هل تعد الثقوب السوداء ثقوبًا دوديّة متصادمة في الواقع؟

unnamed-file

أثارت الثقوب السوداء جدل الفيزيائيين والعلماء على مر القرون ولا زالت، فقد فُتحت لها ملفات عديدة وتم افتراض وتأكيد العديد من الأوراق والأبحاث في حقها، لكن، هل تكون الثقوب السوداء في حقيقتها بالنهاية عبارة عن ثقوب دوديّة متصادمة؟

فعند اصطدام اثنان من الثقوب الدوديّة، يمكن أن ينتج من ذلك التصادم تموجاتٍ في نسيج الزمكان، والتي قد تجعلهم يرتدون على أنفسهم، وقد اقترحت ورقة بحثية جديدة بأنه يمكن للأدوات المستقبلية أن تكشف عن أصداء تلك الجاذبية، والتي ستزودنا بدليلٍ على وجودِ تلك الأنفاق الافتراضية عبر نسيج الزمكان.

وقد قام بالفعل مرصد موجات الجاذبية (LIGO) بالكشف عن تموجات نسيج الزمكان، والتي يطلق عليها موجات الجاذبية، والتي رُصدت نتيجة اندماج اثنين من الثقوب السوداء، والتي أدت لجائزة نوبل عام 2017.

والحقيقة أن ذلك الاكتشاف، كان مجرد واحدة من عدة ملاحظات تدعم وجود الثقوب السوداء، والتي رُصدت أثناء عمل المرصد، لكن تكمن المشكلة في أن هذه الأجسام الغريبة لا تزال تطرح مشاكل نظرية، فهي مثلًا تتعارض مع قوانين ميكانيكا الكم، والطريقة الوحيدة لحل تلك المشكلات، أن تكون الثقوب السوداء عبارة عن ثقوبٍ دوديّة، وهي ممرات تخيّليّة موجودة داخل الثقوب السوداء، لكنها أسيرة النظرية الرياضية فهي لم ترصد بأي طريقة بعد.

نقطة اللارجوع

تحتوي الثقوب السوداء على عدة مميزات هامة تعطيها تلك الهيبة وتجذب بها الاهتمام، ولعل من المميزات الرئيسية فيها أفق الحدث، فهو منطقة من نسيج الزمكان التي لا يمكن لشيء -حتى الضوء- أن يهرب منها بعد الدخول فيها، فإن قمت برمي أي شيء داخل ثقبٍ أسود فلا يمكنك الاعتقاد أنه من الممكن الحصول عليه مرة أخرى، بل هو يضيع للأبد.

وقد اكتشف ستيفن هوكينج ذلك بفضل ظاهرة تعرف بالنفق ّ، فالثقوب السوداء تستطيع إنتاج إشعاع قليل جدًا في الواقع، والذي يعرف باسم (إشعاع هوكينج)، لدرجة أنه حتى من الممكن اختفاء الثقوب السوداء على المدى الطويل بسبب ذلك الإشعاع.

لكن بالرغم من ذلك، لا يحمل هذا الإشعاع أي دليل لما قد دخل في الثقب الأسود، فقد قد قالت (آمبر ستوفر – Amber Stuver) -عالمة الفيزياء الفلكية بجامعة فيلانوفا في بنسلفانيا- والتي لم تشارك في البحث الجديد:

«إن كل ما يخرج يعتبر عشوائي»

وقد أضافت شيئًا مهمًا قائلة:

«في ميكانيكا الكم، إن كنت تعرف كل شيء عن نظام معين، فسيكون عليك أن تكون قادرًا على وصف الماضي والمستقبل لذاك النظام»

وبسبب ذهاب أي معلومات تدخل إلى الثقب الأسود تمامًا، فلن يكون بالإمكان معرفة مستقبلها، ولذا يتعارض أفق الحدث مع قوانين ميكانيكا الكم.

ولوجود حلٍ ما، فقد اقترح بعض الفيزيائيين بأن أفق الحدث ذاك ليس موجودًا -مما يسمى بمفارقة معلومات الثقب الأسود، وأنه بدلًا من أن تكون الثقوب السوداء عبارة عن هاويات لا تسمح لشيء بالعودة، فقد تكون عبارة عن أجسامٍ متضاربة تشبه الثقوب السوداء، لكن تفتقر إلى آفاق الحدث، وهي أجسام وُضعت نظرياتها من قِبَل (ألبرت اينشتاين – Albert Einstein) والفيزيائي (ناثان روزين – Nathan Rosen ) منذ عدة عقود، وهي (Boson Stars)، و(Gravasta)، و(Fuzzballs).

أشباه الثقوب السوداء

وفي دراسة تمت عام 2016 في مجلة (Physical Review Letters)، اقترح الفيزيائيون بأنه إذا تصادم اثنان من الثقوب الدوديّة فسوف تنتج موجات جاذبية شبيهه جدًا بالتي تولدت عند اندماج الثقوب السوداء.

أما الفارق الوحيد فيكمن في الإشارة، فهي تتولد من مرحلة الاندماج الأخيرة والتي تسمى بـ (Ringdown). في حين تسترخي الثقوب السوداء والثقوب الدوديّة المندمجة حديثًا في الحالة النهائية، ولأن الثقوب الدوديّة لا تحتوي على آفاق الحدث، فإن موجات الجاذبية تضرب تلك الأجسام مما يجعلها ترتد إلى الخلف منتجة صدى خلال الـ (Ringdown).

وقد قال الباحثون في دراسة جديدة في (Live Science):

«تحتوي تلك الأجسام من الداخل على نوع من التجويف حيث تنعكس موجات الجاذبية، وإن أصداء الجاذبية لا تختلف كثيرًا عن صوت الصدى العادي الذي يتم إنتاجه بالوادي»

وقد حلل فريق من بلجيكا وإسبانيا الثقوب الدودية الدوّارة، والتي تعد أكثر واقعية من المجموعة التي لا تدور والتي تمت دراستها عام 2016، فقاموا بحساب نتائج إشارة الموجات التي ستكون، إن اندمجت الثقوب الدوديّة.

وبسبب قوة وقوع الإشارات خلال الـ(Ringdown)، فإن الجزء الخاص بالإشارة سيكون كشفه ضعيفًا جدًا بالتكوين الحالي لمرصد (LIGO)، ولكن قال الباحثون أنه من الممكن تغير هذا في المستقبل لاستمرارهم بتحديث الآلة وعمل الضبط الدقيق لها، فقد قال ستيف -عضوٌ بفريق LIGO-:

«أنه بمرور الوقت الذي نعمل فيه على حساسية تصميم كامل، أؤمن بإمكانيّة حل مرحلة (Ringdown) حيث يتم التوقع للأصداء بأن توجد فعليًا»

وحتى الآن، فإن التعامل مع الثقوب الدودية كخيال علمي يأخذ حظًا أوفر من الحقيقة العلمية، فهي غالبًا ما تستخدم في الأفلام والكتب كطرق سريعة بين المجرات، وبالنسبة لكونها ممرات للعبور، فقد يكون من المحتمل أن تحتاج بعض الأشياء والمواد الغريبة لتبقيها مفتوحة.

لكن قد خطر إلى العلماء في ديسمبر الماضي فكرة بأن ممرات الثقوب الدودية لا تحتاج لمواد غريبة، لكنها وكحال كل الثقوب الدودية متضاربة للغاية.

وقد قال الباحثون:

«ومن ناحية أخرى، فإن آثار الكشف عن الأصداء قد تكون ذات أهمية درامية في الفيزياء. لذا، فإن إعطاء ذلك فرصة اختبار تجريبي فعلي قد يكون متاحًا قريبًا، فذلك يستحق اكتشافه!»

وقد قال (فيتور كاردوسو- Vitor Cardoso) -فيزيائي بجامعة (Lisbon) بالبرتغال والذي كان جزءً من دراسة الثقوب الدودية غير الدوارة- :

«لقد حان الوقت الآن لأخذ أمر إمكانيّة وجود أجسام أخرى قد يكون لها نفس كتلة ومحتوى الثقوب السوداء على محمل الجد، فهو يعد واحدًا من أكثر الأشياء إثارة يمكننا القيام بها بموجات الجاذبية»

المصدر

ترجمة: دينا الخطيب
مراجعة علمية: سارة سامر
تدقيق لغوي: مريم سمير
تحرير: نسمة محمود

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي