هـ. ج. ويلز: الرجل الذي اخترع آلة الزمن

The-time-machine-e1541756542731

هـ. ج. ويلز .. الرجل الذي اخترع آلة الزمن|هـ. ج. ويلز .. الرجل الذي اخترع آلة الزمن

سنبدأ بالتساؤل المعتاد المتكرر في الأوساط العلمية والعالمية، هل يمكن اختراع آلة الزمن؟ هل من الممكن السفر للمستقبل، أو الماضي؟ هل يمكن معرفة ما يخبئه لنا المستقبل، وما سوف نصل إليه من اختراعات مستقبلية؟ ما هو مصير البشرية بعد قرن آخر من الزمان؟
حسنًا، حتى الآن -وعلى قدر ما نعلم- لم تُخترع آلة الزمن بعد، ولا يمكننا السفر للمستقبل أو الماضي، إنما هو حاضرنا الذي نعيشه بالفعل. لكن هناك رجلًا واحدًا، عاش ومات في القرن الماضي، تمكن من اختراع آلة الزمن الخاصة به. كاتب الخيال العلمي (هـ. ج. ويلز – H. G. Wells)، والذي يمكن اعتباره أب هذا النوع من الأدب.

فمنذ بدء الخلق، حاول الإنسان جاهدًا تحدي قوى الطبيعة، ويبدو أنه نجح -حتى الآن- في تخطي حواجز  المكان وأبعاده الثلاثة؛ باستخدام الخيال قبل العلم، فصعد إلى سطح القمر، وغاص إلى أعماق المحيطات. ولكن تبقى له بعدًا رابع، ما زال عصيًّا بالنسبة له، وهو الزمن.

هـ. ج. ويلز .. الرجل الذي اخترع آلة الزمن
Herbert George Wells, By George Charles Beresford

آلة الزمن وأشياء أخرى

عندما تُوفي (كريستوفر رن) في العام 1723، المهندس المعماري العظيم الذي صمم كاتدرائية القديس بولس في لندن، بعد 12 عامًا من إنشائها، دُفن بها. ومن أجل تخليد ذكراه كُتبت هذه الكلمات الرثائية بالقرب من قبره باللّغة اللاتينية: “Lector, si monumentum requiris, circumspice”، وهي تعني: «أيها القارئ، إذا كنت تبحث عن نصب تذكاري، انظر من حولك». (1)

وُلِدَ هربرت جورج ويلز منذ 152 عامًا، تحديدًا في عام 1866، ولم يمتلك نصبًا تذكاريًا أو كلمات رثاء، ولكن إذا كانت هناك كلمات ترثيه فستناسب هذه الكلمات السابقة الميراث الذي تركه بعد رحيله «أيها القارئ، إذا كنت تبحث عن نصب تذكاري، انظر من حولك».

فيمكننا رؤية نصبه التذكاري في أي مكان من العالم، أينما قرأنا قصص الخيال العلمي الرائعة، أو كلما شاهدنا واستمتعنا بأفلام الخيال العلمي، فستظل هذه الكلمات حقيقية للغاية، لأنها نصب تذكاري من الأفكار. إذ تشهد كتب وأفلام وأفكار الخيال العلمي على هذا، ناهيك عن عدد لا يُحصى من الكتاب والفنانين الذين استقوا إلهامهم وخيالهم من هـ. ج. ويلز وأعماله العظيمة. فلم يحجز ويلز مكانته كواحدًا من آباء أدب الخيال العلمي من فراغ.

كل منّا يمتلك آلة الزمن الخاصة به، أليس كذلك؟
تلك التي تأخذنا إلى الوراء هي الذكريات، وتلك التي تحملنا إلى الأمام هي الأحلام

عندما كتب هـ. ج. ويلز روايته العلمية الرومانسية -كما أحب أن يطلق عليها- «آلة الزمن» في العام 1895، لم يؤسس فقط لهذا المصطلح لكنه بدأ نوعًا جديدًا من أنواع الأدب، وهو أدب السفر عبر الزمن. في حين سبقتها عدّة تجارب، لكنها كانت تفترض أن السفر عبر الزمن سيحدث بصورة روحانية، وليست جسدية أو فيزيائية، ولكن وضع هـ.ج. ويلز حجر الأساس للسفر عبر الزمن جسديًا وفيزيائيًا، لتحذو حذوه كل القصص والروايات التالية من هذا النوع، فهي لم تقتبس الإلهام فحسب، ولكنها اقتبست العديد من الأفكار لمسافر عبر الزمن -وهو مصطلح آخر صاغه ويلز- ينطلق في رحلته إلى مستقبل البشرية.

