ما تزال قضية التنمية المستدامة والبحث عن استراتيجياتها الممكنة محورًا لكثير من الدراسات والبحوث الاقتصادية، وبين الفَينةِ والأُخرى تظهر استراتيجية جديدة؛ لتحقيق التنمية المنشودة، التي تحاول الموازنة بين الموارد الاقتصادية المتناقصة والاحتياجات التنموية المتزايدة مع مراعاة الحفاظ على البيئة ووقف استنزاف مواردها.
ومن أحدث استراتيجيات النمو الاقتصادي حاليًا ما يُعرف بالنمو الاقتصادي الدائري (Circular Economy) كونه نموذجًا اقتصاديًا بديلًا للاقتصاد التقليدي الخطي (Traditional Linear Economy)، حيث لا يقوم فقط على فكرة الاقتصاد صفر النفايات (Zero Waste Economy)، بل أن العديد من المحللين ذهبوا إلى أن هذا النموذج سيكون النموذج الطبيعي للاقتصاد بحلول عام 2030، بما يمتاز به من معدلات هدر منخفضة ومعدلات استهلاك أقل للموارد الطبيعية والمواد الخام والطاقة. وتعد الصين ودول الاِتّحاد الأوروبي من أوائل الدول التي دعمت هذا النموذج الاقتصادي وأدرجته في استراتيجياتهم الاقتصادية [1].
الاقتصاد الدائري هو مصطلحٌ عام يعني الاقتصاد الذي لا يُنتِج نفايات أو يُحدِث تلوثًا من بداية تصميمه ومنذ النية في إنشائه، ويعود مفهوم الاقتصاد الدائري إلى عام 1976، حين طرحت سويسرا هذا النموذج الاقتصادي، الذي مفاده أن الاقتصاد الدائري يحافظ على قيمة المنتجات وإدارة المخزون ورأس المال الطبيعي والبشري والمصنّع والمالي.
وبصورة أكثر تفصيلًا لمفهوم الاقتصاد الدائري، فهو يقوم على [1]:
- إطالة العمر المتوقع للمنتجات النهائية، سواء من خلال تطوير عملية الانتاج نفسها وخاماتها أو من خلال توفير خدمات الصيانة الدورية لهذه المنتجات، وبالتالي التقليل من الحاجة إلى انتاجٍ جديدٍ ومن ثَمّ تقليل استهلاك المواد الخام.
- إعادة تدوير الأجزاء المكونة للمنتجات الصناعية، سواء في نفس الصناعة لانتاج وحدات جديدة أو في صناعات أخرى مثل إعادة استخدام الأجزاء البلاستيكية أو المعدنية في صناعات أخرى بعد إعادة تدويرها.
- تطوير نظام لإدارة النفايات والمخلفات يقلل المُهدَر من جهة وإعادة استخدام هذه المخلفات في صناعات مكملة من جهة أخرى.
وبذلك فإن الاقتصاد الدائري في مفهومه يعبر عن نموذجٍ متكاملٍ للاقتصاد يقوم على شراكة العديد من الفاعلين بداية من الجهات أو الهيئات الحكومية المسؤولة عن التشريع والتنظيم، وقطاع الانتاج الخاص، والمستهلكين النهائيين.
والحقيقة أنه -حتى الآن- لا توجد دولة استطاعت أن تُحوِّل اقتصادها بشكلٍ كاملٍ إلى نموذج الاقتصاد الدائري، وإن كانت هناك ممارسات مرتبطة بهذا النموذج الاقتصادي في معظم الدول تزيد في بعضها وتقل في الأخرى. وهو ما تناوله تقرير فجوة الاقتصاد الدائري (Circulatory Gap Report) الصادر مؤخرًا عن ممارسات الاقتصاد الدائري في دول العالم. وَفقًا لهذا التقرير فنحو 8.6% فقط من الاقتصاد العالمي في عام 2020 هو الذي يمكن أن يُصنَّف كونها ممارسات دائرية. [2]