البربر هم أقدم السُكَّان المعروفين لساحل البحر المتوسط ومناطق السهول وسلاسل الجبال في شمال غرب إفريقيا، عاشوا كرُعاة رُحّل أو كمزارعين في سلاسل جبال الأطلس ومناطق الريف المغربي والجزائر والصحراء الكبرى شرقًا إلى ليبيا ومصر، أما الأصول العرقية والحقيقية للبربر غير معروفة حتى الآن رغم اجتهادات المؤرخين، وتعود لغتهم الأمازيغية إلى عائلة لغات الأفروآسيوية، أما عن ديانتهم فقد شهدت الفترات القديمة من حياتهم أشكالًا متعددة من الأديان والآلهة أيضًا(1).
الأصل والاسم
بشكلٍ عام، تُشِير الأدلة الجينية أن معظم سكان شمال غرب إفريقيا (سواء كانوا يعتبرون أنفسهم بربرًا أو عربًا) هم في الغالب من أصل بربريّ، وكان أسلافهم من البَرْبَر يقطنون تلك المنطقة منذ العصرِ الحَجريّ القديم الأعلى، ويبدو أن هؤلاء البربر القدامى قد جاؤوا من شرق إفريقيا أو الشرق الأوسط أو كليهما، ولكن ما تزال تفاصيل هذه الهجرة البربرية غير معروفة حتى الآن. ومع ذلك، فإن نسبة كبيرة من المجموعات الجينية للبربر أو البَرْبَر المُعرَّبة مستمدة من الهجرة البشرية الحديثة لمختلف الشعوب الإفريقية سواء كانت ساميّة أو جرمانيّة أو شعوب جنوب الصحراء وجميعهم قد تركوا بصماتهم الجينية في المنطقة، أما عن الاسم فإن البربر لا يطلقون على أنفسهم هذا المصطلح، ولكن الكلمة مشتقة من الكلمة اليونانية (BARBARIO) وهي البربريّة والتي تعني «أولئك الذين لا يتحدثون لغتنا.» استخدم الإغريق هذه الكلمة للإشارة إلى سكان شمال إفريقيا(3) ثم جاء الرومان واستخدموا نفس المصطلح للتعبير عن العديد من الشعوب ومنهم شعوب شمال إفريقيا، ثم جاء العرب واستعملوا نفس اللفظ وهو البَرْبَر، ومن المرجح أن أغلب اللغات الأوروبية الحديثة قد أخذت اللفظ من اللغة العربية، وفي الحقيقة فإن العرب لم يستخدموا لفظ البَرْبَر بشكلٍ سئ ولا يعرفون أصل المُسَمْى من الأساس، ولكن يرجح أنهم قد تبنوا مجموعة من الأقوال القديمة التي تُرجع أصل البَرْبَر إلى أحد أقدم أسلافهم وهو حام بن نوح بن بربر بن تمالا بن أمازيغ، وقد ذكر ابن خلدون هذا النسب(2)، في حين أن البَرْبَر يسمون أنفسهم بالأمازيغ وهو ما يعني «الناس الأحرار»(3).
الحِرف والاقتصاد
نظرًا لوجود الكثير من القبائل البربرية فقد تختلف بعض الثقافات والتقاليد داخل مجتمعات هذه القبائل على نطاقٍ واسع. ولكن في العموم، يعتني الرجال بحرفة الرعي وتربية الماشية والإبل والأغنام، ويبحثون عن مصادر المياه والطعام، بينما تعتني النساء بأمور البيت ويمارسنْ بعض الحرفِ اليدوية سواء للاستخدام الشخصيّ أو للبيع والتجارة في الأسواق المحلية، مثل صناعة المفروشات والسجاد والملابس والبطاطين باستخدام أنواع مختلفة من الصوف، وطلاء السجاد باستخدام نبات الزعفران والنعناع البري والرمان والحِناء(3).
تتغلغل روح التجارة في البربريّ بشكلٍ كبير، فقد كانوا يتاجرون لعدة قرون على مسافات كبيرة وطويلة بنقل المنتجات البربرية مثل المجوهرات والتوابل والمنسوجات، وتطور البَرْبَر من رعاة وحرفيين إلى تجار حقيقيين، لدرجة أنهم كانوا يُكوّنون قوافل تجارية كاملة(3).
الزواج عند البربر
كان المجتمع البربريّ مجتمعًا تقليديًا في الزواج، أحادييّ الزوجة غير متعدديّ الزوجات أغلب الوقت، وقد حافظوا على العادات المرتبطة بالزواج تبعًا للطقوس الإسلامية بعد دخول الإسلام إلى أراضيهم. وكان للمجتمع دور كبير في تنظيم عملية الزواج بما يخدم استقراره، ولكن كثيرًا ما شهد المجتمع البربريّ حالات انفصال عن الأزواج بشكلٍ ملحوظ. شملت بعض تقاليد الزواج أمورًا حميدةً منها عدم إجبار المرأة على الزواج برجل لا تريده، وإعطاء الحق لهنّ في طلب الطلاق متى اضطرت لذلك. أما حفل الزفاف فقد يستمر لمدة أسبوع. يبدأ الحدث الخاص بالزفاف بذهاب رسول العروس إلى منزل العريس لإحضار الهدايا من سجاد ومجوهرات وأموال، ثم تجلس العروس عادة على دابة أو بغل أثناء العرس، ووراء المركب يسير طفل يرمز للخصوبة، ثم ينتقل العروس والعريس إلى المسرح للاحتفال(4).
التاريخ الموجز
من عام 600 ق.م وحتى سقوط الإمبراطورية الرومانيّة
على الرغم من تاريخ البَرْبَر القديم قليل المعرفة لعدم وجود شكل مكتوب للغاتهم القديمة، إلا أن هناك بعض الإشارات الموجودة لهم في سجلات مصر القديمة واليونان والرومان، حيثُ ذُكروا منذ حوالي عام 600ق.م، فقد تعرضت مناطق استقرار البَرْبَر في شمال إفريقيا للغزو المتكرر من القطراجنيين والإغريق والرومان، وفي ظل غزو هذه الأخيرة -الإمبراطورية الرومانية- أصبح البربر الأمازيغ المستقرين على ساحل البحر المتوسط مواطنين إمبرياليين تشبهًا بالرومان، ولكن ظل أغلب البربر في جنوب البلاد وفي المجتمعات البربريّة في سلاسل الجبال الداخلية مستقلين بشكلٍ كبير عن سيطرة الرومان، وبعد انهيار الإمبراطورية الرومانية في الغرب، ظل جزء كبير من ساحل شمال إفريقيا تحت سيطرة الإمبراطورية البيزنطية التي كانت عاصمتها في آسيا الصغرى(1).
البربر في عهد الإسلام
بعد ظهور الإسلام في النصف الأول من القرن السابع الميلاديّ، بدأ التوسع الإسلاميّ في شمال إفريقيا بشكلٍ جدّي منذ عام 642م في عهد ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب، وانتشر الدين الجديد ببطء بين شرائح القبائل البربرية ليحل محل المسيحية البيزنطية التي مارسها العديد من البَرْبَر، بالإضافة إلى اليهودية أيضًا(1).
وعلى الرغم من قبول العديد من القبائل البربريّة المبادئ الأساسية للدين الإسلامي، إلا أن طريقتهم في ممارسة شعائره كانت غير تقليدية، أدى ذلك إلى مستوى متزايد من التوتر بينهم وبين الخلافة الأموية في دمشق بحلول منتصف القرن 8م حيث انضم عدد كبير منهم إلى حركة الخوارج التي عارضت الدولة الأموية ورأت أن من حق أي مسلم أن يقود المجتمع والحكم دون تقليد معين، واستمرت معارضة البَرْبَر للخلافة العباسيّة التي حَلَّت محل الأموية عام 750م، وبعدها تلقى الفاطميون (وهم حركة شيعية إسماعيلية ظهرت في عام 969م) دعمًا كبيرًا من البربر في استيلائهم على أجزاء كبيرة من شمال إفريقيا ومصر وبعض مناطق نفوذ الدولة العباسية وعاصمتها بغداد(1).
خلال الحكم الفاطمي لبلاد المغرب، هناك أدلة على وجود محاولات لغرس الثقافة العربية داخل المجتمعات البربرية التي كانت ما تزال حتى هذه اللحظة محتفظة ببعض الثقافات الخاصة بها من حيث العادات واللغة، وفي عام 711م في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان انطلقت أول الحملات الإسلامية إلى شبه الجزيرة الأيبيرية بقيادة أحد «البربر»، وهو طارق بن زياد مع جيشه لدخول الأندلس، ثم توالى دخول مجموعات مختلطة من البَرْبَر والعرب إلى شبه الجزيرة بقيادة موسى بن نصير، واستمر البربر بلعب دور كبير في التوسع الإسلامي في الأندلس وجنوب فرنسا لعدة قرون(1).
الإمبراطورية المرابطية
كانت الدولة المرابطية هي أول دولة بربريّة ظهرت في بلاد البربر، حيثُ تأسست في صحراء موريتانيا حوالي عام 1050م، وكانت تعتنق الدين الإسلامي على المذهب السنيّ، ومع تأسيس عاصمتهم في بلاد المغرب عام 1062 وهي مراكش؛ استمر توسع المرابطين تحت الحكم المشترك ليوسف بن تاشفين وابن عمه أبو بكر بن عمر، وفي عام 1086م دخلت الجيوش المرابطية الأندلس ونجحت في هزيمة القشتاليين بقيادة الفونسو السادس في معركة الزلاقة، مما سمح للمرابطين بتأسيس دولة إسلاميّة سنيّة في جزءٍ كبير من شبه الجزيرة الأيبيريّة والمغرب كلها وأجزاء من غرب إفريقيا(1).
كيف تغير البربر؟
بحلول عام 1150م، قامت حركة بربرية أخرى بقيادة عبدالمؤمن بن علي بالإطاحة بحكم المرابطين، ونجحت في السيطرة على بلاد المغرب وأجزاء من جنوب إسبانيا تحت مسمى المُوحدين، وتوسعت الدولة الموحدية شرقًا عبر شمال إفريقيا، ومثل أسلافهم المرابطين فقد استطاعوا تأسيس دولة إسلاميّة سنيّة عسكريّة، ولكنهم على عكس المرابطين قد انقسمت دولتهم إلى ولايات صغيرة بمرور الزمن حتى كان آخر خلفائهم لا يحكم سوى العاصمة مراكش قبل مقتله عام 1269م(1).
تحولت أغلب القبائل في عهد المرابطين والموحدين إلى الإسلام على المذهب السنيّ باتباع المذهب المالكيّ في أمورهم الفقهية، وعلى الرغم من أن الأمازيغ قد استمروا في التمسك بجوانب ثقافية خاصة بهم واستمروا في التحدث بلغاتهم الأمازيغية إلا أن الكثير منهم مارس الثقافة العربية. والآن يسكن العديد من قبائل الأمازيغ في شمال إفريقيا وبلاد المغرب والجزائر وموريتانيا وتونس ومالي، ويشكلون شريحة كبيرة من سكان هذه المناطق(1).