النمو الأخضر، وكيف يمكن أن يساعد في تحقيق التنمية المستدامة؟

النمو الأخضر، وكيف يمكن أن يساعد في تحقيق التنمية المستدامة؟

أكثر من عشرين عامًا مرّت على انعقاد قمة ريو الأولى (First Rio Summit) أو «قمة الأرض» كما تسمى فعليًا، التي عُقدت ولا زال العالم يواجه تحديات اقتصادية، وبيئية، متضادة ومتعددة؛ التحديّ الأول يتمثل في اتساع دائرة الفرص الاقتصاديّة المتاحة للاقتناص نتيجة التزايد المستمر في أعداد سكان العالم.

أمام التحدي الثاني الذي يتمثل في التحديات البيئيّة ومخاطر استنفاذها بالتّلوث والانبعاثات الضارة الناتجة عن التّصنيع، مع إهمال مستمر لمعالجة القضايا البيئيّة على حساب التوسع الاقتصاديّ، الأمر الذي سيؤدي إلى اندثار الفرص الاقتصادية في المستقبل.

ومن هنا تظهر الحاجة لما يسمى «النمو الأخضر»، الُملتَقى الذي يجمع بين هذين التحديّين الخطرين، ويوضح آلية التعامل معهما بحيث يحصل نوع من التوازن بين البيئة والاقتصاد دون أن يضر أحدهما بالآخر.

تعريف النّمو الأخضر

النّمو الأخضر(Green Growth) هو عملية تعزيز النّمو الاقتصاديّ والتنمية الاقتصاديّة مع توفير ضمانات بالمحافظة على الموارد الطبيعية كأحد الأصول الإنتاجية الأساسية التي تستخدم في المحافظة على البيئة الطبيعية التي تحيط بنا، ونعتمد عليها في حياتنا بما يحقق الرفاهية والازدهار لنا وللاقتصاد.
وهو هدف سامٍ يركز على إيجاد نوع من التوازن بين الطبيعية والاقتصاد، من خلال تحفيز الاستثمارات والابتكارات بما يضمن تحقيق التنمية المستدامة وإيجاد فرص اقتصادية جديدة تحافظ على البيئة ومواردها ولا تضر بها، بل وتعمل على تنميتها والاستفادة منا اقتصاديًا بما يحقق رفاهية الأفراد والمجتمع.

علاقة النّمو الأخضر بالتنمية المستدامة

النّمو الأخضر ليس بديلًا عن التنمية المستدامة إنما هي أحد مكوناتها وأساسياتها التي تساعد في توفير نهج عملي ومرن هدفه تحقيق تقدم ملموس قابل للقياس عبر الجمع بين ركائز اقتصادية وبيئية أساسية، ويجب مراعاتها عند إنتاج وتصنيع السلع، بما يضمن إنتاج يحقق لنا الفائدة الاقتصادية والبيئيّة في نفس الوقت.

فإذا لم يتحقق هذا التوازن بين الاقتصاد والبيئة المحيطة كانت النتيجة لا تحمد عقاباها. فهي تنمية خضراء تركز على النتائج الاقتصادية الإيجابية والاجتماعية الناتجة عن عمليات التخضير المستمرة في الدول.

استراتيجيات النّمو الأخضر

تقوم استراتيجيات النّمو الأخضر على المحافظة على الموارد البيئيّة الطبيعيّة بجميع إمكانياتها الاقتصاديّة الكاملة بصورة مستدامة دون أي انتقاص لها، نتيجة لعمليات التّصنيع أو التلوث الناتج عنه. كما وتشمل المحافظة على جميع مكونات البيئة، من المحافظة على الهواء النّظيف والمياه النّقية، وعدم الإضرار بالتّنوع البيولوجي للكائنات الحيّة الّلازم لإنتاج الغذاء الضروري للمحافظة على صحة الإنسان.

 فالموارد الطبيعيّة ليست قابلة للاستبدال بسهولة في حالة تدميرها أو تلوثها، وهو ما يتم أخذه بعين الاعتبار عن وضع استراتيجيات التنمية الخضراء.
في شهر مايو 2011 حدثت نقلة نوعيّة في تاريخ النّمو الأخضر، عندما قامت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCED) بتسليم استراتيجيتها للنمو الأخضر إلى رؤساء ووزراء أكثر من أربعين دولة، قاموا بدورهم بالترحيب  بها كأداة أساسيّة ومفيدة لتوسيع دائرة التنمية الاقتصادية.

وتلعب دورًا فاعلًا في  خلق فرص عمل أكثر استدامة مع المحافظة على استدامة للموارد الطبيعية، والمحافظة على كفاءة استخدام الطاقة، والنظر إلى تقييم خدمات النظام البيئي كأحد الأدوات الرئيسية لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.

 ويعتبر العام 2009 من أحد أهم التواريخ  للتنمية الخضراء، العام الذي قام به وزراء 34 دولة بالاستجابة لاستراتيجية النّمو الأخضر والتوقيع على إعلانها الرسمي، مع تعّهدهم بالالتزام  بتعزيز جهودهم لمتابعة استراتيجيات النّمو الأخضر كجزء أساسي للاستجابة للأزمة الاقتصادية العالمية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وتوجّهاتهم لاتخاذ خطوات جديّة لمنع تكرارها في بعد.

استراتيجيات النمو الأخضر
استراتيجيات النّمو الأخضر

أهداف النمو الأخضر

تعد سياسات النّمو الأخضر جزءً لا يتجزأ من الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتعزيز نمو اقتصادي قوي وأكثر استدامة وشمولية، كما أنها تفتح آفاقًا جديدة لمزيد من الأهداف الاقتصاديّة خلال:

  • تعزيز الإنتاجية وإيجاد عوامل تحفيّزية تساهم في زيادة كفاءة استخدام الموارد الطبيعيّة، والحد من النفايات واستهلاك الطاقة، وإطلاق العنان لفرص الابتكار وخلق القيمة، والتخصيص الأمثل لاستخدام الموارد الطبيعية.
  • تعزيز ثقة المستثمرين في الاقتصاد وزيادة القدرة على التنبؤ بالآليات الحكومية في التعامل مع القضايا البيئية الأساسية.
  • العمل على فتح أسواق جديدة وزيادة تحفيز الطلب على السلع والخدمات والتقنيات الخضراء.
  • ضبط الأوضاع المالية العامة عن طريق زيادة الإيرادات العامة، عبر فرض الضرائب الخضراء أو بإلغاء الإعانات الحكومية للمشاريع التي قد تضر بالبيئة.
  • المساعدة في زيادة دور الموارد الطبيعيّة في برامج مكافحة الفقر، خاصة في مجالات مشاريع إمدادات المياه والصرف الصحي وغيرها من الاستثمارات التي تنصب في مصلحة الفقراء.
  • تقليل مخاطر النّمو السلبية الناتجة عن استنزاف الموارد ونضوبها، وما ينتج عن ذلك من آثار تسبب أضرارًا بيئية لا رجعة فيها.

الاستراتيجية المثلى للنّمو الأخضر

لا يوجد على أرض الواقع قالب محدد لاستراتيجية نمو أخضر مثالية تصلح للتعميم على جميع الدول، ويجب على بلد أن تقوم بتصميم استراتيجيات النّمو الأخضر المثلى التي تتناسب مع ظروفها وتحقق لها النّمو الأخضر بما تتلاءم مع مواردها.

وعلى كل دولة إدارة مواردها الطبيعية بعناية كبيرة بما يحقق لها الاستغلال الأمثل، مع الأخذ بعين الاعتبار إيجاد التوازن بين تحقيق النّمو الاخضر وبرامج الحد من الفقر، بالإضافة إلى توفير بنية تحتية أكثر كفاءة، خاصة في مجال النقل والمواصلات وتوليد الطاقة وتوفير المياه.

مع ضرورة القيام بإجراءات جديّة تعالج تدهور الأوضاع الصحيّة الناتجة عن التدهور البيئي، مع الاعتماد في نفس الوقت على تقنيات فعاّلة تساعد في تقليل التكاليف وزيادة الإنتاجية دون أن تسبب ضغوطًا بيئيّة.

كما ويمكن لاستراتيجيات النّمو الأخضر في الدول منخفضة الدخل أن تقلل من المخاطر البيئيّة، وبأن ترفع مستوى معيشة الفقراء في نفس الوقت، خاصة إذا ما تم اتباع سياسات مركزيّة لإدارة الموارد الطبيعية فيها.

ومن المميزات الأساسية لاستراتيجيات النّمو الأخضر أنها تطرح فكرة أوسع لمقاييس التّقدم الاقتصاديّ، بتركيزها على جودة نتائج النّمو الأخضر، ومكوناته وآثاره الإيجابية على رفاهية الأفراد وثرواتهم، بدلًا من التركيز على حسابات الناتج المحلي الإجمالي كمقياس رئيسي للتقدم الاقتصاديّ، دون أي اعتبار لمساهمات الموارد الطبيعيّة في تحسين الصحة، أو في تكوين الثروة وتحقيق الرفاهيّة. 

 وكذلك فإن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تضع على عاتقها تحديد أفضل السياسات وأدوات القياس التي يمكن أن تتبناها الدول في تنفيذ النّمو الأخضر، كل حسب وضعه بما يساعدها في القضاء على الفقر وفي خلق فرص العمل جديدة لبناء اقتصاد قويّ وتحقيق تنمية مستدامة.

منهجية عمل استراتيجيات النّمو الأخضر

 أطلقت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية منهجًا واضحًا في عملها لتعزيز النّمو الأخضر، يتمثل في شعار «عدم وجود مقاس واحد يناسب الجميع». فلكل دولة وضع يختلف تمامًا عن الأخرى، من خلاله تقوم باختيار استراتيجيتها للنمو الأخضر بناءً على مستوى نموها الاقتصاديّ.

وبناءً على سياساتها الاقتصادية النابعة من تنظيميها المؤسسي، وكذلك أيضًا بناءً على مستوى التّنمية الاقتصاديّة التي حققتها على أرض الواقع، وحسب بنية هياكلها الاجتماعية، بالإضافة إلى مقدار الهبات الطبيعيّة لمواردها وثرواتها، مع تحليل مراكز الضغوط البيئية الخاصة فيها. 

وبذلك تختلف الفرص والتحديات التي تواجه الدول المتقدمة عن غيرها من الدول النامية، وبناءً عليه تختلف الخطط الوطنية للنّمو الأخضر في كل دولة على حدة، مع ضرورة التوافق بين استراتيجيات النّمو الأخضر، والركائز الأساسية لتعزيز العدالة الاجتماعية، من استثمار في رأس المال البشريّ، وتعزيز العمالة الشاملة، وتصميم سياسات فاعلة لإعادة توزيع الضرائب وتحويلاتها لمستحقيها.[1]

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي