ظلَّ الأدب والشِّعر تحت وطأة الحركة الكلاسيكيَّة التي وُلِدَت من رحم الآداب اليونانيَّة والإغريقيَّة القديمة، وتطرَّقنا مسبقًا للتَّعريف بالحركة الكلاسيكيَّة، وأبرز الأدباء الذين تأثَّروا بتلك الحركة في العصر الحديث.
ولكن مع الوصول إلى أواخر القرن الثامن عشر، وتنامي نزعة الحريَّة، والثَّورة الفرنسيَّة ومفكِّريها، وكذلك اختلاف نظرة الإنسان لنفسه وما حوله؛ بدأ الأدباء يَنْسَلُّون من الحركة الكلاسيكيَّة القديمة، ليسلكوا مسارًا جديدًا عُرِف ب«الحركة الرُّومانسيَّة».
وجاءت الحركة الرُّومانسيَّة بشكل رئيسي لتثور على المدرسة الكلاسيكيَّة التي ظلَّت سائدة، وبدأت تحتفي بعدد من المبادئ مثل حبّ الطَّبيعة، وتقدير العزلة، والنَّظر إلى داخل الإنسان.
تعريف الحركة الرُّومانسيَّة
ظهرت الحركة الرُّومانسيَّة في الأدب باعتبارها ثورة على الأدب التَّقليدي الكلاسيكي، وكافَّة أصوله الذي عُرِف بها، وكانت في جوهرها ثورة تحرُّريَّة للأدب من سيطرة الآداب الإغريقيَّة وأصولها التي سادت فيما بعد.
وتُشتَقّ كلمة رومانسيَّة من لفظة «رومانيوس – Romanius» التي أُطلقت على اللُّغات والآداب التي تفرَّعت من اللغة اللاتينيَّة القديمة، وقصد الرُّومانسيُّون باختيارهم هذا اللفظ عنوانًا لحركتهم؛ للمعارضة بين تاريخهم وأدبهم وثقافتهم القوميَّة، وبين التَّاريخ والأدب والثَّقافة الإغريقيَّة القديمة.
إنَّ لُبَّ الحركة الرُّومانسيَّة الأدبيَّة هو تحرُّر العبقريَّة البشريَّة ،وانطلاقها على سجيتها، بحيث لا يخضع الأدب لقواعد، ولا يصدر عن صنعة مقصودة عكس الأدب الكلاسيكي. وتعود نشأة الرُّومانسيَّة إلى أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، ويُرجِع النُّقَّاد نشأة الحركة إلى فرنسا؛ باعتبار الظُّروف السِّياسيَّة، والاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة مهَّدت وخلقت لدى الفرنسيِّين الحالة النَّفسيَّة التي تتميَّز بها الرُّومانسيَّة.
يقول الرُّومانسيَّون -على عكس الكلاسيكيِّين- إنَّ الأدب عامَّةً ليس محاكاةً للحياة والطَّبيعة؛ بل خلقًا، وأداة الخلق ليست العقل ولا الملاحظة المباشرة؛ بل الخيال المبتكر، والمؤلَّف بين العناصر المشتَّتة في الواقع الراهن، أو في ذكريات الماضي، وإرهاصات المستقبل وآماله.(1)
أهم خصائص الحركة الرُّومانسيَّة
تتميَّز الحركة الرُّومانسيَّة بعدد من السِّمات الرَّئيسيَّة، تجعلها تنفرد بها بين الحركات والمدارس الأدبيَّة اللاحقة، وأيضًا جعلتها تخرج عن عباءة الأدب الكلاسيكي الذي كان سائدًا قبل ظهور الحركة. ويشير النُّقَّاد إلى وجود ستَّة سمات أساسيَّة للحركة الرُّومانسيَّة وهي:
• الاحتفاء بالطَّبيعة: يرى الكُتَّاب الرُّومانسيَّون أنَّ الطَّبيعة هي المُعلِّم ومصدر الجمال الأبدي. ومن بين القصائد التي تُظهِر هذه السِّمة قصيدة «إلى الخريف» للشَّاعر الإنجليزي (جون كيتز).
• التَّركيز على الأفراد والرُّوحانيَّات: تحوَّل الكُتَّاب المُنتَمين للحركة الرُّومانسيَّة إلى المشاعر الدَّاخليَّة للإنسان، حيثُ قدَّروا التَّجربة الفرديَّة قبل كلِّ شيء. تنعكس هذه السِّمة بشكل رئيسي في تسليط الضوء على الحسِّ الرُّوحاني في الأعمال الرُّومانسيَّة، والإقبال على العناصر الغامضة والخارقة للطَّبيعة. من بين أبرز الأعمال التي تُظهِر هذه السِّمة رواية «الغراب» للشَّاعر والكاتب الأمريكي (إدجار آلان بو).
• تقدير الوحدة والكآبة: تركّز الكثير من الأعمال الرُّومانسيَّة على الوحدة، والتي يرتبط بها في كثير من الأوقات الحزن؛ باعتباره عنصر رئيسي لكتابات الحركة الرُّومانسيَّة. وغالبًا ما ترتبط الوحدة باعتبارها ردّ فعل للفشل المحتوم.
• الاهتمام بالشَّخص العادي: كثير من الكتابات والأدباء الذين ينتمون للحركة الرُّومانسيَّة يقدِّرون مبدأ الكتابة للنُّصوص التي يمكن قراءتها، والاستمتاع بها، وفهمهما من قِبَل الجميع.
• إضفاء الطَّابع المثالي على المرأة: بعض الأعمال المرتبطة بالحركة الرُّومانسيَّة تضفي طابعًا مثاليًا على المرأة، وتصوِّرُها باعتبارها رمز مثالي للحبِّ، والنَّقاء، والجمال. وكثير من أعمال الحركة الرُّومانسيَّة تمتلئ بمفاهيم عن براءة النِّساء المثاليَّة.
• التَّجسيد والمغالطات المُثيرة للشَّفقة: يرتبط اهتمام أدب الحركة الرُّومانسيَّة بالطَّبيعة عن طريق الاستخدام المُكثَّف للتَّجسيد والمغالطات المثيرة للشَّفقة.(2)
أُدباء من الحركة الرُّومانسيَّة
يُعتبَر (روبيرت بيرنز – Robert Burns) هو رائد الحركة الرُّومانسيَّة، ورغم وفاته في عام 1796 قبل ظهور الحركة الرُّومانسيَّة؛ إلَّا إنَّ لغته وصدقه يصنِّفانِه بصفته كاتب رومانسي في وقت مبكِّر، كما ألهم برنز العديد من الكُتَّاب فيما بعد بالحركة الرُّومانسيَّة.(3)
– (ويليام بلاك – William Blake): وهو واحد من أوائل أدباء الحركة الرُّومانسيَّة، وكان يؤمن بالحرِّيَّة الرُّوحيَّة والسِّياسيَّة، وانعكست رؤاه في أنماط أعمال الأدبيَّة، ويُعَدُّ أحد مؤسِّسي الحركة. ومن أعماله «أغنيات البراءة والتَّجربة»، وفي العمل تعكس البراءة والمخيِّلة لمرحلة الطفولة في مقابل قسوة الفساد المرتبطة بالبلوغ.(3)
– (جون كيتز – John Keats): هو شاعر إنجليزي، وُلد عام 1795 بلندن، ينتمي إلى الحركة الرُّومانسيَّة. ونشر كيتز أوَّل مجلَّداته الشِّعريَّة في عام 1817. وجاءت شهرة الشَّاعر بعد وفاته، خاصَّةً في النِّصف الثَّاني من القرن التَّاسع عشر، ومن أهمِّ قصائده «إلى الخريف» و«العندليب» و«نجم ساطع». (4)
– (سير والتر سكوت – Sir Walter Scott): اكتسب السِّير والتر سكوت شعبيَّة خلال فترة عيشه وفي عصره، وكانت شعبيَّته في إنجلترا ، وامتدَّت لتصل إلى أوروبا أيضًا. من أشهر أعمال والتر سكوت سلسلة روايات «وافيرلي – Waverley». كان يركِّز في كتاباته على اسكتلندا بشكل رئيسي ويكتب عن جمالها، وهي تحكي عن تمرُّد اليعقوبيِّين عام 1745، وتركِّز على بطلها إدوارد وافيرلي الذي يُستدعَى للجيش، ويخوض حرب اسكتلندا في عام 1745.(3)
– (جين أوستين – Jane Austen): تميَّزت الحركة الرُّومانسيَّة بظهور عدد من الأقلام النِّسائيَّة، وكان على رأسها جين أوستن التي تُعدُّ أبرز كاتبة تنتمي لتلك الحركة. ورغم انتمائها للحركة الرُّومانسيَّة؛ إلَّا أنَّ بعض النُّقَّاد يشيرون لكونها لم تلتزم بتعليمات وسمات المدرسة الرُّومانسيَّة بشكل كبير، أو كما التزم بها الكُتَّاب السَّابقون. عُرِف عن جين أوستين اختيارها التَّركيز على الحياة اليوميَّة لعامَّة النَّاس، مما يجعل كتاباتها تتضمَّن بطلات مرتبطين بالقُرَّاء، ومغامرات يسهل على القارئ العادي خوضها والمرور بها.(3)
بعض روايات الحركة الرُّومانسيَّة
شهدت فترة انتشار الحركة الرُّومانسيَّة ازدهار الرِّواية ورواجها، حتى أصبحت المصدر الرَّئيسي للمتعة والتَّرفيه بالنّسبة إلى أفراد ومواطني الطَّبقة الوسطى.
ومن الرِّوايات التي تنتمي للحركة الرُّومانسيَّة رواية «الحرف القرمزي» للمؤلِّف الأميركي ناثانيال هاوثورن، ورواية «كبرياء وهوى» للكاتبة الإنجليزيَّة جين أوستن، ورواية «قلعة ترانتو» للكاتب الإنجليزي هوراس والبول، ورواية «فرانكشتاين» الشَّهيرة لماري شيللي.(3،5)