الخيول الحربية في العصور الوسطى.. قد تخالف كل تصوُّراتنا!

2

مقدمة

في الملحمة الدرامية الشهيرة “Lord of the rings” يقوم آراجون ورفاقه من الفرسان بامتطاء خيول ضخمة، شاهقة الارتفاع، كبيرة الحجم. وفي بعض الملاحم الأخرى التي تعتمد على مصادر مكتوبة، تثير خيول الفرسان الرَّهبة والخوف في قلوب الأعداء. ربما كل هذه النظرة والتصوُّرات أصبحت على المحكّ؛ فوفقًا لدراسة جديدة نُشرَت في المجلَّة الدولية لعلم الآثار العظميَّة، فمن المحتمل جدًّا أن تكون خيول الحرب في العصور الوسطى أصغر حجمًا ممَّا نتصوَّره.[2]

في أكبر دراسة على الإطلاق تهتم بدراسة عظام الخيول، قامت مجموعة بحثيَّة مكوَّنة من خمس جامعات إنجليزية بفحص ما يقارب نحو 2000 حصان، والعثور على بعض العيِّنات التي يعود تاريخها إلى ما بين القرنين 14- 17م، موزَّعة على 171 موقعًا أثريًّا فريدًا، بما في ذلك القلاع، والحصون، ومقابر الأحصنة في العصور الوسطى. وقد قام هذا الفريق بمقارنة البيانات المُستخرَجة من هذا الفحص مع السلالات الحديثة، ومعرفة أكبر قدر ممكن عن أحجام وأشكال الخيول في تلك الفترة.[2]

 

ملخص البحث المنشور

وجاء ملخص الدراسة المنشور في المجلة على النحو التالي :

“تقدِّم الثقافة الشعبية تصوُّرًا متجذِّرًا لخيول الحرب في العصور الوسطى على أنها حاملات ضخمة وقوية؛ لكن الأدلة النصية والمصدرية المتعلقة بهذه الفترة لا تزال محل نقاش كبير. بالإضافة إلى ذلك، تُعدُّ دراسة الخيول الحربية في السجلَّات التي دوَّنت حياة الحيوانات أمرًا صعبًا؛ بسبب ندرة بقاياها مقارنةً بغيرها من الحيوانات الأخرى، وميل الباحثين إلى التركيز على الحجم العظمي وإهمال الجانب الديناميكي، ممَّا يجعل من الصعب إعادة بناء وقراءة حياة الخيول واستخداماتها وأنشطتها في تلك الفترة.

تقدِّم هذه الورقة أكبر مجموعة بيانات عن آثار لعظام الخيول الإنجليزية -نحو 1964 هيكلًا- تمَّت دراستهم في نحو 171 موقعًا أثريًّا فريدًا يرجع تاريخها بين عامي 300م و1650م، وباستخدام هذه البيانات جنبًا إلي جنب مع عيِّنات من خيول معروفة، يحاول القائمون على البحث دراسة كافة النواحي المتعلِّقة بحجم وشكل واستكشاف الهياكل العظمية للخيول عبر الزمن، بما يعكس أدوارها المحلية والعسكرية”.[3]

 

كيفية قياس أحجام الخيول

يُقاس حجم الخيول وطولها بوحدة (الأيدي) والتي تساوي 4 بوصات لكل وحدة، فتقاس الخيول بهذه الوحدة من الأرض حتى أكتافها. على سبيل المثال؛ الخيول الحديثة التي تُستخدم اليوم في أعمال الشرطة يصل طولها أو ارتفاعها حوالي 16 يدًا، وهناك سلالات حديثة مثل (الفريزيان) و(الشيري) يصل ارتفاعها لحوالي 17 أو 18 يد (68 – 72 بوصة)، وتتناسب الخيول الرياضية المستخدمة في حلبات السباق حاليًا مع هذه التقديرات.[1]

 

حجم الخيول المكتشَفة

ومع هذه التقديرات السابقة، وجد آلان اوترام -عالم الآثار بجامعة إكستر في المملكة المتحدة- وفريقه البحثي القليل من أدلَّتهم الأثريَّة التي يقترب تقدير حجم الخيول فيها إلى هذه الأحجام المرتبطة بالسلالات الحديثة، وعنها يقول أوترام: “كل الأحجام التي كنا نفكِّر فيها لم تكن موجودة، وأكبر حجم تم اكتشافه في هذه البقايا كان بين 12- 14 يدًا (48- 56 بوصة). ووفقًا لـ ماثيو هارت -وهو أحد أفراد الفريق- فإنَّ أكبر الخيول التي اكتُشِفت كان في منطقة Trow bridge في مقاطعة Wiltshire؛ حيث كان يبلغ طوله حوالي 15 يد، وهو صغير الحجم مقارنة بأحجام خيول العصر الحديث، فمن الناحية العلمية والفنية، إنَّ أيّ حجم أقل من 14 يد يعتبر مهرة وليس حصانًا.[2]

د/ كاثرين كين تعاين عظم أحد الخيول عُثر عليه في منطقة جولثو، لينكولنشاير.
د/ كاثرين كين تعاين عظم أحد الخيول عُثر عليه في منطقة جولثو، لينكولنشاير.
المصدر:
Dr Katherine Kanne, of the University of Exeter, looking at a horse bone found in Goltho, Lincolnshire. Photograph: University of Exeter/PA

يضيف أوترام: “إنَّ جميع خيول العصور الوسطى كانت تقريبًا في حجم المهور التي نشهدها في العصر الحديث”، ولاحظ أوترام والفريق البحثي أن دروع الخيول التي تعود إلى تلك الفترة الموجودة في العديد المتاحف لا يتناسب مع التصوُّر القائل بكبر حجم الخيول وضخامتها نظرًا لصغر حجم هذه الدروع، كما أنَّ العظام المكتشَفة بدت وكأنها صغيرة الحجم. أضف إلى ذلك، ما يصوِّره لنا فنُّ العصور الوسطى أحيانًا أن أرجل المحاربين الفرسان متدلية جدًا؛ مما يعطي انطباعًا بصغر حجم حامليهم. ومن ناحية أخرى، تصور لنا الأوصاف الواردة في الكتب الأدبية وصفًا مختلفًا لهذه الخيول بأنها مدمِّرات، ممَّا أثار جدلًا لا بأس به حول حجم خيول الحرب في العصور الوسطى، فكثير من المحلِّلين يرَون أن المهور الصغيرة لا يمكنها تحمُّل وزن الفارس ودروعه معًا، فهل كانت المهر مناسبة للوظيفة المناط بها القيام به؟!.[1]

مخطوطة فرنسية قديمة تصور الخيول فترة الحروب الصليبية.
مخطوطة فرنسية قديمة تصور الخيول فترة الحروب الصليبية. نقلًا عن : https://www.theguardian.com/science/2022/jan/10/medieval-warhorses-no-bigger-than-modern-day-ponies-study-finds

 

يواجه البعض صعوبة في الاعتقاد بأنَّ خيول العصر الوسيط كانت صغيرة جدًا بسبب الوزن التي كان عليها حمله؛إذ أنه إلى جانب وزن الفارس، كان هناك مجموعة من الدروع تزن ما بين 45- 55 رطلًا. لكن صعوبة هذا الاعتقاد لا يحمل أوترام لها بالًا مستندًا إلى أنَّ حصان العصر الحديث الذي يزن حوالي 14 يد يمكنه إلى حد ما تحمُّل هذه الأوزان جميعها.[1]

ومع ذلك، يبدو أن الحجم لم يكن الحاسم الوحيد عند اختيار الجياد في العصور الوسطى، فقد استُخدِمت أيضًا على نطاق واسع ولعدة أغراض في الحرب؛ فمثلًا استُخدمت خيول ذات أحجام معينة لمطاردة الأعداء الفارِّين، وكذلك هناك مجموعة منهم استُخدمت في مقدمة الهجوم، وقد خضعت الخيول لأجل تنفيذ هذه المهمات إلى تدريبات مكثَّفة؛ لذا كان عليهم أن يكونوا قادرين على المناورة ومواجهة العنف المحتمل ضدهم، يقول أوترام: “لم يكن الأمر متعلِّقًا بالحجم، فالمحارب لا يريد خيلًا مخيفًا بقدر ما يريد خيلًا سريعًا، يسير الحركة، سريعُ الرَّكض”. ورغم أنَّ العديد من أفراد العائلات الملكية قد احتفظوا بسجلات مفصَّلة لخيولهم -ما يزال بعضها موجودًا وتتضمَّن كل شيء عن أسماء وألوان الجياد وتكلفة أكلها ورعايتها- إلَّا أنه لسوء الحظ لم تحوي هذه السجلات أية معلومات عن وزن الخيول أو أحجامها.[1]

ورغم كل هذه الاستنتاجات، إلا أنَّ العلماء ما زالوا يواجهون بعض القيود على النتائج الخاصة بتلك الدراسة، ومنها ذلك التحدي المتمثِّل في التأكُّد من أن هذه الخيول المكتشفة كانت تُستخدم جميعها في الحرب، أم لأغراضٍ أخرى في الزراعة وغيرها. ولكن نظرًا لأن جميع بقايا الخيول التي تم فحصها كانت صغيرة؛ فمن المحتمل أن أحصنة الحرب أيضًا كانت صغيرة الحجم أشبه بالمهر، ويخطِّط علماء الآثار مستقبلًا لدراسة دروع الأحصنة في العصور الوسطى مع تحليل الحمض النووي للعيِّنات المستخرَجة لفهم طبيعة هذا الحيوان بشكل أفضل.[2]

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي