يتسلّل العنف المنزليّ خُلسَةً بلا كيف أو متى، تاركًا آثاره المدمّرة في كلّ البيوتِ الّتي يحلُّ بها. وما بين مبرّرات سُلطة أسريّة حاكمة، وضحيّة ليس بيدها حيلة غير الخضوعِ تحت السّيطرة؛ تكمن عادات وتقاليد من شأنها إفساد أبناء المجتمع، وخلق دوْرة لا تنتهي من العنف والكّراهية تحت مسمّى: “لست الوحيد والفريد من نوْعك، كلّنا قد تعرّضنا للضرب في صغرنا”.
العنف المنزلي: إدعاء حق غير مشروط
نشهد باستمرار آباء لا يجدون حرجًا في ضرب أولادهم على سبيل تربيتهم وتعديل سلوكهم، وطالما أنّ العقاب لن يصيب الطّفل بعاهةِِ؛ فبإمكان أيّ شخص كبير السّن مع درجة قرابة للطفل أن يعاقبه، على الرغم من رصد الّلجنة الدّوليّة لحقوق الطّفل آثار العنف المنزليّ، والّتي قد تؤدّي إلى الإصابة باضطرابات خطيرة، أو الرّغبة في الانتحار.
العنف المنزلي والسيطرة المطلقة
يتعلّق العنفُ المنزليّ بالسّيطرة الكاملة وليس فقدان السّيطرة كما قد يعتقد البعض، فهناك نظريّات مختلفة حول ما يجعل الضّاربين يسيئون معاملة المقرّبين منهم.
يشير أحد الآراء إلى أنّ المعتدين هم مجرمون عتاة يرتكبون جرائمهم بطريقة واعية ومحسوبة؛ لتحقيق الهيمنة الّتي يعتقدون أنّهم يستحقّونها.
يعتقد البعض الآخر أنّ تلك الإساءة هي نتاج ندوب نفسيّة عميقة خلال مراحل النّمو. [1]
أسباب ودوافع العنف المنزلي
أدّى نمط الحياة الحديث والمتغيّر إلى انتشار العنفِ المنزليّ، سواء بسبب ظاهرة غلبة القويّ على الضّعيف، أو عادات وتقاليد مُرسّخة في أذهان المعتدين.
من أهم أسباب ودوافع العنف المنزليّ نذكر التّالي: [2]
عوامل تاريخية وبيئية
هناك خلفيّات عائليّة معيّنة قد تؤدّي إلى سلوكِِ عنيفِِ، ومنها:
- العائلات المختلطة، مثل: أولاد الزوج، ونصف الأشقّاء.
- مشاكل الأسرة الاجتماعيّة والاقتصاديّة: كالفقر، والسّكن غير المناسب للاحتياجات الشّخصيّة.
- بيئة عائليّة مختلّة، مثل: مهارات تربويّة ضعيفة، والبطالة، والانفصال، وحالات مرضيّة معيّنة.
عوامل شخصية واجتماعية
يزداد خطر ارتكاب العنف المنزليّ مع وجود مجموعة من الخصائص الشّخصيّة المحدّدة، نذكر منها:
- يزداد خطر بدء السّلوك العنيف بين الشّبانِ.
- انفخاض مستوى التّعليم، والعمل، والموارد الاقتصاديّة، والخبرة الكّافية لتقديم الرّعاية.
- وجود اضطرابات شخصيّة وعقليّة، أو غياب المرونة العاطفيّة للتعامل مع ضغوطات الحياة.
- إنكار المسؤوليّة مع ميولِِ عدوانيّة، وعجز واضح في التّواصل الاجتماعيّ.
- تعرُّض للعنفِ المنزليِّ فيما سبق.
الخصائص المشتركة لمرتكبي العنف المنزلي
توصّل الخبراء إلى العديدِ من الخصائصِ المشتركةِ بين مرتكبي العنف المنزليّ، وهي كالتّالي:
- يسيطرون على الآخرين ويتلاعبون بهم.
- يعتقدون أنّ لهم حقًّا مُحدّدًا مُسبقًا في التّحكُّمِ بجميع جوانب العلاقة.
- غالبًا ما ينظرون إلى أنفسهم على أنّهم ضحايا. [3]
مخاطر التعرض للعنف المنزلي
يتفاجأ الضّحايا على المدى البعيد بحقيقة حجم ومدى ما سلبهم الاعتداء من استقلاليّة وعوامل نفسيّة أخرى، من أهمّها: [2]
- ميول انتحاريّة، وزيادة واضحة في نسب الاكتئاب، والتّوتُّر، والخوْف، والقلق.
- الانعزال الاجتماعيّ، وتدنّي احترام الذّات.
- تدهور في الإدراكِ، ودخول في نوْبات من حالات الإنكار.
- الخضوع، وكتمان المشاعر، وتطوّْر سمات شخصيّة مسبّبة للإدمان.
- التّعرُّض إلى مشاكل في الصّحة النفسيّة، والعقليّة، والجّسديّة المزمنة.
- تستنتج الضّحيّة أنه لا بأس بضرب أحدهم عند الغضب؛ فترتكب العنف عندما تكبر تجاه ذويّها.
إحصائيات العنف المنزلي في مصر
يتعرّض الكّثير من الأطفال في مصر للعنف على يدِّ الّذين يُفترض أن يوفّروا لهم الحماية والرّعاية، وذلك بحسب دراسة تفصيليّة أجراها مركز خدمات التّنمية لصالح المجلس القوميّ للطفولة والأمومة ويونيسف عام 2013، ركّزت على الأطفال فيما بين 13 – 17 عامًا في محافظات القاهرة، والإسكندريّة، وأسيوط.
صدرت الدّراسة في مصر نتيجة جهد مشترك بين المجلس القوميّ للطفولة والأمومة ويونيسف؛ إذ أجراها مركز خدمات التّنمية، وراجعها المجلس القوميّ للطفولة والأمومة، وقسم حماية الطّفل، وقسم السّياسات الاجتماعيّة، والمتابعة والتقييم بيونيسف.
شارك في الاستطلاع 2400 أسرة و 110 مدرسة لتقييم خبرات ومواقف الأطفال، وأهلهم ومدرّسيهم، كما بحثت الدّراسة في مواضيع حسّاسة مثل العنف الجسديّ، والنّفسيّ، والجنسي ضد الأطفال.
الأكثر من ذلك أنّه في كثير من الأحيان، صُنِّفَ هذا العنف -وبعضه شديد القسوة– على أنّه مقبولًا وطبيعيًّا من قبل الّذين يمارسوه، بل وأحيانًا من قبل الأطفال أنفسهم.
وكشفت الدّراسة نتائج مثيرة للقلق، وهي أنّ أغلب الأطفال قد تعرّضوا للعنف الجسديّ في العام السّابق على البحث، وأنّ الفتيان يتعرّضون له بدرجة أكثر من الفتيات، وفقًا للتقارير الآتية: (6)
مكافحة العنف المنزلي
إنّ الضّرب لا يُصنَّف كوسيلة تربويّة من الأساس؛ لذا يجب وضع قواعد يلتزم بها جميع من في المنزل، لاسيّما حسب سمات المرحلة العمريّة للأبناء.
بعد توطيد العلاقة بين أفعال الأبناء وعواقبها، يصبح من المهم وضع الحدود المسموح بها، وما سيترتّب على تخطّيها. هل سيحرمون من مشاهدة التّلفاز لبقيّة اليوم، أم سيشاركون في ترتيب المنزل؟
من المهم كذلك إخبار الأولاد ما هو الفعل الصّحيح البديل للخطأ الّذي يرتكبونه، وإعطاء الأوامر مباشرةً، والتّفاهم معهم، ومكافأتهم على سلوكهم الجيّد، وتقبّلهم، وتوفير بيئة صحيّة تعزّز شعورهم بالطّمأنينةِ والأمان.
أنشطة التوعية بالعنف المنزلي
تتمثّل أنشطة التّوعية بالعنف المنزليّ في عدّة وسائل محليّة نذكر منها:
منصة دوي
تُعتبر دوّي منصّة تفاعليّة آمنة تستطيع من خلالها مشاركة حكاياتك بكل أمان، والاستفادة من القصص الملهمة للآخرين؛ إذ إن الحكي يُعدّ واحدًا من أقوى طرق التعبير عن النفس.
كما يمكنك اكتساب مهارات أساسيّة في دورة التّعلُّم المجانيّة، والّتي تشمل صناعة المحتوى، والتفاعل عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ، وأساليب الحكي على الإنترنت، بالإضافة لمهاراتِِ أخرى.
رابط المنصّة من هنا
أماني.كوم
أماني دوت كوم هي حملة يقودها المجلس القوميّ للطفولةِ والأمومة بالتّعاون مع يونيسف، وبتمويل من الاتّحاد الأوروبيّ؛ لرفع مستوى وعي الأهالي ومقدمي الرّعاية عن أمان وسلامة أولادنا على الإنترنت، والتّوعية بمخاطر بعض الألعاب الإلكترونيّة الّتي قد تُعرّض حياتهم للخطر، وتقديم الدّعم والمشورة وكيفيّة الإبلاغ عن أيّة مخاطر قد يتعرّض لها الأطفال عبر الإنترنت من استغلال وابتزاز، أو التّنمُّر والتّحريض على العنف، عن طريق خط نجدة الطّفل 16000، أو عن طريق تطبيق واتساب رقم 01102121600.
أنشطة أخرى في دول أجنبية
يُشكِّل العنف المنزليّ مشكلةً عالميّةً، وتكافح مختلف الدّول الأجنبيّة كذلك للحدّ منه بأنشطة متنوّْعة، نذكر من أبرزها تعاوْن مكتب البرامج النّسائيّة التابع للجمعيّة الأمريكيّة لعلم النفس، مع فريق اتّصالات المصلحة العامة؛ للمشاركة في أنشطة شهر أكتوبر، باعتباره شهر التّوعية بالعنف المنزليّ.
كما قدّم مكتب البرامج النّسائيّة بطاقات بها موارد لمكافحة العنف المنزليّ في مناطق العاصمة الأمريكيّة، وفرجينيا، وماريلاند. [4]
كيف تدعم ضحايا العنف المنزلي
ساعدهم على استيعاب ما يجري حولهم، وأنّهم يستحقّون علاقة طبيعيّة بلا عنف، ثم اعلمهم أنّه ليس خطأهم، وحثّهم على طلب الدعم والمساعدة.
يمكنك أيضًا دعمهم بالإنصات لهم، ولا تنتقدهم أو تحكم على أفعالهم، الّتي أحيانًا تكون محاولات بائسة للنجاة من وضعهم.
عليك معرفة أنّه في نهاية الأمر لا يمكنك إنقاذهم بمفردك، ويجب على من يتعرّض للأذى أن يتّخذ موقفًا حيال وقف أذيّته. في الوقت نفسه يمكنك دعمهم في إيجاد طريق عودتهم للشعور بالأمانِ والسلام، خاصّةً خلال مرحلة تعافيهم بعد ذلك. [5]
المجلس القومي للطفولة ومجابهة العنف المنزلي
يُعدُّ المجلس القوميّ للأمومة والطّفولة المصريّ أحد أهمّ الجهات المصريّة المعنيّة بالطّفولة في مصر؛ إذ يولّي المجلس اهتمامًا كبيرًا بالطّفل المصريّ، ويحميه من الانتهاكات والعنف.
خصّص المجلس أرقامًا لتلقّي الشّكاوي الخاصّة بنجدة الطّفل، وفقًا لتزايد معدّلات العنف غير المسبوقة ضدّ الأطفال:
- خطّ نجدة الطفل 16000
خطّ المشورة الصحيّة للطفل والأم 16021
خطّ الأطفال ذوي الإعاقة 08008886666
تتكامل جميع الخطوط مع المرصد القوميّ لحماية الطّفولة والأمومة، كما يعمل خطّ المشورة الصّحيّة للأمِّ والطّفل على تقديم المشورة في مجال الصّحة الإنجابيّة للأمهات، والمراهقين، والإبلاغ عن زواج الأطفال، وزواج الصّفقة، وإرشاد المقبلين على الزّواج إلى أماكن الفحص والمشورة قبل الزواج.
وضع نهاية للعنف المنزلي
يرغبُ الآباء في جعل أطفالهم الأفضل مُطلقًا، لكن الأمر لا يرتبط فقط بوسائل المكافأة والعقاب.
أحيانًا يتعيّن علينا إعطائهم مساحتهم الشّخصيّة، والتّعامل بهدوء لينعكس هدوئي على تصرّفات طفلي، وألّا ألجأ لاستخدام ما نشأت عليه كوسيلة للتربية، بل ابدأ بالقراءة عن أسس وقواعد التّربية السّليمة.
يُعدُّ السّماح لهم بالفشل طريقًا للتعلُّم أفضل بكثير من الّلجوء إلى العنفِ المنزليّ، ومحفّزًا لهم على عدم ارتكاب الخطأ نفسه مرّة أخرى.
تذكّر أنّ الطّرق الّتي نحب بها أطفالنا، ونحتويهم، ونتعامل معهم بها، هم قضايا على نفس القدر من الأهميّة.