بروفايل: الفيروس

بروفايل: الفيروس

الفيروسات

الفيروسات عبارة عن جسيماتٍ صغيرةٍ من المادّة الوراثيّة سواء كانت (DNA أو RNA)، محاطة بغلافٍ بروتينيّ، وتُحاط بعضُ الفيروسات أيضًا بغلافٍ دهنيّ. تعجز الفيروسات عن التَّكاثُر بمفردها، فتعتمد على جسد الكائن الحيّ الذي تُصيبه (العائل أو المُضيف– Host) من أجل التكاثر والبقاء. الفيروسات لها وقعٌ سيء، ولكنها تؤدّي العديدَ من الوظائف المُهمّة للإنسان والحيوان والنَّبات والبيئة، فبعض الفيروسات تحمي العائل من الإصابة بالعدوى، وتشارك الفيروسات أيضًا في عمليّة التَّطور عن طريق نقلِ الجينات بين الفصائل المختلفة، ويستخدم العلماء الفيروسات لإدخال جيناتٍ جديدة في الخلايا.

عندما تُسمَع كلمة فيروس، فإنَّ أوّلَ ما يخطر على البال هي الفيروسات التي تُسبّب الأمراض، مثل: نزلات البرد، والإنفلونزا، والجدري وفيروس نقص المناعة المُكتسبة (Human immunodeficiency virus)، وغيرها من الأمراض. تُؤثّر الفيروسات على العديد من أجزاء الجسم، مثل: الجهاز التَّنفُّسيّ والجهاز التَّناسليّ والجهاز الهضميّ، كما يُمكن لها أيضًا أنْ تؤثّر على الكبد والجلد والدماغ أيضًا، كما كشفتْ الأبحاث عن تدخُّل الفيروسات في الإصابة بالعديد من أنواع السرطانات(1).

تاريخ اكتشاف الفيروسات

ساهم عالمان في اكتشاف أوّل فيروس، وهو (فيروس تبرقش التبغ- Tobacco mosaic virus)، ففي عام 1892 أفاد (إيفانوسكي- Ivanoski)،  عالم أحياء روسيّ، أنَّ السائل المُستخلَص من أوراق نبتة التَّبغ المُصابة يبقى مُعديًا حتَّى بعد ترشيحه من خلال (مُرشحات شمبرلاند- Chamberland filter-candle)، والتي في العادة لا تسمح بمرور البكتيريا من خلالها. ومع ذلك، فربما إيفانوفسكي لم يُدرك المعنى الكامل لاكتشافه، حتَّى جاء في عام 1898 العالم (بايرينك- Beijerinck)، عالم نبات وأحياء دقيقة هولنديّ، والذي أطلق على تلك الكائنات القادرة على العبور من خلال مُرشّحات تشامبرلاند مُصطلحَ الفيروسات، وأوضح أن المُسبّب للمرض في نبتة التَّبغ قادرٌ على الهجرة في (جل الأجار- Agar gel)، أي أن العامل المسبب للمرض يتميّز بأنه (سائل معدي حيوي- contagium vivum fluidum)، بمعنى أن المسبب للمرض ليس بكتيريا قادرة على العبور من مرشحات تشامبرلاند، ومن هنا انطلق عالمُ الفيروسات(2).

ويُجهَل متى ظهرت الفيروسات لأول مرة، ومن أين أتتْ؛ لأن الفيروسات لا تترك آثارًا تاريخيّة، مثل الأحافير(3).

ديمتري إيفانوسكي
مارتينوس بايرينك

العدوى الفيروسية

هي انتشار فيروسٍ ضارّ في الجسم، تعجز الفيروسات عن التكاثر دون الاعتماد على جسد المُضيف، وتصيب الفيروسات المضيف عن طريق إدخال مادّتها الوراثيّة في خلايا المُضيف، وتسخير الأجهزة الداخليّة للخليّة لإنتاج المزيد من جزيئات الفيروس، في حالة العدوى الفيروسيّة النشطة، يصنع الفيروس نسخًا من نفسه، ثم يفجّر الخليّة المضيفة لتحرير جزيئاته المُصنَّعة حديثًا، في حالات أخرى تتبرعم جزيئات الفيروس خارج الخلية المضيفة لفترةٍ زمنيّةٍ قبل قتلِ الخليّة، في كلتا الحالتين تتحرّر جزيئات الفيروس المصنعة، لتعمل على إصابة خلايا أخرى، وتظهر أعراض الإصابة كنتيجة لتلف الخلايا والأنسجة والاستجابة المناعيّة المُتعلّقة بها.

تكون بعض الفيروسات غير نشطةٍ بعد دخولِها لجسد المضيف، مثل الفيروسات التي تُسبّب (جدري الماء- chickenpox)، و(القروح الباردة- cold sores)، فقد تكونُ مصابًا بقرحةٍ باردة فتنفجرُ ثم تلتئم، ويبقى الفيروس في خلاياك في حالة غير نشطة، ويؤدّي التعرُّض لظروفٍ معيّنة، مثل: الإجهاد أو ضوء الشمس أو شيء آخر إلى إعادة تنشيط الفيروس؛ فيقوم الفيروس بعمل نسخٍ أكثرَ منه، ويطلق جزيئاتٍ جديدة، ويقتل المزيد من خلايا المضيف، مؤدّيًا إلى ظهور أعراضٍ جديدة(1).

فترة العدوى

تُعرَف قابليّة العدوى على أنها قدرة الفيروس على الانتقال من مضيفٍ إلى آخر، وتتفاوت الفترة التي تكون فيها العدوى الفيروسيّة معدية اعتمادًا على نوع الفيروس، بينما تُعرَف فترةُ الحضانة على أنها الفترة الزمنيّة بين الإصابة بالفيروس وظهور أعراض الإصابة، وليست بالضرورة أن تكون فترة العدوى هي نفسها فترة الحضانة(1).

الفرق بين الفيروسات والبكتيريا

الفيروسات والبكتيريا نوعان من الجسيمات التي قد تكون مسبّبةً للأمراض، ولكنَّ الفيروسات أصغرُ بكثيرٍ من البكتيريا، وتعجز عن التكاثر دون الاعتماد على جسد المضيف، بينما البكتيريا قادرةٌ على التَّكاثر بمفردها، تتشابه أعراض الأمراض الفيروسيّة والبكتيريّة في بعض الأحيان، ويمكن للطبيب تحديد سبب المرض بناءً على أعراض المريض وعوامل أخرى، وتساعد التحاليل المخبريّة في توضيح ما إذا كان المرضُ ناتجًا عن فيروس أو بكتيريا أو أيّ عاملٍ مُعْدٍ آخر(1).

انتقال الفيروس

تنتقل الفيروسات بطرقٍ متنوّعة، فينتقل بعضها عن طريق اللمس أو اللعاب أو الهواء، كما يمكن أن تنتقل بعض الفيروسات من خلال الاتّصال الجنسيّ أو من خلال مشاركة الإبر الملوَّثة، ويمكن للحشرات مثل القراد والبعوض، أن تكون بمثابة (ناقلات- Vectors) والتي تنقل الفيروس من مضيف إلى آخر، كما يُعدُّ الطعامُ والمياه الملوَّثان مصادرَ مُحتملة أخرى للعدوى الفيروسيّة(1).

العدوى الفيروسيّة التَّنفُّسيّة

وهي الإصابة بفيروسٍ ما، يُؤثّر على أحد أعضاء الجهاز التنفسيّ، مثل: الرئتين والأنف والحنجرة، وتنتشر هذه الفيروسات في الغالب عن طريق استنشاق قطرات تحتوي على جزيئات الفيروس، ومن أمثلة تلك الفيروسات:

(الفيروس الأنفي- Rhinovirus)، وهو الفيروس الذي يُسبب غالبًا نزلات البرد، ولكن هناك أكثر من 200 فيروسٍ مختلفٍ يمكن أن يسبب نزلات البرد، وتستمر أعراض البرد عادةً لمدّة تصل إلى أسبوعين، والتي تتضمَّن السُّعال والعطس وصداع خفيف والتهاب الحلق.

(الأنفلونزا الموسمية- Seasonal influenza)، مرضٌ يصيب حوالي من 5٪ إلى 20٪ من سكّان الولايات المتحدة كل عام، ويتم إدخال أكثر من 200000 شخصٍ سنويًّا إلى المُستشفى في الولايات المتحدة بسبب مضاعفات الإنفلونزا، أعراض الإنفلونزا أكثر حدة من أعراض البرد، وغالبًا ما تشمل آلام الجسم والتَّعب الشديد، وتميل الأنفلونزا أيضًا إلى الظهور بشكلٍ مُفاجئٍ أكثر من نزلات البرد.

يُقلّل غسل اليدين المُتكرّر، وتغطية الأنف والفم عند السُّعال أو العطس، وتجنُّب الاتّصال بالأفراد المصابين؛ من انتّشار العدوى الفيروسيّة للجهاز التنفسيّ، كما يمكن أن يساعدَ تطهيرُ الأسطح الصلبة وعدم لمس العينين والأنف والفم في تقليل انتقال العدوى أيضًا(1).

عدوى الجلد الفيروسيّة

تتراوح العدوى الفيروسيّة للجلد من عدوى طفيفة إلى حادّة، وغالبًا ما ينتج عنها طفحٌ جلديّ، ومن أمثلة الفيروسات التي تؤثر على الجلد:

(المليساء المُعدية- Molluscum contagiosum)

تسبب نتوءاتٍ صغيرة بلون اللحم، وتصيب غالبًا الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من سنةٍ إلى عشر سنوات؛ ولكن يمكن أن يُصابَ أيُّ شخصٍ في أي سن بالفيروس، وعادةً ما تختفي النتوءات بدون علاجٍ في غضون 6 إلى 12 شهرًا.

(فيروس الهربس أو الحلأ البسيط 1- Herpes simplex virus-1)

هو الفيروس الشائع الذي يسبب القروح الباردة، وينتقل عبر اللعاب عن طريق التقبيل أو مشاركة الطعام أو الشراب مع شخصٍ مصاب، في بعض الأحيان، يُسبّب فيروسُ الحلأ البسيط مرضَ (الهربس التناسليّ- genital herpes)، ويُقدَّر أنَّ 85٪ من الأشخاص في الولايات المتحدة يصابون بالفيروس عند بلوغهم السّتينيّات.

(فيروس جدري الماء النطاقي- Varicella-zoster virus)

يتسبب الفيروس في ظهور بثور وحكّة وإرهاق وحُمّى شديدة. لقاح جدري الماء فعال بنسبة 98٪ في الوقاية من العدوى. الأشخاص الذين عانوا من جدري الماء (أو في حالات نادرة للغاية، الأشخاص الذين تلقّوا لقاح جدري الماء) معرضون لخطر الإصابة بـ(الهربس النطاقي أو الحزام الناري shingles): وهو مرضٌ يسبّبه نفسُ الفيروس. يُمكن أن يحدثَ في أيّ عمر، ولكنّه يحدث غالبًا في الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 60 عامًا أو أكثر.

أفضلُ طريقةٍ لتجنُّب عدوى الجلد الفيروسيّة هي تجنُّب ملامسة الجلد للجلد مع شخصٍ مريض، وخاصةً المناطق التي بها طفحٌ جلديّ أو تقرُّحات. بعض عدوى الجلد الفيروسية، مثل فيروس جدري الماء النطاقي، ينتقل أيضًا عن طريق الهواء، ويمكن أيضًا أن تحتويَ الحَمَّامات المُشترَكة وأحواضُ السّباحة والمناشف المُلوَّثة على بعض الفيروسات(1).

مضادات الفيروسات والعلاجات الأخرى

تزول العديد من العدوى الفيروسية من تلقاءِ نفسها دون علاج، وفي أوقاتٍ أخرى، يركّز علاج العدوى الفيروسية على تخفيف الأعراض، وليس محاربة الفيروس، على سبيل المثال: تُساعد أدوية البرد في تخفيف الألم والاحتقان المرتبط بالبرد، لكنّها لا تعمل بشكلٍ مباشر على فيروس البرد.

هناك بعض الأدوية التي تعمل مباشرةً على الفيروسات، وتُسمّى بالأدوية المضادة للفيروسات، ويتركّز عمل بعضِها على تثبيط تكاثُر الفيروس وإنتاج جزيئات جديدة منه، وهناك أدويةٌ تتداخل مع إنتاج الحمض النوويّ الفيروسي، وبعضها يعمل على منع الفيروس من دخول الخلايا المُضيفة، وهناك طرقٌ أخرى تعمل بها هذه الأدوية. بشكلٍ عام، تكون الأدوية المضادة للفيروسات أكثر فاعليّة عند تناولِها في حالة الإصابة المبكّرة أو التَّفشّي المُتكرر، يمكن استخدام أنواع مختلفة من الأدوية المضادة للفيروسات لعلاج جدري الماء، والحزام الناري، وفيروس الحلأ البسيط 1، و(فيروس الهربس أو الحلأ البسيط 2- herpes simplex virus-2)، وفيروس (نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)- HIV)، و(الالتهاب الكبدي الوبائي B و C – hepatitis B and C)، والإنفلونزا(1).

الفيروسات والسَّرطان

السرطان هو مرضٌ يحدث نتيجة طفرات أو تغيُّرات في الحمض النّووي، ونظرًا لأن الفيروسات تؤثر على الحمض النّووي للخلايا المضيفة، حيث تُدخِل الفيروسات نفسَها في الحمض النّوويّ للخلية المضيفة من أجل صنع المزيد من جزيئات الفيروس، فمن المعروف أنَّ الفيروسات تساهم في عدّة أنواع مختلفة من السَّرطانات، ومن الأمثلة على تلك الفيروسات:

(فيروس إبشتاين-بار- Epstein-Barr virus) ويزيد من خطر الإصابة بـ(سرطان البلعوم الأنفي- nasopharyngeal cancer)، و(سرطان الغُدد الليمفاوية بوركيت- Burkitt lymphoma)، و(سرطان الغدد الليمفاوية هودجكين- Hodgkin’s lymphoma)، وسرطان المعدة.

الالتهاب الكبدي الوبائي C و B يزيدان من خطر الإصابة بسرطان الكبد.(1)

الوقاية من العدوى الفيروسية

تُقلّل اللقاحات من خطر الإصابة ببعض الفيروسات، وتتوفَّر لقاحاتٌ للوقاية من الإصابة بالأنفلونزا والالتهاب الكبدي الوبائي A، والالتهاب الكبدي الوبائي B، وجدري الماء، والحصبة وبعض الفيروسات الأخرى، وتختلف اللقاحات من حيث الفعاليّة، وفي عدد الجرعات المطلوبة لمنح الحماية(1).

المصادر:

  1. https://www.medicinenet.com/viral_infections_pictures_slideshow/article.htm
  2. https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/11570281
  3.  https://courses.lumenlearning.com/wm-biology2/chapter/history-of-viruses/
شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي