مُنحت جائزة نوبل للعلوم الاقتصادية المقدمة من البنك المركزي السويدي إلى كلٍّ من بول ميلغروم، وروبرت ويلسون لتطويرهما نظرية المزاد وإيجادهما أشكالًا وتنسيقات جديدة للمزاد تعود بالنفع على البائعين، والمشترين، ودافعي الضرائب في جميع أنحاء العالم.
مقدمة
كل يوم تُوزِّع المزادات قيمًا فلكية بين المشترين والبائعين. قام الحائزان على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية هذا العام، بول ميلجروم وروبرت ويلسون بتحسين نظرية المزاد Auction Theory وابتكرا أشكالًا جديدة للمزادات، مما أفاد البائعين والمشترين ودافعي الضرائب في جميع أنحاء العالم.
تمتلك نظرية المزادات تاريخًا طويلًا، ففي روما القديمة، استخدم المقرضون المزادات لبيع الأصول التي صادروها من المقترضين الذين لم يتمكنوا من سداد ديونهم.
أُنشِئ أقدم دار مزادات في العالم، ستوكهولمز أوكتيونسفيرك عام 1674، أيضًا لغرض بيع الممتلكات المصادرة.
في الوقت الحاضر، عندما نسمع كلمة المزاد ربما نفكر في مزادات المزارع التقليدية أو المزادات الفنية الراقية، ولكن قد يتعلق الأمر ببيع شيءٍ ما على الإنترنت، أو شراءِ عقارٍ عبر وكيل عقارات.
تُعتبر نتائج المزاد أيضًا مهمة جدًا بالنسبة لنا كدافعي ضرائب وكمواطنين. ففي كثيرٍ من الأحيان، تفوز الشركات التي تدير جمع نفايات المنازل بعقد مشتريات عام من خلال تقديم أقل عطاء.
وتؤثر أسعار الكهرباء المرنة، التي تُحدَّد يوميًّا في مزادات الكهرباء الإقليمية، على تكلفة تدفئة منازلنا.
تعتمد تغطية الهاتف المحمول لدينا على الترددات اللاسلكية التي حصل عليها مشغلو الاتصالات من خلال مزادات الأطياف الراديوية Spectrum Auctions.
تقترض جميع البلدان الآن عن طريق بيع السندات الحكومية في المزادات. والغرض من مزاد الاتحاد الأوروبي لتراخيص الانبعاثات هو التخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري.
لذلك، فإن المزادات تؤثر علينا جميعًا وعلى كل المستويات. وعلاوة على ذلك، فإنها أصبحت عامةً ومعقدةً بشكلٍ متزايد. وهذا هو الجزء الذي قدم فيه الفائزان هذا العام مساهماتهما الرئيسية. ولم يوضحا فقط كيف تعمل المزادات، وكيف يتصدر مقدمو العروض بطريقةٍ معينة، لكن استخداما أيضًا اكتشافاتهما النظرية الخاصة لإنشاء أشكال مزادات جديدة تمامًا لبيع السلع والخدمات. وقد انتشرت هذه المزادات الجديدة على نطاقٍ واسع في جميع أنحاء العالم.
المزادات في كل مكان وتؤثر على حياتنا اليومية؛ حيث تقرر أسعار الكهرباء، وبدلات الانبعاثات، والأصول المالية، والسلع المختلفة.
نظرية المزاد
لفهم مساهمات الفائزين، نحتاج إلى معرفة المزيد عن نظرية المزاد.
تعتمد نتيجة المزاد على ثلاثة عوامل
الأول هو قواعد المزاد أو شكله؛ هل المزايدة مفتوحة أم مغلقة؟ كم مرة يمكن للمشاركين المزايدة في المزاد؟ ما هو السعر الذي يدفعه الفائز؟
العامل الثاني يتعلق بالعنصر المعروض في المزاد؛ هل لها قيمة مختلفة لكل مقدم مزايد؟ أم أنهم يقيّمون الشيء بنفس الطريقة؟
العامل الثالث يتعلق بعدم اليقين؛ ما المعلومات التي يمتلكها مقدمو العروض المختلفون حول قيمة الشيء محل المزايدة؟
وباستخدام نظرية المزاد، من الممكن شرح كيف تحكم هذه العوامل الثلاثة السلوكَ الاستراتيجي لمقدمي العطاءات وبالتالي نتيجة المزاد.
