي في باركليز (Bercailes)- أن تصل مبيعات الشَّركة إلى 21.5 مليار دولار في نهاية عام 2021، و8.6 مليار دولار في العام المقبل، و1.95 مليار دولار في عام 2023.
أرباح شركة موديرنا
لقاح موديرنا هو لقاح تنتجه شركة التكنولوجيا الحيويَّة الأمريكية موديرنا، والذي يتطلب التَّخزين في درجة حرارة منخفضة تبلغ (- 20) درجة مئوية. قامت المملكة المتحدة بطلب 17 مليون جرعة منه، واشترى الاتحاد الأوروبي 310 مليون هذا العام، مع عقد صفقة مستقبليّة قيمتها 150 مليون جرعة للعام 2022، كما طلبت أيضًا حكومة الولايات المتحدة 300 مليون جرعة، واشترت اليابان 50 مليون جرعة. وتبيع الشركة اللقاح بقيمة 30 دولارًا مقابل الجرعتين في الولايات المتحدة، و6 دولارات في الاتحاد الأوروبي.
كما أعلنت شركة موديرنا إنَّها تتوقَّع أن تصل قيمة مبيعاتها في 2021 إلى 18.4 مليار دولار. وتتوقَّع مُحلِّلة باركليز -جينا وانج (Geena Owang)- أن تصل مبيعات الشركة إلى 19.6 مليار دولار في نهاية العام الحالي، و12.2 مليار دولار في عام 2022، و11.4 مليار دولار في عام 2023.
أرباح شركة جونسون آند جونسون
طوَّرت شركة جونسون آند جونسون لقاحها ليكون أوَّل لقاح من جرعة واحدة في العالم. وهو يعتمد على استخدام لقاح الفيروس الغدِّيّ، ويُحفَظ في التَّبريد بدرجة حرارة قدرها (- 26) درجة مئوية، ويمكن تخزينه في درجات حرارة الثَّلاجة القياسيَّة لمدّة ثلاثة أشهر على الأقل.
تمَّت الموافقة عليه في الولايات المتحدة في أواخر فبراير، وقد بلغت قيمة مشتريات حكومات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة -حتَّى الآن- حوالي 30 مليون جرعة، بالإضافة إلى عقد صفقة مستقبلية بقيمة 22 مليونًا في العام 2022، كما بلغت قيمة الطَّلب عليه من الاتحاد الأوروبي 400 مليون جرعة.
لا تهدف هذه الشَّركة إلى تحقيق الرَّبح من مبيعات اللقاح؛ إذ أنَّ سعر بيع الجرعة هو 10 دولارات فقط، كما وتهدف الشركة إلى تقديم ما لا يقلّ عن مليار جرعة هذا العام، والتي من شأنها أن تدرّ عليها 10 مليارات دولار.
أرباح لقاح استرازينكا
طُوِّر هذا اللقاح بالتَّعاون مع جامعة أكسفورد، وتقوم فكرته على استخدام ناقلات الفيروس التي تحمل فيروس غير ضار، حيث يقوم بإيصال مُحفِّز ينتقل إلى الشِّيفرة الجينيَّة في الخلايا لإنتاج أجسام مضادَّة ضد الفيروس، ويمكن حفظ اللقاح في درجة حرارة الثَّلاجة. وبلغت قيمة الطلب على اللقاح حتى الآن 100 مليون جرعة للمملكة المتحدة، و400 مليون جرعة للاتحاد الأوروبي، 300 مليون جرعة للولايات المتحدة واليابان، بقيمة 120 مليون جنيه إسترليني.
وتعهَّدت الشركة أن تقوم بتزويد اللقاح على أساس غير هادف للرَّبح، وتتقاضى من 4.30 إلى 10 دولارات مقابل الجرعتين. وحسب توقُّعات المحلِّلين في أس في بي ليرنك (SVB Leernik)، فيُتَوقَّع أن تبلغ أرباح هذا اللقاح 1.9مليار دولار هذا العام، و3 مليارات دولار في العام 2022. وقد يكون العائد الفعليّ للقاح في نهاية العام 2021 أعلى بكثير؛ إذا حقَّقت أسترازينكا هدفها في إنتاج 3 مليارات جرعة.
أرباح اللقاحات الصينية
مُنِحَت اللقاحات الصينيَّة (سينوفام وكورونا ڤاك) التَّرخيص منذ الصيف الماضي، وذلك للاستخدام في حالات الطَّوارئ في العديد من المدن الصينية. وهو يعتمد على حقن فيروس كورونا المُعطَّل في الجسم؛ لتحفيز مناعة الجسم ضدَّه .
كما وأبرمت شركة سينوفاك -التي يقع مقرُّها في بكِّين- صفقات عديدة مع البرازيل، وتشيلي، وسنغافورة، وماليزيا، والفلبين، وتركيا، وإندونيسيا، بالإضافة إلى تزويد دول كوڤاكس بـ 10 ملايين جرعة مجانيَّة.
تتوقَّع الصِّين أن تنتج أكثر من مليار جرعة هذا العام، وقد تمَّ تسعير اللقاح بـ 60 دولارًا مقابل الجرعتين، ويتوقَّع الشَّريك الإندونيسي لشركة سينوفاك -والتي طلبت 40 مليون جرعة- أنَّها ستدفع 27.20 دولارًا مقابل جرعتين ستنتجها محليًَّا. أمّا بخصوص الأرباح الفعليَّة التي حصلت عليها الشركة؛ فهي غير معروفة بدقَّة حتَّى الآن.
اللقاح الروسي
على الرغم من أنَّ اللقاح الروسي لم تتمَّ الموافقة عليه من قبل الاتحاد الأوروبي حتَّى الآن؛ إلَّا أنَّ كُلَّاً من المجر وسلوڤاكيا قد قامت بشراء اللقاح الروسي سبوتنك ڤي، كما أنَّ هناك طلب كبير عليه من أكثر من 50 دولة، منها: إيران، والجزائر، والمكسيك.
يقول القائمون في المعهد المسؤول عن تطوير اللقاح الروسي إنَّهم سيتقاضون 20 دولارًا أو أقلّ، مقابل الجرعتين في السوق العالميّ؛ إلَّا أنَّهم يقدِّمون هذا اللقاح مجَّاناً في روسيا. أمَّا حجم الأرباح من المبيعات الفعليَّة منه فهو غير مُعلَن.
بالإضافة إلى ذلك، هناك مجموعة أخرى من اللقاحات، منها لقاح نوڤاكس (Novax)، وهو لقاح هجين من اللقاح الروسي تنتجه شركة أمريكيَّة، وافقت على توفير 300 مليون جرعة منه حتى الآن، ويُتوَقَّع أن تصل مبيعاته في عام 2021 إلى عدَّة مليارات من الدولارات.
وهناك أيضًا لقاح شركة كيورڤاك (CureVac)، و الذي يتميَّز عن بقيَّة اللقاحات السَّابقة بإمكانيَّة تخزينه في درجة حرارة الثَّلاجة. يُتوَقَّع أن يُنتَج 300 مليون جرعة هذا العام، و600 مليون إلى مليار جرعة في عام 2022. وتقول شركة كيورفاك إنَّ لديها مزايا تنافسية في إنتاج لقاحها، لكنَّها تُصِرُّ على أنَّها لا تستطيع التَّسعير بسعر التَّكلفة؛ لأنَّ لديها مستثمرين يتوقَّعون الحصول على أرباح.
وفي النِّهاية، على الرَّغم من تنوُّع وتعدُّد اللقاحات التي أنتجتها شركات الأدوية العالميَّة، و رغم اختلاف أسعارها والكميَّات المطلوبة منها؛ إلَّا أنَّ جميع الشَّركات حصلت على أرباح كبيرة أكثر من توقُّعاتها، ومن الممكن أن ترتفع أرباحها أكثر في المستقبل. وبذلك يكون سوق الأدوية العالميّة -وخاصَّةً سوق لقاح كوفيد 19- سوقًا واعدًا لصناعة مُربِحة في المستقبل.