في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي كان علم الفيزياء قد تطور تطورًا عظيمًا من الناحية النظرية. فمن جهة، كانت هناك قوانين نيوتن في علم الميكانيكا والتي مكنتنا من تفسير حركة الأجسام ووصفها، ومن جهةٍ أخرى كانت هناك معادلات ماكسويل التي تمثل أساس الكهرباء والمغناطيسية. كان العلماء في ذلك الحين على قناعة تامة بأنهم توصلوا إلى تفسير كل شيء، وأن منطق نيوتن من حيث الحركة ومنطق ماكسويل من حيث الشحنات هو المنطق المناسب لفهم كل ما يدور وكل ما يحدث من ظواهر فيما يُعرف بالفيزياء الكلاسيكية. سرعان ما تبدَّل الأمر حين ظهرت العديد من الظواهر عجزت الكلاسيكية عن تفسيرها لتعلن عن ميلاد الفيزياء الحديثة والتي غيرت نظرتنا تجاه الكثير من الظواهر.
١- إشعاع الجسم الأسود
عند سقوط أشعة على سطح جسمٍ ما، فإنه يحدث أمران لا ثالث لهما: إما أن تنعكس هذه الأشعة الساقطة على سطح الجسم، أو يمتصها الجسم فتزداد طاقته، ويختلف مقدار الطاقة الممتص والمنعكس من الجسم تبعًا لطبيعة الجسم.
الجسم الأسود هو الجسم الذي يمتص كل الطاقة الإشعاعية الساقطة عليه، ثم يعيد إشعاعها مرة أخرى بصورة مثالية، لذلك فهو باعث مثالي.
في حقيقة الأمر لا يوجد جسم أسود في واقعنا يمتص كل الطاقة الإشعاعية الساقطة عليه بنسبة 100%.
لكن كيف فشلت الكلاسيكية في تفسير إشعاع الجسم الأسود؟
طبقًا للمنهج الكلاسيكي، فإن الإشعاع عبارة عن موجات كهرومغناطيسية تزداد شدتها بزيادة التردد، فلماذا تقل شدة الإشعاع عند الترددات العالية طبقًا لمنحنى ماكس بلانك؟
فرض بلانك أن الإشعاع يتألف من بلايين الفوتونات التي تزداد طاقتها بزيادة ترددها ويقل عددها بزيادة هذه الطاقة، وهذا يفسر لماذا تقل شدة الإشعاع عند الترددات العالية. (1)
٢-التأثير الكهروضوئي
أولًا: ماهو التأثير الكهروضوئي؟
التأثير الكهروضوئي: انبعاث إلكترونات من سطح معدن عن سقوط أشعة كهرومغناطيسية عليه، بشترط أن يكون تردد الضوء الساقط مساوٍ أو أكبر من التردد الحرج.(3)
لكل معدن ما يسمى بدالة الشغل، وهي الحد الأدني من الطاقة التي يجب أن تمتلكها فوتونات الأشعة الساقطة لتحرير إلكترونات من سطح معدن دون إكسابه طاقة حركة.
ودالة الشغل للمعدن هي حاصل ضرب التردد الحرج في ثابت بلانك
Ew=h*Vc
Ew: دالة الشغل للمعدن.
h: ثابت بلانك.
Vc: التردد الحرج.
لذلك يجب أن يكون تردد الضوء الساقط مساوٍ للتردد الحرج، أي أن طاقته مساوية لدالة الشغل وعندها تسمى هذه الطاقة بطاقة التأين حيث أنها بالكاد تستطيع أن تحرر إلكترونًا دون إكسابه طاقة حركة، أو يكون تردده أكبر من التردد الحرج أي أن طاقته أكبر من دالة الشغل للمعدن، وعندها يتحرر الإلكترون من سطح المعدن ويظهر الفرق بين طاقة الشعاع الساقط ودالة الشغل للمعدن في صورة طاقة حركية يكتسبها الإلكترون المتحرر.
ولكن كيف فشلت الفيزياء الكلاسيكية في تفسير ذلك؟
من منظور الفيزياء الكلاسيكية، يتوقف انبعاث الإلكترونات من سطح معدن على شدة الأشعة الساقطة بغض النظر عن تردد الضوء الساقط. كذلك تزداد طاقة حركة الإلكترونات بزيادة الشدة وليس التردد. كما أنها فرضت أنه في حالة إذا كانت شدة الشعاع الساقط أقل من اللازم، فإن تسليط الشعاع لفترة يكفي لتحرير الإلكترون فيما يُعرف بفترة تجميع الطاقة.
إلا أن العالم الألماني ألبرت آينشتاين قدم تفسيرًا للتأثير الكهروضوئي، وهو ما أهله للحصول على جائزة نوبل للفيزياء عام 1921 ميلاديًا.
وجاء تفسير آينشتاين كما يلي:
يتوقف تحرر إلكترونات من سطح معدن بالدرجة الأولى على التردد، بغض النظر عن شدة الأشعة الساقطة، ومنه فإن طاقة حركة الإلكترونات المنبعثة تزداد بزيادة التردد وليس الشدة، كما أنه لا يوجد ما يُسمى بفترة تجميع الطاقة، حيث أن عملية الإنبعاث وتحرر الإلكترونات تكون لحظية. ومن أبرز تطبيقات التأثير الكهروضوئي هي الخلية الكهروضوئية والتي يمكن بواسطتها تجميع الإلكترونات وتحويلها إلى تيار كهربي على النحو التالي:
يصنع من لوح الفلز أحد أقطاب مكثف كهربي، ويُثبت المكثف الكهربي في أنبوب مفرغ من الهواء، ويكون الفلز متصلًا بالقطب السالب لمصدر كهربي.
عند تسليط شعاع طاقته أكبر من دالة الشغل للمعدن فإن الإلكترونات تتحرر من سطح المعدن، متكسبة طاقة حركة مسرعة نحو اللوح الموجب للمكثف المتصل بالقطب الموجب للمصدر الكهربي، وعندها يسري تيار في الدائرة الخارجية يمكن حساب شدته بواسطة الأميتر، وكذلك يمكن قياس فرق الجهد بين لوحي المكثف بواسطة الڤولتميتر، كما موضح بالخلية. (2)
وبما أن شدة التيار الكهربي تتعين من العلاقة:
I= Q/t
I: شدة التيار.
Q: كمية الكهربية.
t: الزمن.
وكمية الكهربية تتعين من العلاقة:
Q= N e
N: عدد الألكترونات.
e: شحنة الإلكترون.
فإنه لمرور تيار كهربائي يتطلب أن يكون تردد الضوء الساقط أكبر من التردد الحرج، وبمجرد أن تتحرر الإلكترونات عند هذا التردد، فإن شدة التيار الكهربي عندئذ تتوقف على شدة الأشعة، فبزيادة شدة الأشعة يزداد عدد الإلكترونات المنبعثة -وليس طاقة حركتها- فتزداد شدة التيار الكهربي تبعًا للعلاقات الرياضية المذكورة بالأعلى.
لقد غيرت الفيزياء الحديثة نظرتنا التقليدية لكثير من الظواهر التي تحدث على المستوى الميكروسكوبي وحققت نجاحًا باهرًا في تفسير كل ما عجزت الكلاسيكية عن تفسيره.
إعداد: نورا مدحت.
مراجعة: أحمد رضا.
المصادر:
(1) http://www.physlink.com/education/askexperts/ae24.cfm
(2) https://physics.info/photoelectric/
(3) http://hyperphysics.phy-astr.gsu.edu/hbase/mod6.html