تابعنا هذه اللعبة وغيرها من الألعاب التلفزيونية الشهيرة مثل «من سيربح المليون؟». بالطبع نعرف قواعد اللعبة، وقد تابعنا بشغف كيف يختار اللاعبين مكاسبهم إما بالاستمرار في اللعب أو الموافقة على العروض التي يتولى عرضها البنك في لعبة (Deal or No Deal) او المذيع في حالة لعبة «من سيربح المليون؟». فما هو القاسم المشترك بين هاتين اللعبتين؟ هذا ما سنعرفه في سلسلة المقالات المزمع نشرها الفترة القادمة. في هذا المقال سنفسح المجال -كمقدمة لموضوع نظرية الألعاب- لعرض لعبة (Deal or no Deal).
نظرية الألعاب
الفكرة الرئيسية التي تجمع تلك الألعاب وشبيهاتها هي ما يعرف باسم نظرية الألعاب (Game Theory) المستمدة بشكل رئيسي من لعبة الشطرنج، حيث يوجد لاعبان، كل منهما يبدأ اللعب بنفس عدد القطع وبتوقعات معينة لسلوك اللاعب الاخر، بحيث يكون الهدف النهائي هو تعظيم المكاسب، حيث يوجد لهذه اللعبة ثلاثة نتائج؛ إما أن يفوز الأبيض، وإما أن يفوز الأسود، أو يتعادلا وذلك طبقًا للقواعد المعروفة للعبة والتي يعرفها جيدًا محبي اللعبة الشهيرة.
تم صياغة نظرية الألعاب كفرع من العلوم بشكل منظم بتقديم (فون نيومان – John Von Neumann) و(مورجنستيرن – Oskar Morgenstern) لنظريتهما الكلاسيكية والمتعلقة بنظرية الألعاب والسلوك الاقتصادي في عام 1944، تبعهما فيما بعد الكثير من علماء الرياضيات والاقتصاد الذين ساهموا في توسيع مجال النظرية كأداة رئيسية لاتخاذ القرار الاستراتيجي في الكثير من المجالات كالسياسة وعالم المال والاعمال بالإضافة إلى الاقتصاد.
قد نعتبر نظرية الألعاب مكملة بشكل رئيسي لنظرية الاختيار الرشيد (Rational Choice Theory) والتي تدرس سلوك الافراد واختياراتهم والتي تهدف في نهاية المطاف إلى تعظيم منفعتهم الشخصية أو في بعض الحالات المنفعة المجتمعية وذلك في بعض القرارات التي تتخذها الحكومة كإدارتها للاقتصاد.
نظرية الألعاب ولعبة ديل أور نو ديل
عودة سريعة للعبتنا (Deal or No Deal)، تعرض اللعبة بشكل رئيسي -كمثال في النسخة الألمانية- 26 حقيبة تحتوي على قيم نقدية تتراوح من 0.01 يورو وحتى 5 ملايين يورو. تبدأ اللعبة بأن يختار المتسابق حقيبة بها قيمة مجهولة لا يسمح له بفتحها إلا في نهاية اللعبة وذلك بعد فتح كل الحقائب. نجد أنه في كل دورة من دورات اللعبة يفتح المتسابق حقيبة من الـ 25 الباقية أملًا أن تحتوي تلك الحقيبة على قيمة نقدية صغيرة. وفي كل مرة تفتح حقيبة، فإن هناك شاشة أخرى تعرض القيم النقدية الموجودة بالحقائب، مع حذف القيم التي تم فتح حقائبها. وبعد عدة دورات -تبدأ بـ 6 دورات ثم تتناقص مع تقدم اللعب- يتدخل البنك عارضًا على المتسابق عرضًا نقديًا، كثمن ضمني لحقيبته التي يحتفظ بها، وللمتسابق الحق في رفض أو قبول عرض البنك. إذا ظل المتسابق يرفض عروض البنك، فإن في نهاية اللعب -بعد 9 عروض من البنك تقريبًا- يرحل المتسابق بمحتوى حقيبته فقط.
نتوقف عند هذه النقطة حيث نجد أن لدينا عدة معلومات عن الموقف، أولًا: المتسابق لا يعلم قيمة محتوى حقيبته. ثانيًا: قيم الحقائب المتاحة للاختيار غير مكتوبة عليها، إلا أن المتسابق يعرف القيم النقدية التي لم يكشفها بعد وبالتالي بمرور اللعب، يستطيع المتسابق تحديد ما إذا كانت حقيبته تحتوي مبلغًا ضخمًا أو مبلغًا صغيرًا. ثالثًا: كتأكيد للنقطة السابقة فإن عروض البنك تأخذ في اعتبارها القيم المتاحة على الشاشة والتي لم يتم كشفها واحتمالات أن تحوي حقيبة المتسابق قيمة كبيرة، وبالتالي فإن عروض البنك تأخذ منحنى تصاعديًا أو تنازليًا كمؤشر لمدى رشادة المتسابق في رفض عروضه. إن متسابقنا ليس كفأر في مصيدة يجابه المجهول، بل هو اللاعب الأول واللاعب الآخر هو البنك نفسه!
إذا نحن أمام تطبيق لطيف لنظرية الألعاب حيث أن كلا اللاعبين مطالبين باتخاذ أفضل القرارات الاستراتيجية لتعظيم مكاسبهم. فلاعبنا الأول يهدف للرحيل بأكبر مكسب ممكن قد تحتويه حقيبته أو يبيع به حقيبته -عرض البنك- أما لاعبنا الثاني فيستهدف الحفاظ علي أكبر كمية ممكنة من نقوده عن طريق التلاعب بالأول من خلال العروض.
نظرية الألعاب واستراتيجية اللعب
كما أسلفنا، فإن هذه لعبة بين طرفين؛ الأول هو المتسابق والثاني هو البنك. حيث تكمن استراتيجية اللعب البديهية في أن يرفض المتسابق عرض البنك طالما كان العرض أقل من متوسط قيمة الحقائب المعروضة على الشاشة. ونجد أن متوسط قيمة اللعبة المتوقع يقارب 390 ألف يورو وهو رقم أعلى من قيمة 5 حقائب فقط من إجمالي الحقائب الست وعشرين. بدراسة الكثير من عروض اللعبة وُجد أن البنك نادرًا ما يعرض عروض أعلى من متوسط قيمة اللعبة، لذا فإنه حتى يسهل قراءة أحداث اللعبة فإننا سنحاول تحليلها من منظور اللاعبين الاثنين.
نظرية الألعاب من منظور البنك
يتصرف البنك طبقًا لنسق ثابت تقريبًا في كل عروضه يعتمد على المحاور التالية:
- تتحسن أو تسوء عروض البنك طبقًا لقيم الحقائب غير المفتوحة.
- تبدأ عروض البنك في أول اللعب بقيم ضعيفة -تصل لأقل من 10% من قيمة الحقائب الغير مفتوحة- حيث تهدف تلك الاستراتيجية إلى زيادة الإثارة بزيادة العروض كلما واصل المتسابقون اللعب.
- لا يوجد علاقة بين عرض البنك وقيمة حقيبة المتسابق.
- يكون البنك سخي جدًا مع الخاسرين حيث يعرض عليهم نسب كبيرة من متوسط قيم الحقائب الغير مفتوحة والتي في بعض الأحيان قد تتعدى القيمة المتوقعة للعبة، حتى يتجنب انخفاض تجنب الخطر الذي يحدث للخاسرين بعد تحقيق خسارات كبيرة، وحتى يُبقي على إثارة اللعب.
- يلعب المتسابق مرة واحدة، أما البنك فيلعب مرات عديدة مع أنماط مختلفة من المتسابقين، لذا تكمن استراتيجيته الرئيسية في زيادة مدة اللعب وتخفيض المكاسب. فاللاعب الذي يلعب ساعة ويحقق 50 ألف يورو أفضل من اللاعب الذي يلعب ربع ساعة ويحقق 20 ألف فقط.
نظرية الألعاب من منظور المتسابق
- يحدد المتسابق لنفسه قيمة معينة يعتبرها أقل قيمة مكسب يمكن أن يخرج بها من اللعب راضيًا، فكلما استمر اللعب فترة أطول وفتح المتسابق حقائب متعددة، تتغير قيمة الحد الأدنى المرضي له طبقًا لقيمة أعلى جائزة مازالت موجودة على الشاشة. لذا في الغالب يرفض المتسابقون عروض البنك في المراحل الأولى من اللعب.
- النتائج المحققة في الدورات السابقة تؤثر بشكل كبير في الدورات التالية، فالخاسرون تمامًا والفائزون بمكسب مرضي، لديهم ميل عالي للدخول في مخاطرات كبيرة -على امل تحسين مكاسبهم- وعدم قبول عرض البنك على عكس الأفراد المعتدلون.
بالطبع لا يوجد استراتيجية مُثلى للتعامل مع اللعبة، حيث تتغير تفضيلات وتوجهات اللاعبين بتغير قيم الحقائب الغير مفتوحة والتي تُبنى على أساسها عروض البنك. كما تتوقف الاستراتيجيات المتبعة على مدى تقبل الافراد للمخاطرة ومدى تقدمهم في مراحل اللعبة وحالتهم (خاسرون تمامًا أم فائزون). لذا يظل السؤال والتفكير قائمين؛ ماهي استراتيجيتك المثلى للتعامل مع اللعبة؟ وبالتالي مع قرارات حياتك المشابهة.
إعداد: صموئيل صفوت
مراجعة وتحرير: عبدالله أمين
تحرير: زياد الشامي
المصادر:
- Post, Thierry and van den Assem, Martijn J. and Baltussen, Guido and Thaler, Richard H., Deal or No Deal? Decision Making under Risk in a Large-Payoff Game Show (February 20, 2012). American Economic Review, Vol. 98, No. 1, pp. 38-71, March 2008. Available at SSRN: https://ssrn.com/abstract=636508.