ويمكن أن توضح النظرية أيضًا كيفية تصميم مزادٍ لخلق أكبر قدر ممكن من القيمة. كلتا المهمتين صعبتان بشكلٍ خاص عندما يتم بيع العديد من العناصر ذات الصلة بالمزاد العلني في نفس الوقت. ولقد جعل الحائزان على الجائزة هذا العام في العلوم الاقتصادية نظريةَ المزاد أكثر قابليةً للتطبيق في الممارسة من خلال إنشاء تنسيقات مزاد جديدة مخصصة.
أنواع المزادات المختلفة
عادةً ما تبيع دور المزادات في جميع أنحاء العالم أشياءً فردية باستخدام المزاد الإنجليزي English Auction. وهنا يبدأ البائع بالمزاد بسعرٍ منخفض، وبعدها يقترح المشاركون أسعارًا أعلى بشكل متزايد. ويمكن للمشاركين رؤية جميع العطاءات واختيار ما إذا كانوا يريدون تقديم عرضٍ أعلى. ومن يصل إلى أعلى عرض يربح المزاد ويدفع ما قدمه.
لكن المزادات الأخرى لها قواعد مختلفة تمامًا؛ حيث يبدأ المزاد الهولندي Dutch Auction بسعر مرتفع، ثم يتم تخفيضه تدريجيًّا حتى يتم بيع القطعة.
كلٌّ من المزادات الإنجليزية والهولندية لها عطاءات علنية، لذلك يرى جميع المشاركين عطاءات الآخرين. ومع ذلك توجد أنواع أخرى من المزادات، حيث يتم تقديم العطاءات في أظرف مغلقة، على سبيل المثال، في المشتريات العامة، غالبًا ما يضع مقدمو العطاءات عطاءات في أظرف مغلقة ويختار المشتري المورد الذي يلتزم بأداء الخدمة بأقل سعر، شريطة استيفاء متطلبات الجودة المحددة. وفي بعض المزادات، يكون السعر النهائي هو أعلى عطاء (مزادات السعر الأول)، وفي أشكال أخرى، يدفع الفائز ثاني أعلى عطاء (مزادات السعر الثاني).
ما هو شكل المزاد الأفضل؟ الإجابة عن هذا السؤال لا تعتمد فقط على النتيجة، ولكن أيضًا على ما نعنيه بكلمة “الأفضل”. عادةً ما يهتم البائعون من القطاع الخاص بالحصول على أعلى سعر. أما القطاع العام فلديه أهداف أشمل، مثل تحقيق أقصى فائدة على المدى الطويل للمجتمع ككل. ويعد البحث عن أفضل مزاد مشكلةً صعبة شغلت الاقتصاديين لفترةٍ طويلة.
تكمن الصعوبة في تحليل المزاد في أن أفضل استراتيجية لمقدم العطاء تعتمد على كيفية توقعه عطاءات الآخريين في المزاد. هل يعتقد بعض المزايدين أن الشيء يستحق أكثر أو أقل من الآخرين؟ هل تعكس هذه التقييمات المختلفة بعض مقدمي العطاءات الذين لديهم معلومات أفضل عن خصائص السلع وقيمتها؟ هل يمكن لمقدمي العطاءات التعاون والتلاعب بالمزاد لإبقاء السعر النهائي منخفضًا؟
القيم الخاصة
أسس ويليام فيكري، الحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 1996، نظريةَ المزاد في أوائل الستينيات. وقام بتحليل حالة خاصة، حيث يكون لمقدمي العطاءات قيم خاصة للسلعة أو الخدمة التي تُباع بالمزاد، هذا يعني أن قيم مقدمي العطاءات لا تعتمد علي بعضها بعضًا. على سبيل المثال، قد يكون هذا مزادًا خيريًّا لتناول العشاء مع أحد المشاهير (على سبيل المثال حائز جائزة نوبل)، فإن المبلغ الذي ترغب في دفعه مقابل مثل هذا العشاء أمر شخصي -لا يتأثر تقييمك الخاص بكيفية تقييم مقدمي العطاءات الآخرين للعشاء- إذن فكيف يمكنك المزايدة في هذا النوع من المزاد؟ لا يجب أن تعرض أكثر مما يستحق العشاء بالنسبة لك. ولكن هل يجب عليك تقديم عرض أقل؟ وربما الحصول على العشاء بسعر أقل؟
وأظهر فيكري أن أفضل صيغ المزادات المعروفة -مثل الإنجليزي والهولندي- تعطي نفس الإيرادات المتوقعة للبائع، بشرط أن يكون جميع مقدمي العطاءات عقلانيين ومحايدين تجاه المخاطر.
القيم العامة
تعد القيم الخاصة بالكامل حالةً متطرفة. معظم أشياء المزاد -مثل الأوراق المالية وحقوق الملكية- لها قيمة مشتركة كبيرة، مما يعني أن جزءًا من القيمة متساوي عند جميع المزايدين المحتملين. ومن الناحية العملية، قد يمتلك مقدمو العروض أيضًا كمياتٍ مختلفة من المعلومات الخاصة حول خصائص الشئ محل العرض.
لنأخذ مثالًا ملموسًا، تخيل أنك تاجر ألماس وأنك -وكذلك بعض التجار الآخرين- تفكر في مزايدة على الماس الخام، حتى تتمكن من إنتاج قطع الماس وبيعها. إن استعدادك للدفع يعتمد فقط على قيمة إعادة بيع قطع الألماس التي بدورها تعتمد على عددها وجودتها. للتجار المختلفين آراءٌ مختلفة حول هذه القيمة العامة، اعتمادًا على خبرتهم وخبراتهم والوقت الذي قضوا فيه لفحص الماس. يمكنك تقييم القيمة بشكل أفضل إذا كان لديك إمكانية الوصول إلى تقديرات جميع المزايدين الآخرين، لكن كل مقدم عطاء يُفضِّل الحفاظ على سرية معلوماته.
المزايدون في المزادات ذات القيم العامة يخاطرون بحصول المشاركين الآخرين على معلومات أفضل حول القيمة الحقيقية. وهذا يؤدي إلى الظاهرة المعروفة المتمثلة في انخفاض العطاءات في المزادات الحقيقية، التي تُعرف باسم لعنة الفائز. لنفترض أنك ربحت مزاد الألماس الخام، هذا يعني أن مقدمي العطاءات الآخرين يُقدِّرون الماس أقل مما تفعله، لذلك قد تتكبد خسارةً في المعاملات التجارية.
غالبًا ما يبالغ مقدم العطاء الأكثر تفاؤلًا في تقدير القيمة العامة للعنصر المعروض في المزاد، بحيث يتضح أن “الفوز” بالمزاد يتسبب في خسارة – لعنة الفائز.
كان روبرت ويلسون أول من وضع إطارَ عملٍ لتحليل المزادات ذات القيم العامة، ووصف كيف يتصرف مقدمو العروض في مثل هذه الظروف.
وفي ثلاث ورقات بحثية كلاسيكية من الستينيات والسبعينيات، وصف استراتيجية العطاء الأمثل لمزاد السعر الأول عندما تكون القيمة الحقيقية غير مؤكدة، سيقدم المشاركون عروض أسعار أقل من أفضل تقديراتهم للقيمة، لتجنب إبرام صفقة سيئة، وبالتالي لا يصابون بلعنة الفائز.
ويُظهر تحليله أيضًا أنه مع وجود قدرٍ أكبر من عدم اليقين سيكون مقدمو العروض أكثر حذرًا وسيكون السعر النهائي أقل. وأخيرًا، يوضح ويلسون أن المشكلات التي تسببها لعنة الفائز تكون أكبر عندما يكون لدى بعض مقدمي العروض معلومات أفضل من غيرهم، أما أولئك الذين هم في وضع غير مؤاتٍ للمعلومات سوف يقدمون عروضًا أقل أو يمتنعون تمامًا عن المشاركة في المزاد.
المزادات ذات القيمتين (الخاصة والعامة)
يتعامل المزايدون مع كلا نوعي القيم؛ الخاصة والعامة في معظم المزادات. ولنفترض أنك ستدخل مزايدة لشراء شقة، فأنت هنا لديك قيمة خاصة (كم تقدر تلك الشقة وفقًا لخطتك أو لمكانها) ولديك أيضًا قيمة عامة (بكم يُمكنك بيْعها في المستقبل). وشركة الطاقة التي تُزايد على حقوق استخراج الغاز الطبيعي فهي تهتم بحجم المخزون من الغاز (قيمة عامة) وعلى تكلفة استخراجه حيث تعتمد التكلفة على التكنولوجيا الموجودة في الشركة (قيمة خاصة). والبنك الذي يُزايد على السندات الحكومية فيأخذ في حسبانه القيمة المستقبلية لأسعار الفائدة وهي قيمة عامة، وفي نفس الوقت عدد العملاء الذين يريدون شراء السندات وهي قيمة خاصة. وقد اتضح أن تحليل العطاءات والمزايدات وفقًا لقيمها الخاصة والعامة مشكلة صعبة أكثر مما كان في الحالات الخاصة التي حلّلها فيكري وويلسون، وقام أخيرًا بول ميلجروم بحل هذه المعضلة بأبحاثه عام 1980.
شمل تحليل ميلجروم -الذي تم جزئيًا مع روبرت ويبر- رؤًى مهمة وجديدة عن المزادات. إحدى هذه الاعتبارات كان كيفية تعامل أنواع المزادات المختلفة مع مشكلة لعنة الفائز؛ ففي المزاد الإنجليزي، يبدأ البائع في المزاد بسعرٍ منخفض ثم يتزايد، يتعرف المزايدون الباقون، الذين يلاحظون الأسعار التي يبدأ عندها المزايدون الآخرون بالانسحاب، إلى تقييماتهم للسلعة، وبما أن المزايدين المتبقيين لديهم معلوماتٍ أكثر مما كانوا عليه في بداية المزاد، فإنهم يصبحون أقل عرضة للمزايدة بأقل من القيمة التي يقدرونها.
على الجانب الآخر في المزاد الهولندي، حيث يبدأ البائع بأعلى سعر، ثم يقلله حتى يصل للشخص الراغب في الشراء، ولا يقدم هنا معلومات إضافية عن (وقْع الأسعار على المزايدين)، وتظهر لعنة الفائز جليةً هنا، وهي في المزادات الهولندية أكثر من الإنجليزية التي تنتج أسعارًا نهائيةً أقل.
تعكس هذه النتيجة تحديدًا مبدأً عامًا، حيث يوفر شكل المزاد عائدًا أعلى كلما كان الرابط أقوى بين قيم العطاءات والمعلومات الخاصة التي يمتلكها لمقدمي العطاءات، وبالتالي يكون للبائع مصلحة بتزويد المشاركين بأكبر قدر من المعلومات عن الشيء المراد بيعه قبل البدء في المزاد. فعلى سبيل المثال، يُمكن لبائع المنزل أن يتوقع سعرًا نهائيًّا أعلى إذا كان لمقدمي العروض إمكانية الوصول إلى تقييم خبير (مستقل) قبل بدء تقديم العطاءات.
مزادات أفضل بشكلٍ عملي
لم يكرس ميلغروم وويلسون نفسهما للعمل على أساسيات نظرية المزاد فقط، لكنهما اخترعا أيضًا أشكالًا جديدة للمزاد للحالات الموجودة حاليًا التي لم تستطع أشكال المزادات الحالية حلها. وكان إسهامهما المعروف الذي صمماه لأول مرة للولايات المتحدة، حيث باعت ترددات الراديو لمشغلي الاتصالات.
تُعد الترددات اللاسلكية التي تسمح بالاتصال اللاسلكي -مكالمات الهاتف المحمول أو مدفوعات الإنترنت أو اجتماعات الفيديو- موارد محدودة ذات قيمة كبيرة للمستهلكين والشركات والمجتمع، هذه الترددات مملوكة للحكومة، ولكن يمكن للقطاعات الخاصة في كثيرٍ من الأحيان استخدامها بشكلٍ أكثر كفاءة، وبالتالي، كان على السلطات تخصيص الوصول إلى نطاقات التردد لهم. تم ذلك في البداية من خلال عملية تُعرف باسم مسابقة الجمال Beauty Contest، حيث كان على الشركات تقديم حجج حول سبب حصولهم على الترخيص بشكلٍ خاص، تعني هذه العملية أن شركات الاتصالات والإعلام أنفقت مبالغ ضخمة على عمليات الإقناع والضغط، ومع ذلك؛ فإن الإيرادات الناتجة عن العملية محدودة.
وفي التسعينيات، أدركت السُلطة المسؤولة في الولايات المتحدة -لجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC)- مع توسُّع سوق الهواتف المحمولة، أن مسابقات الجمال لم تعد ممكنة. توسّع عدد شركات الهاتف المحمول بسرعة، وكانت لجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC) تغرق في أكوام طلبات الحصول على الترددات اللاسلكية. وبعد ضغوطٍ من لجنة الاتصالات الفيدرالية، سمح الكونجرس الأمريكي باستخدام اليانصيب لتخصيص نطاقات التردد، وهكذا تم استبدال مسابقة الجمال بتخصيص عشوائي تمامًا للتراخيص، الذي لم ينتج بالمثل سوى دخلٍ محدود للحكومة.
ومع ذلك، كانت شركات الهاتف المحمول غير راضية، حيث تم عقد اليانصيب على المستوى المحلي، لذا فإن شركات الهاتف المحمول الوطنيين عادة ما يحصلون على شبكات متقطعة تمامًا ذات نطاقات تردد مختلفة في مناطق مختلفة، ثم حاولت الشركات شراء وبيع الترددات فيما بينهم، مما أدى إلى ظهور سوق ثانوي للتراخيص، وفي غضون ذلك، أدى تزايد الدين القومي للولايات المتحدة إلى صعوبة سياسية متزايدة في مواصلة توزيع التراخيص بالمجان تقريبًا، حيث كانت القيمة السوقية للتراخيص عدة مليارات من الدولارات -وهي الأموال التي انتهى بها الأمر في أيدي المضاربين على التردد بدلًا من الخزانة الأمريكية- (وهي خسارةٌ في الإيرادات يتحملها دافعو الضرائب في النهاية). أخيرًا، في عام 1993، قُرِّرَ توزيع نطاقات التردد باستخدام المزادات.
غالبًا ما يرغب المشاركون في المزادات الذين لديهم العديد من الأشياء المترابطة والمشتركة -مثل الترددات اللاسلكية في أجزاء مختلفة من البلاد- في المزايدة على (حِزم) الأشياء -مجموعات-، ويؤدي هذا إلى تعقيد تصميم المزاد، خاصةً إذا أراد البائع منع مُقدمي العطاءات من التحالف للحفاظ على انخفاض الأسعار.
أشكال المزاد الجديدة
ظهرت الآن مشكلةٌ جديدة، كيف تُصمِّم مزادًا يُحقق التخصيص الكفء لنطاقات التردد اللاسلكي، بينما يستفيد دافعو الضرائب في نفس الوقت إلى أقصى حدٍّ ممكن؟
تبين أنه من الصعب جدًا حل هذه المشكلة، نظرًا لأن نطاق التردد يحتوي على مكونات ذات قيمة خاصة وعامة، كما أن قيمة نطاق تردد معين في منطقة معينة تعتمد على نطاقات التردد الأخرى التي تمتلكها شركة معينة.
ضع في اعتبارك شركة تريد إنشاء شبكة هاتف نقال وطنية؛ لنفترض أن منظمًا سويديًا يبيع عن طريق المزاد نطاقات التردد واحدًا تلو الآخر، بدءًا من إقليم لابي (Lapland) في الشمال، وما بعده عبر البلاد وصولًا إلى اسكونه (Skåne) في الجنوب، ستعتمد قيمة ترخيص إقليم لابي الآن على ما إذا كانت الشركة -في مزادات لاحقة- تنجح في شراء التراخيص تتابعيًّا وصولًا إلى اسكونه، وبأي سعر سيتم البيع.
لا تعرف الشركة نتائج المزادات المستقبلية، لذلك يكاد يكون من المستحيل معرفة المبلغ الذي يجب أن تدفعه مقابل الترخيص. بالإضافة إلى ذلك، قد يحاول المشترون المضاربون شراء نطاق التردد الذي تحتاجه الشركة في محافظة اسكونه، حتى يتمكنوا من بيعه بسعرٍ مرتفع في السوق الثانوي، نظرًا لوجود قدرٍ كبيرٍ من عدم اليقين والشك، ستُبقي الشركة عرضها منخفضًا أو تنسحب تمامًا من المزاد لانتظار سوق ثانوي محتمل.
يوضح هذا المثال السويدي مشكلةً عامة، وللتحايل عليها، كان على أول مزاد أمريكي تخصيص جميع المناطق الجغرافية لطيف الراديو دفعةً واحدة، كما كان عليها إدارة العديد من مقدمي العطاءات، ولمعالجة هذه المشكلات، اخترع ميلغروم وويلسون -جزئيًّا مع بريستون مكافي- شكلَ مزادٍ جديد تمامًا، وهو المزاد متعدد الجولات المتزامنSimultaneous Multiple Round Auction – SMRA، يقدم هذا المزاد جميع الأشياء (كنطاقات تردد الراديو في مناطق جغرافية مختلفة) في وقتٍ واحد، من خلال البدء بأسعارٍ منخفضة والسماح بالعطاءات المتكررة، ويقلل المزاد من المشاكل الناجمة عن عدم اليقين ولعنة الفائز، فعندما استخدمت لجنة الاتصالات الفدرالية الشكل الجديد SMRA لأول مرة في يوليو 1994، باعت 10 تراخيص في 47 جولة مزايدة بإجمالي 617 مليون دولار، وهي أشياء كانت الحكومة الأمريكية قد خصصتها سابقًا مجانًا.
اعتُبر مزاد الطيف الأول باستخدام SMRA عمومًا نجاحًا كبيرًا، حيث اعتمدت العديد من البلدان (بما في ذلك فنلندا والهند وكندا والنرويج وبولندا وإسبانيا والمملكة المتحدة والسويد وألمانيا) نفس الشكل لمزادات الطيف الخاصة بهم.
جلبت مزادات لجنة الاتصالات الفيدرالية وحدها، باستخدام هذا الشكل، أكثر من 120 مليار دولار على مدى عشرين عامًا (1994-2014)، وعالميًا، أنتجت هذه الآلية أكثر من 200 مليار دولار من مبيعات الطيف، كما اُستخدِمَ شكلُ SMRA في سياقاتٍ أخرى، مثل: مبيعات الكهرباء والغاز الطبيعي.
بعد ذلك، قام واضعو نظرية المزاد -الذين يعملون غالبًا مع علماء الكمبيوتر وعلماء الرياضيات وعلماء السلوك- بتنقيح تنسيقات المزاد الجديدة، كما قاموا بتكييفها لتقليل فرص التلاعب والتعاون بين مقدمي العطاءات.
ميلغروم هو أحد مهندسي مزاد معدل (مزاد الساعة التوافقي) حيث يمكن للشركات المزايدة على (حزم) الترددات، بدلًا من التراخيص الفردية. يتطلب هذا النوع من المزاد قدرةً حسابية كبيرة، حيث ينمو عدد الحزم الممكنة بسرعة كبيرة مع عدد الترددات المعروضة للبيع.
ميلغروم هو أيضًا مُطوِّر رائد لشكل مزاد جديد من جولتين وهو (مزاد الحوافز). ففي الجولة الأولى، تشتري أطياف الراديو من حاملي التراخيص الحاليين، وفي الجولة الثانية، تقوم ببيع هذه الترددات التي تم التخلي عنها لممثلين آخرين يمكنهم إدارتها بشكلٍ أكثر كفاءة.
البحث الأساسي أدَّى إلى اختراعات جديدة
يجب اعتبار السبق العلمي الرائد لميلغروم وويلسون، بمثابةٍ بحث محوري. لقد أرادوا استخدام نظرية الألعاب (Game theory) وتطويرها لتحليل كيفية تصرف الأطراف المختلفة بشكلٍ استراتيجي عندما يكون لكل منهم وصول إلى معلومات مختلفة.
شكّلت المزادات -بقواعدها الواضحة التي تحكم هذا السلوك الاستراتيجي- ساحةً طبيعية لأبحاثهم، ومع ذلك، فقد اكتسبت المزادات أهمية عملية. ومنذ منتصف التسعينيات، استُخدِمَت بشكلٍ متزايد في توزيع الأصول العامة المعقدة، مثل: نطاقات التردد والكهرباء والموارد الطبيعية. قدمت الرؤى الأساسية من نظرية المزاد الأساس لبناء أشكال مزاد جديدة تغلبت على هذه التحديات الجديدة.
تُعد تنسيقات المزاد الجديدة مثالًا رائعًا على الكيفية التي يُمكن بها للبحث الأساسي إنتاج اختراعات تعود بالفائدة على المجتمع. الميزة غير العادية لهذا المثال هي أن نفس الأشخاص هم من طوروا النظرية والتطبيقات العملية، وبالتالي، كان البحث الرائد الذي أجراه الحائزان على الجائزة حول المزادات ذا فائدةٍ كبيرة للمشترين والبائعين والمجتمع ككل.
إعداد وترجمة: هاجر درويش – مايسة محمد حلمي