هل نشأ الكون بانفجار عظيم فعلا؟

big-bang-886412

هل بدأ الكون فعلًا بانفجار عظيم؟|هل بدأ الكون بالانفجار العظيم؟|هل بدأ الكون بالانفجار العظيم؟|هل بدأ الكون فعلًا بالانفجار العظيم؟|هل بدأ الكون فعلًا بانفجار عظيم؟

يظل سؤال «كيف بدأ الخلق؟» من الأسئلة التي حيرت الإنسان على مر العصور، وإن كنا نأخذ السؤال اليوم على محمل السخرية إلا أنه من أعظم الأسئلة على الإطلاق، ولا نزال نسعى في معرفة تفاصيل إجابته.

على مستوى الفيزياء، يفكر العلماء في إجابة هذا السؤال على أنها تفسير لنشأة الكون منذ الماضي السحيق بعيدًا عن المعتقدات الدينية أو التفسيرات الميثولوجية. وقد تغير فهمنا للكون ونشأته على مر السنين، ففي بداية القرن العشرين كان الاعتقاد السائد حينها هو أن الكون ثابت، خلق هكذا لا يطرأ عليه أي تغير، أي أنه لا يتمدد ولا ينكمش. حتى جاء عام 1927م حين اقترح العالم (جورج لاميتير) أن الكون بدأ من نقطة صغيرة ثم أخذ في التوسع منذ حوالي 13.7مليار سنة [1،2]. لاقت هذه الفكرة رفضًا وسخرية في البداية، حتى أن عالم الفلك الإنجليزي (فريد هويل) أطلق عليها «الانفجار العظيم» (the big bang) من باب السخرية. وبالرغم من ذلك ظلت هذه التسمية هي السائدة للنظرية التي تعتبر الآن هي الأصح في تفسير نشأة الكون. لكن هل هذا كل شيء؟ هل بدأ الكون فعلًا بالانفجار العظيم أم كان هناك شيء قبله؟

تفسير نظرية الانفجار العظيم لنشأة الكون

للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نتعرف قليلًا على النظرية وبداية تكوينها وما تفترضه من تفسير لنشأة الكون. في عام 1929م، لاحظ العالم (إدوين هابل) أن المجرات تتباعد عن بعضها بسرعات عالية، وليس هذا فقط بل إن المجرات البعيدة تتباعد عن بعضها بمعدل أكبر من تلك التي تفصل بينها مسافات صغيرة. فاستخدم العالم (جورج لاميتير) هذه الاكتشافات في دعم نظريته. فإن كان الكون يتوسع والمجرات تتباعد عن بعضها فإننا إن عدنا بالزمن لبعض الوقت سنجد أن المجرات كانت أكثر قربًا مما هي عليه الآن. وباعتبار أن حركة المجرات في الكون مثل فيلم طويل، فإننا بعكس زمنه إلى نقطة البداية حيث نشأة الكون سنجد أن كل النجوم والمجرات كانت متقاربة للغاية، حيث كانت كل تلك المادة متركزة في نقطة واحدة شديدة الكثافة والطاقة.

حسنًا، هنا سنترك تلك النقطة للحظات ونذهب إلى العالِم (أينشتاين) حيث نظريته في النسبية العامة، والتي تقول أن الزمان والمكان ليسا منفصلين عن بعضهما بل هما متصلان معا في شبكة رباعية الأبعاد تسمى الزمكان (space time) حيث يشغل المكان ثلاثة أبعاد منها ويمثل الزمان البعد الرابع لها. فالزمكان هو ما نسميه نحن الفضاء وبداخله تسبح كل المجرات والنجوم كما تسبح الأسماك في البحر، فلا يمكن لسمكة أن تغادر الماء بل تتحرك بداخله لكن يمكن لحركة الماء في البحر أن تحمل معها الأسماك في تياراتها. بالمثل يمكن للنجوم والمجرات أو الجسيمات عمومًا أن تسافر عبر الزمكان كما أنها تتأثر بحركة الزمكان أيضًا.

لكن ضمن أي نوع منهما يقع تباعد المجرات بالشكل الذي لاحظه (هابل)؟ لقد ذكرنا أن المجرات البعيدة تتباعد عن بعضها بمعدل أكبر من تباعد المجرات القريبة، وهذا يدل على أن الزمكان نفسه هو الذي يتمدد ساحبٌا معه ما يحمله من مادة فتتباعد عن بعضها. يشبه الأمر حبات الزبيب في عجينة الكعك، فبينما تطيب الكعكة ويتمدد نسيجها، تتباعد حبات الزبيب عن بعضها، أو مثل نقاط مرسومة على بالون، فحينما ينفخ البالون ويتمدد نسيجه تبتعد النقاط عن بعضها، فلا دخل في ذلك لحركة ذاتية منها، بل إن السبب هو تمدد النسيج الموجودة عليه. إذن حين نعود بالزمن في فيلم الكون إلى نقطة البداية فإننا نلاحظ اقتراب المادة من بعضها بسبب انكماش الزمكان نفسه حتى نعود إلى لحظة الانفجار. فالانفجار العظيم لم يكن انفجارًا، لم يكن انبثاقًا للمادة في الزمكان بل كان بداية تمدد الزمكان نفسه، بكلماتٍ أخرى هذه هي لحظة تكون الزمان والمكان، أي أن قبل الانفجار العظيم لم يكن يوجد أي شيء ولا حتى الفراغ بل كان عدمًا حيث لا زمان ولا مكان.

