هل تشعر بالذنب باتجاه والديك؟

shutterstock_1095397952
هل تشعر بالذنب تجاه والديك؟|

علاقتك مع والديك

لا يزال شيء ما يثير اندهاشي، وهو كمّ الناس الجيدين ذوي القلوب الطيبة الذين يشعرون بقدر كبير من الذنب تجاه علاقاتهم مع والديهم، مما دفعني -كطبيبة نفسيّة- إلى لتفكير العميق والبحث عن سبب هذا الشعور، والعمل على كتابي الثاني «بدّل علاقتك مع شريك حياتك، والديك، وأبنائك».
في مقالة اليوم سوف أنشر جزءًا مختصرًا منه سيساعدنا على فهم مصدر هذا الشعور، وما إذا كان صحيًّا، وماذا يمكننا أن نفعل حياله.

لقد وُلدنا وبداخلنا رغبة طبيعيّة في الحصول على الاهتمام والتفهم من آبائنا، بالضبط كما نحتاج إلى المعادن والفيتامينات لنمو صحي، ولابد لنا أن نحصل على هذا القدر من المشاعر لننمو أقوياء وواثقين من أنفسنا، وهذه الاحتياجات قويّة وحقيقيّة، وتوجهنا خلال حياتنا سواءً أدركنا ذلك أم لا. ومع ذلك، يتلقى معظم الأطفال قدرًا ضئيلًا من هذا التفهم والاهتمام والقبول من آبائهم، وهذا ما أُطلق عليه إهمال الأطفال عاطفيًا (Childhood Emotional Neglect).
وقد لاحظت أن الكثير من الناس يحاولون التقليل من شأن هذه الاحتياجات، بإظهارها كعلامة ضعف أو إعلان أنفسهم أحرارًا منها، كقول أحدهم:

  • -أنا لا أهتم برأي والديّ تجاهي.
  • لقد تعبت من محاولة إرضائهم.
  • أنا لم أعد أهتم لأمرهم.

وأنا أتفهم لمَ قد يُقنع الإنسان نفسه أن هذه الحاجات العاطفيّة الأساسيّة غير حقيقية، فهي استراتيجية طبيعية للتقليل من الشعور بالغضب والحزن ومحوهم إذا اقتضى الأمر، حيث أن فقدان أكثر حاجاتك عمقًا وخصوصية خلال الطفولة شيء مؤلم بحق.

ولكن في الواقع، لا أحد، وأنا أعني لا أحد على الإطلاق يُمكِنه الهرب من هذه الحاجة، يمكنك أن تتجاهلها وأن تخدع نفسك ما شئت، ولكنها باقية. ولهذا حين تكبر دون أن تكون مرئيًّا ومقبولًا من جِهة والديك، فإن هذا يترك أثره عليك.
وحين تكبر، إضافة إلى آثار الإهمال العاطفي نفسه عليك، فإنك تشعر بمشاعر مُتناقِضة، فهؤلاء الأطفال الذين تعرضوا للإهمال العاطفي غالبًا ما يتذكرون الأشياء الماديّة التي حصلوا عليها من آبائهم، ولكنهم لا يكونون واعيين بأهمية العواطف والاحتياجات التي فشل آباؤهم في تلبيتها، لهذا دائمًا ما تتكون لديهم مشاعر معقدة ومحيرة، فيختلط الحب بالغضب، والتقدير بالحرمان، والحنان بالملل وقلة الصبر. وحينها تتساءل عن سبب نقص المشاعر الإيجابية تجاه والديك، وهنا يظهر الشعور بالذنب.

ورغم كل هذا، نموّك في مثل تلك الظروف لا يعني بالضرورة أنك قد غدوت مدمَّرًا، في الواقع، إذا ما تقبلت حقيقة وطبيعة مشاعرك، فقد يؤدي هذا إلى أن تفهم احتياجاتك ومشاعرك معًا، بدلًا من التنصل منها، وبهذه الطريقة سوف تشفي ألم النمو غير المرئي والمفهوم.

الشعور بالذنب

  • هل تشعر دائمًا بغضب عارم تجاه والديك؟
  • هل يتوجب عليك دائمًا أن تَحضر التجمعات العائلية بناءً على رغبتهم فقط؟
  • هل تشعر بالذنب إذا ما قررت أن تقوم بشيء مختلف تمامًا وأفضل لنفسك؟

غالبًا سوف تكون الإجابة نعم على أكثر من سؤال، ولكن من المهم أن تعلم أن الشعور بالذنب غالبًا ما يكون غير مفيد في مثل تلك الحالات، فالهدف الحقيقي من الشعور بالذنب هو أن يجعلنا نتوقف عن إلحاق الأذى بأنفسنا أو بالآخرين، وليس أن نتوقف عن حماية أنفسنا، فأنت كشخص يهتم بنفسه ويحميها من التعرض للتجاهل أو الألم أو كلاهما آخر من يجب عليه الشعور بالذنب.

يُمّكِن أن يقف الشعور بالذنب عقبةٍ في سبيل تغيير حياتك للأفضل وحماية نفسك، فهو يجعلك أكثر هشاشةً وعرضةً للأذى، ولهذا يجب محاربته. وقد صممت بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعدك في مثل هذه المواقف.

4 استراتيجيات للتعامل مع الشعور بالذنب

1- قدّر شدة شعورك من 1 إلى 10 (1 أقل شعور و10 أقصاه).

2- حدّد مصدر شعورك بالذنب، ولِتفعل هذا أجب عن الأسئلة الآتية:

  • ما الذي أشعر بالذنب تجاهه تحديدًا؟
  • ما مدى شعوري بالذنب تجاه قرار اتخذته أو على وشك اتخاذه؟ وما مدى شعوري به تجاه إحدى المشاعر لدي كالغضب أو الكره والنفور؟
  • هل أدّى شعوري بالذنب إلى وصول أي رسالة جيدة من أي نوع؟ على سبيل المثال هل سيساعدني على تغيير سلوكي؟
  • هل يحاول والديّ (إخوتي/ زوجتي/ أبنائي) أن يشعروني بالذنب؟

3- قُم ببعض القرارات بناءً على مقدار شعورك بالذنب ومصادره، وإذا لم يوصل هذا الشعور أي رسائل مفيدة، حاول أن تسيطر عليه بطريقة فعّالة حتى لا يؤثر على قدرتك على وضع حدود مع والديك.
هذا غالبًا ما يجدي في حال كان شعورك ضئيلًا، وفي حال كونه متوسطًا فإنك غالبًا ما تحتاج إلى وقفة مع نفسك تذكرها فيها بمدى عدم فائدة شعورك وأن عليك وضعه جانبًا، أمّا إذا كان شعورك شديد القوة فأنصحك بأن تتحدث مع شخص خبير لتستفيد من الدعم، فقد رأيت الكثيرين ممن يمنعهم شعورهم بالذنب من اتخاذ خطوات مهمة ومحوريّة في علاقاتهم مع آبائهم.

4- استخدم هذه التذكيرات للتعامل مع الشعور بالذنب وأعد قراءتها كلما لزم الأمر:

  • مشاعرك السلبيّة والمختلطة والمؤلمة تجاه والديك منطقية وموجودة لسبب ما.
  • لا يمكنك اختيار مشاعرك.
  • مشاعرك نفسها ليست خاطئة، وإنما تُحاسَب فقط على أفعالك تجاهها.
  • مهما قدّم إليك والداك من ماديات، فإن هذا لا يمحي الخطأ الذي ارتكباه بعدم رؤيتك وتوفير احتياجاتك العاطفية.
  • وضع حدود مع والديك ( زوجتك/ أبنائك/ إخوتك) تحميك من الشعور بالذنب هي مسؤوليتك وحدك، حتى إذا شعرت أنها خاطئة أو سيئة.

شعورك بالذنب قد يقيّدك

للشعور بالذنب طريقة خبيثة في منعك من الاستفادة من مشاعرك الأخرى، كالغضب على سبيل المثال، فالغضب هو طريقة جسدك في أن يقودك لاتخاذ قرار تحمي به نفسك، والغضب الذي تشعر به تجاه والديك موجود لنفس السبب.
هل يخبرك غضبك أن تبتعد عن والديك لفترة؟ أن تضع حدودًا معهم؟ أو تحدثهم عن إهمال الأطفال عاطفيًا؟ أن تقول لا على إجبارهم؟ أن تحمي نفسك بطريقة أفضل؟
كل هذه الأشياء لها أهمية كبيرة، ولكنها تختفي حين يتدخل الشعور بالذنب.

خلاصة القول؛ مشاعرك هي مشاعرك، وهي موجودة لسبب ما، ولكن شعورك بالذنب لن يساعدك، ومسؤوليتك أن تتخلص منه وتترك الفرصة لمشاعرك الأخرى بالظهور والاستماع إليها، وحينها فقط ستغدو علاقتك مع والدَيك أكثر منطقية.

المصدر

ترجمة: ضحى إبراهيم
مراجعة علمية: أحمد منتصر
تدقيق لغوي: هاجر زكريا
تحرير: نسمة محمود

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي