ربما لو تساءلنا عن اليوم الأكثر دموية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية لجال في خواطرنا العديد من الأحداث العنيفة التي شهدتها البلاد عبر تاريخها، منها أحداث الحادي عشر من سبتمبر مثلًا أو تلك الكارثة الدموية التي أعقبت الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربور خلال أحداث الحرب العالمية الثانية أو لربما اعتبرنا الحرب الأهلية الأمريكية هي أكثر الأيام دموية في التاريخ الأمريكي، ولا يمكن أن نستثني الأيام الأخيرة التي سببتها جائحة كوفيد– 19 التي أودت بأعداد هائلة من حياة الأمريكيين. ولكن رغم كل هذه التكهنات إلا أن الإجابة عن هذا التساؤل ربما لا تكون واضحة بشكلٍ يقينيّ، ولكن عندما نأخذ في الاعتبار معدل الوفيات نتيجة حدث معين أو محدد لمحاولة الإجابة عن التساؤل السابق فمن المحتمل استبعاد كل الأحداث السابقة من الحسابات.
عوائق التقديرات
يذكر البروفيسور ج.ديفيد هاكر -المؤرخ الديموغرافي في جامعة مينسوتا- قائلًا: «إذا وضعنا الاعتبار الخاص بمعدل الوفيات في الولايات المتحدة قبل ظهور جائحة كوفيد- 19 في أواخر 2019 م فإن ما يقرب من حوالي 7700 شخص يموتون يوميًا في الولايات المتحدة لأسبابٍ مختلفة بما فيها حوادث السيارات وأمراض القلب وغيرهما…». لذا يرى هاكر أنه من الصعب تحديد اليوم الأكثر دموية في تاريخ الولايات المتحدة وذلك لسبب واحد وبسيط يتعلق بعدد السكان أنفسهم، فعدد سكان أمريكا في عام 1790 م كان حوالي 4 ملايين نسمة في حين وصل عدد سكان الولايات المتحدة في الوقت الحالي تقريبًا لـ332 مليون نسمة، لذا فإن مقارنة العدد المطلق للوفيات بين العام الماضي والحالي يشبه المقارنة بين التفاحة والبرتقالة.
تقدير معدل الوفيات
يضيف هاكر لموقع Live science قائلًا: «إن عدد الوفيات الإجمالي في الوقت الحالي أكبر بكثير مما كان عليه العدد خلال عام 1790م، ولكن إذا أخذنا في الاعتبار مفهوم معدل الوفيات بأنه يساوي عدد الوفيات مقسومًا على عدد السكان فلا شك سيكون معدل الوفيات في عام 1790م أكبر بكثير من الوقت الحالي، لذا فإن العثور على إجابة السؤال القائم لا يزال أكثر تعقيدًا مما نعتقد». ويرى هاكر أن المقارنات بين الأيام الأكثر دموية في التاريخ الأميريكي تعتمد على العديد من المعايير المختلفة، فإذا نظرنا إلى عدد الوفيات الناجم من حدث معين أو هجوم محدد، فهل نستبعد هؤلاء الأشخاص الذين ماتوا في نفس اليوم لأسباب مختلفة عن هذا الحدث؟ أم نقوم بتضمينهم في العدد الإجمالي للوفيات في نفس اليوم! أضف إلى ذلك فإن سجلات الوفيات على الصعيد الأميريكي المحليّ منذ عام 1776م وحتى الآن تقريبًا غير متوفرة ولكن كل ذلك لا يمنع القيام ببعض التخمينات المحسوبة.
إعصار جالفستون 1900م
إذا عادت بنا الذاكرة إلى حساب العدد الإجمالي للوفيات في يوم واحد نتيجة حدث معين أو محدد فلا شي يضاهي هذا العدد الذي خلفه إعصار جالفستون في 8 سبتمبر من عام 1900م، ذلك الإعصار الذي ضرب مدينة تكساس عَدَّه المختصون إعصارًا من الدرجة الرابعة تراوحت سرعته بين 130 و 156 ميل/ الساعة (209- 251 كم/ الساعة) والذي عُرف أيضًا نتيجة قسوته بالعاصفة الكبرى لعام 1900م، ويوصف غالبًا بأنه من أكبر الكوارث الطبيعية التي أودت بحياة الأمريكيين، فوفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي NOAA في تقريرها الصادر عام 2011 م أن ما بين 8000 و12000 شخص قتلوا خلال هذا الإعصار بمتوسط وفيات يومي حوالي 3500 قتيل، لذا كانت أيام هذا الإعصار مميتة بشكل لا يوصف.
الحرب الأهلية الأميريكية 1861 م
وفي نفس السياق؛ كانت الحرب الأهلية الأمريكية التي اندلعت بين عامي 1861 و 1865م هي فترة دموية بشكلٍ خاص وعنيفة إلى أبعد مدى، فتشير التقديرات إلى أن حوالي 750 ألف جندي لقوا حتفهم خلال هذه الفترة الكبيرة من الحرب سواء بالإصابة أو المرض وذلك تبعًا لدراسة أجريت في عام 2011 م ونشرت في مجلة Civil War History، وبالمثل؛ فليس من المستغرب أن نعتبر حدثًا آخرًا وهو معركة أنتيتام عام 1862م من أكثر الأيام دموية في التاريخ الأمريكي حينما شهدت مقتل حوالي 3650 جنديًا في يوم واحد خلال الحرب الأهلية المذكورة سابقًا.
ورغم كل هذه التقديرات إلا أننا أمام مشكلة أخرى تتعلق بالبيانات، فليس كل من حاربوا في المعركة السابقة ماتوا في نفس اليوم من المعركة، لربما ماتوا بعدها بأيام أو أسابيع أو شهور نتيجة الإصابة ومن المحتمل أنهم ليسوا جزءً من تقديرات وفيات اليوم التي اندلعت في المعركة لأن كما يقولون: «إحصاء قتلى الحرب الأهلية غير دقيق»، وتستمر هذه المشكلة إذا قدرنا أن حواليّ 2500 شخص آخر ماتوا في نفس يوم معركة أنتيتام في الولايات المتحدة لأسباب أخرى مختلفة، وهذا يعني أن قتلى المعركة قد ضاعفوا معدل الوفيات الطبيعي في ذلك اليوم لأكثر من الضعف مما جعله يومًا عنيفًا مميتًا حسب تقدير أي شخص، وفي معركة أخرى وهي جيتسبرغ في يوليو 1863م قُتل حوالي 7000 جندي أو أكثر ولكن خلال ثلاثة أيام وليس يوم واحد.
وباء الأنفلونزا الإسبانية 1918 م
وإذا وضعنا أحداث العنف جانبًا؛ فإن فترة الأنفلونزا الإسبانية كانت فترة قاتلة بشكل كبير، فحسب التقديرات تراوح عدد الوفيات يوميًا في شهر أكتوبر من عام 1918م حوالي 6000 متوفي في المتوسط بسبب الأنفلونزا الإسبانية، وإذا توفرت لنا البيانات عن أيام الذروة لهذا الوباء مضافًا إليها بيانات الوفيات الأخرى لربما اعتبرنا هذه الأيام هي أكثر الأيام فتكًا بالأمريكيين في التاريخ ولكن للأسف لا تتوفر السجلات الخاصة بتلك الأيام التي شهدت ذروة الوباء القاتل.
ماذا عن وفيات كوفيد- 19؟
ماذا عن كوفيد- 19؟ خلال أسوأ أيام الوباء في فبراير من عام 2021 م قُدر عدد الوفيات خلال اليوم الواحد في الولايات المتحدة الأميريكية بحوالي 3300 وفاة بسبب انتشار كوفيد- 19 وهو أكثر من وفيات يوم الحادي عشر من سبتمبر حيث نتج عن تفجير البرجين في نيويورك حوالي 3000 قتيل.