في الأسابيع الماضية، انتشر فيروس كورونا المُستجد بصورة كبيرة عبر أنحاء العالم، وخصوصًا في إيطاليا، حيث بلغ عدد المصابين في الحادي والعشرين من مارس 53,578 مصابًا، و 4,825 حالة وفاة.
وللحدّ من انتشار الفيروس، قرّرت الحكومة الإيطالية فرض الحظر على البلد بأكملها، أُغلق كل شيء: المدارس، والجامعات، والحانات، والفنادق، والمحلات باستثناء متاجر الأغذية، والصيدليات، والمستودعات. ويحاول قطاع الصحة الوطنيّ في إيطاليا أن يتعامل مع تلك الأعداد المُتزايدة من المرضى، والتي تحتاج بشدة إلى أجهزة التنفس الصناعيّة علاوةً على وحدات العناية المُرَكزة. وبعدها بأيام قليلة، اعتمدت دول أوروبيّة أخرى إجراءات مماثلة، كذلك دول الشمال في الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكيّة.
نشرت مجلة ذا لانسيت (بالإنجليزيَّة: the Lancet) -مجلةٌ طبيّةٌ دوريةٌ أسبوعيّة- في السادس والعشرين من فبراير هذه العام، مراجعة استعراضية لسامنثا بروكس وزملائها من كلية كينجز كوليدج في لندن؛ حيث تتألف هذه المراجعة من 24 دراسةً حول التأثير النفسيّ للحجر الصحيّ. وذَكَرَت معظم الدراسات التأثيرات النفسيّة السلبيّة لذاك الحجر متضمنةً أعراض ما بعد الصدمة، والغضب، والارتباك، والتشوّش. أيضًا من العوامل التي تُوَلِد الضغوطات أكثر طول فترة الحجر الصحيّ، والخوف من الإصابة، والإحباط، والملل، وعدم كفاية المؤن، وعدم كفاية المعلومات، والخسارة الماليّة، والشعور بالوصم والعار. ووفقًا للدراسة، قد يتعرض الأطفال والمراهقون تحديدًا لخطر الإصابة باضطرابات ما بعد الصدمة.
ينصح الباحثون بالتالي:
«في الظروف التي يُعتبر فيها العزل الصحيّ ضرورة مُلِحَة، يجب على المسؤولين عدم مَدّ فترة العزل الصحي بصورة أطول من اللازم، وأن يقدموا معلومات صحيحة، وأسبابًا منطقيّة وراء هذا الإجراء، علاوة على توفير المعلومات بشأن البروتوكولات المُتَبَعة، وأن يضمنوا أن توفير إمدادات ومؤن كافية. ومن الأفضل التذكير بصورة مناسبة أهمية العزل الصحيّ لضمان سلامة العامة، وفوائده لمنع انتشار العدوى في المجتمع»
وبالطبع، يعاني المصابون باضطرابات الأكل من خطورة انتكاس حالتهم المرضيّة، أو تسوء شدتها نتيجة الخوف من الإصابة، وتأثير العزل الصحيّ عليهم، بالإضافة إلى نقص العلاج النفسي جرّاء الجائحة.
يَزيدُ الخوفُ من الإصابة ذاك الشعور بشأن فقدان السيطرة والتحكم وتحديدًا لمرضى اضطرابات الأكل؛ نتيجةً للتعامل مع هذه الاضطرابات عن طريق زيادة القيود الغذائيّة أو غيرها من سلوكيات التحكم الشديدة في الوزن، أو من خلال نوبات الشراهة.
ومن ناحية أُخرى، يحفز الحجر الصحيّ – أي تقليل الحركة والعزل- على الاضطرابات النفسيّة السيئة الناتجة عن اضطرابات الأكل من خلال عدة آليات، ومنها:
- يزيد الخوف من فكرة إمكانيّة زيادة الوزن؛ وذلك بسبب الحركة المحدودة نتيجة العزل، وعدم ممارسة الرياضة. وبالتالي هذا يوضح أهمية القيود الغذائيّة في مواجهة اضطرابات الطعام.
- تحفز فكرة التعرض لكمية كبيرة من الطعام أثناء التواجد بالمنزل حالات النهم، وهي أحد صور اضطرابات الطعام التي يُعاني منها الناس.
- يغذي البقاء في البيت حالة العزلة الاجتماعيّة، والتي تصاحب مرض اضطرابات الأكل. وبالطبع، تُشكل طول فترة البقاء بالمنزل عدة عقبات خطيرة في طريق تحسين العلاقات الشخصيّة، والتي تُعتبر حجر أساس في عملية العلاج النفسيّ لهذا النوع من الأمراض؛ حيث أنها تَحُدُ من المُبالغة في تقدير الوزن، والشكل، والتحكم فيهما. كذلك يمنع هذا العزل الشخص المُصاب من معالجة مشاعر مهمة، والتعبير عنها، مما بدوره يقلل من عملية العلاج والتعافي، ويحافظ على التأثير السلبيّ لمرض اضطرابات الأكل. (أي تجنب الأكل في المناسبات الاجتماعية، علاوة على تعمد إخفاء الجسم عن الناس).
- إذا كان الشخص لا يعيش لوحده، أي يعيش مع أناسٍ آخرين، فيسبب قضاء وقت متزايد مع الآخرين ضغوط إضافية، وتظهر بعض علامات اضطرابات الأكل عليه.
يُصاحب اضطرابات الأكل عدة اضطرابات وأمراض أخرى كالإكتئاب، والقلق، واضطراب الوسواس القهريّ، واضطراب ما بعد الصدمة، واضطراب تعاطي المخدرات، والاجترار (أي الوساوس)، والانشغال، والتوتر، وبالتالي مع انتشار الكوفيد 19، قد تزداد حدة هذه الأعراض المُصاحبة مما يؤثر سلبًا على طريقة علاج اضطرابات الأكل لدى الشخص المصاب.
وفي النهاية، يتعرض الأشخاص الذين يعانون من نقص الوزن واضطرابات الأكل لمخاطر الإصابة العالية بمضاعفات طبيّة تتعلق بسوء التغذية، والتي قد تؤثر في زيادة نسبة الخطورة بالإصابة بفيروس كورونا المُستجد على الرغم من عدم وجود أي أدلة تشير لذلك.
لا توجد أي حلول بسيطة لكل هذه المشكلات. وعلى الرغم من ذلك، فإنه من الممكن المحافظة على توفير العلاج النفسيّ للمرضى الخارجيين عن طريق التكنولوجيا عبر الإنترنت مع بعد التعديلات، علاوة على ذلك، قدمت بالفعل بعض المراكز السريرة خدمات افتراضية مكثفة للمرضى الخارجيين.
يوجد نوعان من برامج العلاج النفسي: برامج العيادات الخارجيّة، وبرامج العلاج الداخلي. فتشمل برامج العلاج الداخلي أن يدخل المريض طوعًا إلى منشأة آمنة طبيّة؛ حيث يستمر العلاج المُكثف على سبيل المثال لمدة 28 يومًا، علاوة على توافر برامج للتعافي من إدمان المخدرات أو غيرها والتي تُناسب احتياجات المريض، ويتوافر فيها سكن للمرضى. وغالبًا ما يلجأ إليها المرضى؛ عندما تفشل برامج العيادات الخارجية في مساعدتهم على التعافي، أو عندما تنتكس حالتهم ويعودوا إلى الإدمان مُجددًا.
أما عن برامج العيادات الخارجيّة، فهي تشترك مع العيادات الداخليّة في عدّة سمات أساسية منها -بالطبع- مساعدة المرضى في التعافي، بالإضافة إلى توفير البرامج المُناسبة، ولكن تختلف البيئة بصورة كبيرة. توفر برامج العيادات الخارجية حرية الحركة للمريض، ليتابع أنشطة حياته المُختلفة من عملٍ، وإلتزامات عائليّة، وغيرها. ومن مزاياها أيضّا قدر أعلى من الخصوصية، علاوة على الاحتفاظ بالهويّة وعدم الكشف عنها، وبالتاليّ لا يضطر المريض تفسير غيابه الطويل -نوعًا ما- لأسرته أو لأصدقائه كما يحدث في العيادات الداخلية. (1)
ومن التقنيات الجديدة هي العلاج السلوكيّ المعرفيّ عبر الانترنت (CBT-E) وهو يقوم على توفير علاجٍ لجميع أنواع اضطرابات الطعام، اقتراحات مُحددة فيما يتعلق بتوفير العلاج عبر الانترنت، ومساعدة مرضى اضطرابات الطعام؛ ليتعاملوا مع حالة القلق والتوتر التي تُصاحب الخوف من الإصابة، وتأثير الحجر الصحيّ.
وعلى الرغم من هذه الحلول، إلا إنه يوجد بعض المرضى باضطرابات الطعام لا يستجيبون لعلاج المرضى الخارجيين أو لا يمُكن التعامل معهم بصورة آمنة أو بصورة ناجحة عندما يكونوا مرضى خارجيين. فيعاني معظم هؤلاء المرضى بما يعرف بفقدان الشهيّة العصبيّ، وفي هذه الحالات، حتى في فترة الكورونا، لا بد من وجود علاجٍ مُكَثف، ولكن يجب مواكبة تطورات الظروف العصيبة التي نمر بها، ولذلك يجب على العلاج المُكثف أن يشمل جميع الاحتياطات للحفاظ على سلامة كل من المرضى وموظفي الرعاية الصحية. وهذا بدوره يتطلب على سبيل المثال، تثقيف المرضى كيف بإمكانهم أن يُقللوا المخاطر. فمثلاً تعليمهم أن يغسلوا أيديهم بالماء والصابون جيدًا على الأقل لمدة عشرين ثانية، تجنب لمس العيون، الأنف أو الفم بالأيادي المتسخة، وطبعًا المحافظة على مسافة عدة أمتار بينهم وبين المرضى الآخرين.
علاوة على ما سبق، يإمكاننا الحد من المخاطر عن طريق التنظيف بالمطهرات، ومنع الزيارات، واستخدام الأقنعة الواقية، وإجراء جميع الجلسات العائلية بشكل افتراضي، والحفاظ على إمكانية اتصال المرضى عبر الإنترنت مع الأشخاص الآخرين المُهمين. يجب أن يُوضع بروتوكول مُحدد وأن يتم تنفيذه، لكي يوضح كيف يُمكن التعامل مع مريض إذا ثُبت أنه إيجابيًا للفيروس التاجيّ كورونا.
سيكون علينا جميعًا أن نجد طرقًا للتكيف مع هذه الأزمة، ولكن هؤلاء الذين يعانون من اضطرابات الأكل؛ سيكون عليهم مواجهات صعوبات إضافية في التأقلم مع الفيروس؛ وذلك بالطبع يرجع إلى طريقة تفاعل الحالة النفسيّة المُصاحبة للمرض مع تهديد الكورونا المُنتشر. وبالطبع، هذا يتطلب تصميم برامج مختلفة، وإيجاد طرق جديدة؛ لتوفير العلاج للمرضى كما أن دمج الاستراتيجيات، والإجراءات سيساعد في معالجة اضطرابات الأكل، والمخاوف التي تتعلق بالإلتهاب، والعزلة الاجتماعية.