يحب علماء الفلك مراقبة النجوم الفتية البعيدة أثناء تشكلها. فالنجوم تولد من سحابة جزيئية وبمجرد أن تتجمع كمية كافية من المادة في تلك السحابة يحدث الاندماج ويبدأ النجم حياته. وتسمى المادة المتبقية من تكوين النجم بالقرص النجمي. وبينما تدور المادة الموجودة في القرص النجمي الدوار حول النجم اليافع، فإنها تتكتل على صورة كواكب فردية، وبالتالي فإنها تترك فجوات في القرص الدوار.
يعتبر (HL Tauri) أحد أشهر الأمثلة على النجوم اليافعة. ويقع هذا النجم في كوكبة برج الثور التي تبعد عنّا حوالي 450 سنة ضوئية. وفي عام 2014 التقط مرصد أتاكاما المليمتري الكبير (مرصد ألما) الصورة الشهيرة لنجم (HL Tauri)، وتعتبر هذه الصورة من أكثر الصور وضوحا التي التقطها مرصد ألما على الإطلاق.
منذ ذلك الحين، رصد علماء الفلك العديد من النجوم اليافعة الأخرى، ووجدوا أيضًا فجوات في أقراصهم الدوارة. ولكي نتمكن من الرؤية خلال القرص الدوار المليء بالغاز والغبار، لن نستطيع استخدام تلسكوب ضوئي بل نحتاج إلى تلسكوب يرصد الأطوال الموجية بين الموجات تحت الحمراء والموجات الراديوية تمامًا كمرصد ألما.
نُشرت دراسة حديثة في مجلة الفيزياء الفلكية تحت عنوان «تسع انحرافات محلية عن دوران كبلر في أقراص ديشارب: الأدلة الحركية على نحت الكواكب الأولية للفراغات في الأقراص النجمية». وقد اهتمت هذه الدراسة بملاحظة 18 نجمًا يافعًا وأقراصهم، ووجدت دليلًا على أن 8 من هذه النجوم لديها ما يسمى بـ (فوارق السرعة) التي قد تشير إلى وجود كواكب يافعة لا تزال تتشكل.
وبرغم أنَّ علماء الفلك يمكنهم رؤية الفجوات في الأقراص النجمية، إلا أنهم لم يتمكنوا من رؤية الكواكب إلا بعد سنوات من المحاولة بأفضل التلسكوبات في العالم. إذ تمكن علماء الفلك أخيرًا من تصوير كوكب خارج النظام الشمسي بشكل مباشر في فجوة في قرص نجمي. وقد يبدو أنه من الواضح أن الكواكب هي السبب الرئيسي في وجود الفجوات، إلا إنها ما تزال نظرية غير مثبتة. وساعدت الدراسة الحديثة التي ذكرناها سابقًا في وضع احتمالية أن تكون الكواكب هي السبب في وجود بعض الفجوات الموجودة في الأقراص النجمية.
استخدمت الدراسة البيانات المقدمة من خلال مشروع التراكيب الثانوية للأقراص النجمية بدقة زاوية عالية (ديشارب – DSHARP) لدراسة الأقراص النجمية القريبة (تسمى أيضًا بالأقراص الكوكبية الأولية). وتم تصميم ديشارب لتحديد معدل انتشار التركيبات الثانوية الصغيرة وأشكالها ومواقعها وأحجامها واتساعها في الأقراص النجمية ولتحديد كيف يمكن أن تكون تلك التركيبات الثانوية مرتبطة بعملية تكوين الكواكب.
هناك تفسيرات أخرى لتفسير وجود الفجوات في الأقراص النجمية، وإحدى هذه التفسيرات هي خطوط الثلج أو خطوط الصقيع. ويعرف خط الصقيع في الأقراص النجمية بأنه المسافة من النجم التي تكون درجة الحرارة عندها باردة بما فيه الكفاية لتجميد المواد المتطايرة. وهذا لا يشمل جليد الماء فقط، بل وأيضًا الأمونيا والميثان وثاني أكسيد الكربون وغيرهم. فبعد خط الصقيع تتجمد هذه المواد إلى حبيبات جليدية صلبة.
وتفسير آخر محتمل لهذه الفجوات هو تلبد حبيبات الغبار، وذلك يكون بتراكم الغبار في هيكل صلب بالضغط والحرارة من دون ذوبان. وتشمل التفسيرات الأخرى على المغناطيسية-الهيدرودينامكية والتدفق النطاقي ومصائد الغبار المستحثة. فبعد صورة (HL Tauri) وحلقاته التي نشرها مرصد ألما عام 2014، نشر الباحثون عددًا من الأوراق البحثية التي تدعم كل هذه التفسيرات التي ذكرناها سابقًا.
على الرغم من تعدد التفسيرات إلا أنه لا يوجد منها من هو مثير للفضول مثل تفسير الكواكب الأولية. فمن المنطقي الأخذ بهذا التفسير حيث إننا نعلم الآن أنه معظم النجوم -إن لم تكن كلها- تمتلك كواكب خارجية.
لا يقوم مرصد ألما بالتقاط الصور لهؤلاء النجوم اليافعة مع أقراصها فقط، إذ يُستخدم أيضًا لدراسة توزيعات الغاز في الأقراص النجمية. فعلى سبيل المثال الصورة أدناه التي نشرتها الدراسة الحديثة تقارن توزيعات الغاز في خمسة أقراص مع قياسات السرعة لكل قرص.
تتكون الأقراص النجمية الدوّارة مثل تلك التي تحيط بنجم (HL Tauri) أو النجوم اليافعة الأخرى بشكل كبير من الغاز. فبينما تدور الأقراص النجمية تخضع حركتها لسرعة كبلر، إذ تصف سرعة كبلر كيف يجب أن يتحرك قرص من المادة تحت هيمنة جسم ضخم في مركزه. ولكن كما تظهر الصورة أعلاه، توجد التواءات في الغاز. وتبعًا لمؤلفي الورقة البحثية الحديثة فإن هذه الالتواءات هي الدليل على تكوّن الكواكب.
ويقول الباحثون:
«الكواكب المدمجة تقوم بإخلال تدفق الغاز المجاور لها، وتطلق موجات لولبية داخل وخارج مداراتهم عند رنين ليندبلاد- Lindblad resonances». وهذا التدفق المتقطع يمكن أن يكون دليلًا على تكوّن الكواكب الغازية العملاقة.»
وعلى الرغم من أن الدراسة تقدم الكثير من الأدلة القوية لدعم تفسير الكواكب الناشئة، فإن المؤلفين يعترفون بأنه قد تكون هناك أسباب أخرى. حيث يقول المؤلفون:
« قد ينتج عن العديد من تأثيرات المراقبة والآليات الفيزيائية معالم في خرائط قنوات السرعة تشبه الالتواءات الناتجة عن السرعة».
فمثلًا قد تؤدي عملية إعادة البناء عند نسبة إشارة إلى تشويش منخفضة إلى انبعاث متقطع قد يخطئ فهمه على أنه التواءات. فاتخذ الباحثون العديد من الخطوات للقضاء على هذه الأخطاء ولخصوا بحثهم في العبارات التالية:
- بعد ملاحظة ديشارب لثمانية عشر قرصًا نجمًا، وُجدت تسع اضطرابات سرعة محلية (خاصة بالقناة) تدل على الحركة التي لا تخضع لقوانين كبلر في ثمانية أقراص كوكبية أولية.
- وجود الكواكب في الأقراص النجمية يفسر بطبيعة الحال كلًا من الحلقات المتصلة وانحرافات سرعة الغاز عن دوران كبلر.
- إذا كانت الكواكب هي المسؤولة عن فوارق السرعة المؤقتة، فيجب أن يكون لديها كتلة ككتلة كوكب المشتري.
- بالنسبة إلى بقية الأقراص النجمية التي شملتها الدراسة، فإن عدم رصد أي فوارق في السرعة لا يعني بالضرورة على عدم امتلاكها لكواكب في حجم كوكب المشتري.
ففي النهاية، تقدم هذه الورقة البحثية فكرة أن الفجوات في الأقراص النجمية هي بالفعل بسبب تكوّن الكواكب اليافعة. ومن المرجح مع نمو قوتنا في المراقبة والاستعانة بتلسكوبات مثل جيمس ويب أن تصبح الأدلة قاطعة أكثر. ففي العلم، لا تعرف حتى تعرف.