وفي رواياته الرومانسية العلمية التي كتبها بعد «آلة الزمن»، ابتكر هـ. ج. ويلز من خياله الخصب بعض التحف الإبداعية الرائعة، والتي خلدت اسمائها كأعمال أدبية مؤسسة في أدب الخيال العلمي، وما زال يستمد الكتاب منها الأفكار حتى يومنا هذا.
من عالم مجنون يلعب دور الإله بعلم تشريح الحيوانات الحية والهندسة الوراثية في رائعته «جزيرة الدكتور مورو» في العام 1896، إلى قصة الرجل الذي تمكن من إخفاء نفسه في رواية «الرجل الخفي» في العام 1897، إلى غزو سكان كوكب المريخ للأرض في «حرب العوالم» عام 1987.

كان هـ. ج. ويلز أول من استخدم هذه الأفكار، إن لم يكن أول من ابتكرها، وثبت دعائمها في الوعي والخيال الجمعي، حيث بقيت راسخة هناك منذ ذلك الحين. لم تكن هذه الروايات سوى أربعة فقط من بين أشهر أعماله الأدبية، والتي لم تتوقف طباعتها على مدى قرن ونصف من الزمان، وهو شاهد آخر على روعتها التي لا تنضب بمرور الأعوام.

هـ. ج. ويلز.. الرجل الذي رأى المستقبل

لم تقتصر موهبة هـ. ج. ويلز على كتابة القصص والروايات الأدبية الرائعة فحسب، ولكنه امتلك رؤية مستقبلية عظيمة بشأن الأحداث والتكنولوجيا القادمة. الأشعة الحرارية وأسلحة الطاقة الموجهة في «حرب العوالم»، الهندسة الوراثية والأبواب الأوتوماتيكية في «عندما يستقيظ النائم». والدبابات، قبل أعوام طويلة من ظهورها على أرض الواقع، في «أرض المدرعات» عام 1903، وبالمثل القنابل الذرية وسحب عيش الغراب في رواية «العالم يتحرر» عام 1914.

وعلاوة على كل هذا، ابتكر هـ. ج. ويلز جهاز اتصال لاسلكي، ونوع من أنواع شبكات الإنترنت والبريد الإلكتروني والصوتي في روايتيه «شكل الأشياء القادمة» و«رجال كالآلهة» على التوالي، وروايات أخرى تنبأ فيها بأنظمة مراقبة المواطنين وجراحة التجميل.

كان ويلز مستقبليًا قلبًا وقالبًا؛ داعيًا إلى تأسيس دراسة العلوم المستقبلية في حوالي أواخر عشرينيات القرن الماضي، بالإضافة لإنشاء إدارات الاستبصار كما أسماها، وذلك قبل عقود من البدء في تعليم دراسات المستقبل بشكل رسمي وأكاديمي.
ولهذا وأكثر، يعتبر الكثيرون هـ. ج. ويلز الأب المؤسس لحركة المستقبلية (Futurism).

يوتوبيا هـ. ج. ويلز

لم يشتهر أحدًا من الكتاب بقدرته على رؤية المستقبل أكثر من هـ. ج. ويلز؛ فيمكننا أن نرى في كتاباته توقع اختراعات مثل الطائرة، والدبابة، والسفر في الفضاء، والقنبلة الذرية، وتلفزيون الأقمار الصناعية، وشبكة الإنترنت. كما صورت رواياته قصص السفر عبر الزمن، والغزو الفضائي، والهبوط على سطح القمر، والبشر الذين امتلكوا قوى الآلهة.

وهو ما يذكرنا به حتى وقتنا الحالي، ورغم هذا تظل النبوءة التي تعلق بها قلب هـ. ج. ويلز، وهي إنشاء دولة عالمية موحدة، لم تتحقق بعد، ويبدو أنها بعيدة المنال. إذ أنه تخيل دولة يوتوبيا تترأسها حكومة مثالية، مهمتها العمل على تأكيد تلقي كل فرد من مواطنيها لتعليم جيد خاصةً في العلوم، والحصول على وظيفة تناسبه وترضيه، بالإضافة إلى تمتعه بحريته وحياته الخاصة.

فترابطت اهتماماته بالمجتمع والتكنولوجيا بشكل وثيق. كما ارتبطت رؤيته السياسية بوسائل النقل الرائعة التي اشتهر بها في قصصه، من آلة الزمن إلى المركبات المريخية ذات الثلاثة أرجل، إلى الممرات المتحركة والطائرات.

في كتابه «التوقعات» عام 1901، تنبأ ويلز بإلغاء المسافات عن طريق التقنيات المعاصرة مثل السكك الحديدية. وشدد على أنه بما أن سكان مختلف دول العالم يمكنهم الآن السفر والانتقال سريعًا باتجاه بعضهم البعض، فقد كان من الأهمية بمكان بالنسبة لهم أن يفعلوا ذلك بسلام بدلًا من القتال. (2)

استمدت أفكاره الاجتماعية جذورها من تدريبه كعالم، حيث نال منحة دراسية من كلية لندن الإمبراطورية، وتعلم الأحياء على يد توماس هكسلي، جد الروائي والشاعر ألدوس هكسلي. (3)
وقد حفزته دراسته العلمية على كتابة رواياته الرومانسية العلمية الأولى مثل «آلة الزمن».

كانت تتميز أعماله دائمًا بأن لها بعدًا سياسيًا واضحًا، ولكنه أعطى هذا البعد مزيدًا من الأهمية عند اندلاع الحرب العالمية الأولى، وبدافع احباطه من مشهد فشل الخطط الإنسانية، اعتزم ويلز على إعادة تعليم العالم.

ويزعم الكثيرون أن كتابه «موجز تاريخ العالم» عام 1919 هو أول توثيق عالمي لتاريخ الجنس البشري، راويًا قصة الإنسان منذ أولى مراحل تطوره. وعلى أمل أن يسمو قرائه، بعد علمهم بالأصل المشترك لجميع البشر، ليصلوا لفكرة الدولة القومية الواحدة؛ ليروي هذا الموجز المكون من أربعة وعشرين جزءًا من تاريخ مستقبل «الولايات المتحدة العالمية».

الحرب العالمية الثانية

إذا لم نُنهي الحرب، الحرب ستُنهينا

باع هذا الكتاب عددًا هائلًا من النسخ، وتُرجم لأكثر من لغة، لكن شعر ويلز أنه تحول لمجرد موضة في ذلك العصر، أكثر من كونه مؤثرًا على السياسات العالمية؛ لذا اتجه إلى السينما لينشر فكرته على نطاق أوسع. في فيلم «الأشياء القادمة»، من إخراج ألكسندر كوردا، وهو اقتباس لرواية ويلز «شكل الأشياء القادمة»، يتوقع عدّة نواحي من الحرب العالمية الثانية، مثل القصف الجوي للمدن المأهولة بالسكان.

كانت الحضارة على وشك أن تفنى، ولكن تقع عملية إعادة الإعمار على عاتق المجموعة الدولية من الطيارين «أجنحة فوق العالم»، وفي النهاية وصلوا لغزو الفضاء. ومرة أخرى، لم يكن ويلز راضيًا عن المنتج السينمائي، إذ قال: «لتعبر حتى عن أبسط الأفكار غير التقليدية على الشاشة، كأنك تحاول الصراخ من خلال اللُّبَّادُ السميك أثناء عاصفة رعدية».

وتسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية واستخدام القنبلة الذرية -والذي كان قد توقعه بالفعل في عام 1914- في المزيد من الضربات الموجعة لمشروعه الشامل، ليكتب في مقدمة إعادة إصدار إحدى رواياته «الحرب في الهواء» عام 1941: «لقد أخبرتكم، أيها الحمقى».

يعتبر هـ. ج. ويلز واحدًا من أكثر كتاب اللّغة الإنجليزية المؤثرين على مر التاريخ. فلم تتوقف رواياته الرومانسية العلمية «آلة الزمن» و«حرب العوالم» عن الطباعة مطلقًا. وأُشيد بعبقريته منذ بداياته، ليساعد على تشكيل مخيلة عدد كبير من الكتاب والمؤلفين على غرار جورج أورويل، وجورج لويس بورجيس، وراي برادبري، وتقريبًا كل كتاب الخيال العلمي الذين جاؤوا من بعده.
وبينما يتذكره العالم حاليًا بسبب أعماله الأدبية في الخيال العلمي، أكثر من أفكاره اليوتوبية لحكومة عالمية، فربما لا يزال هناك ما يمكننا تعلمه من السياسي والمفكر هـ. ج. ويلز.

ولكنه لو كان على قيد الحياة اليوم، وهو الذي كتب في رواياته الكثير والكثير من رؤياه المستقبلية التحذيرية، من فقدان الحريات والخصوصية، والتمييز بين البشر، والتكنولوجيات التي تُستخدم للقضاء على الإنسانية، لكان سيقول لنا ذات الكلمات التي تصلح لرثائه: «لقد أخبرتكم، أيها الحمقى».

إعداد: محمد يوسف
مراجعة: آلاء محمد

المصادر:

  1. BBC – History – Sir Christopher Wren [Internet]. [Cited 2018 Nov 9]. Available from: http://www.bbc.co.uk/history/historic_figures/wren_christopher.shtml
  2. H.G. Wells. Anticipations. United Kingdom: Chapman & Hall. 1901. Print
  3. G. Wells | British author [Internet]. Encyclopedia Britannica. [Cited 2018 Nov 9]. Available from: https://www.britannica.com/biography/H-G-Wells
شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي