سلسلة حروب البشر مع الكائنات المجهرية (الحلقة الثانية) : الكوليرا

Series

◄ مقدمة تاريخية:

كان عام 1817 في دلتا نهر الغانغ مشؤومًا بحق، حيث كان ميلاد وباء الكوليرا في كلكتا في البنغال، وفي خلال عامٍ كان الوباء قد انتشر في جميع أنحاء شبه القارة الهندية والذي سيعرف فيما بعد بالاندلاع الأول للكوليرا. وصل الوباء إلى بومباي وسيام (في كمبوديا) وبينانج (في ماليزيا) ثم وصل بانكوك عام 1820. وفي العام التالي يصل الوباء إلى غرب آسيا في عمان وشرقها في الصين وبعدها اليابان وإيران وبلاد الرافدين وسوريا وروسيا (7).

اندلع الوباء الثاني عام 1826 في البنغال مجددًا و انتقل إلى روسيا وأوربا وأمريكا ووصل إلى مصر. في عام 1831 انتشر في جميع انحاء الإيالة – آنذاك – و حصد ما يقرب من 150 ألف روح. مات ما يقرب من 36 ألفًا في القاهرة و3000 يوميًا في باقي الإيالة. ضرب الوباء مصر مجددًا عام 1834 وكانت أرقام الضحايا مشابهة لهذه الأرقام.

إندلع الوباء بعدها 4 مرات ما بين 1846 و 1902 وصل في كل منها إلى مصر وتراوح عدد الضحايا  من 18 ألف وحتى 60 ألف.

و في 18 سبتمبر عام 1947 اشتكى مريضان من الإسهال و القيء في مدينة فاقوس بمحافظة الشرقية، وحالتهم العامة كانت جيدة لذا تم تشخيصهم بتسمم غذائي. في اليوم التالي اشتكى شخصان آخران من القيء و الإسهال، لم تكن الأعراض مزمنة لذلك كانت النصيحة بدخول مستشفى عمومي. في اليوم التاني كان الضابط الصحي في القرين – القرية التي أتى منها أول حالتان يوم 18 سبتمبر – مرتبكًا، حيث تم الإبلاغ عن 10 وفيات ذلك اليوم، لاحظ حالة قيء وإسهال مساء ذلك اليوم وصباح اليوم التالي ثم كانت 7 وفيات حتى الظهر وتم إبلاغ وزارة الصحة.

تم إتخاذ الإجراءات اللازمة وتم عزل القرية وإحاطتها بقوات الشرطة ومنع الدخول أو الخروج منها وإلغاء السوق الذي كان من المفترض أن يقام. ولكن لسوء الحظ لم تفلح هذه الجهود في احتواء الأزمة وانتقل المرض لقرى أخرى في نفس المحافظة بل ومحافظات أخرى، وحصد في النهاية ما يقرب من 10 آلاف روح. (6),(5)

◄ الأعراض :

قد تظهر الأعراض بعد ساعات من التقاط المرض وقد تظهر بعدها بخمسة أيام(1) بل وفي 80 % من المصابين لا تظهر الأعراض رغم تواجد البكتيريا في برازهم لمدة تتراوح من 1 إلى 10 أيام مما يزيد من احتمالية انتشار العدوى. وبالنسبة لحدة الأعراض فهي متغيرة ففي 80 % من الحالات تكون الأعراض معتدلة ولكنها تكون شديدة في 20 % من المرضى. (2) هذه الأعراض هي الإسهال المصحوب القيء مما يؤدي إلى جفاف الجسم مما يسهم – بدوره – في ظهور أعراض لهذا الجفاف من سرعة ضربات القلب و فقدان مرونة البشرة – عند قرص الجلد لا يرجع إلى حالته بسهولة – وجفاف الأسطح المخاطية وانخفاض ضغط الدم والعطش والتشنجات العضلية. يؤدي الجفاف في حال عدم معالجته الفورية إلى صدمة ومن ثم الموت في غضون ساعات. (1)

◄ التشخيص :

