في عام 1966، كان اثنان من الباحثين في معهد كاليفورنيا للعلوم والتكنولوجيا (Caltech) يبحثان عن آثار ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للمريخ، والذي كشفت عنه لأول مرة Mariner 4، وهي مركبة فضائية تابعة لوكالة ناسا قام ببنائها وتطّويرها معمل JPL، لقد افترضوا أنَّ المريخ، يمكن أن يكون له رواسب قطبية مستقرة طويلة الأجل من ثلج ثاني أكسيد الكربون، والتي بدورها ستتحكم في الضغط الجوي الخاص به.
تشير دراسة جديدة من Caltech إلى أنَّ النظرية التي وضعها الفيزيائيان، قد تكون صحيحة بالفعل.
يُشكّل ثاني أكسيد الكربون أكثر من 95 في المئة من الغلاف الجوي للمريخ، والذي يبلغ ضغط سطحه 0.6 في المئة فقط من ضغط كوكب الأرض. أحد التنبُّؤات بتلك النظرية هو أنَّ مستوى ضغطه الجوي سيتغير في القيمة حيث سيتذبذب الكوكب على محوره خلال مداره حول الشمس، مما يُعرّض القطبين لأشعة الشمس أكثر أو أقل. أشعة الشمس المباشرة على الجليد المترسب في القطبين تؤدي بدورها إلى التسامي (وهو الانتقال المباشر للمادة من الحالة الصلبة إلى الحالة الغازية دون المرور بالحالة السائلة). توقع العالمين أنه مع تغير قوة أشعة الشمس، يمكن للضغط الجوي أن يتغير من ربع الغلاف الجوي للمريخ اليوم إلى ضعفي مثيله اليوم على مدار عشرات الآلاف من السنين.
الآن، نموذج جديد لفريق مكون من علماء من معامل Caltech ،JPL، وجامعة كولورادو، يقدمون دليلًا رئيسيًا لدعم هذه النظرية، تم نشر ذلك النموذج في ورقة نشرت في مجلة Nature Astronomy في 23 ديسمبر الماضي.
استكشف الفريق وجود ميزة غامضة في القطب الجنوبي للمريخ: رواسب هائلة من جليد ثاني أكسيد الكربون والجليد المائي في طبقات متتالية، مثل طبقات الكعكة، التي تمتد إلى عمق كيلومتر واحد، مع طبقة رقيقة من الجليد في الجزء العلوي. إنَّ ترسبات طبقات الكعكة تلك تحتوي على ثاني أكسيد الكربون كما هو الحال اليوم في الغلاف الجوي للمريخ بأكمله.
من الناحية النظرية، لا ينبغي أن تكون هذه الطبقة ممكنة لأنَّ جليد الماء أكثر ثباتًا حراريًا وأكثر قتامة من جليد ثاني أكسيد الكربون؛ يعتقد العلماء أنَّ جليد ثاني أكسيد الكربون سيؤدّي إلى زعزعة الاستقرار بسرعة إذا تم دفنه تحت جليد الماء. ومع ذلك، فإن النموذج الجديد من قبل الفريق يدل على أنَّ الرواسب كان يمكن أن تتطور نتيجة الجمع بين ثلاثة عوامل:
- الميل المتغير (أو الميل) لدوران الكوكب.
- الفرق في نسبة الجليد المائي، و يعكس جليد ثاني أكسيد الكربون أشعة الشمس.
- الزيادة في الضغط الجوي التي تحدث عندما يتواجد جليد ثاني أكسيد الكربون.
يقول أحد أعضاء الفريق
«عادة، عند تصميم نموذج، لا نتوقع أن تتطابق النتائج تمامًا مع الملاحظات. لكن سُمك الطبقات كما يحدده النموذج يتطابق بشكل مناسب مع قياسات الرادار من الأقمار الصناعية».
فيما يلي كيفية تكوين الرواسب كما يُشير الباحثون:
بينما يتذبذب المريخ على محور الدوران على مدار الـ 510.000 عام الماضية، تلقّى قطبه الجنوبي كميات متقلبة من أشعة الشمس، مما سمح لثلوج ثاني أكسيد الكربون بالتشكيل عندما تتلقى مقدارًا أقل من أشعة الشمس، والتسامي عندما تتلقى مقدارًا أكبر. عندما تشكّل ثاني أكسيد الكربون، حوصرت كميات صغيرة من جليد الماء مع جليد ثاني أكسيد الكربون وعندما تضاءل ثاني أكسيد الكربون تم ترك الجليد المائي الأكثر استقرارًا خلفه ودمجه في طبقات.
لكنَّ طبقات المياه لا تحبس الرواسب بالكامل. بدلًا من ذلك، يزيد ثاني أكسيد الكربون المتسامي من الضغط الجوي للمريخ وتتطور الطبقة مع جليد ثاني أكسيد الكربون في حالة توازن مع الغلاف الجوي. عندما تبدأ اشعة الشمس في الانخفاض مرة أخرى، تتشكّل طبقة جليدية جديدة من ثاني أكسيد الكربون فوق طبقة المياه، وتتكرر الدورة.
نظرًا لأن حلقات التسامي كانت تتناقص بشكل عام في الكثافة فقد تم ترك بعض جزيئات ثاني أكسيد الكربون خلف طبقات المياه، وبالتالي، تتالي طبقات ثاني أكسيد الكربون والجليد المائي. تشكّلت طبقة ثاني أكسيد الكربون الأعمق منذ 510.000 عام بعد الفترة الأخيرة من أشعة الشمس القطبية القصوى، عندما انزلق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
يقول أحد أعضاء الفريق:
«إنَّ دراستنا لتاريخ تقلبات المريخ الكبيرة في الضغط أمر أساسي لفهم تطور مناخ المريخ، بما في ذلك تاريخ استقرار الماء السائل وإمكانية وجوده بالقرب من سطح المريخ».
ترجمة: محمد طه
مراجعة علمية: سارة سامر
مراجعة لغوية: رنا السعدني