وبالتالي فسؤال: ماذا حدث قبل الانفجار العظيم؟ لا معنى له أصلًا بالنسبة لبعض العلماء. أم هل كان هناك شيء فعلًا قبل الانفجار؟

هل بدأ الكون بالانفجار العظيم؟
صورة توضح شكلًا تخيليًا للزمكان.

هل بدأ الكون بالانفجار العظيم؟
صورة توضح التصور التقليدي للانفجار العظيم وتمدد الكون.

الانفجار العظيم لا يفسر كل شيء

يبحث العلماء عن إجابة هذا السؤال لأن النظرية لا تفسر كل شيء. فبالرغم من أنها أصبحت مقبولة للغاية في المجتمع العلمي خاصة بعد تنبؤها بالإشعاع الخلفي الميكرويي (Cosmic Microwave Background) الذي اكتشف بعد ذلك، إلا أنها واجهت عدة مشكلات تتعارض مع تفسيرها لنشأة الكون وهي [3]:

1- مشكلة التسطح (flatness problem)

إذا تساءلت عن شكل الكون الذي نعيش فيه فهناك ثلاثة احتمالات: أن يكون الكون مسطحًا أو يكون منحنيًا للخارج (انحناء موجب) مثل كرة أو منحنيًا للداخل (انحناء سالب) كما هو موضح بالصورة، ولكن ماذا تعني هذه الأشكال؟ حسنًا، فكر في الكون على أنه عبارة عن مجموعة من المجرات تتصارع عليها قوتان متضادتان وهما توسع الكون وجاذبية المجرات أنفسها مثل لعبة شد الحبل. فإن زادت كثافة المجرات والنجوم عن الحد انهار الكون على نفسه بفعل الجاذبية المهولة، وإن قلّت كثافة المادة في الكون عن الحد يتوسع الكون بشكل لانهائي حيث لا تستطيع أن توجد الذرات مع بعضها مكونة المجرات والنجوم، ولم يكن ليوجد الكون بصورته الحالية. ويسمى هذا الحد من الكثافة الذي يسمح بالتوازن بين القوتين الكثافة الحرجة (critical density).

ولأن النسبية العامة تخبرنا أن كثافة المادة والطاقة هي التي تتحكم في انحناء الزمكان، فإن شكل الكون في كل احتمال يختلف عن الآخر، حيث يكون الكون منحنيًا للخارج ككرة في حال زادت كثافة المادة عن الكثافة الحرجة ويكون منحنيًا للداخل إذا قلت عنها. لكننا وجدنا الكون مسطحًا ويتوسع أي أنه يحتوي بالضبط على كثافة المادة والطاقة التي تسمح للمجرات والنجوم أن توجد وتتشكل الحياة دون أن ينسحق الكون على نفسه ودون أن يتفتت بفعل زيادة التمدد. يا لها من مصادفة، أليس كذلك؟ وفي العلم لا يوجد مصادفة لكن هذه ليست كل المشكلة، المشكلة أن الاختلاف الطفيف بين كثافة الكون حاليًا والكثافة الحرجة غير منطقي لأن أي اختلاف في هذه النسبة يتضخم بشكل هائل عبر الزمن، فوفقًا للانفجار العظيم ومعادلات النسبية، فأي انحراف طفيف في هذه النسبة في بداية نشأة الكون كان من شأنه أن يدمر الكون منذ زمن، فمعنى أن يكون الاختلاف ضئيلًا هكذا حاليًا أنه كان أقل كثيرًا في السابق، حيث يجب أن يكون بنسبة 1/10^57 فكيف ضُبط الكون على هذه القيمة بالتحديد؟

للتوضيح انظر إلى هذا المثال المذكور هنا: تخيل أنك ذهبت للعب البولينج، وأردت أن تصيب الكرات جميعها، ينبغي عليك حينئذ أن تقذف الكرة بسرعة في المنتصف بالضبط. ولكن إذا انحرفت قليلًا عن خط المنتصف، ستجد الكرة تميل كثيرًا في نهاية الممر حتى تسير في القناة الجانبية وتخطئ كل الكرات. أما لعبة كوننا فهي غريبة قليلًا. فلو قذفت الكرة بميل قليل عن خط المنتصف، فستظل الكرة تسير بميل ضئيل لمدة 14 مليار سنة. الآن أنت ترى المشكلة. [4]

هل بدأ الكون فعلًا بالانفجار العظيم؟
صورة توضح الأشكال المحتملة للكون حسب كثافة المادة بداخله.

2- مشكلة الأفق (Horizon problem)

ذكرنا منذ قليل كيف كان اكتشاف الإشعاع الكوني الميكروي دليلًا على صحة الانفجار العظيم، لكنه هو ذاته له مشكلة أخرى تعرف بمشكلة الأفق، فكيف هذا؟

يُعتبر الإشعاع الكوني الميكروي صدى الانفجار العظيم الذي مازال يدوي إلى يومنا هذا، حيث خلّف توسع الكون هذا الإشعاع، ومع توسع الزمكان حدث له ما يسمى الانزياح نحو الأحمر أو (red shifting) فتحول إلى موجات ميكروية تملأ الفضاء من كل جانب، فأينما نظرت تجد خلفية من هذا الإشعاع. بالطبع اكتشافٌ مثل هذا يُعتبر حجة قوية لصالح الانفجار العظيم، فإن لم نرى الانفجار بأعيننا فها نحن نرى أثره. لكن ما لم يكن في الحسبان هو أن هذه الأشعة الميكرويية متجانسة للغاية، ففي كل الأماكن تجد الإشعاع معبرًا عن درجة حرارة 2.7 كيلفن أي أن درجة حرارة الكون وقت ظهور الإشعاع كانت متجانسة للغاية. ولكن إذا نظرنا في الخط الزمني للانفجار العظيم سنجد أن هذا لا يمكن أن يحدث.

تكمن المشكلة في أن الإشعاع الكوني الميكرويي لم يُطلق لحظة الانفجار العظيم، بل وفقًا للنظرية إن هذا الإشعاع بدأ في الظهور بعد حوالي 400,000 سنة من لحظة الانفجار [5]، حيث برد الكون قليلًا ليسمح بتكون الذرات، وصاحب عملية تكون الذرة إطلاق هذا الإشعاع. لكن كي تتساوى درجة الحرارة في كل مكان يجب أن تسافر فوتونات الطاقة لتنقل الحرارة من مكان إلى آخر. يشبه الأمر أن يوجد صندوقان يحتوي أحدهما على خمس كرات ويحتوي الآخر على ثلاث كرات، فكيف يتساوى عدد الكرات في الصندوقين؟ بالطبع يجب أن يحمل أحدٌ كرة من الصندوق الأول ويذهب إلى الصندوق الثاني ويضعها فيه. كذلك يجب على الفوتونات أن تعبر من أحد جوانب الكون إلى الجانب الآخر كي تتوزع درجة الحرارة بالتساوي. لكن لا يمكن لهذا أن يحدث لأنه ببساطة لا يمكن لأي شيء أن يعبر من جانب الكون إلى الجانب الآخر في هذا الوقت، ولا حتى الفوتونات التي تسير بأكبر سرعة في الكون وهي سرعة الضوء، لأن هناك أمر آخر يعيق وصولها وهو تمدد الكون. فكلما سافر الفوتون نحو الجانب الآخر من الكون اتسع الكون أكثر، مثل أن يكون هناك عداء في سباق، كلما جرى نحو النهاية تزداد المسافة أكثر، فمهما قطع من مسافة فلن يصل أبدًا.

فكيف إذن توزعت الفوتونات بهذا الشكل المثالي الذي نراه؟ وسُميت هذه المشكلة بمشكلة الأفق لأن المسافة التي يستطيع الفوتون أن يقطعها أثناء تمدد الكون تسمى حجم الأفق (Horizon size)، وهو ما لم يكن كبيرًا ليسمح للفوتون أن يسافر من جانب لآخر.

هل بدأ الكون فعلًا بانفجار عظيم؟
صورة توضح الإشعاع الكوني الميكرويي (cosmic microwave background)
المصدر: Himastron

3- مشكلة الجسيمات أحادية القطب المغناطيسي (Magnatic monopole problem)

نعلم جميعًا أن أي جسم مُمغنط له قطبان: قطب شمالي وقطب جنوبي. وأننا حتى لو قسمنا هذا الجسم إلى نصفين فسيصبح لكل نصف قطبان أيضًا. لكن تخيل معي أن يكون هناك جسيم له قطب واحد فقط. فهل يوجد في الكون شيء كهذا؟ لا، لم نرصد أي جسيم بهذه الصفة الغريبة بالرغم من أن النسبية تفترض وجود العديد من هذه الجسيمات في بداية الانفجار العظيم، فلم لا نرى أيا منها؟

بعد اطلاعك على هذه المشاكل ربما ترى أن سؤال: «هل بدأ الكون بانفجار عظيم فعلا؟» أكثر منطقية. فهل ستسقط نظرية الانفجار العظيم؟ أم سيأتي من يحل هذه المعضلات مع الإبقاء على النظرية؟ هذا ما سنعرفه في المقال القادم.

إعداد: يارا محمد.
مراجعة: أحمد رضا.
المصادر:

1.
big bang theory is introduced. [Internet]. pbs. Available from: https://www.pbs.org/wgbh/aso/databank/entries/dp27bi.html
2.
THE BIG BANG AND THE BIG CRUNCH [Internet]. physics of the universe. Available from: https://www.physicsoftheuniverse.com/topics_bigbang.html
3.
شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي