أدَّى ظهور الدوائر المتكاملة (Integrated circuits) إلى إحداث ثورة في صناعة الإلكترونيات ومهَّد الطريق لصناعة الكثير من الأجهزة المنتشرة حاليًا من الهواتف المحمولة، وأجهزة الكمبيوتر، ومشغلات الأقراص المدمجة (CD)، وأجهزة التلفزيون، حتى الصواريخ المُبرمَجة للهبوط على سطح القمر والمزوَّدة بتقنيَّة الملاحة عبر الأقمار الصناعية. (1)
ما هي الدوائر المتكاملة (ICs)
كانت الفكرة الأساسيَّة هي أن نُعيد إنشاء الدائرة الكهربائيَّة كاملةً بكل مكوناتها من المكونات الفعَّالة مثل: الترانزستورات (Transistors)، والدايودات (Diodes)، وغير الفعَّالة مثل: المكثفات، والمقاومات، والترابطات بينها في صورة صغيرة مجهرية على سطح قطعة من مادة شبه موصِّلة مثل: السيليكون؛ وبالتالي فإنّ الدائرة الناتجة عبارة عن شريحة صغيرة متجانسة، قد تكون بضعة سنتيمترات أو ملليمترات مربَّعة فقط. (2)
يمكن لهذه الشريحة أن تعمل بشكل أسرع من الترانزستورات الكبيرة القديمة التي كانت تُستخدَم في الأجيال السابقة. كما أنّها أكثر متانة بكثير وأرخص في الإنتاج؛ ممَّا أتاح لها أن تصبح جزءًا من العديد من الأجهزة الإلكترونيَّة المختلفة. (1)
كيف بدأت الدوائر المتكاملة
توصل العالمان «جاك كيلبي» و«روبرت نويس» إلى هذه الفكرة. ربما تعتقد أنّ هذين الرجلين تعاونا بسعادة على اختراعهما الرائع، لكن الحقيقة ليست كذلك؛ فقد توصَّل العالمان إلى الفكرة في الوقت نفسه تقريبًا لكن بشكلٍ مستقلٍ تمامًا، ممَّا أثار معركة شرسة من أجل حقوق الاختراع. (3)
من المثير للدهشة أن يتوصّل شخصان لابتكار نفس الشيء في نفس الوقت بالضبط في المطلق، لكن في حالة الدوائر المتكاملة كان هذا متوقعًا؛ حيث كانت الفكرة تنتظر الحدوث. في منتصف الخمسينات، اكتشف العالَم الإمكانيات المذهلة للحواسيب الإلكترونيَّة، وكان من الواضح للمتبصرين مثل كيلبي ونويس أنّ هناك حاجة إلى وجود طريقة أفضل لبناء الترانزستورات وربطها بأعداد كبيرة.
كان جاك كيلبي يعمل في شركة (Texas Instruments) عندما توصَّل إلى الفكرة التي أطلق عليها مبدأ التجانس (monolithic principle)، وكانت محاولة لبناء جميع الأجزاء المختلفة لدائرة إلكترونية على رقاقة شبه موصلة. ونجح كيلبي بالفعل عام 1958 في بناء أول دائرة متكاملة في العالم باستخدام شريحة من الجرمانيوم، وتقدمت الشركة للحصول على براءةِ اختراع عن الفكرة في العام التالي.
في الوقت نفسه، في شركة أخرى تسمى (Fairchild Semiconductor) كان روبرت نويس يجرّب الدوائر المصغّرة الخاصّة به. وفي عام 1959، تمكّن من استخدام سلسلة من التقنيات الفوتوغرافيّة والكيميائيّة المعروفة باسم (planar process) لإنتاج الدائرة المتكاملة العمليّة الأولى، وهي طريقة حاولت الشركة أيضًا تسجيل براءة الاختراع لها.
كان هناك تداخل كبير بين عمل الرجلين وتقاتلت الشركتان في المحاكم فترة كبيرة من الستينيّات حول من طوَّر بالفعل الدائرة المتكاملة. أخيرًا، في عام 1969، وافقت الشركات على مشاركة الفكرة. وتم منح جاك كيلبي نصف نصيب في جائزة نوبل في الفيزياء عام 2000 وكان نوييس سيتقاسم الجائزة بالتأكيد لو لم يمت متأثّراً بنوبة قلبية قبل عقد من الزمن كما قال كيبلي في خطابه. (3)
مراحل تطور الدوائر المتكاملة
أحدثت الدوائر المتكاملة ثورة في الإلكترونيَّات والحوسبة خلال الستينيات والسبعينيات. أولاً، وضع المهندسون العشرات من المكوّنات على شريحة واحدة فيما يسمى التكامل على نطاق صغير (SSI). سرعان ما تبع ذلك تكامل على نطاق متوسط (MSI) مع مئات المكونات في منطقة بنفس الحجم. عام 1970 تقريبًا، جمع التكامل على نطاق واسع (LSI) الآلاف من المكونات. ثم جاء التكامل على نطاق كبير جدًا (VLSI) الذي جمع عشرات الآلاف، ثم ملايين النطاق الواسع للغاية (ULSI) وكلها على شرائح بنفس الحجم. عام 1965، لاحظ جولدن مور من شركة إنتل (Intel)، الشركة الرائدة في تصنيع الرقاقات، أن عدد المكونات على الرقاقة يتضاعف كل عام إلى عامين تقريبًا وسمّي هذا التوقّع بقانون مور، استمرّ هذا التوقّع في التحقق منذ ذلك الحين. في مقابلة أجرتها معه صحيفة نيويورك تايمز بعد مرور 50 عامًا، في عام 2015، كشف مور عن دهشته لاستمرار القانون في الصمود حيث كان توقعه الأصلي هو النظر إلى 10 سنوات فقط. (3)
إعداد: سارة سمير
مراجعة علميَّة: كريم عبد المعنم
تدقيق لغويّ: محمد غنيم
تحرير: نسمة المُحمّدي
المصادر
