خاضت الجماعات المتمرّدة (يعرفون بالمجاهدين) والجماعات الماويّة (نسبةً إلى ماو تسي تونج) حرب عصاباتٍ استمرّت تسع سنواتٍ ضدّ الجيش السّوفيتّيّ وحكومة جمهوريّة أفغانستان الدّيمقراطيّة طوال الثّمانينيّات. وقد صُنّف هذا الصّراع على أنّه حربٌ بالوكالة في حقبة الحرب الباردة، حيث دُعِم المجاهدون من قبل الولايات المتّحدة وكذلك باكستان وإيران والمملكة العربيّة السّعوديّة والصّين والمملكة المتّحدة. وقُتل في حرب أفغانستان ما بين 562 ألفًا إلى 2 مليون أفغانيّ، وفرّ الملايين من البلاد كلاجئين، معظمهم إلى باكستان وإيران. وتسبّبت الحرب في دمارٍ جسيمٍ في أفغانستان، ويُعتقَد أنّها ساهمت في انهيار الاتّحاد السّوفيتّيّ.[1]
جذور الحرب السوفيتية الأفغانية 1979
وضعت ثورة ثور، وهو الانقلاب الّذي قاده حزب الشّعب الدّيمقراطيّ الأفغانيّ المدعوم من السّوفيتّ ضدّ حكم الرّئيس الأفغانيّ محمّد داود خان في 27-28 أبريل 1978، أسس الصّراع. حيث بدأ الحزب في سلسلةٍ من التّحديثات الجذريّة وإصلاح الأراضي في جميع أنحاء البلاد، ولكن كانت هذه الإصلاحات لا تحظى بشعبيّةٍ كبيرةٍ بين سكّان الرّيف. وأدّت الطّبيعة القمعيّة لـ«جمهوريّة أفغانستان الدّيمقراطيّة»،[2] الّتي قمعت بقوّةٍ المعارضة وأعدمت آلاف السّجناء السّياسيّين، إلى ظهور الجماعات المسلّحة المناهضة للحكومة. وبحلول أبريل 1979، كانت أجزاءٌ كبيرةٌ من البلاد في حالة تمرّدٍ.[3]
شهد الحزب الشّيوعيّ نفسه منافساتٍ داخليّةً عميقةً بين الخالقيّين والبارشاميّين، وهما فصيلان من حزب الشّعب الدّيمقراطيّ الأفغانيّ. وفي سبتمبر 1979، اغتيل الأمين العامّ لحزب الشّعب الدّيمقراطيّ «نور محمّد تراقي»، ممّا أدّى إلى توتّر العلاقات مع الاتّحاد السّوفيتّيّ. ومع تزايد المخاوف من أنّ حفيظ اللّه أمين، الّذي أخلف تراقي، كان يخطّط لتغيير مواقفه نحو الولايات المتّحدة؛[4] قرّرت الحكومة السّوفيتّيّة، بقيادة الزّعيم ليونيد بريجنيف، نشر الجيش السّوفيتّيّ عبر الحدود في 24 ديسمبر 1979. وعند وصولهم إلى العاصمة كابول، قاموا بانقلاب «عمليّة العاصفة-333»، ممّا أسفر عن مقتل أمين وتنصيب بابراك كرمال خلفًا له كرئيسٍ لجمهوريّة أفغانستان الدّيمقراطيّة.[5]
وفي يناير 1980، تبنّت منظّمة التّعاون الإسلاميّ قرارًا يطالب القوّات السّوفيتّيّة بالانسحاب الفوريّ من أفغانستان. وأصدرت الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة قرارًا يحتجّ على التّدخّل السّوفيتّيّ بأغلبيّة 104 لصالح القرار مقابل 18 ضدّ القرار، مع امتناع 18 عضوًا عن التّصويت وتغيّب 12 عضوًا من الجمعيّة المكوّنة من 152 دولةً عن التّصويت. ودعم حلفاء السّوفيتّ، أنجولا وألمانيا الشّرقيّة وفيتنام، إلى جانب الهند، التّدخّل.[6]
تلقّى المتمرّدون الأفغان كمّيّاتٍ كبيرةً من المساعدات والتّمويل، ودُرِّبوا في باكستان بدعمٍ من الولايات المتّحدة الأمريكيّة والمملكة المتّحدة. بالإضافة إلى تلقّيهم الدّعم والتّمويل من قبل الصّين ودول الخليج العربيّ.[7] وقد وثّق أرشيف الأمن القوميّ أنّ وكالة المخابرات المركزيّة الأمريكيّة قد لعبت دورًا كبيرًا في تمويل العمليّات العسكريّة في أفغانستان ممّا عزّز من النّفوذ الأمريكيّ في أفغانستان.[8]
وشنّ المجاهدون حرب عصاباتٍ، في مجموعاتٍ صغيرةٍ تعمل في ما يقرب من 80 في المائة من الأراضي الأفغانيّة خارج سيطرة الحكومة والسّوفيتّ. وكان أكثر تمركزهم في التّضاريس الجبليّة الوعرة في الرّيف. وقد تمّ توثيق تعامل القوّات السّوفيتّيّة بقسوةٍ مع المتمرّدين الأفغان والمدنيّين، حيث دمّروا القرى وقنوات الرّيّ الحيويّة، وزرعوا الألغام.[9]
الانسحاب السوفيتي من أفغانستان
ومنذ بداية الغزو السّوفيتّيّ لأفغانستان، ضٌيّقت القيود الدّوليّة على الاتّحاد السّوفيتّيّ، وقادت الولايات المتّحدة مقاطعة أولمبياد موسكو 1980. وأدّت المقاطعة والعقوبات إلى تفاقم توتّرات الحرب الباردة وغضب الحكومة السّوفيتّيّة، ممّا أدّى لاحقًا إلى مقاطعةٍ انتقاميّةٍ لدورة الألعاب الأولمبيّة لعام 1984 الّتي أقيمت في لوس أنجلوس.[10]
ومع بداية الغزو، خطّط السّوفيتّ للتّدخّل جزئيًّا، في غضون ستّة أشهرٍ أو عامٍ، إلى حين تحقيق الاستقرار في الحكومة الأفغانيّة تحت قيادة كرمل، ثمّ الانسحاب. لكنّهم قوبلوا بمقاومةٍ شرسةٍ من المجاهدين، ممّا أدّى إلى وقوعهم في حربٍ دمويّةٍ استمرّت تسع سنواتٍ.[11] وبحلول منتصف الثّمانينيّات من القرن الماضي، زاد الاتّحاد السّوفيتّيّ قوّاته في أفغانستان إلى 108,800 مقاتلٍ، وكانت التّكلفة العسكريّة والدّبلوماسيّة للحرب على الاتّحاد السّوفيتّيّ عاليةً.
وكان لترقية ميخائيل جورباتشوف إلى منصب السّكرتير العامّ في عام 1985 و«فكره الجديد في السّياسة الخارجيّة والدّاخليّة السّوفيتّيّة» دورًا مهمًّا في قرار السّوفيتّ بالانسحاب. وحاول جورباتشوف إخراج الاتّحاد السّوفيتّيّ من الرّكود الاقتصاديّ الّذي كان قد حلّ تحت قيادة بريجنيف، وإصلاح اقتصاد الاتّحاد السّوفيتّيّ وصورته من خلال السّياسات:
- غلاسنوست، وهي سياسة الانفتاح والشّفافية في أنشطة جميع المؤسّسات الحكوميّة في الاتّحاد السّوفيتّيّ.
- وبيريسترويكا، وهي برنامجٌ للإصلاحات الاقتصاديّة.
وكان جورباتشوف يحاول أيضًا تخفيف توتّرات الحرب الباردة من خلال التّوقيع على معاهدة الصّواريخ النّوويّة متوسّطة المدى مع الولايات المتّحدة في عام 1987 وسحب القوّات من أفغانستان، الّتي أثار وجودها الكثير من الإدانة الدّوليّة.
وفي الوقت نفسه، ضغط جورباتشوف على حلفائه الكوبيّين في أنجولا لتقليص الأنشطة والانسحاب. وفي عام 1987، سحب السّوفيتّ الكثير من قوّاتهم من منغوليا. ويُظهر هذا الانسحاب الهائل للقوّات السّوفيتّيّة من هذه المناطق المتنازع عليها بشدّةٍ أنّ قرار الحكومة السّوفيتّيّة بمغادرة أفغانستان استند إلى تغييرٍ عامٍّ في السّياسة الخارجيّة السّوفيتّيّة؛ من المواجهة إلى تجنّب الصّراع حيثما أمكن ذلك.[12]
وفي عام 1987، أعلن السّوفيتّ أنّهم سيبدأون بسحب قوّاتهم من أفغانستان. اختير صبغت اللّه مجدّدي كرئيسٍ للدّولة الإسلاميّة المؤقّتة في أفغانستان، لتأكيد شرعيّتها ضدّ نظام كابول الّذي ترعاه موسكو. التقى مجدّدي، بصفته رئيسًا للحكومة الأفغانيّة المؤقّتة، مع نائب رئيس الولايات المتّحدة آنذاك جورج بوش الأب، محقّقًا نصرًا دبلوماسيًّا حاسمًا للمقاومة الأفغانيّة.
