أظهرت تجربة بين الثقافات شارك بها أفراد من جميع أنحاء العالم أن تفشي الانتهاكات القانونية في مجتمعٍ ما كالتهرب الضريبي، وسياسة الاحتيال؛ تؤثر على مدى مصداقية الأفراد.
هل يؤثر المجتمع في القيم الأخلاقية الجوهريه للفرد؟
حسنًا، في المقال المنشور في مجلة Nature قام كلًا من Gächter و Schulz بتناول المسألة عن طريق تجربه شملت (2.568) مشارك من (23) دولة مختلفة، يرى الكُتّاب أن تفشي الانتهاكات القانونية التي شملتها الدراسة وهي التهرب الضريبي والفساد والاحتيال السياسي له ارتباط وثيق بميل سكان الدوله للكذب من أجل الحصول على بعض المال الإضافي، وقد رفضت الاكتشافات أي تشابه في القيم الأخلاقية في مختلف بلدان العالم وأشارت لأن وجود فساد الدولة يفسد الرعية.
لم تهتم الأبحاث التجريبية على السلوك الأخلاقي والتي ركزت على الصدق كقيمة جوهرية بما يجب أن يتصرف عليه البشر، ولكن علماء النفس والباحثين قاموا ببحث وصفي للحالات التي يكون فيها البشر أكثر عرضة لانتهاك القيم الأخلاقية، والهدف من هذه المحاولات هو التدخل لتشجيع السلوك الأخلاقي؛ فالانحراف في سلوك البشر هو نتيجة تفاعلهم مع البيئة المحيطة، فعلى سبيل المثال فإن الأشخاص يميلون أكثر لإلقاء القمامة أو إرجاع عربات التسوق لمكانها إذا كان هناك خلل أو ارتباك بالبيئة المحيطه كالكتابات على الجدران-Graffiti ولكننا ما زلنا نجهل إلى أي مدى يؤثر فساد أعرافنا الاجتماعية في تشكيل المعايير الأخلاقية، وللتعامل مع هذه المسأله قام كل من Gächter و Schulz باستخدم المؤشرات الحالية لمدى تغلغل الديموقراطية في الممارسات السياسية والأنشطة الاقتصادية الغير مشروعة ومستويات الفساد للوصول لما يسمى (معدل تفشي انتهاكات القوانين) الموضح بالصورة.
هذا وقام الكُتّاب باستخدام الإحصائية الموضحة في الشكل التي قدرت بياناتها اعتبارًا من عام (2003) وقد أجريت على (159) دولة بالإضافة للتحقيق الذي شمل (23) من الدول الممثلة. وفي كل دولة تم اختيار مجموعة من الشباب لم يؤثروا بالبحث، وهذه الخطوة أساسية في تحديد الأسباب لهذه الظاهرة، أنه كلما قلت الانتهاكات القانونية؛ تزيد القيم الأخلاقية لدى البشر وليس العكس.
طُلب من المشاركين أن يلقوا بنردٍ ليحددوا أرباحهم من التجربة ثم ينظروا للنتيجة، ويكرروا العملية مره أخرى، ثم طُلب منهم أن يبلغوا النتيجه الأولى فقط على أن يكون المكسب أكبر كلما كان الرقم أعلى إلا في حالة الرقم 6 فإنه لا يحصل على شيء، وأتيحت إمكانية كذب المشاركين لزيادة أرباحهم خاصةً أن التجربة أجريت بخصوصية، وعلى الرغم من أن التجربة لم تتيح تحديد صدق أو كذب الأفراد إلا أنه يمكن استخدام التقارير للوصول لدرجة ونمط الكذب في الدولة.
منحتنا الدول الصادقة نماذج كثيرة معتدلة من نتائج المشتركين يتخذها العلماء كمعيار (للصدق والأمانة) وفي بعض الدول يقوم سكانها بالكذب من أجل زيادة أرباحهم خلال التجربة، وفقط من تصل إجاباتهم لـ(5) كأكبر معدل فإنها تصنّف بخيانة الأمانة، وعلى الرغم من هذا فالبعض يميل للصدق رغم كذبهم فيجيبون بالنتيجة الأعلى بين المرتين وليس نتيجة المرة الأولى كما تنص القواعد ويصنفون بخيانه مبررة للأمانة.
وجد Gächter و Schulz أن المشاركين لم يكونوا على درجة كاملة من الأمانة ولا كاذبين تمامًا، ولكن يمكن تصنيفهم تحت (خيانه مبررة للأمانة)، خاصة في الدول التي يرتفع فيها معدل انتهاكات القوانين. هذا يشير إلى أن التعرض الكبير للانتهاكات القانونية يحول الناس إلى محرفين للحقيقة، ولكن ليس لكاذبين وقحين.
كما أشار المقال إلى وجود علاقة بين كلٍّ من معدل الانتهاكات القانونية ونتائج المشاركين في التجربة، واقترحوا أن المشاركين من الدول الأكثر فسادًا يكذبون أكثر من مشاركين الدول الأقل في نسبة الفساد. وبالنظر إلى عدم اشتراك المشاركين في أي أنشطة خارجية قد تؤثر على نتائج بلدانهم فإن السبب المحتمل هو تأثير معدل انتهاكات الدولة للقوانين على مدى صدق أفرادها.
ثم قام Gächter و Schulz بتقديم اختبارات متعدده للتأكد من مدى صحة الإحصائية، فعلى سبيل المثال فإن الرجوع للاحصائيات القديمة المتعلقة بموضوع البحث كمعدلات الفساد لعام (1996) تنبأت هي الأخرى بعدم أمانة المشاركين.
فالإفتراض الأساسي ل Gächter و Schulz هو أن معدل انتهاك القوانين في الدولة يؤثر بالضرورة على مدى صدق الأفراد، وهو أمر محدد منذ البداية ولكن ما توصلت له الدراسة أن الفرد قد يكون صادقًا وكاذبًا في نفس الوقت فإذا كان الفرد يتعامل مع شخص كاذب فإن احتمالية كذب الفرد نفسه تزيد، ولكننا لا نلحظ تلك الدينامية عند النظر لأمثلة بسيطة من الصدق والكذب.
ولا تزال هناك عدة أسئلة مثيرة للاهتمام مطروحة للمستقبل، كم من الوقت يستلزم تطبيع الأفراد على معدل أو مستوى انتهاكات الحكم بدولتهم؟
حسنًا، وفقًا لإحصائية أجرتها منظمة الشفافية الدولية فإن معدلات الفساد قد انخفضت في عدة دول منها بريطانيا واليونان والسنغال بين عامي (2012 و 2015) فمتى نتوقع زيادة معدل الصدق في هذه البلدان؟ خاصةً وأن الناس لا تقتصر تعاملاتهم على بلدانهم، فهم يسافرون إلى الخارج للعمل، أو للدراسة وفق برامج تبادل الطلاب والهجرة، لهذا يظل تأثير تفاعل الأفراد بالبلدان الأخرى على مستوى الأمانه لغزًا محيرًا.
والأهم من ذلك، أنّ الدراسة توضح أن تجارب اقتصاد السلوك توفر لنا نظرة ثاقبة لكيفية حل المشاكل العالمية، ووفقًا لتقرير أعده الاتحاد الأوروبي لمكافحة الفساد؛ فقد قدرت خسائر الإتحاد الأوروبي (120) مليار يورو سنويًا (132 مليار دولار) أي ما يقرب من ميزانيتها السنوية. ويمكن أن نلخص التقرير في أن (الفساد يدمر الاقتصاد والمجتمع ككل)، ويثبت لنا Gächter و Schulz أن الخسائر ليست مادية فقط فالفساد لا يحرم شخصًا واحدًا من النمو والازدهار الاقتصادي، ولكنه يهدد الأمانة الجوهرية للأفراد.
ترجمة: Ahmed M.hassan
مراجعة: Matalgah Hamzeh
تصميم: Ayman Samy
المصدر: nature