هل تحل المادة المضادة مسألة وجود الكون؟

Untitled

|

قام العلماء بأخذ أكثر القياسات دقة للمادة المضادة حتى الآن، والتي أسفرت نتائجها عن تأكيد ليس فقط لغز مسألة وجود الحياة والكون بل وجود كل شيء!، ولقد أظهرت تلك القياسات -بدرجة عالية من الدقة- بأنَّ تصرف كلًا من المادة والمادة المضادة متماثل، ولكن رغم ذلك فإن تلك القياسات الجديدة لا تستطيع حل المعضلة الأكبر في الفيزياء؛ وهي إذا كانت نشأة المادة والمادة المضادة أثناء الانفجار العظيم بالتساوي فلماذا يتشكل كوننا من المادة فقط؟

إنَّ كل نوع من الجسيمات الطبيعية يعتبر مصنوعًا من المادة، ولكل مادة من المواد جسيم مضاد لها يحمل نفس مقدار الكتلة، ويعاكسها في الشحنة الكهربائية؛ فمثلًا يعد الإلكترون مادة وله مضاد يُسمى البوزيترون، والمادة المضادة للبروتون تسمى مضاد البروتون (anti-proton) وهلم جرًا، ونتيجة لذلك فإنَّ كوننا مبنيٌ على توازن تلك الأضداد، ولكن ما الذي يحدث عند التقاء تلك الأضداد معًا؟ إن اجتماع تلك الجسيمات يؤدي إلى القضاء على بعضها البعض تاركة ورائها طاقة فقط، ويفترض الفيزيائيون أنَّه يجب نشأة كميات متساوية من المادة والمادة المضادة أثناء الانفجار الكبير، والذي كان يجب أن يدمرا بعضهما بعضًا تاركين ورائهم طاقةً دون كونٍ يحتوي على لبنات الحياة الأساسية أو أي شيء مادي، لكن رغم ذلك، ها نحن موجودون بالفعل وبكونٍ يفيض بالمادة!

وهنا تكمن الخدعة، فنحن لا نعرف ما هي أول مادة مضادة أولية تمَّ توليدها من الانفجار العظيم، فهل نجح نوع واحد من المادة بالنجاة من الانفجار ولم ينج الآخر إذا كانت المادة والمادة المضادة يتصرفان بالطريقة نفسها؟

للإجابة على هذا السؤال، قال ستيفن أولمر –عالم الفيزياء في ريكن بواكو في اليابان- إنه يجب قياس الخصائص الأساسية للمادة وخصائص المادة المضادة لها بأكبر دقة ممكنة، ومن ثم مقارنة تلك النتائج ببعضها البعض، فإذا وجد أي انحراف طفيف بينهما فيمكن أن يكون ذلك أول دليل على حل أكبر مُعضلة في الفيزياء.

وقد وجد بعض العلماء في عام 2017 بعض الاختلافات الطفيفة في الطريقة التي تتصرف بها المادة ومضادها، لكن لم تكن النتائج قوية إحصائيًا بما يكفي ليتم اعتبارها اكتشافًا، أما بالنسبة لتخليق المادة المضادة وقياس خصائصها، فيجب على العلماء أن يخلقوها بدقة واهتمام، وقد قام بعض الفيزيائيين في السنوات الأخيرة بدراسة الهيدروجين المضاد أو نظير المادة المضاد للهيدروجين، لأن الهيدروجين هو أحد الأشياء التي نفهمها بشكل أفضل في الكون، ويتضمن تخليق الهيدروجين المضاد عادة خلط 90 ألف ذرة من مضاد البروتون، مع ثلاثة ملايين من البوزيترونات لإنتاج 50000 ذرة هيدروجين مضادة، وقد تمَّ احتجاز 20 منها فقط بمغناطيس في أنبوب أسطواني يبلغ طوله 11 بوصة (28 سم)، لإجراء مزيد من الأبحاث المستقبلية.

وفي دراسة جديدة نُشرت يوم 4 أبريل في مجلة (Nature)، حقق فريق هانغست نجاحًا غير مسبوق، فقد أخذوا القياس الأكثر دقة لمضاد الهيدروجين حتى الآن، وقاموا بدراسة ترددات الضوء المنبعث أو المُمتص من الذرات وذلك عند انتقال الذرة من مستوى طاقة أقل إلى مستوى طاقة أعلى أو العكس وذلك في 15000 ذرة هيدروجين مضاد، ولقد أظهرت قياسات الباحثين أنَّ مستويات الطاقة لدى مضاد الهيدروجين وكمية الضوء الممتص تطابق نظائرهم مع الهيدروجين بدقة تصل إلى جزأين لكل تريليون، مما يؤدي إلى تحسن كبير في دقة القياس عما سبق.

وقد قال أولمر في حديثه لموقع (Live science) «من النادر جدًا أن يتمكن القائمين على التجربة من زيادة الدقة بمعامل 100»، ويعتقد بأنه إذا استمر فريق هانغست بالعمل من 10 إلى 20 سنة إضافية فسيكون قادرٌ على زيادة مستوى دقة التحليل الطيفي الهيدروجيني بمعامل يصل إلى 1000.

وصرح هانغست -المتحدث الرسمي عن تعاون تجربة (ALPHA) في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (CERN)- الذي أحدث تلك النتائج قائلًا: «إنَّ هذا الإنجاز استغرق عقودًا من الزمان، ويعد احتجاز وحفظ المادة المضادة انجازًا كبيرًا.» وأضاف «قبل عشرين عامًا، ظنَ الناس أن هذا لن يحدث أبدًا، ويعتبر ذلك جولة تجريبية للقوة القادرة على فعل كل هذا.»

إذن ما الذي قد يخبرنا به القياس الأكثر دقة للمادة المضادة؟ للأسف، ليس أكثر بكثير مما كنا نعرف، فكما هو متوقع يتصرف الهيدروجين والهيدروجين المضاد بشكل متماثل، فالآن نعرف فقط أنهم متطابقون في القياس بأجزاء لكل تريليون.

وقال أولمر أنه بالرغم من ذلك فربما عند القياس بدقة أعلى لا يستبعد احتمال ظهور شيء يختلف بين هذين النوعين، أما بالنسبة لهانغست فهو أقل اهتماماً بالإجابة عن سبب وجود كوننا من المادة كما هو دون وجود المادة المضادة، وهو ما يدعوه “الفيل في الغرفة”، ويسعى بدلًا من ذلك هو ومجموعته للتركيز على إجراء قياسات أكثر دقة، واستكشاف كيفية تفاعل المادة المضادة مع الجاذبية، هل ستسقط مثل المادة العادية أم ماذا؟

ويعتقد هانغست أنه يمكن حل اللغز قبل نهاية عام 2018، عندما سيغلق (CERN) لمدة عامين للتحديثات، وصرح قائلًا «لدينا حيل أخرى في جعبتنا، فقط ترقبوا.»

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ترجمة: دينا الخطيب.

مراجعة: آية غانم

المصدر:  https://www.space.com/40210-most-precise-antimatter-measurement.html

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي