يحاولُ الكثيرون ممن يعانون من مشاكلٍ صحية تجنب الكافيين، مما زاد الطلب على القهْوةِ منزوعة الكافيين. فما هي القهوة منزوعة الكافيين؟ ومتى ظهرت؟ وكيف تحدث عملية نزع الكافيين؟ وهل هذا النوعُ من القهوة صحيّ تمامًا أم له آثار ضارة أيضًا؟
ما هي القهوة منزوعة الكافيين (Decaffeinated Coffee)؟
عَرّفَتْ المنظمة الدولية للمعايير الأيزو في الوثيقة رقم (ISO 3509-1989) القهوة منزوعة الكافيين بإنها القهوة التي يُنْزَعْ الكافيين (Caffeine) منها. هناك العديد من التشريعات المحلية التي تعرف الحدّ الأقصى لمحتوى الكافيين في هذا النوع من القهوة؛ ففي المملكة المتحدة (UK) ومعظم الدول الأوروبية، الحد الأقصى لمحتوى الكافيين في القهوة المحمصة منزوعة الكافيين محدد بنسبة 0.1% (على أساس الوزن الجاف). وعلى الرغم من عدم وجود تشريعات محددة لهذا الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الشركات المصنعة تزعم إزالة أكثر من 97% من الكافيين، وبالنسبة للقهوة سريعة التحضير منزوعة الكافيين، تم تحديد الحَدّ الأقصى لمحتوى الكافيين بنسبة 0.3% (على أساس الوزن الجاف) في دولِ المجموعة الأوروبية. هذه النسبة مقبولة بشكل عام في مكان آخر في العالم باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية، حيثُ النسبة الشائعة للإزالة 97%. (1)
ما هي عملية نزع الكافيين (Decaffeination)؟
نزعُ الكافيين هي عملية تجري على حبوبِ البُنِ الخضراء، وبعدها يتم تحميص هذه الحبوب وطحنها أو تحويلها إلى قهوةٍ سريعة التحضير، كما يحدث تمامًا في حالة المنتجات منزوعة الكافيين المماثلة. (1)
تتراوح جَرعة الكافيين القاتلة للإنسان من 5 إلى 10 جرامات أو حوالي 50 إلى 100 كوب من القهوة المتوسطة (حسب القوة والحجم). يمكن أن يؤثر الكافيين تأثيرًا كبيرًا على الجهازِ العصبي المركزي والجهاز التنفسي، يتسم هذا التأثير بالسمات الآتية: القلق، والانفعال، والأرق، وربما الهذيان الخفيف. ويعاني الناس من النعاس، والعصبية، واضطرابات الأمعاء، وتحفيز القلب (Heart Stimulation)، وأعراضٍ أخرى بعد شرب كميات مفرطة من القهوة. يمكن أن يعتبر الإفراط كوبًا واحدًا للبعض، وكوبين لآخرين، وثلاثة أكواب لباقي الناس. ويختلف تحمل الفرد لجرعة القهوة باختلاف العمر، والجنس، والحالة الصحية، والبيئة، وعوامل أخرى؛ حيثُ يؤثر شرب القهوة بشكلٍ سلبيّ على صِغار السن، بينما يجده متوسطو العمر محفزًا ومنعشًا، وعلى الرغم من أنه منبه صحي لكبار السن، لكن يجب تجنبه بسبب تفاعله السلبي مع الجسم. (1)
تاريخ القهوة منزوعة الكافيين
اكتشف رانج (Runge) الكافيين لأول مرة وعزله في أواخر القرن التاسع عشر، وفي عام 1905 سجل لودفيج روسيليوس (Ludwig Roselius) في ألمانيا أول براءة اختراع لإزالة الكافيين. في عام 1912، أسَسَ روسيليوس القهوة التجارية الأصلية كافيه هاج (Kaffee Hag) الخالية من الكافيين. وتستخدم الطريقة الأوروبية أو التقليدية لعزلِ الكافيين -التي ابتكرها روسيليوس ومجموعته البحثية- المذيبات العضوية أثناء تعريض حبوب البُنْ للبخار، ثم يتم نقع الحبوب. يذوب الكافيين في المذيباتِ العضوية، ومن ثم تتم إزالته. بعد ذلك، تُجَفَفْ الحبوب وتُحمص مثل حبوبِ البُنِ الخضراء الأخرى. وعادة ما تتضمن المذيبات المستخدمة: كلوريد الميثيلين (Methylene Chloride)، والمعروف الآن كمادة مسرطنة، أو أسيتات الإيثيل (Ethyl Acetate)، وهي مادة سامة. وعلى الرغم من أن أسيتات الإيثيل يطلق عليه مذيب طبيعي (Natural Solvent)؛ لأنه يمكن أن يوجد في الطبيعة، إلا أن النوع المستخدم في عملية نزع الكافيين مُحَضَر صناعيًا. وعلى الرغم من أن هذه المذيبات تتم إزالتها كجزء من العملية، إلا أن استخدامها بشكل عام يثير القلق لدى بعض محبي القهوة.(1)(2)
وفي سبعينيات القرن العشرين، حصل كورت زوسيل (Kurt Zosel)، العالم في معهد ماكس بلانك (Max Planck Institute) بألمانيا، على براءة الاختراع عن عملية نزع الكافيين باستخدام ثاني أكسيد الكربون. تتضمن هذه الطريقة نقع حبوب القهوة بعد تعريضها للبخار في ثاني أكسيد الكربون في حالته فوق الحرجة (Supercritical Phase). تعمل السوائل فوق الحَرِجة كمذيباتِ استخلاص رائعة، لأنها تقوم بفصل مواد معينة من الخليط، بينما تترك موادًا أخرى بدون تغيير. وبالإضافة إلى ذلك، لا تُستخدم أي مذيبات عضوية ضارة في هذه الطريقة. ولاحظ زوسيل أن الكافيين هو أحد المواد التي تذوب جيدًا في ثاني أكسيد الكربون فوق الحَرِج، وطَبَقَ هذه الخاصية في عملية إزالة الكافيين من القهوة. وأصبح استخدام ثاني أكسيد الكربون أحد أكثر الطرق شيوعًا لعزل الكافيين.(1)(2)
وتُمثِل القهوة منزوعة الكافيين اليوم حوالي 12% من استهلاك القهوة العالمي، أو ما يقرب من 1 مليار جنيه سنويًا. وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مستهلكٍ في العالم للقهوة منزوعة الكافيين. وتقنيًا، لا تزال القهوة منزوعة الكافيين تحتوي على بقايا من الكافيين، لكن تَشْترِط إدارة الغذاء والدواء (The FDA) إزالة 97% من الكافيين من القهوة ليتم تصنيفها على أنها (منزوعة الكافيين).(1)
لماذا نكهة القهوة منزوعة الكافيين مختلفة تمامًا عن القهوة العادية؟
إذا كنت من عشاق القهوة، فربما تعجبت من المذاق الغريب وغير المتوقع للقهوة منزوعة الكافيين. فمن المعروف أن الكافيين مُرْ وله نكهة، لكن غيابه عن القهوة منزوعة الكافيين لا يكفي وحده لتفسير التغيير الجذري في النكهة.(2)
أول شيء يجب الإشارة إليه هو أن فنجان القهوة لا يحتوي على مادة الكافيين فقط. بعض الجزيئات الموجودة في القهوة مسؤولة عن رائحة القهوة ومذاقها. في الحقيقة، تم التعرف على أكثر من 950 مركب في البن المحمص. ويمثل فنجان القهوة الجيد حالة توازن معقدة وناعمة في آن واحد، لذلك يعين مصنعو القهوة أشخاصًا لتذوقها واختبارها للتأكد من أن التوليفة مضبوطة.(2)
وعند تخمير القهوة، يَفْصِل الماء الساخن الكافيين والجزيئات المحدثة للنكهة من حبيبات القهوة. وعلى نحوٍ مشابه، أثناء عملية نزع الكافيين تتم إزالة الكافيين من القهوة، لكن للأسف تتم إزالة الكثير من جزيئات النكهة أيضًا. وتحاول الشركات المصنعة تعويض الخسارة عن طريق التقاط جزيئات النكهة المنزوعة وإعادتها مرة أخرى إلى القهوة. ويُسْتخدَم الكافيين المستخلص في الأغراض الطبية واستخدامات أخرى.(2)
هل القهوة منزوعة الكافيين ضارة بالصحة؟
يلجأ بعض الناس للقهوة منزوعة الكافيين لتجنب أضرار الكافيين الصحية. ومع ذلك، أثار استخدام كلوريد الميثيلين في عملية إزالة الكافيين بعض القلق. إن استنشاق كلوريد الميثيلين، وإن كان بكميات صغيرة -حوالي 200 جزء من المليون- يمكن أن يُثبِط مؤقتًا الجهاز العصبي المركزي (The Central Nervous System)، ويؤثر على انتباه الإنسان وتوافقه الحركي البصري. كما يمكن أن يؤدي التعرض الخفيف لكلوريد الميثيلين إلى أعراضٍ أخرى مثل: الصداع، والخمول، والدوار، وحدة المزاج، والسعال أو أزيز الصدر. فيما وافقت إدارة الغذاء والدواء على استخدام كلوريد الميثيلين في عملية استخلاص الكافيين طالما أن المنتج النهائي لا يحتوي على أكثر من 10 أجزاء من المليون أو 0.001% من كلوريد الميثيلين المتبقي.(3)
كما حذر باحثون من أن القهوة منزوعة الكافيين قد يكون لها تأثير ضار على القلب عن طريق زيادة مستويات نوع معين من الكوليسترول في الدم. وفسر الباحثون هذا الأمر بأن القهوة منزوعة الكافيين غالبًا ما تصنع من نوع من حبوب البن يحتوي على نسبة عالية من الدهون. حيث تُصنع كل من القهوة المحتوية على الكافيين والقهوة منزوعة الكافيين من نوعين مختلفين من حبوب البن. تستخلص عملية نزع الكافيين المركبات التي تعطي نكهة للقهوة، لذلك غالبًا ما تكون مصنوعة من حبوب ذات نكهة أقوى تُسمى روبوستا (Robusta). بينما تُصنع القهوة المحتوية على الكافيين عادة من نوع من الحبوب يُسمى أرابيكا (Arabica). كما تحتوي حبوب الروبوستا على نسبة أعلى بكثير من الدهون، تُسمى ديبتينز (Diptenes)، والتي تُحفز إنتاج الأحماض الدهنية في جسم الإنسان. يشتري الناس القهوة منزوعة الكافيين معتقدين أنها صحية، ولكن إذا كنت تعاني من ارتفاع نسبة الكوليسترول، قد لا تكون هذه القهوة مناسبة لك.(4)