لم ينجو حفل نقل المومياوات الملكية من المداعبة التي ظهرت في مواقع التواصل الإجتماعي حول اللقاء بين الملكة حتشبسوت والفرعون المصري تحتمس الثالث والتعليقات التي ارتبطت بمواجهة الطرفين بعضهما البعض، فما سبب تلك المداعبات وهذه التعليقات، إليكم القصة الكاملة.
بدأت القصة عند وفاة الملك تحتمس الثاني (1492- 1481ق.م) الملك الرابع في الأسرة الثامنة عشر عام 1481 ق .م تاركًا ابنه الصغير تحتمس الثالث ( ولد تحوت) من زوجته إيست و لم يكن قد بلغ من العمر الذي يمكنه من أداء مهمته كملكًا وفرعونًا على مصر، لتظهر حتشبسوت التي كانت آخر زوجات الملك تحتمس الثاني وتقوم بدور كبير لم يكن متوقعًا في تلك الفترة من إمرأة فرعونية (1).
كانت حتشبسوت و يعني اسمها ( أفضل النساء النبيلات) هى ابنه الملك تحتمس الأول (1520- 1492ق.م) وزوجة الملك تحتمس الثاني أخيها غير الشقيق كما أسلفنا(4)، وبعد وفاته أصبحت حتشبسوت هي الوصية على الملك الشاب تحتمس الثالث حتى يبلغ الملك الشاب وبموجب ذلك تسلمه حتشبسوت الحكم مباشرة، في حين تظهر لنا نشأة الملك تحتمس الثالث في طيبة عاصمة الدولة الحديثة في مصر القديمة بشكل استثنائي ومختلف، ومع التطور الجسدي والفكري والاهتمام بالرياضة ودراسة علم التكتيكات والاستراتيجيات الحربية ظهر لنا تحتمس الثالث كملك وفرعون قادر على حكم مصر بشكل منفرد(1).
علمت حتشبسوت من أين تؤكل الكتف، فقامت بتعيين تحتمس الثالث الشاب القوي على قيادة القوات المسلحة وهو خيار لم تندم عليه حتشبسوت فيما بعد لمعرفتها بقدرة الملك الشاب العسكرية والحربية التي تمتع بها منذ صغره، وغالبًا ما يُشار إلى تحتمس الثالث بفضل هذه المهارة بأنه نابليون مصر القديمة، وفي حقيقة الأمر لا يشك أحد في هذه القدرة العسكرية التي استطاع تحتمس الثالث بفضلها توسيع إمبراطورية والده وحمايتها، ولكن هل كان تحتمس الثالث ملكًا بالفعل(1)؟
وجدت حتشبسوت في نفسها فرعون مصر الأوحد! أجل ولم لا؟ وهي ابنة فرعون وزوجة فرعون، ورغم أن المرأة في مصر القديمة لم يرقى دورها لأن تصبح فرعونًا حاكمًا؛ إلا أن حتشبسوت كسرت هذه القاعدة وقامت بإعلان نفسها فرعونًا على مصر ومستقلة بحكمها عن الملك الصغير تحتمس الثالث الذي كان من المقرر أن يصبح فرعون مصر بعد أن أصبح قائدًا للقوات العسكرية ويستطيع أن يدير دفة الحكم بنفسه(4)، ولكن لم تسمح حتشبسوت بهذه الخطوة، فقد أعلنت نفسها فرعونًا شرعيًا على مصر ولقبت نفسها بـ ” سيدة الأرضين “، وزيادة على ذلك صورت نفسها على أنها فرعون بجسد ذكر ذو لحية مستعارة في أغلب تصاويرها لتضيف شرعية الفرعون الحاكم، ولم تقف عند ذلك؛ بل زعمت حتشبسوت أنها ابنة الإله آمون وهو من ولاها حكم البلاد بشكل شرعي حينما قالت: ” لقد تصرفت تحت إمرته، هو الذي قادني”(3).
في واقع الأمر لم تكن حتشبسوت لتقوم بهذه الخطوة إلا بمساعدة كبار المسؤولين في الدولة ومن أشهرهم سينموت( المشرف على الأعمال الملكية) وغيره ممن خاطروا بحياتهم إذا استسلمت حتشبسوت وتركت الحكم إلى ابن زوجها تحتمس الثالث(3)، وخلال فترة حكمها (1479- 1558 ق.م) وقرابة الـ 21 عامًا؛ حكمت حتبشيسوت كفرعون مستقل وأوحد لمدة 15عامًا حتى وفاتها عام 1458ق.م، ولم يظهر تحتمس الثالث كملك وفرعون قوي إلا بعد وفاة زوجة أبيه التي شغلته طوال مدة حكمها بالحروب العسكرية وتأمين الجيش والعمل على تقويته(3).
ظهر تحتمس الثالث كفرعون أوحد على مصر، وفي بداية حكمه وخلال أوائل عهده قام بردع ممالك سوريا وكنعان التي وجدت فرصة في وفاة حتشبسوت للخروج من حكم الفرعون الجديد، ولكن الأخير كان لهم بالمرصاد(2)، ولكن السؤال؛ ما كان رد فعل تحتمس الثالث على ما فعلته به زوجة أبيه من انتزاع الحكم منه؟ خلال النظر في سيرة كل من حتشبسوت وتحتمس الثالث نجد أن الأولى لم تطرد الأخير من الحكم أو إدارة البلاد ولكنها بمعنى أدق طغت عليه وعلى صلطاته وصلاحياته التي كان من المفترض أن يتسملها فور بلوغه سن الحكم(3)، ولكن ربما لم يكن ذلك منطقيًا وكافيًا لدى تحتمس الثالث الذي قرر قبل وفاته بمحو حتشبسوت من السجل التاريخي للأسرة الـ 18 وتشويه آثارها وإزالة اسمها من قائمة الملوك كرد فعل طبيعي لما قدمته الملكة لابن زوجها، وعندما بدأ علماء الآثار في فك رموز الهيروغليفية في الدير البحري عام 1822م لم يكن من السهل العثور على قبر الملكة القوية حتشبسوت وظل البحث جاريًا حتى عام 1903م عندما تم العثور على قبر حتشبسوت في الدير البحري(3).