تقول مجموعة من الباحثين أنها قامت بأول اكتشاف للكواكب خارج مجرة درب التبانة وذلك بمساعدة ثقب أسود فائق واستخدام النظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين.
يُعد العثور على الكواكب في مجرتنا امرًا صعبًا للغاية، والأصعب من ذلك العثور عليهم في المجرات البعيدة.
وقال زينيو داي (Xinyu Dai) عالم الفلك في جامعة أوكلاهوما ومؤلف مشارك في الدراسة الجديدة لموقع (Space.com) عن طريق البريد الإلكتروني:« حتى في مجرة درب التبانة، فإنة من الصعب الكشف عن الكواكب الخارجية، فما بالك بالكواكب في المجرات التي هي أبعد بكثير عننا، سيكون هذا أمر أكثر صعوبة.»
استخدم «داى» ومساعده إدواردو جيراس (Eduardo Guerras) مرصد شاندرا للأشعة السينية لدراسة بيئة ثقب أسود فائق فى وسط مجرة تقع على بعد 3.8 مليار سنة ضوئية من الأرض. تحتوي تلك المجرة على كويزار(Quasar) ، مصطلح “كويزار-Quasar” اختصار لجملة (Quasi-stellar radio source- مصدر راديو شبه نجمي).
ويُعد الكويزار مصدر ضوء قوي للغاية، يُعتقد أنه يصدر نتيجة قيام الثقوب السوداء الفائقة بجذب المادة من حولها و جعلها تتسارع، لكنَّ الباحثين قالوا أن نتائج دراستهم كشفت عن وجود كواكب في مجرة تقع بين الأرض وهذا الكويزار.
وعلاوة على ذلك، يعتقد العلماء أنه في معظم المجرات يوجد حوالي 2000 كوكب مارق (free-floating planets) لكل نجم، وهذا يعني أنه في تلك المجرة التي تقع بين الكويزار ومجرة درب التبانة يمكن أن يكون هناك تريليونات من الكواكب التي تطوف حرة بدون نجوم.
(الكواكب المارقة هي كواكب تشبه الكواكب العاديه من كل النواحي ولكنها تتميز بانها إما قد طـُردت من نظامها أو لم تكن بالأساس ضمن نطاق جاذبية نجمٍ ما، أي أنها تطوف حرة في الفضاء).
عوالم ما وراء درب التبانة
عندما وجه «داي وجوراس» مرصد شاندرا نحو الكويزار (RX J1131-1231)، كانوا يأملون في استخدام الكويزار كعدسة مكبرة طبيعية – وهو ما يعرف باسم عدسة الجاذبية (gravitational lens) أو عدسية الجاذبية (Microlensing ) والتي تنبأت بهم النظرية النسبية العامة لأينشتاين.
حيث ينحني الضوء القادم من مجرة بعيدة تحتوي على هذا الكويزار بسبب مروره بمجرة أصغر في طريقة إلينا، وهذا الانحناء الناتج عن الجاذبيه يقوم بتضخيم ضوء المجرة التي تحوي الكويزار تماما مثل العدسة المكبرة، مما يُسهل على الفلكيين رؤية التفاصيل التي يصعب رؤيتها بدون تأثير عدسة الجاذبية.
وقال داى:«لقد كان الغرض الاصلى من الملاحظات هو دراسة بيئة الثقب الاسود الفائق».
عندما فحص «داي وغوراس» الصور الأربعة الناتجة عن خضوع ضوء الكويزار لتأثير عدسة الجاذبية، لاحظوا أن كل واحدة كانت مختلفا قليلًا عن الاخريات ، حيث أن الضوء القادم من الكويزار في الخلفية ينقسم إلى أربعة مسارات، مما خلق أربع صور للكويزار، فإذا كانت كتلة المجرة التي اعترضت طريق الضوء موزعة بالتساوي، فإن كل مسار ضوئي سوف ينحني بشكل متساوٍ. ولكن المجرات أكثر فوضى، حيث تتجمع النجوم بإحكام في بعض المناطق وتنتشر بشكل أقل في مناطق اخرى. وبعد أن حلل الباحثون مدى التشوه النتائج عن النجوم، وصل الباحثون إلى أنَّ الاختلافات الغير مفسرة يمكن أن تأتي من العدسات الجاذبية التي تسببها الكواكب في مجرة العدسة (المجرة الأقرب). (ويستخدم تأثير العدسية الصغرية الجذبية أو الميكرولنسينج (Microlensing) بالفعل كطريقة للعثور على الكواكب الخارجية في مجرتنا).
قد لاحظ مرصد شاندرا الكويزار 38 مرة خلال العقد الماضي، ووجد الباحثون أدلة على وجود أشباه الكواكب في تلك الملاحظات. وهناك اعتقاد أنَّ الاختلافات قد تأتي من البقاع الساخنة في القرص التراكمي حول الثقب الأسود، ولكن البحوث السابقة (التي شارك داي فيها) وجدت أنَّ هذا أمر غير محتمل.
ومن خلال دراسة التغيرات التى طرأت على الصور الفردية نتيجة انحناء مسار الضوء بسبب المجرة الأمامية التي تعمل كعدسة جذبية، كان الباحثون قادرين على تقدير عدد الكواكب المارقة التى قد تكون مسؤولة عن هذا التأثير. وفي حين أن عدد الكواكب المقدرة يختلف تبعا لحجم الكوكب الواحد، فقد قدر الباحثون أنه يمكن أن يكون هناك ما يصل إلى 2000 كوكب مارق مقابل كل نجم في المجرة الأمامية. هذه الكواكب على الأرجح شُكلت في نظام كوكبي ولكن قذفت خارجه من قبل عملاق غازي آخر، وهو أمر مشابة لما قام به المشتري من تنظيف للنظام الشمسي في بدايته.
وقال داى:« كل كوكب من ذلك الكواكب يتراوح حجمه بين حجم قمر الأرض وحجم كوكب المشتري. ولكن معظم هذه الكواكب المطرودة ليست على الأرجح صغيرة. وبالنسبة لهذه الكواكب ذو الاحجام الكبيرة، فيمكن ان يكون هناك حوالى كوكب واحد مارق بحجم كوكب المشتري مقابل كل 10 نجوم، وهو عدد يتفق مع تقديرات الكواكب المارقة فى درب التبانة.»
وكان الباحثون قادرين على تقدير عدد الكواكب المارقة فقط، وليس تلك التى تدور حول نجم؛ وذلك لأنَّ جاذبية النجم تغطي على جاذبية الكواكب التي تدور حوله كما قال الباحثون.
وقال برزيميك مروز ( Przemek Mróz) الباحث في جامعة وارسو في بولندا، لموقع Space.com عن طريق البريد الإلكتروني:« يعتمد العدد الدقيق للكواكب في تحليلهم على افتراضات معينة، كما أن نسبة عدم التأكد كبيرة، وأضاف ميروز الذي لم يكن جزءًا من الدراسة الجديدة، أنه يعتقد أن الدراسة متينة، ولكن كم عدد الكواكب التي تطوف في المجرة بحرية؟ هو سؤال يصعب الإجابة عليه بدقة. وينبغي أنْ يساعد فحص الاختلافات في المجرات الأخرى على تحسين هذا العدد. كذلك سوف تساعد ملاحظة الكويزارات الأخرى التي تخضع لتأثير عدسة الجاذبية أيضًا على دراسة عدد الكوكب في المجرات الأخرى».
بالإضافة إلى دراسة تأثير عدسة الجاذبية ، يعتبر «مروز» عضوًا في ما يدعى بـ (التجربة العدسية الجذبية الضوئية – Optical Gravitational Lensing Experiment) أو اختصارًا
بـ( اوغل- (OGLE، ومقرها جامعة وارسو في بولندا، والذي يستخدم فيها عدسية صغرية جذبية لمطاردة المادة المظلمة. في هذه التجربة تــُستخدم النجوم داخل درب التبانة كعدسات، وقد كشفت تقنية أوغل عن العديد من الكواكب الخارجية في مجرتنا.
وقد نُشر البحث الجديد في جريدة رسائل مجلة الفيزياء الفلكية (The Astrophysical Journal Letters).
هناك المزيد
معظم اكتشافات الكواكب في مجرتننا درب التبانة خارج نظامنا الشمسي تمت باستخدام طريقتين مختلفتين. وكان الجزء الأكبر من الكواكب الخارجية الأولى التي تم اكتشافها من نوع المشتري الساخن (Hot Jupiter)، وهى كواكب ترتبط بشكل وثيق بنجم ما وتدور حوله في مدار قريب، مما يؤدي إلى ترنح النجم قليلًا. وقد سمح ذلك للباحثين بتحديد الكواكب عبر طريقة تعرف باسم (السرعة الشعاعية – radial velocity).
بعد ذلك، وجدت أدوات مثل تلسكوب الفضاء كبلر التابع لوكالة ناسا ثروة من الكوكب باستخدام طريقة العبور الفلكي (Transit)، حيث عندما يعبر كوكب ما بين الارض و النجم فإنة يحجب جزء من ضوء النجم.
وعلى الجانب الأخر تم رصد عوالم أخرى في النظام الشمسي عن طريق الميكرولنسينج، وإن كان على نطاق أصغر بكثير مما تم القيام به في الدراسة الجديدة. فبدلًا من استخدام الكويزار فإن علماء الفلك يقومون بتطبيق طريقة أخرى من خلال فحص اثنين من النجوم التي يصطفَّا مؤقتًا مع بعضهما البعض، وكما نرى من الأرض فإن جاذبية النجم الموجود في المقدمة(الأقرب) تقسم الضوء من النجم الموجود في في الخلفية(الأبعد) إلى شعاعين يلتفان حول نجم العدسة(النجم في المقدمة)، مما يخلق صورتين من العدسات. فإذا مرَّ كوكب أمام أحد هذين الضوئَيْن، فإن جاذبية الكوكب سوف تحني وتقسم ذلك الضوء وينتج صورة ثالثة للنجم الموجود في الخلف. ولأن نجوم درب التبانة أقرب إلى الأرض فيمكن تمييز الكواكب التي تدور حولها بشكل أفضل مما هو عليه في طريقة داي وغوراس التي تُطبَّق على مقاييس مجرية أبعد،كما أن خصائص الضوء الناتج عن هذه الطريقة يمكنها أن تكشف عن كتلة الكوكب ومداره وطول عامه.
وفي حين أنَّ الباحثين يمكنهم إعادة فحص الكواكب التي اكتُشفت من خلال طريقتَي العبور الفلكي (Transit) والسرعة الشعاعية (radial velocity)، فإن إعادة فحص الكواكب التي اكتشفت باستخدام طريقة الميكرولينسينج أمر نادر بسبب الطبيعة النادرة والعشوائية لاصطفاف زوجين من النجوم. ومع ذلك، فقد استخدم العلماء طريقة لاكتشاف الكواكب الواقعة بعيدًا عن تلك التي وجدت عبر الطريقتين الأخيرتين.
في عام 2006، رصد علماء الفلك بإستخدام تأثير الميكرولينسينج كوكبًا يقع على بعد 22000 سنة ضوئية من الأرض، يدور حول نجم بالقرب من مركز درب التبانة.
ولكن بإستخدام الطريقة التي تتضمن الكويزار أصبح داي وغوراس أول من اكتشف كواكب خارج مجرتنا، ولن تكون أخر كواكب تُكتشف خارج مجرتنا، حيث لاحظ العالمَيْن اثنين أخرين من الكويزارات التي تخضع لتأثير عدسة الجاذبية وتظهر سلوك مماثل.
ويقول عالم الفلك رادوسلاو بوليسكي (Radoslaw Poleski)، وهو باحث ميكرولنسينج في جامعة ولاية أوهايو:« تـُعَد طريقة الميكرولينسينج إلى حدٍ ما طريقة فريدة من نوعها، لأنها لا تتطَّلب الكشف عن أي ضوء من النجم المضيف للكوكب أو الكوكب نفسه، ويستخدم فقط ضوء من جرم في الخلفية.
فهذا يجعل الميكرولنسينج الطريقة الوحيدة التي يمكنها الكشف عن الكواكب في المجرات الأخرى في المستقبل المنظور.»
واقترح بوليسكي ومروز مؤخرا أنه يمكن استخدام ال ميكرولنسينج للكشف عن الكواكب في سحابة ماجلان الصغرى، وهي مجرة قزمة تقع بالقرب من درب التبانة، وذلك باستخدام أدوات مستقبلية، مثل مقراب المسح الشامل الكبير (- Large Synoptic Survey Telescope LSST)، «الذي يجري تشييده حاليًا في تشيلي» بدلا من الاعتماد على الكويزار، ومع ذلك يعتقد بوليسكي وروز أنَّ الباحثين يمكنهم استخدام الضوء من نجم الخلفية لتحديد الكواكب حول النجوم في تلك المجرة القزمة.
وقال مروز:« نحن نعتقد أن مقراب (LSST) سوف يكون قادرًا على العثور على ما لا يقل عن العديد من الأحداث التي تخضع لتأثير الميكرولنسينج في (سحابة ماجلان الصغرى) سنويًا، وينبغي على الملاحظات أن تدل على وجود الكواكب في بعض منها.»
المصدر: http://sc.egyres.com/UPDk2
ترجمة: محمد عزت
مراجعة: بيير عماد
#الباحثون_المصريون