في أوقات تفشي الأوبئة –مثل وباء كورونا الجديد- يعم الذعر بين الناس، ويتسابقون لشراء جميع أنواع المنظفات الكيميائيّة، على الرغم أن الكثير منها غير ضروري وغير فعال في مواجهة الفيروسات. ففي الآونة الأخيرة، اختفت عبوات معقم اليدين (Hand sanitizer) من رفوف المتاجر، رغم خلو الكثير منها من نسبة الكحول الضرورية –60% على الأقل– لقتل الفيروسات.⁽¹⁾ ووقع الكثير من الناس ضحية لمنعدمي الضمير والمستغلين نتيجة لتدافع الجميع لشراء الكحول، فارتفعت أسعاره بشكل مبالغ فيه، وانتشرت الكثير من العبوات المغشوشة في الأسواق.

ما الحل؟

الحل موجود في منزلك. رغم ابتكار البشر –على مدى 5000 عامًا– العديد من منتجات التطهير، يظل المزيج البسيط من الماء والصابون أحد أقوى الأسلحة في مواجهة الأمراض المُعديّة، بما فيها فيروس كورونا الجديد المُنتشر حاليًا في كل أرجاء العالم.⁽¹⁾ ينظر الناس إلى الصابون على أنه مادة وديعة ولطيفة؛ لكنه في نظر أغلب الكائنات الحية الدقيقة (The microorganisms) مادة شديدة التدمير. فقطرة واحدة من الصابون العادي المخفف بالماء كافية لتمزيق وقتل العديد من أنواع البكتيريا والفيروسات، بما فيها فيروس كورونا الجديد.⁽²⁾

ما الذي يجعل الصابون العادي فعالًا إلى هذه الدرجة؟

يتكوّن الصابون من جزيئات تشبه الدبابيس. يحتوي كل جزئ منها على رأس محب للماء (Hydrophilic head) –يرتبط بالماء بسهولة– وذيل كاره للماء (Hydrophobic tail)، يفضل الارتباط بالزيوت والدهون ويتجنب الماء. عندما تعلق هذه الجزيئات في الماء، تسبح كوحدات منفصلة، وتتفاعل مع باقي الجزيئات في المحلول، وتتجمع في فقاعات صغيرة – تُسمى المذيلات (Micelles)– تكون فيها الرؤوس موجهة للخارج والذيول للداخل.⁽²⁾

تحتوي بعض البكتيريا والفيروسات على أغشية دهنية تشبه المذيلات مزدوجة الطبقة؛ عبارة عن شريطين من الذيول الكارهة للماء محشورين بين حلقتين من الرؤوس المحبة للماء. هذه الأغشية مرصعة بالبروتينات الهامة التي تسمح للفيروسات بمهاجمة الخلايا، وتقوم بالأدوار الحيوية اللازمة لبقاء البكتيريا على قيد الحياة. ومن مسببات الأمراض (Pathogens) ذات الأغشية الدهنية: فيروسات كورونا، وفيروس نقص المناعة البشرية (H.I.V)، وفيروسات التهاب الكبد بي و سي (Hepatitis B and C)، وفيروس الهربس (Herpes)، وفيروس إيبولا (Ebola)، وفَيروس زيكا (Zika)، وفيروس حمى الضنك (Dengue)، والعديد من البكتيريا التي تهاجم الأمعاء والجهاز التنفسي.⁽²⁾

عندما تغسل يديك بالماء والصابون، تحاصر جزيئات الصابون الكائنات الحية الدقيقة الموجودة على بشرتك. تحاول الذيول الكارهة للماء –الموجودة في الجزيئات حرة الحركة– الفرار من الماء عن طريق الزج بأنفسها داخل الأغلفة الدهنية المحيطة ببعض الميكروبات والفيروسات، فتفصلهم عن هذه الأغلفة. يقول البروفيسور بول ثوردارسون (Pall Thordarson)، رئيس قسم الكيمياء في جامعة نيو ساوث ويلز (University of New South Wales):

«إنهن يشبهن في عملهن العتلة؛ إذ يزعزعن استقرار النظام بأكمله».

فتتسرب البروتينات الأساسيّة من الأغشية الممزقة إلى المياه المحيطة، ويترتب على ذلك قتل البكتيريا وجعل الفيروسات بلا قيمة.⁽²⁾

وفي أثناء ذلك، تُعطّل بعض جزيئات الصابون عمل الروابط الكيميائيّة التي تسمح بالتصاق البكتيريا، والفيروسات، والأوساخ على الأسطح. مما يؤدي إلى إزاحتهم من على الجلد. إلى جانب ذلك، يمكن أن تتجمع المذيلات حول حبيبات الأوساخ وفتات الفيروسات والبكتيريا، وتحبسهن في أقفاص عائمة. وعندما تشطف يديك، تتم إزالة جميع الكائنات الحية الدقيقة التي تضررت واحتجزت وقُتلت بواسطة جزيئات الصابون.⁽²⁾

هل الصابون المضاد للبكتيريا أفضل من الصابون العادي؟

وفقًا لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، لا يوجد دليل علمي كافي لإثبات أن الصابون المضاد للبكتيريا أفضل في الوقاية من الأمراض من الصابون العادي. وحتى هذه اللحظة، لم تُثبت فوائد استخدام الصابون المضاد للبكتيريا. بالإضافة لذلك، أثيرت عدة تساؤلات حول الآثار السلبية المحتملة على صحة الإنسان على المدى الطويل، نتيجة للاستخدام المفرط لهذه المنتجات.⁽³⁾

يحتوي الصابون المضاد للبكتيريا (ويسمى في بعض الأحيان الصابون المضاد للميكروبات أو الصابون المطهر) على مواد كيميائيّة معينة غير موجودة في الصابون العادي. تضاف هذه المكونات إلى العديد من المنتجات الاستهلاكية لتقليل أو منع العدوى البكتيرية.⁽³⁾

يحتوي الكثير من الصابون السائل الذي يحمل اسم (مضاد للبكتيريا) على تريكلوسان (Triclosan)، وهو مكون يثير قلق العديد من المجموعات البيئية والأكاديمية والرقابية. أظهرت الدراسات على الحيوانات أن التريكلوسان يغير الطريقة التي تعمل بها بعض الهرمونات في الجسم، مما يثير مخاوف محتملة بشأن تأثير استخدامه على الإنسان. لا نعلم حتى الآن كيف يؤثر التريكلوسان على الإنسان، ونحن في حاجة لمزيد من الأبحاث في هذا الشأن.⁽³⁾

أثارت الدراسات المعملية احتمالية أن يساهم التريكلوسان في جعل البكتيريا مقاومة للمضادات الحيويّة (Antibiotics). وتظهر بعض البيانات أن هذه المقاومة قد يكون لها تأثير خطير على فعالية العلاجات الطبيّة، مثل المضادات الحيويّة.⁽³⁾

تقول تيريزا م. ميشيل (Theresa M. Michele)، مديرة شعبة المنتجات الدوائيّة المتاحة بدون وصفة طبية في إدارة الغذاء والدواء الأمريكية:

«لا توجد أي بيانات تثبت أن هذه المنتجات توفر حماية إضافية من الأمراض والعدوى. قد يمنح استخدام هذه المنتجات الناس إحساسًا زائفًا بالأمان. فإذا كنت تستخدم هذه المنتجات لاعتقادك أنها تمنحك حماية أفضل من الماء والصابون، هذا غير صحيح. وإذا كنت تستخدمها لأنها تُشعرك بالارتياح، فهناك العديد من المنتجات الأخرى التي تحتوي على تركيبات مماثلة، ولن تعرض عائلتك لمواد كيميائية غير ضرورية».⁽³⁾

أيهما أفضل: الصابون أم معقم اليدين؟

الصابون هو الخيار الأفضل. أشارت دراسة أجريت (عام 2019) من قبل الجمعية الأمريكية لعلم الأحياء الدقيقة (The American Society for Microbiology) إلى أن استخدام الماء الجاري والصابون لغسل اليدين أكثر فعالية من رش الجل المعقم على اليدين دون تدليكهما جيدًا. من ناحية أخرى، أفاد المتحدث باسم شركة كاو للمنتجات الكيميائية (Kao Corporation) أن الإفراط في استخدام معقم اليدين يمكن أن يسبب تهيجًا وحساسية للبشرة، وذلك لأنه يجففها ويفقدها زيوتها الطبيعية. يزيد الجلد المتضرر من احتمالية التعرض للعدوى، لذلك من الأفضل استخدام معقم اليدين –مثل معظم الأشياء – باعتدال، وفقط في حالة عدم إمكانية غسل اليدين بالماء والصابون.⁽⁴⁾

ماذا عن تطهير الأسطح؟

يتعرض الناس للإصابة بفيروس كورونا الجديد بشكل أساسي عن طريق انتقاله من شخص إلى آخر. حيث يُمكن الاتصال الوثيق بين الناس الفيروس من الانتشار من خلال القطرات التنفسيّة أثناء السعال أو العطس. وتتنوع أشكال هذا الاتصال بين: الأحضان، والمصافحة، والتجمعات في الأماكن العامة المزدحمة. ولأن هذه القطرات التنفسيّة ثقيلة، فهي تسقط عادة على الأسطح بسهولة. ويمكن أن تظل على الأسطح إلى أن تلمسها يد ما، وتحمل الفيروس إلى الأنف أو الفم، مما يؤدي إلى حدوث العدوى.⁽¹⁾

في البلدان الأكثر تضررًا من وباء كورونا الجديد، تُظهر الصور أفرادًا يرتدون بدلات وقائية ويقومون برش مواد التبييض (مثل الكلور) على الأرصفة العامة وداخل المنشآت. ومع ذلك ينتاب الخبراء الشك في ما إذا كان هذا التصرف ضروريًا للحد من انتشار الفيروس.⁽¹⁾

تقول جين جريتوريكس (Jane Greatorex) عالمة الفيروسات في جامعة كامبريدج (Cambridge University): «إن استخدام مواد التبييض للتعقيم يشبه استخدام الهراوة لضرب ذبابة». حيث يمكن أن يؤدي إلى تآكل المعادن، وقد يسبب مشاكل صحية أخرى في الجهاز التنفسي إذا استُنشق لفترات طويلة.⁽¹⁾

تقول ليزا كازانوفا (Lisa Casanova)، عالمة الصحة البيئية في جامعة ولاية جورجيا (Georgia State University):

«إذا وضعت مواد التبييض على سطح مليء بالأوساخ، سوف تأكل هذه الأوساخ مواد التبييض».

وبدلًا من ذلك، توصي هي وخبراء آخرون باستخدام صابون أخف وألطف، مثل صابون الأطباق، لتطهير الأسطح داخل وخارج المنزل بسهولة.⁽¹⁾

ما الذي يجب عليك فعله الآن؟

اغسل يديك بالماء والصابون العادي. لا تزال هذه إحدى أهم الخطوات التي يمكنك اتخاذها لتجنب الإصابة بالأمراض ومنع انتشار الفيروسات.⁽³⁾ إن استخدام الصابون ليس مجرد حماية شخصية، فإذا استخدمناه بطريقة صحيحة، سوف يصبح جزءًا من سياج أمان للمجتمع كله. ففي المرة القادمة التي تتكاسل فيها عن غسل يديك، تذكر: حياة الآخرين بين يديك.⁽²⁾

يفرق الصابون الجزيئات عن بعضها، لكنه يساعد على جمعنا معًا مرة أخرى.⁽²⁾

المصادر:

(1) Why soap is preferable to bleach in the fight against coronavirus [Internet]. Science. 2020 [cited 2020 Mar 24]. Available from: https://www.nationalgeographic.com/science/2020/03/why-soap-preferable-bleach-fight-against-coronavirus/

(2) Jabr F. Why Soap Works. The New York Times [Internet]. 2020 Mar 13 [cited 2020 Mar 24]; Available from: https://www.nytimes.com/2020/03/13/health/soap-coronavirus-handwashing-germs.html

(3) Commissioner O of the. Antibacterial Soap? You Can Skip It, Use Plain Soap and Water. FDA [Internet]. 2019 May 16 [cited 2020 Mar 25]; Available from: http://www.fda.gov/consumers/consumer-updates/antibacterial-soap-you-can-skip-it-use-plain-soap-and-water

(4) Sawa DB. Hand sanitizer or hand washing: which is better against coronavirus? The Guardian [Internet]. 2020 Mar 4 [cited 2020 Mar 25]; Available from: https://www.theguardian.com/world/2020/feb/28/hand-sanitiser-or-hand-washing-which-more-effective-against-coronavirus-covid-19