بدأ الانسحاب النّهائيّ للقوّات في 15 مايو 1988، وانتهى في 15 فبراير 1989، تاركًا القوّات الحكوميّة وحدها في المعركة ضدّ المتمرّدين، والّتي استمرّت حتّى عام 1992، عندما انهارت الحكومة السّابقة المدعومة من الاتّحاد السّوفيتّيّ. ونظرًا لطول هذه الحرب، يشار إليها أحيانًا باسم «حرب فيتنام السّوفيتّيّة» أو «مصيدة الدّبّ» من قبل وسائل الإعلام الغربيّة.[13] ويُرجّح كثيرٌ من الباحثين أنّ من أهمّ العوامل الّتي ساهمت في انهيار الاتّحاد السّوفيتّيّ، فشله في حرب أفغانستان.[14]
جرائم الحرب السوفيتية في أفغانستان
خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أنّ الجيش السّوفيتّيّ والجيش الأفغانيّ المتحالف معه ارتكبوا جرائم حربٍ وجرائم ضدّ الإنسانيّة في أفغانستان، واستهدفوا عمدًا المدنيّين والمناطق المدنيّة، وهاجموا السّجناء وقتلوا المعتقلين وعذّبوهم.[15] ورأى مؤرّخون وباحثون عدّةٌ أنّ الأفغان تعرّضوا للإبادة الجماعيّة في هذه الحرب، مثل صموئيل توتن وروزان كلاس ومحمّد كاكار.
ولقمع المقاومة الأفغانيّة، ارتكب الجيش السّوفيتّيّ أعدادًا كبيرةً من المجازر ضدّ الأفغان، كما استخدم تكتيكات الأرض المحروقة. واستخدموا الأفخاخ والألغام والأسلحة الكيميائيّة في جميع أنحاء البلاد. وقتل الجيش السّوفيتّيّ بشكلٍ عشوائيّ مقاتلين وغير مقاتلين لضمان استسلام السّكّان المحلّييّن وعدم تعاونهم مع المقاتلين. وشهدت مقاطعات ننكرهار وغزني وكنر وزابل وقندهار وبدخشان ولوجار وباكتيا وبكتيكا تهجيرًا واسعًا للسّكّان من قبل القوّات السّوفيتّيّة.[16]
كما وثّقت تقارير عدّةٌ استخدام الأسلحة الكيميائيّة في الغزو السّوفيتّيّ لأفغانستان.[17] ففي تقريرٍ لوكالة المخابرات المركزيّة الأمريكيّة، رُفِعت عنه السّرّيّة في عام 1982، ورد أن بين 1979 و1982 كان هناك 43 هجومًا بالأسلحة الكيميائيّة تسبّبت في أكثر من 3 آلاف حالة وفاةٍ. وفي أوائل عام 1980، أُبلِغ عن هجماتٍ بالأسلحة الكيميائيّة في «جميع المناطق الّتي تتركّز فيها أنشطة المقاومة».[18]
الدعم الأمريكي للمجاهدين في أفغانستان
أصبح بريجينسكي، وهو مستشار الأمن القوميّ للرّئيس جيمي كارتر من عام 1977 إلى عام 1981، والمعروف بسياساته المتشدّدة تجاه الاتّحاد السّوفيتّيّ، على قناعةٍ بأنّ الاتّحاد السّوفيتّيّ سيغزو أفغانستان بسبب فشل الإدارة الأمريكيّة في الرّدّ على نشاط السّوفيتّ في أفريقيا. ورأى على الرّغم من مخاطر العواقب غير المقصودة، أنّ دعم المجاهدين يمكن أن يكون وسيلةً فعّالة لمنع العدوان السّوفيتّيّ خارج أفغانستان.[19] وفي بداية العدوان السّوفيتّيّ، وقّع كارتر على قرارٍ سمح بإنفاق مساعداتٍ للمجاهدين بقيمة 500 ألف دولارٍ.
أصبح عضو الكونغرس الديمقراطيّ تشارلز ويلسون مهووسًا بالقضيّة الأفغانيّة. ففي عام 1982، زار القيادة الباكستانيّة ونُقل إلى مخيّمٍ كبير للّاجئين الأفغان في باكستان ليرى عن كثبٍ الظّروف والفظائع السّوفيتّيّة. وبعد زيارته، ومن خلال منصبه في لجنة الاعتمادات في مجلس النّوّاب، عمل على تشجيع أعضاء الكونغرس الديمقراطيّين الآخرين على التّصويت لصالح أموال الحرب الأفغانيّة لوكالة المخابرات المركزيّة. كرئيسٍ، قام رونالد ريغان بتوسيع برنامج دعم المجاهدين وذلك كجزءٍ من عقيدته الّتي تقوم على مساعدة حركات المقاومة المناهضة للسّوفيتّ في الخارج. ولتنفيذ هذه السّياسة، نشر ريغان ضبّاطًا شبه عسكريّين من قسم الأنشطة الخاصّة بوكالة المخابرات المركزيّة لتجهيز قوّات المجاهدين ضدّ الجيش السّوفيتّيّ. وبسبب الضّغط من قبل السّياسيّين الأمريكيّين البارزين والمسؤولين الحكوميّين، مثل ويلسون وغوردون همفري وفريد اكليه ووليام كاسي، تجدّدت زيادة تمويل البرنامج سنويًّا. وفي ظلّ إدارة ريغان، تطوّر دعم الولايات المتّحدة للمجاهدين الأفغان واعتُبر محورًا للسّياسة الخارجيّة الأمريكيّة، والّذي أطلق عليه مبدأ ريغان.[20]
وبشكلٍ عامٍّ، قدّمت الولايات المتّحدة مجموعتين من المساعدات الاقتصاديّة والصّفقات العسكريّة لدعم دور باكستان في الحرب ضدّ القوّات السّوفيتّيّة في أفغانستان. وبحلول نهاية الحروب، وُجِّه أكثر من 20 مليار دولارٍ من الأموال الأمريكيّة عبر باكستان، لتدريب المجاهدين الأفغان وتسليحهم.
عواقب الحرب السوفيتية الأفغانية
إضعاف الاتحاد السوفيتي
وذكرت بعض الدّراسات أنّ الحرب الأفغانيّة قد ساهمت بشكلٍ كبيرٍ في سقوط الاتّحاد السّوفيتّيّ وذلك من خلال تقويض الشّرعيّة السّوفيتّيّة، وتقويض صورة الجيش الأحمر الّذي يفترض أنّه لا يقهر. وفي الجمهوريّات غير الرّوسيّة، شجّعتهم هزيمة الجيش السّوفيتّيّ على السّعي للاستقلال. وخلقت الحرب أشكالًا جديدةً من المشاركة السّياسيّة، في شكل منظّماتٍ مدنيّةٍ جديدةٍ للمحاربين القدامى، ممّا أضعف الهيمنة السّياسيّة للحزب الشّيوعيّ.[21]
الحرب الأهلية الأفغانية (1989-1992)
لم تنته الحرب بانسحاب الجيش السّوفيتّيّ. وعلى الرّغم من فشل حكومة الأمين العام محمّد نجيب اللّه في كسب التّأييد الشّعبيّ، أو الأراضي، أو الاعتراف الدّوليّ، فقد تمكّنت من البقاء في السّلطة حتّى عام 1992. لكن لما يقرب من ثلاث سنواتٍ، بينما نجحت حكومة نجيب اللّه في الدّفاع عن نفسها ضدّ هجمات المجاهدين، طوّرت الفصائل داخل الحكومة أيضًا علاقاتٍ مع خصومها.
وفي عام 1989، اقترح الزّعيم السّوفيتّيّ ميخائيل جورباتشوف خطّة سلامٍ بالتّعاون مع زعيم أفغانستان، محمّد نجيب اللّه، من أجل التّوصّل إلى وقف إطلاق النّار ومفاوضات السّلام. وسعى نجيب اللّه إلى التّعاون الأمريكيّ في التّوصّل إلى حلٍ سياسيٍّ. ومع ذلك، رفضت الإدارة المنتخبة حديثًا لجورج بوش الأب الخطّة، متوقّعةً كسب الحرب من خلال المعركة. وبعد الانسحاب السّوفيتّيّ، هاجم المجاهدون مدينة جلال آباد الشّرقيّة في خطّةٍ حرّض عليها حميد غل من المخابرات الباكستانيّة. وتوقّع الأمريكيّون والباكستانيّون أن تسقط جلال أباد سريعًا في أيدي رجال العصابات ويؤدّي إلى هجومٍ نهائيٍّ على كابول يحرز النّصر. أثبت الجيش الأفغانيّ قدرته بدون القوّات السّوفيتّيّة، حيث تمكّن من كبح هجوم المجاهدين، ممّا أدّى إلى هزيمةٍ كبيرةٍ للمجاهدين.[22]
وفي ديسمبر 1990، اقتربت الولايات المتّحدة والاتّحاد السّوفيتّيّ من التّوصّل إلى اتفاقٍ لإنهاء إمدادات الأسلحة إلى الجانبين في الحرب الأهليّة، ولكن لم يتمّ الاتّفاق على موعدٍ. وفي مارس 1991، تمكّن المجاهدون لأوّل مرّةٍ من الاستيلاء على مدينة خوست، الّتي كانت تُلقّب بـ«روسيا الصّغيرة» بسبب الدّعم الكبير من المدينة للمسئولين الشّيوعيّين المحلّيّين. ومع ذلك، لم يتمكّن المقاتلون من هزيمة الجيش الأفغانيّ كما هو متوقّعٌ من قبل الولايات المتّحدة وباكستان. كما لم تتمكّن حكومة نجيب اللّه من الفوز في ساحة المعركة. وفي أبريل 1992، سقط نجيب اللّه وحكومته الشّيوعيّة في أيدي المجاهدين، الّذين استبدلوا نجيب اللّه بمجلس حكمٍ جديدٍ للبلاد.[23] وفشل المجاهدون السّابق ذكرهم في تشكيل حكومة وحدةٍ في عام 1992، واستمرّت الحرب الأهليّة في التّسعينيّات، وفقد حوالي 400 ألف أفغانيٍّ حياتهم، وانتهى المطاف إلى حكم طالبان.[24]
عواقب تمويل المجاهدين
بعد الانسحاب السّوفيتّيّ، واصل بعض المتطوّعين الأجانب (بما في ذلك تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن) واللّاجئين الأفغان الشّباب جهادهم العنيف في أفغانستان وباكستان والخارج. وأصبح بعض الآلاف من العرب الأفغان الّذين غادروا أفغانستان «قادةً مؤهّلين ومنظّرين دينيّين وقادةً عسكريّين» لعبوا «أدوارًا حيويّةً» كمتمرّدين أو إرهابيّين في أماكن مثل الجزائر ومصر والبوسنة والشّيشان.[25]
وفي لقاءٍ لنجيب اللّه مع أكاديميٍّ أمريكيٍّ، قبل الإطاحة به في عام 1992، صرّح بأنّ أفغانستان ستكون مركزًا لعدم الاستقرار إذا وقعت في أيدي المتطرّفين. وزُعم أن كان من الممكن تجنّب الفوضى إذا كانت إدارة بوش على استعدادٍ لدعم نجيب اللّه ومقترحات الاتّحاد السّوفيتّيّ لتشكيل حكومةٍ ائتلافيّةٍ مع المقاتلين بدلًا من حلٍّ عسكريٍّ شاملٍ.
كما قال نجيب اللّه لصحيفة إنترناشونال هيرالد تريبيون «إذا حلّت الأصوليّة في أفغانستان، فإنّ الحرب ستستمرّ لسنواتٍ عديدةٍ. وستتحوّل أفغانستان إلى مركزٍ للإرهاب.»[26]
بعد وقتٍ قصيرٍ من انسحاب الاتّحاد السّوفيتّيّ من أفغانستان، انهار الاتّحاد، وابتهج المتطوّعون واعتقدوا، كما قال أسامة بن لادن، أنّ الفضل يعود إلى اللّه وإلى المجاهدين في أفغانستان، وأنّ الولايات المتّحدة لم يكن لها دورٌ يذكر في ذلك. وسعوا في ما بعد إلى تكرار جهادهم في دولٍ أخرى.[27]
وكنتيجةٍ غير مقصودةٍ لتمويل المجاهدين من قبل الولايات المتّحدة، وفي أعقاب الحرب السّوفيتّيّة الأفغانيّة، نُفّذ تفجير مركز التّجارة العالميّ عام 1993، ثمّ الهجوم على برجي مركز التّجارة الواقع في مانهاتن، ومقرّ وزارة الدّفاع الأمريكيّة في الحادي عشر من سبتمبر 2001. في تفجير عام 1993، كان جميع المشاركين في التّفجير إمّا قد خدموا في أفغانستان، أو كانوا مرتبطين بجهاز جمع الأموال للجهاد الأفغانيّ في بروكلين.[28] وقبل هجوم 11 سبتمبر، قصفت القاعدة سفارتين أمريكيّتين في أفريقيا عام 1998 وكادت أن تغرق المدمّرة الأمريكيّة كول في اليمن عام 2000.[29]