«سعيد يا حضرات المحلفين إنسان نبيل استوعب حضارة الغرب، لكنها حطمت قلبه، هاتان الفتاتان لم يقتلهما مصطفى سعيد، ولكن قتلهما جرثوم مرض عضال أصابهما منذ ألف عام»(١)
ترسم رواية الكاتب السوداني (الطيب صالح) «موسم الهجرة إلى الشمال» (١٩٦٦) ملامح الآثار النفسية والثقافية التي خلفها الاحتلال على (السودان) وشعبه في حقبة ما بعد الاستعمار، التي أدت في النهاية إلى تدمير كلٍّ من المُستعمِر والمُستعمَر.
يلتقي القارئ بشخصية (مصطفى سعيد)، بطل الرواية، فيراه رمزًا (للسودان) الحديث، بكل ما يستشري فيه من آثار سلبية لحقبة ما بعد الاستعمار على كلٍّ مِن المُستعمَر والمُستعمِر؛ حيث يُضحِي المُستعمِر نفسه ضحية لسياساته وأيديولوجياته الإمبريالية.
في بداية الرواية نرى (مصطفى سعيد) رجل خمسيني أسود وسيم وراقي، تلقَّى تعليمًا أوروبيًّا، واشتغل بمنصبٍ مرموق كأكاديمي في جامعة (لندن) بالعاصمة البريطانية. لكن مع توالي أحداث الرواية تتكشف الحقيقة وراء تلك الشخصية؛ فمثله مثل المُستعمِر، يسافر (مصطفى) إلى أرضٍ بعيدة، مُستَغلًّا الصورة الزائفة التي قدمها الغرب الاستشراقي نفسه عن الشرق أوسطي ككائن غريب ومثير، ومن ثم يقوم بإغراء العديد من النساء البيض و«إخضاعهن،» قبل أن ينتهي به المطاف بقتل واحدة ودفع ثلاث أخريات للانتحار.
خرافة الاستشراق
شهدت الثقافة الأوروبية في القرنين الثامن والتاسع عشر انتشارًا ملحوظًا للتوجهات الاستشراقية في الفن والأدب. فرسمت أعمال أمثال (جان-جوزيف بينجامين-كونستانت) (بالفرنسية: Jean-Joseph Benjamin-Constant)، و(جان-ليون جيروم) (بالفرنسية: Jean-Léon Gérôme)، و(جان-أوجاست دومينيك-أونجري) (بالفرنسية: Jean-Auguste-Dominique Ingres)، و(جون فردريك لويس) (بالإنجليزية: John Frederick Lewis) على الساحة الفنية من جهة، و(جورج غوردون بايرون) (بالإنجليزية: George Gordon Byron)، و(جوستاف فلوبير) (بالفرنسية: Gustave Flaubert) على الساحة الأدبية من جهة أخرى، صورة للشرق كمكان غير متحضر، وبربري، ومثير بشكل حسي وجنسي، مؤسسةً بهذا رؤية دونية للشرق بناءً على أحكام مسبقة مغلوطة.
نبع هذا التوجه الجديد من الاعتقاد بأن الرقي والعظمة لن يميزوا الغرب -أو (الأنا) المتمثلة في العين الغربية- إلا بخلق نقيض لعقد المقارنات بينهما، حتى لو كان هذا النقيض ما هو إلا صورة مشوهة لماهيته الحقيقية. ومن ثم تم خلق (الآخر) الهمجي البربري، المتمثل بالطبع في الشرق المُستعمَر. يقول (جيرارد ديلانتي) (بالإنجليزية: Gerard Delanty) -وهو عالم اجتماع بريطاني وأستاذ علم الاجتماع والفكر الاجتماعي والسياسي بجامعة (ساسيكس) البريطانية- في كتابه «اختراع أوروبا: الفكرة، والهوية، والواقع» (بالإنجليزية: Inventing Europe: Idea, Identity, Reality):
«تجري معركةُ الشرعنة على مستوى الواقع المُتَخَيَّل؛ وما الواقع المُتخيل إلا خرافة فلسفية حداثية في نهاية المطاف، فيتم على هذا (المستوى المتجاوز) إرساء المعايير الأخلاقية الكلية في ظل صورة الآخر المُتخيل»(٢).
حتى يتسنى للغرب تجميل، وتمويه، ومن ثم شرعنة سياساته الإمبريالية، يلجأ لنسج ما يسميه (جان فرانسوا ليوتار) (بالفرنسية: Jean-Francois Lyotard) في كتابه «الوضع مابعد الحداثي: تقرير عن المعرفة» (١٩٧٩) (بالإنجليزية: The Postmodern Condition: A Report on Knowledge، مترجم عن الفرنسية: La Condition Postmoderne: Rapport sur le Savoir) (معايير متجاوزة)، و(سردية كبرى) من (الشرعية المتجاوزة) -أي (عبء الرجل الأبيض). فتظهر (أوروبا) مثالًا للتحضر، بعكس الشرق المتخلف الغارق في الحريم والعبيد، فيأخذ الرجل الأبيض بدافع الإحسان على عاتقه عبئًا نبيلًا وهو (تحضير) الشرق عن طريق التدخل(٣). فيكتب (الطيب صالح)، على لسان (مصطفى سعيد)، عن أن مجيء الاستعمار «لم يكن مأساةً كما نُصوِّر نحن، ولا نعمة كما يصورون هم. كان عملًا ميلودراميًا سيتحول مع مرور الزمن إلى خرافة عظمى»(٤).
من ثم صور الفن الأوروبي الشرق على أنه عذراء لم يلمسها أحد، تستلقي منتظرةً (فتوحات الرجل) -أي فتوحات الرجل الأبيض بالطبع كما هو جلي- واعدةً إياه بكل أشكال اللذة الحسية. نرى مثل هذا التشييء في الكثير من الأعمال الفنية الغربية، كما في «جارية في جناح الحريم» (١٨٨٠) (بالإنجليزية: An Odalisque in a Harem) لـ(جان-جوزيف بينجامين-كونستانت)(٥)، و«الحمام الكبير في مدينة بورسا» (١٨٨٥) (بالفرنسية: La Grande Piscine de Brousse) لـ(جان-ليون جيروم)(٦)، و«الحمام التركي» (١٨٦٢) (بالفرنسية: Le Bain Turc) لـ(جان-أوجاست دومينيك-أونجري)(٧). وبينما نُسِخَت تلك اللوحات ووُزِّعَت، تم تقديم صورة للغرب على النقيض تمامًا من نظيراتها عن للشرق، كما نرى في لوحة «الوطن الأم» (١٨٨٣) (بالإنجليزية: The Motherland) لـ(ويليام-أدولف بوغيرو) (بالإنجليزية: William-Adolphe Bouguereau)(٨). على الرغم من تصوير الغرب كامرأة أيضًا في «الوطن الأم،» إلا أنها ليست بمحظية في جناح الحريم، ولكنها أم بيضاء حازمة، تجلس مرتسمة على وجهها نظرة مليئة بالقوة والتحدي، ولا يحتل جسدها منتصف اللوحة وحسب بل ويهيمن على معظمها، بينما تقوم بإرضاع العديد من الأطفال من مختلف الأعراق والأجناس، ومن ثم يمكن القول بأنهم يمثلون التابعين للغرب، أي مستعمراته. فيضيف هذا صفة التبعية على الصفات المرتبطة بوصف الشرق المتخلف غير المتحضر. يقول (بيل آشكروفت) (بالإنجليزية: Bill Ashcroft) -أستاذ متفرغ في جامعة (ساوث وايلز) الأسترالية وأحد مؤسسي نظرية مابعد الاستعمار- في كتابه «الرد بالكتابة: النظرية والتطبيق في آداب المستعمرات القديمة» (بالإنجليزية: The Empire Writes Back: Theory and Practice in Post-colonial Literatures) أن الشرق يظهر نتيجةً لتلك المقاربة على أنه مجرد «فرع من (الشجرة الأم)» وهو مجاز ينزع عن الشرق حقه في الاستقلال بوجوده، باعتباره فرع من الشجرة الأم، أي الغرب، من ناحية، ونسب صفات مثل «العمر، والخبرة، والجذور، والتراث، والسلطة [والكلمة] الأولى والأخيرة» للغرب من ناحيةٍ أخرى(٩).
«نعم يا سادتي، إنني جئتكم غازيًا في عقر داركم. قطرة من السم الذي حقنتم به شرايين التاريخ. أنا لست عطيلًا. عطيل كان أكذوبة»(١٠)
أوروبا في مواجهة سياساتها الاستعمارية
على الرغم من هذا، يرسم (الطيب صالح) في «موسم الهجرة إلى الشمال» صورة للغرب تحمل في طياتها الكثير مما تتصف به لوحة «موت ساردانابلوس» (١٨٢٧) (بالفرنسية: La Mort de Sardanapale) لـ(فرديناند فيكتور أوجين ديلاكروا) (بالفرنسية: Eugene Delacroix)(١١)، كما نرى في شخصيات (آن هَمُند)، و(شيلا غرينود)، و(إيزابيلا سيمور)، و(جين موريس) في الرواية، مقدمًا بذلك تصورًا لأوروبا كضحية لسياساتها الإمبريالية ووجهة نظرها الاستشراقية حيال الشرق.
وُلِدَ (مصطفى سعيد) في (سودانِ) مابعد الاستعمار، (سودانٍ) شهد ويلات حروب ونزاعات، فأضحى (مصطفى) نتيجة وحشية لعصره الذي لم يشهد فيه في طفولته سوى القتل والدم. فيصيبه «جرثوم مرض عضال»(١٢)، وهو فكرة أدبية (موتيف) كثيرًا ما تتكرر في الرواية -والمقصود به هو مرض الرأسمالية، والإمبريالية، والعنف. يولد (مصطفى) في (سودانٍ) خاضع تحت حكم الانتداب البريطاني، حيث لا يحتل المناصب العليا فيه إلا المستعمر الغربي أو من تم تشكيلهم ليصبحوا نسخة من المستعمِر وتعلموا «كيف [يقولون] (نعم) بلغتهم»(١٣).
يفصح (الطيب صالح) عن الحقيقة وراء المشروع الاستعماري في فقرة محورية يضعها على لسان شخصية مأمور سوداني متقاعد:
«ألم تستقل البلد الآن؟ ألم نصبح أحرارًا في بلادنا؟ تأكد أنهم احتضنوا أرذال الناس. أرذال الناس هم الذين تبوأوا المراكز الضخمة أيام الإنكليز»(١٤) [كـ].
يحرص المشروع الإمبريالي على ضمان أن حتى بعد أن تسترد دولة محتلة استقلالها السياسي، ستظل أسيرة تلاعب وتحكم المستعمِر الذي يتحكم في حكومتها التابعة.
يتمكن (مصطفى) من السفر إلى (أوروبا)، عاصمة الإمبريالية، بعد توصية من رئيس مدرسته الإنجليزي في (السودان). يبذل (مصطفى) قصارى جهده في تحصيل أكبر كم ممكن من المعرفة، ويشغل منصب مرموق كمحاضر في علم الاقتصاد في جامعة (لندن) عند بلوغه الرابعة والعشرين، وينغمس في إشباع رغباته الجنسية عبر «فتوحاته» للعديد من النساء الأوروبيات قبل أن يهجرهن من قبيل الانتقام بعد أن يسلبهن من عذريتهن المكنونة، فيرد هذا كفعل يوازي القمع الذي يقوم به الرجل الأبيض في الشرق: «إنني جئتكم غازيًا»(١٥).
كانت وجهة النظر المغلوطة التي خلقتها الرؤى الاستشراقية الغربية نفسها حيال الشرق هي السبب وراء رغبة هؤلاء النسوة في (الآخر) الغامض والمثير، وكانت هي أيضًا السبب الذي مكن (مصطفى) من سحرهن وتدميرهن. كانت (إيزابيلا سيمور) واحدة منهن:
رويت لها حكايات ملفقة عن صحاري ذهبية الرمال، وأدغال فيها حيوانات لا وجود لها. قلت لها أن شوارع عاصمة بلادي تعج بالأفيال والأسود، وتزحف عليها التماسيح عند القيلولة. وكانت تستمع إلي بين مصدقة ومكذبة. تضحك، وتغمض عينيها، وتحمر وجنتاها. وأحيانًا تصغي في صمت، وفي عينيها عطف مسيحي. وجاءت لحظة أحسست فيها أنني انقلبت في نظرها مخلوقًا بدائيًا عاريًا، يمسك بيده رمحًا، وبالأخرى نشابًا، يصيد الفيلة والأسود في الأدغال. هذا حسن، لقد تحول حب الاستطلاع إلى مرح، وتحول المرح إلى عطف، وحين أحرك البركة الساكنة في الأعماق، سيستحيل العطف إلى رغبة أعزف على أوتارها المشدودة كما يحلو لي. وسألتني: «ما جنسك؟ هل أنت أفريقي أم آسيوي؟»
قلت لها: «أنا مثل عطيل. عربي أفريقي»(١٦)
ينجح (مصطفى) في انتهاج نفس المدخل مع (إيزابيلا سيمور) و(آن هَمُند)، فنرى في شخصية الأخيرة خاصةً توق للشرق، لبلاد بدائية مثيرة وواحات عذراء لم تمسسها يد إنسان. فيقول (مصطفى):
«كنت في عينيها رمزًا لكل هذا الحنين. وأنا الجنوبي يحن إلى الشمال والصقيع. آن همند قضت طفولتها في مدرسة راهبات. عمتها زوجة نائب في البرلمان. حولتها في فراشي إلى عاهرة»(١٧).
من ناحية كان هو (الهمجي النبيل) ورمز للشرق والمثير الغريب في عينيها، ومن ناحية أخرى كن هن رمز لـ(لندن) و(أوروبا) في عينيه هو. وعلى الرغم من ذلك فهو يعلم أن (الشرق) ما هو إلا خرافة، فيقول: «أنا لست عطيلًا. عطيل كان أكذوبة.»(١٨)، فكانت أحكامهن المسبقة الاستشراقية نقطة ضعفهن.
مع ذلك، جاءت شخصية (جين موريس) المتحدية المتكبرة غير الراغبة رمزًا لمشروع الإمبراطورية البريطانية الاستعماري، فلم يعتريها الافتتان الطفولي بغموض الشرق وإثارته الذي اعترى الأخريات. على عكسهن، لم تستسلم (جين) لمحاولات (مصطفى) على الفور، وكانت متكبرة متمنعة. حتى بعدما سمحت له بالزواج منها بعد مطاردة دامت ثلاث سنوات، لم تكن تلبي رغباته واحتياجاته ببساطة:
«تزوجتها. غرفة نومي صارت ساحة حرب. فراشي كان قطعة من الجحيم. أمسكها كأنني أمسك سحابًا، وتفتأ تلك الابتسامة المريرة على فمها. أقضي الليل ساهرًا، أخوض المعركة بالقوس والسيف والرمح والنشاب، وفي الصباح أرى الابتسامة ما فتئت على حالها، فأعلم أنني خسرت الحرب مرة أخرى»(١٩).
لذلك، عندما تستسلم لـ(مصطفى) أخيرًا في أوج يأسها بلين غير معهود، يطعنها في القلب بخنجر فيما يشبه الانتشاء. تقول (سمر العطار) -كاتبة وروائية سورية اشتغلت بعدة مناصب أكاديمية في العديد من الجامعات الأمريكية من بينها جامعة (هارفرد)- في كتابها «الكشف عن أساطير الاستعمار: العرب وأوروبا» (بالإنجليزية: Debunking the Myths of Colonization: The Arabs and Europe):
«لابد أن (جين موريس) في عقله المريض كانت تمثل (إنجلترا) التي أحبها وكرهها في نفس الوقت. فقد كانت شخصية عنيفة، ومحتالة، وكاذبة، ولكنها كانت أيضًا امرأة مرغوبة»(٢٠).
فتتمثل علاقة الحب والكراهية التي ترغب في المستعمِر وتبغضه في نفس الوقت في مشاعر (مصطفى) المختلطة من شوق، وخيبة، وإذلال، وحزن نحو شخص (جين).
المستعمِر والمستعمَر: علاقة حب وكراهية
تتجذر علاقة الحب والكراهية التي تربط المستعمَر بالمستعمِر في الطبيعة المتناقضة للواقع والصورة، أو الواقع المشوه. حينما قال رئيس المدرسة السودانية البريطاني أن على (مصطفى) صغير السن الذهاب للبحث عن المعرفة في الغرب:
«هذه البلاد لا تتسع لذهنك، فسافر. اذهب إلى مصر أو لبنان أو إنكلترا. ليس لدينا شيء نعطيك إياه بعد الآن»(٢١)
لم يقل هذا بدافع طيبة قلبه، بل كشكل من أشكال تنفيذ سياسة المستعمِر الإمبريالية. فيقول (ريتشارد)، أحد شخصيات الرواية وهو موظف إنجليزي يعمل في الوزارة الفرنسية في (الخرطوم):
«كان كما يبدو واجهة يعرضها أفراد الطبقة الأرستقراطية الذين كانوا في العشرينيات وأوائل الثلاثينيات يتظاهرون بالتحرر، كأنهم أرادوا أن يقولوا: انظروا كم نحن متسامحون ومتحررون! هذا الرجل الأفريقي كأنه واحد منا!»(٢٢).
إلى جانب هذا، نجح المستعمِر في استغلال الطبقة الحاكمة والتلاعب بها بطريقة تنشر وسط السكان الأصليين للبلد مشاعر الاحتقار لأبناء وطنهم والعرفان للمستعمِر من ناحية، بينما يبرز تخلف المستعمَرين نقيضهم المستعمِر، (الآخر) الليبرالي المتحرر الخيِّر من ناحية أخرى:
«كانوا يتصرفون كالآلهة. يسخروننا نحن الموظفين الصغار أولاد البلد لجلب العوائد، ويتذمر الناس منا ويشكون إلى المفتش الإنكليزي. وكان المفتش الإنكليزي طبعًا هو الذي يغفر ويرحم. هكذا غرسوا في قلوب الناس بغضنا، نحن أبناء البلد، وحبهم هم المستعمرون الدخلاء»(٢٣).
ومن ثم نرى لقاء (مصطفى) الأول بـ(مدام روبنسون) البريطانية في (القاهرة) -والتي ستضحي هي وزوجها بمثابة أم وأب لـ(مصطفى) لاحقًا بعد استقراره في (إنجلترا)- وكيف اعترته رغبة جامحة وغامضة نحوها على الرغم من كونه مجرد ولد في الثانية عشر من العمر حينها. ويمكن النظر إلى تلك الرغبة -بالطبع- على أنها جزء من وصوله إلى سن البلوغ من ناحية، ومن ناحية أخرى على أنها فضول نحو (الآخر) المجهول والغامض -أي (الآخر) غير السوداني، وربما بعض من الإحساس بالعرفان نحو المستعمِر، الذي جلب معه التحضر والرقي.
الخاتمة
بذلك، تصبح (أوروبا) بدورها -وهي الهوية التي بنيت على أساس صورة مشوهة ومتحيزة ضد الآخر- صورة متناقضة وغير متسقة مع ذاتها في رواية الطيب صالح «موسم الهجرة إلى الشمال». فترتسم في رمز الأم الخيرة، (مدام روبنسون) التي يتسع صدرها لـ(مصطفى) في صغره، و(الآخر) الغامض الممزوج بالشهوة المتمثل في عينيها الخضراوين ورائحة جسدها، كما تتمثل في (الآخر) المستعمِر، عدو وَجَبَ الانتقام منه لرد اعتبار (الأنا)، كما نرى في شخصيات (آن هَمُند)، و(شيلا غرينود)، و(إيزابيلا سيمور)، و(جين موريس)، الذي رسم (الطيب صالح) من خلالهن صورة لـ(أوروبا) أضحت هي الأخرى ضحيةً لسياساتها الإمبريالية ووجهة نظرها الاستشراقية حيال الشرق.
(١) صالح، الطيب. موسم الهجرة إلى الشمال. الطبعة الثالثة عشر. بيروت: دار العودة، ١٩٨١. ٣٦ – ٣٧.
(٢) .86 .Delanty, Gerard. Inventing Europe: Idea, Identity, Reality. London: Macmillan Palgrave, 1995
(٣) Lyotard, Jean-François. The Postmodern Condition: A Report on Knowledge. Minnesota: University of Minnesota Press, 1984. Trans. Geoff Bennington and Brian Massumi. La Condition Postmoderne: Rapport sur le Savoir. Paris: Les Éditions de Minuit, 1979.
(٤) صالح، الطيب. موسم الهجرة إلى الشمال. الطبعة الثالثة عشر. بيروت: دار العودة، ١٩٨١. ٦٣.
(٥) Benjamin-Constant, Jean-Joseph. An Odalisque in a Harem. 1880. Oil on canvas. Private Collection. Wikimedia Commons. Wikimedia Foundation, Inc., 30 June 2012. Web. 14 Dec. 2012.
(٦) Gérôme, Jean-Léon. La Grande Piscine de Brousse. 1885. Oil on canvas. Private Collection. Wikimedia Commons. Wikimedia Foundation, Inc., 11 Nov. 2010. Web. 4 Dec. 2012.
(٧) Dominique-Ingres, Jean-Auguste. Le Bain Turc. 1862. Oil on canvas. Louvre Museum, Paris. Wikimedia Commons. Wikimedia Foundation, Inc., 9 June 2011. Web. 4 Dec. 2012.
(٨) Bouguereau, William-Adolphe. The Motherland. 1883. Oil on canvas. Private Collection. Wikimedia Commons. Wikimedia Foundation, Inc., 19 Marsh 2005. Web. 4 Dec. 2012.
(٩) Ashcroft, Bill et al. The Empire Writes Back: Theory and Practice in Post-colonial Literatures. 2nd ed. London and New York: Routledge, 2004. 15.
(١٠) صالح، الطيب. موسم الهجرة إلى الشمال. الطبعة الثالثة عشر. بيروت: دار العودة، ١٩٨١. ٣٦ – ٣٧.
(١١) Delacroix, Eugene. La Mort de Sardanapale. 1827. Oil on canvas. Louvre Museum, Paris. Wikimedia Commons. Wikimedia Foundation, Inc., 12 Feb. 2012. Web. 4 Dec. 2012.
(١٢) صالح، الطيب. موسم الهجرة إلى الشمال. الطبعة الثالثة عشر. بيروت: دار العودة، ١٩٨١. ٩٨.
(١٣) —. ٥٧.
(١٤) —. ٩٨.
(١٥) —. ٦٣.
(١٦) —. ٤١ – ٤٢.
(١٧) —. ٤٣.
(١٨) —. ٩٨.
(١٩) —. ٤١ – ٤٢.
(٢٠) Attar, Samar. Debunking the Myths of Colonization: The Arabs and Europe. New York: University Press of America, 2010. 138.
(٢١) صالح، الطيب. موسم الهجرة إلى الشمال. الطبعة الثالثة عشر. بيروت: دار العودة، ١٩٨١. ٢٦.
(٢٢) —. ٦٢.
(٢٣) —. ٥٧.
2 Responses
الموضوع ممتاز
استمتعت جداً! مقال رائع، تحياتي.