يأخذ البحث في فيزياء الطاقة العالية أشكالًا عديدة، تعتمد معظمها على المعجلات التي تنتج وتسرع الجسيمات، وفي هذا المقال نعرض مقدمةً لثلاثة أنواع مختلفة من تلك المعجلات وهم: السنكروترونات، السيكلوترونات والمعجلات الخطية.
السنكروترونات
السنكروترونات هي معجلات الجسيمات ذات الطاقة الأعلى في العالم وأفضلهم هو “مصادم الهادرونات الكبير” في سيرن، حيث يمتلك القدرة على تسريع الجسيمات لتصل إلى 6.5 تريليون إلكترون فولت ويعمل على اصطدامها بجسيمات متساوية معها في الطاقة تسير في الاتجاه المعاكس.
تتميز السنكروترونات عادة بمسارٍ دائري مغلق، وبمجرد دخول الجسيمات إلى المعجل، فإنها تنتقل حول المسار الدائري مرارًا وتكرارًا، ودائمًا ما يكون المسار في أنبوبٍ مفرغ.
تقوم عدة أنواع مختلفة من المغناطيس بإنشاء حقول كهرومغناطيسية، والتي يمكن استخدامها لثني وتركيز حزم الجسيمات؛ فتمر الجسيمات نحو 14 مليون مرة خلال العشرين دقيقة التي تحتاجها للوصول إلى مستوى الطاقة المقصود.
يرسل الباحثون حِزمًا من الجسيمات المتسارعة في اتجاهاتٍ متعاكسة لإنشاء تصادماتٍ في مواقعَ مُحاطةٍ بكواشف الجسيمات، حيث يحدث عدد قليل نسبيََا من الاصطدامات في كل مرة تلتقي فيها الحزم. ولكن نظرًا لأن الجسيمات تدور باستمرار في السنكروترون، يمكن للباحثين إحداث عددٍ كبيرٍ من الاصطدامات وبالتالي المزيد من البيانات لمراقبة الظواهر النادرة.
يقول مايك لامونت، رئيس العمليات في مصادم الهادرونات الكبير في سيرن: «وصل عدد عمليات التصادم إلى نحو 400 مليون عملية تصادم في العام الماضي، وهذا هو السبب في أنَّ هذا التصميم مفيد للغاية».
قوة السنكروترون تجعلها مناسبة بشكل خاص لدراسة اللبنات الأساسية لكوننا. على سبيل المثال تمكن الفيزيائيون من رؤية أدلة على وجود بوزون هيجز لأن المصادم يمكنه تسريع الجسيمات إلى طاقات ومعدلات تصادم عالية.
تصطدم -في مصادم الهادرونات الكبير- البروتونات بالبروتونات، لكن يمكنه أيضًا تسريع الأنوية الثقيلة مثل الرصاص. كما يمكن لبعض الأنواع الأخرى من السنكروترونات تسريع أنواع مختلفة من الجسيمات. حيث يمكن لمصادم الأيونات الثقيلة، في مختبر بروكهافن الوطني في نيويورك، تسريع كل شيء من البروتونات إلى نواة اليورانيوم. كما يمكن أن يحدث تصادم بين أيونات ثقيلة مثل اليورانيوم والذهب لإنشاء بلازما كوارك-جلوونية أو حساء الكوراك المرتفع الحرارة الذي تَكوّن بعد الانفجار العظيم مباشرة.
السيكلوترونات
تعد السنكروترونات أحفاد نوعٍ آخر من المعجلات الدائرية وهى السيكلوترونات، والتي تعمل على تسريع الجسيمات في نمط حلزوني، بدءًا من مركزها. وتستخدم السيكلوترونات مغناطيسًا كهربائيًّا كبيرًا لثني الجسيمات لتتخذ مسارًا دائريًّا. إلا إنها تستخدم مغناطيسًا واحدًا فقط، مما يحد من حجمها. كما تستخدم أقطاب معدنية لدفع الجسيمات وخلق مسارٍ حلزوني.
كما تستخدم السيكلوترونات غالبًا لإنشاء كمياتٍ كبيرة من أنواع معينة من الجسيمات، مثل الميونات أو النيوترونات، وهي منتشرة في مجال البحوث الطبية لأن لديها الطاقة والكثافة المناسبة لإنتاج النظائر الطبية.
يقع أكبر سيكلوترون في العالم في مختبر ترايمف في فانكوفر، كندا. ويقوم الفيزيائيون بتسريع الجسيمات إلى 520 مليون إلكترون فولت. كما يمكن تكوين جسيمات من أجزاء مختلفة من المعجل لاستخدامها في التجارب التي تتطلب جسيمات ذات طاقات مختلفة.
يقول الفيزيائي إوارت بلاكمور، الذي ساعد في تصميم وبناء المعجل:
«إن ذلك يجعل السيكلوترون نوعًا قابلاً للتكيف بشكل خاص».
المعجلات الخطية
تعد معجلات الجسيمات الخطية الأفضل بالنسبة للتجارب الفيزيائية أو التطبيقات التي تتطلب شعاعًا ثابتًا ومكثفًا من الجسيمات. ويعد المعجل الخطي المُسمَّى (SLAC) أطولها، حيث يبلغ طوله ميلين والذي يمكنه تسريع الجسيمات إلى 50 إلكترون فولت.
يستخدم معجل الجسيمات فيرمي خطًا أقصر لتسريع البروتونات قبل إرسالها إلى معجل مختلف، مما يؤدي في النهاية لإنشاء أشعة النيوترينو الأكثر كثافة في العالم.
وقد تتطلب المعجلات ذات المسارات الدائرية العديد من المنعطفات لتسريع الجسيمات إلى الطاقة المرغوبة، إلا أنه في المعجلات الخطية تصل إلى السرعة المطلوبة في وقت قصير. حيث تبدأ الجسيمات من طرف واحد بطاقة منخفضة، وتزداد سرعتها بوجود الحقول الكهرومغناطيسية على طول المسار.
عندما تتحرك الجسيمات في مسار منحني، فإنها تطلق طاقة في شكل إشعاع. أما الحركة في خط مستقيم فتعني الحفاظ على تلك الطاقة؛ فيمكن استخدامها لإنتاج النظائر الطبية، مثل السيكلوترونات. كما يمكن استخدامها لإنشاء حزم من الإشعاع لعلاج السرطان. وتعد معجلات الإلكترونات الخطية المستخدمة لعلاج السرطان هي أكثر أنواع معجلات الجسيمات شيوعًا.