تُعدّ التجربة الفكريّة المعروفة باسم قطّة شرودنجر واحدةً من أشهر المفاهيم التي يُساء فهمُها في ميكانيكا الكم.
ابتكر عالم الفيزياء النظريّة النمساوي (إرفين شرودنجر) تجربةً فكريّةً (أي أنّها لم تُنفّذ بالفعل أبدًا) نُشرت عام 1935 في ورقةٍ بحثيّة بعنوان «الوضع الحاليّ في ميكانيكا الكمّ» افترض فيها ما يلي:
- أن لدينا جهازًا يتكوّن من صندوق به قارورةٌ زجاجيّةٌ مُحكمة الغلق، تحتوي مادّة السيانيد السامّة، تعلو فوق القارورة مُباشرةً مطرقةٌ مُثبّتة على عدّاد جايجر، ويكون عدّاد جايجر مُوجّهًا نحو كتلة صغيرة من اليورانيوم المُشعّ بشكلٍ معتدل، وبداخل الصندوق، هناك أيضًا قطّةٌ حيّة.
- الصندوق مُغلق، وتُترك التجربةُ للتشغيل لفترةٍ زمنيّةٍ محدّدة، ربما ساعة. في تلك الساعة، تكون لدى اليورانيوم، الذي تخضع جزيئاته لقوانين ميكانيكا الكمّ، فرصةٌ ما لإصدار إشعاع يلتقطه عداد جايجر، والذي بدوره سيطلق المطرقة لتحطّم قارورة السيانيد السامّ، الذي يقتل القطّة.
قبل أن يتمَّ فتحُ الصندوق ومشاهدةُ ما حدث فإن القطّة يُحتمل أن تكون في حالة من اثنين:
- إما أن تكون ميّتة، وهذا يعني أنّ ذرّة من اليورانيوم قد تحلّلت، وتحرّكت إبرة عدّاد جايجر المُلامسة للمطرقة فانطلقت لتُحطّم قارورة السيانيد السام الذي يقتل القطّة.
- وإما أن تظلّ حيّة، وهذا يعني أن ذرّة اليورانيوم لم تتفكّك، ولم تتحرّك إبرة عداد جايجر.
تُشبه حالةُ القطّة في تجربة شرودنجر (قبل المشاهدة) حالةَ التراكُب الكموميّ بحيث يُحتمل أن تكون حيّة وميّتة معًا في آنٍ واحد، وهو ما استبعد شرودنجر مُطابقته للعالم الواقعيّ، فالقطّة إمّا أن تكون حيّة أو ميّتة، وليس هناك حالة وسطى بين الاثنين، وبمجرّد فتح الصندوق وإجراء عمليّة الرصد والمشاهدة ستكون النتيجة إمّا قطّة حيّة أو ميّتة.
أراد شرودنجر أن يشيرَ إلى ضبابيّة الحدّ الفاصل بين العالم الميكروسكوبيّ الذي تنطبق عليه ميكانيكا الكمّ (أنظمة الذرّات والجسيمات الأوّليّة الصغيرة)، والعالم الماكروسكوبيّ الذي تنطبق عليه قوانين الفيزياء الكلاسيكيّة (الأجسام كبيرة الحجم) وفقًا لفيزياء الكمّ، وهو الأمر الذي تَسبّب حينها في الكثير من الجدل في الأوساط العلميّة حول مفهوم التراكب الكميّ، الذي يتعارض مع الفيزياء الكلاسيكيّة، والذي يفيد بأنّ الحالات الكموميّة المُحتملة لأيّ نظام فيزيائيّ يُمكن أن تتراكبَ وتُضاف إلى بعضها البعض فينتج عنها حالاتٌ كموميّة أخرى، كما يحدث في تجربة الشقّ المزدوج يونج، حين تتصرَّف الإلكترونات كجسيمات، إلّا أنّه عند مُلاحظتها ورصدها فإنّها تتصرَّف كموجات.[1،2]
دافع الفيزيائيّ الدنماركيّ (نيلز بور) عن فكرة أن الجسيمات (كالإلكترونات) تظلّ ذات خصائص غير محدّدة جيّدًا إلى أن يتمّ قياسها. بينما قبل ذلك (أي قبل القياس أو الرصد)، كانت الجسيمات موجودةً فيما يُعرف بتراكُب الحالات، مع وجود فرصة -على سبيل المثال- بنسبة 50٪ أن تكونَ مُتوجّهة (لأعلى) وفرصة بنسبة 50٪ في أن تكونَ متوجّهة (لأسفل). إلّا أنّ أينشتاين رفض هذا المفهوم غير الحاسم، وأراد أن يعرفَ كيف يتسنّى للكون أن يعرف بالضبط أنّ شخصًا ما يقيس شيئًا ما.
بدءًا من سبعينيّات القرن الماضي، كان الباحثون قادرين على إظهار أنّ الجسيمات الكموميّة يمكن إنشاؤها في حالات تتوافق دائمًا مع بعضها البعض لذلك؛ إذا بدا أنّ أحدهما يتحرّك اتّجاهًا لأعلى، فسيكون الآخر لأسفل، وهي ظاهرة أطلق عليها شرودنجر اسم «التشابك». تمّ استخدام هذا العمل لدعم مجال الحوسبة الكموميّة الناشئ، والذي يُعدُّ بإنتاج آلات حاسبة أسرع بكثير من التقنيّات الحاليّة.
في عام 2010 تمكّن الفيزيائيّون أيضًا من إجراء نسخة حقيقيّة من تجربة قطّة شرودنغر، وإن كان ذلك قد تمّ بطريقة لا تنطوي على إبادة أو قتل القطط. ففي جامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا، بنى العلماء مرنانًا، الذي هو في الأساس عبارة عن شوكة رنانة صغيرة بحجم البكسل على شاشة الكمبيوتر. لقد وضعوها في حالة تراكب حيث كانت تهتزّ ولا تهتزّ في نفس الوقت، ممّا يدلُّ على أنّ الأجسام الكبيرة نسبيًّا يمكن أن تحظى بحالات كموميّة غريبة.
وتمكّنت التجارب الأكثر حداثةً من وضع مجموعات مُكوّنة ممّا يصل إلى 2000 ذرّة في مكانين مختلفين في نفس الوقت، ممّا زاد من ضبابيّة الخط الفاصل بين العالم الميكروسكوبيّ والعالم الماكروسكوبيّ.
وفي عام 2019 تمكّن الباحثون في جامعة جلاسكو من التقاط صورة للفوتونات المُتشابكة باستخدام كاميرا خاصّة تلتقط صورةً كلّما ظهر فوتون مع شريكه المتشابك.
في حين أنّ الفيزيائيّين والفلاسفة لم يتّفقوا بعد على كيفيّة التفكير في العالم الكميّ، إلّا أنّ رُؤى شرودنجر قد أنتجت العديد من طرق البحث المُثمرة، ومن المُرجَّح أن تستمرّ في القيام بهذا الدور في المستقبل القريب. [1،2]