يتم فحص المريض سريعًا للتحقق من وجود البكتيريا وفي أولئك الذين تظهر نتائجهم إيجابية فإنه يتم اختبارهم للتأكيد. عادةً ما يبدأ العلاج قبل التحقق من نتيجة اختبار التأكيد. تحليل عينات البراز المأخوذة في طور المرض المزمن قبل بدء العلاج بالمضاد الحيوية هي الأكثر إفادة للتشخيص. النمط O1 هو أكثر الأنماط انتشارًا لبكتيريا « V. Cholerae » فإن لم يتم عزله فيتم الإختبار للنمط O139. و على أي حال فإن حالات النمط O1 يتم معاملتها بنفس طريقة حالات O139 – وذلك بسبب التشابه البيوكيميائي بين النمطين حيث ينتج كلاهما نفس السموم المعوية – ويتم إبلاغ الجهات الصحية بتشخيص حالة كوليرا. (3)

◄ الوقاية والعلاج :

على الرغم من وجود لقاح للكوليرا إلا أن منظمة الصحة العالمية «WHO» ومركز مكافحة الأمراض «CDC» كلاهما لا يوصيان باستخدامه، فبالإضافة إلى أنه قد لا يحمي نصف من يستخدمونه، فإن مفعوله لا يسرى إلا لبضعة أشهر. ولكن بالطبع هناك اجراءات للوقاية من الكوليرا في حال تفشيها بالقرب منك. (1)

الوقاية طويلة الأمد الذي يجب علينا العمل عليها لتجنب الكوليرا هو توفير مياه نظيفة للشرب ونظام صرف صحي كفؤ لمنع انتشار الكوليرا متوطنة كانت أم وبائية. يشمل ذلك :
* تطوير أنظمة توزيع المياه بمحطات معالجة
* وسائل منزلية للحماية مثل تنقية للماء أو تطهير بالطاقة الشمسية أو حاويات مياه آمنة
* تشييد أنظمة للتخلص من الصرف الصحي بطريقة آمنة
للأسف معظم هذه الوسائل مكلفة و تتطلب استثمارًا لفترات طويلة، وهذا يصعب تحقيقه في بعض الدول النامية – حيث الحاجة لهذه الحماية – .  (2)

وعلى المستوى قصير الأمد، فيمكنك حماية أسرتك من الكوليرا وذلك باستخدام المياه المغلية أو المعبأة أو المعالجة كميائيًا للاستخدامات التالية:
* الشرب وتحضير الأطعمة والمشروبات وغسل الفواكه والخضروات
* تحضير الثلج
* غسل أسنانك وغسل وجهك و يديك
* غسل الأوعية والأطباق التي يؤكل فيها
لتطهير المياه يمكنك غليها لمدة دقيقة – أو 3 دقائق في المرتفعات – أو يمكنك تطهيرها بمطهر تجاري حاول تجنب الأطعمة الخام أو النيئة مثل الفواكه والخضروات غير المقشرة، اللبن غير المبستر أو مشتقاته، اللحوم غير المطهوة جيدًا أو السمك الذي تم اصطياده في المناطق الإستوائية. (1)

علاج الكوليرا الناجح يعتمد على الاستبدال الدائم للسوائل المفقودة، ومع العلاج الملائم تقترب نسبة الموت من 1 %. السوائل المفقودة يمكن تعويضها سواء من خلال الفم أو وريديًا. المضادات الحيوية مفيدة رغم كونها غير هامة في علاج مرضى الكوليرا، حيث تعمل المضادات الحيوية على تقليل مدة الإسهال إلى النصف و تقليل إفرازات البكتيريا. ومن هذه المضادات الحيوية التي أوصت منظمة الصحة العالمية « WHO » باستخدامها : Tetracycline, doxycycline, furazolidone ,erythromycin, trimethoprim-sulfamethoxazole. (3) (2) (1) كما تجدر الإشارة إلى أن البكتيريا تكتسب مناعة ضد بعض المضادات الحيوية فقد تم الإبلاغ عن حالات مصابة بسلالات اكتسبت مناعة ضد الـ tetracycline و trimethoprim-sulfamethoxazole و الـ erythromycin  في بنغلاديش . (4)

—————-

إعداد : Muhammad Sadeq
مراجعة: Ahmed Abd Elkareem
تصميم :
Mohamed Elsafi
المصادر :

#الباحثون_المصريون

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي