لن نبالغ إن قلنا أن الدراسات المتعلقة بالكواكب خارج المجموعة الشمسية قد بلغت مبلغًا لم تبلغه من قبل في العقود الأخيرة، حيث تم التأكد من اكتشاف (4375) كوكبًا خارج المجموعة الشمسية تنتمي إلى (3247) نظامًا إلى جانب (5856) نظامًا آخر في قائمة انتظار التأكيد.
انتقل الاهتمام في السنوات الأخيرة من حيز الاكتشافات الجديدة إلى الاهتمام بتوصيف ما تم اكتشافه بالفعل، والتي من المرجح أن تشهد تسارع وتيرتها مع دخول تيلسكوبات الجيل الثاني في الخدمة.
وكنتيجة لذلك؛ وضع علماء البيولوجيا الفلكية قائمة بما يسمى (البصمة الحيوية biosignatures) والتي تُشير إلى المركبات والعمليات الكيميائية المرتبطة بوجود الحياة (مثل الأكسجين، والماء، وثاني أكسيد الكربون)، ولكن لـ(MIT) رأي آخر، هل تريد معرفته؟
أولًا: الرصد ومشاكله
في كثير من الأحيان؛ يعتمد الفلكيون على عدة طرق غير مباشرة لرصد وتحليل الكواكب مثل (أسلوب الكشف الفلكي Transit Method)، أو (طريقة السرعة الإشعاعية Radial velocity method)، أو (تحليل دوبلر الطيفي Doppler Spectroscopy)، وقد تكون تلك الطرق مجتمعة مع بعضها لذات الرصد أو كل منها على حدة، وحتى الآن لم يتم تحديد أيّ كوكب عن طريق التصوير المباشر إلا القليل، مما يجعل مهمة توصيف الكواكب في غاية الصعوبة.
يمكن القول أنه في حالات شديدة الندرة تمكّن الفلكيون من رصد الأطياف التي من خلالها يمكن تحديد التكوين الكيميائيّ للأغلفة الجوية لتلك الكواكب المرصودة، وذلك عند مرور ضوء النجم الذي يتبعه الكوكب خلال غلاف الأخير، وفي حالاتٍ نادرة –كما ذكرت سابقًا– من خلال التصوير المباشر.
تمكن مشكلة الرصد والتوصيف الحالية في محدودية قدرات التليسكوبات التي بين أيدينا الآن، والتي لا تملك الدقة اللازمة لرصد الكواكب الصخريّة ذات الحجم الصغير والتي تدور في فلك قريب من نجومها (والتي يحتمل امتلاكها لصورة من صور الحياة)، حيث يهيمن الضوء الصادر من نجمها على أجهزة الرصد.
الحل في (JWST)
قد تُحل كل المشكلات آنفة الذكر بمجرد انطلاق الجيل الجديد من التليسكوبات مثل (تيلسكوب جيمس ويب الفضائي James Webb Space Telescope) -ويسمى اختصارًا (JWST)- حيثُ تقول أستاذة علوم الفضاء بـ(MIT) وقائدة المجموعة البحثيّة (مجموعة سيجر Seager Group) الأستاذة (سارة سيجر Sara Seager) في هذا الصدد:
«مع الانطلاق القادم لـ(JWST) في (أكتوبر 2021) إلى الفضاء؛ سيكون لدينا القدرة على البحث عن غازات الصمة الحيويّة، على رغم من صعوبة ذلك نظرًا لضعف الإشارات القادمة من الكواكب الصغيرة، ومع بزوغ نجم (JWST) فإن عدد العاملين في مجال البصمة الحيويّة سيزداد بشكلٍ كبير، والذي قد ينتج عنه إضافة غازات جديدة أو تنحية أُخرى.»
ومع انطلاق (JWST) سنتمكن من مشاهدة الكون بصورة جديدة عبر أعينه القادرة على رصد أمواج طولية كبيرة (تقترب من الأشعة تحت الحمراء القريبة والمتوسطة) وبحساسية أعلى بكثير من ذي قبل، وذلك بالإضافة إلى إمكانية حجب ضوء النجوم الأم مما يسمح برصد الكواكب الصخريّة الصغيرة والقريبة منها، ولكن ماهي البصمات الحيويّة؟
ما هي البصمات الحيوية؟
البصمات الحيويّة (biosignatures) عبارة عن دلائل كيميائيّة (مواد) مرتبطة بوجود الحياة والعمليات الحيويّة المختلفة، بالإضافة إلى الظروف الملائمة واللازمة لإتمام تلك التفاعلات والعمليات، على سبيل المثال غاز الأكسجين (O2) والذي يعتبر عامل أساسيّ للعديد من أشكال الحياة على كوكب الأرض، والذي ينتج من خلال الكائنات التي تعتمد على البناء الضوئيّ في عملياتها الأيضية (مثل الأشجار، والنباتات، والبكتيريا الزرقاء)، والتي بدورها تعتمد على غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) في عمليات الأيض الخاصة بها هي الأخرى، والماء (H2O) الذي يستخدمه كلاهما في نفس العملية، والميثان (CH4) والذي ينتج نتيجة تحلل تلك الكائنات. بالأضافة لتلك المواد الأساسيّة، فإن البراكين لها أهمية في عملية تحديد صلاحية الكواكب للعيش، وبالتبعية ما ينتج عنها من مواد عديدة مثل الهيدروجين (H2)، وثاني أكسيد الكبريت (SO2)، وأول أكسيد الكربون (CO)، وكبريتيد الهيدروجين ( H2S)، وغيرها مما يُعتبر من البصمات الحيوية.
الأيزوبرين، أهلًا بك في العائلة
في الدراسة التي بصددها المقال والتي قام بها (MIT) عرضت احتمال وجود بصمة حيوية جديدة وهي الأيزوبرين (C5H8)، حيثُ يقول (زان Zhan) زميل سارة سيجر في الفريق البحثيّ:
«تستخدم مجموعتنا البحثية منهجية متكاملة وشاملة لاكتشاف غازات البصمة الحيويّة المحتملة، حيث أنتجنا من أبحاثنا السابقة قاعدة بيانات للجزيئات الصغيرة، ومع فلترة قاعدة بيانات (ASM) فقد نتمكن من وضع المرشحين المحتملين للدخول إلى نادي البصمة الحيويّة، وذلك عبر (تعلم الآلة machine learning)، و(منهجية مساق البيانات data-driven approaches).»
ولكن ما هو الأيزوبرين؟
الأيزوبرين هو مركب هيدروكربونيّ يتم إنتاجه كمادة ثانوية خلال عمليات الأيض للعديد من الكائنات الحيّة هنا على كوكب الارض، بالإضافة إلى أوراق الشجر المتساقطة، بالإضافة للتنوع الهائل لتلك الكائنات.
تقول سارة سيجر معلقة على هذا الأمر: «يبدو الأيزوبرين واعدًا جدا؛ حيثُ يتم إنتاجه من خلال عدد هائل من الكائنات بواسطة مجموعة متنوعة من الكائنات الحية على اختلاف درجات تطورها من بكتيريا إلى نباتات وحتى الحيوانات)، ولكن بالرغم من وفرة إنتاج الأيزوبرين؛ إلا أن النتيروجين (N2) والأكسجين (O2) و(الشقائق الحرة radicals) تدمر الأيزوبرين بالتفاعل معه، لذلك اختار الفريق الأيزوبرين كبصمةٍ حيوية للكواكب التي تملك غلاف جوي منخفض الأكسجين والذي يحتوي على كميات من ثاني أكسيد الكربون، والنيتروجين، والهيدروجين، والذي يشبه كثيرًا الغلاف الجوي لكوكب الأرض في أطواره الأولى. فمنذ ما يقارب الـ( 2.5 مليار عام)؛ بلغ (حدث الأكسدة الكبير Great Oxygenation Event) ذروته، وعلى الرغم من سميّة هذه الأجواء لبعض الكائنات؛ فقد كانت فرصة لنشوء العديد من الكائنات الأخرى، لذلك يمكن استخدام الأيزوبرين كدلالة على الكواكب الموشكة على تحول تطوريّ كبير، ومؤشر على ظهور العديد من أشكال الحياة.»
يواجه الأيزوبرين العديد من التحفظات لاستخدامة كدلالة حيوية، منها:
1- للكشف عنه يجب أن يتقارب مع معدل الإنتاج الأرضيّ له (10x-100x).
2- تعمل العديد من الهيدروكربونات الأخرى كمشتات لرصد الأيزوبرين.
ويمثل الكشف عن الأيزوبرين تحديًا كبيرًا لـ(JWST) وذلك لتشابه الأطياف الصادرة منه مع أطياف الهيدروكربونات الأخرى في نطاق الأشعة تحت الحمراء القريبة، ولكن مع التليسكوبات المستقبليّة والتي ستزود بكواشف تعمل في نطاق الأشعة تحت الحمراء المتوسطة سنتمكن من رصد الأيزوبرين بصورة أدق.
وبغض النظر عن (JWST)؛ فإن (تيلسكوب نانسي جريس الفضائي الروماني Nancy Grace Roman Space Telescope) الذي سيخْلُف هابل في مهامه (وسيكون بقدرة 100 ضعف هابل) سينطلق في (2025) والذي سيضيف بالتعاون مع (JWST) والعديد من المراصد الأرضيّة التي يتم بناؤها حاليًا مثل (Aos) و(GMT) وغيرها نقلة نوعيّة في عالم الرصد.