تساهم عملية البناء الضوئي مساهمة رئيسة في إنتاج الغذاء اللازم لحياة الكائنات الحية على كوكب الأرض. كما تعتبر أول مثال تضربه الطبيعة لتعلمنا كيفية تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كيميائية؛ مما جعلها مركز اهتمام الكثير من الباحثين والعلماء المهتمين بمجال الطاقة المتجددة، محاولين فهمها ومحاكاة آلية عملها لإنتاج طاقة نظيفة بطريقة اصطناعية.
عملية البناء الضوئي
اُنتِجت جميع المواد العضوية تقريبًا الموجودة على كوكب الأرض بواسطة خلايا تحول الطاقة المستمدة من الشمس إلى جزيئات كبيرة تحتوي على الطاقة، وتسمى هذه العملية بالبناء الضوئي (Photosynthesis). تتكون عملية البناء الضوئي من تفاعلات معتمدة على الضوء (Light-dependent Reactions) وتفاعلات غير معتمدة على الضوء (Light-independent Reactions) (1)
التفاعلات المعتمدة على الضوء
تُسمى هذه التفاعلات أيضًا بالتفاعلات الضوئية (Light Reactions)، وتحدث في النباتات داخل ثايلاكويد البلاستيدات الخضراء (Chloroplast Thylakoid) حيث توجد صبغات الكلوروفيل (Chlorophyll Pigments). عندما تصل طاقة الضوء إلى جزيئات الصبغة، تعمل على تنشيط الإلكترونات الموجودة داخلها، فتُنقَل هذه الإلكترونات عبر سلسلة نقل الإلكترون (Electron Transport Chain) في غشاء الثايلاكويد. تَنقِل خطوات «سلسلة نقل الإلكترون» كل إلكترون إلى حالة طاقة أقل، وتستخدم طاقته في إنتاج ثلاثي فوسفات الأدينوزين (ATP) وفوسفات ثنائي نيوكليوتيد الأدينين وأميد النيكوتين (NADPH). في الوقت نفسه، يستبدل كل جزئ كلوروفيل إلكترونه المفقود بإلكترون من الماء. وتقوم هذه العملية بشكل أساسي بتفكيك جزيئات الماء لإنتاج الأكسجين.(1)
التفاعلات غير المعتمدة على الضوء
تُسمى هذه التفاعلات أيضًا بالتفاعلات المظلمة (Dark Reactions)، وتحدث في الحشوة أو الستروما (Stroma) داخل البلاستيدات الخضراء، وذلك بعد حدوث التفاعلات المضيئة. خلال هذه العملية المعروفة أيضًا بتثبيت الكربون (Carbon Fixation)، تقود الطاقة الخاصة بجزيئات ثلاثي فوسفات الأدينوزين (ATP) وفوسفات ثنائي نيوكليوتيد الأدينين وأميد النيكوتين (NADPH) الناتجة عن التفاعلات الضوئية مسارًا كيميائيًا؛ يستخدم هذا المسار الكربون الخاص بمركب ثاني أكسيد الكربون (الموجود في الهواء) لبناء مركبات سكر ثلاثية الكربون، تُسمى جليسر ألدهيد 3- فوسفات (Glyceraldehyde 3-phosphate) أو (G3P). ثم تستخدم الخلايا مركبات السكر ثلاثية الكربون؛ لبناء مجموعة متنوعة من السكريات الأخرى (مثل الجلوكوز)، والجزيئات العضوية. يحدث الكثير من هذه التحويلات البينية خارج البلاستيدات الخضراء بعد انتقال جزيئات جليسر ألدهيد 3- فوسفات من الستروما. بعد ذلك، تُنقَل نواتج هذه التفاعلات إلى أجزاء أخرى من الخلية، ومنها الميتوكوندريا (Mitochondria)، حيث تُفكك لصُنع المزيد من الجزيئات الحاملة للطاقة لتلبية متطلبات التمثيل الغذائي للخلية.(1)
استخدام التكنولوجيا الحديثة لرصد تفاعلات التمثيل الضوئي
باستخدام مزيج فريد من تقنيتي التصوير بمقياس النانو (Nanoscale Imaging) والتحليل الكيميائي، كشف فريقٌ دوليٌ من الباحثين عن خطوة رئيسة في الميكانيزم الجزيئي الخاص بتفكك الماء (Water Splitting) خلال عملية البناء الضوئي، وهي نتيجة يمكن أن تساعد في إثراء مجال الطاقة المتجددة بالمعلومات.
يقول فيتال ك. ياشاندرا (Vittal K. Yachandra) – وهو من كبار علماء الكيمياء في مختبر لورنس بيركلي (Lawrence Berkeley Laboratory) التابع لوزارة الطاقة الأمريكية –:
«تعتمد الحياة على الأكسجين الناتج من تفكك الماء بفعل النباتات والطحالب، وكيفية حدوث هذه العملية لا تزال لغزًا محيرًا، لكن العلماء بما فيهم فريقنا البحثي يحاولون كشف الغطاء تدريجيًا عن الحقيقة. وإذا تمكنا من فهم هذه الخطوة من التمثيل الضوئي الطبيعي، سوف نستطيع استخدام نفس مبادئ هذه التقنية لعمل أنظمة اصطناعية لعملية البناء الضوئي. تنتج هذه الأنظمة من المياه وضوء الشمس طاقة نظيفة ومتجددة.»(2)
باستخدام الأداة التي صممها وصنعها الفريق البحثي، استطاع الفريق تحليل بروتينات عملية التمثيل الضوئي باستخدام كل من تقنية التصوير البلوري باستخدام الأشعة السينية (X-ray Crystallography) وتقنية التحليل الطيفي لانبعاث الأشعة السينية (X-ray Emission Spectroscopy). يقدم هذا النهج المزدوج الذي ابتكره الفريق وقام بتنقيحه على مدى السنوات العشر الماضية معلومات عن التركيب الكيميائي والبروتيني لنفس العينة وفي نفس الوقت. أُجرِي التصوير باستخدام ليزر الإلكترون الحر للأشعة السينية (XFEL) في مركز مُسرِّع ستانفورد الخطي الوطني (SLAC National Laboratory) ومركز ساكلا (SACLA) باليابان.
يقول جونكو يانو (Junko Yano) – وهو من كبار علماء الكيمياء في قسم الفيزياء الحيوية الجزيئية والتصوير الحيوي المتكامل (MBIB Division) بمختبر بيركلي –:
«باستخدام هذه التقنية، نحصل على صورة شاملة لكيفية تغير تركيب البروتين بالكامل ديناميكيًا، ونرى التعقيدات الكيميائية التي تحدث في حيز التفاعل. يُنتج ليزر الإلكترون الحر للأشعة السينية دفقات قصيرة وساطعة للغاية من الأشعة السينية تسمح لنا ليس فقط بتحليل البروتين في درجة حرارة الغرفة – وهي الطريقة التي تحدث بها هذه التفاعلات في الطبيعة – لكن أيضًا بالتقاط لحظات مختلفة على مدى وقت التفاعل.»(2)
غالبًا ما تتطلب طرق التصوير البلوري التقليدية تجميد عينة البروتينات؛ لذلك تلتقط صورًا للبروتينات الساكنة فقط. يجعل هذا التقيد من الصعب على العلماء معرفة كيف تتصرف البروتينات بالفعل داخل الكائنات الحية؛ لأن الجزيئات تنتقل من حالة فيزيائية لأخرى أثناء التفاعلات الكيميائية.
يقول يانو:
«إن تفاعل تفكك الماء في عملية التمثيل الضوئي هو عملية دورية؛ تحتاج إلى أربعة فوتونات (Photons) وتنتقل بين أربع حالات مستقرة. في السابق، كان بإمكاننا التقاط صور لهذه الحالات الأربعة فقط. ولكن عن طريق أخذ لقطات عديدة في زمن معين، يمكننا الآن تصور كيفية انتقال إحدى الحالات إلى أخرى.»(2)
ويقول جان ف. كيرن (Jan F. Kern)، الكيميائي في قسم الفيزياء الحيوية الجزيئية والتصوير الحيوي المتكامل (MBIB) بمختبر بيركلي:
«لقد رأينا، بشكل رائع حقًا، كيف تغير التركيب خطوة بخطوة أثناء تحوله من حالة إلى أخرى. إنه أمر مثير للغاية، فقد أصبح بإمكاننا رؤية السبب والنتيجة والدور الذي تلعبه كل ذرة متحركة في هذا التغيُّر.»
ويضيف نيكولاس ك. ساوتر (Nicholas K. Sauter) – وهو من كبار علماء الحوسبة (Computational Senior Scientist) في قسم الفيزياء الحيوية الجزيئية والتصوير الحيوي المتكامل (MBIB) –:
«إننا بالأساس نحاول التقاط فيلم مصور لتفاعل كيميائي. وقد حققنا الكثير من التقدم بالوصول إلى هذه النقطة، آخذين في الاعتبار التكنولوجيا والتحاليل الحسابية المُستخدمة. كان عمل بول آدامز (Paul Adams) والآخرين (في قسم الفيزياء الحيوية الجزيئية والتصوير الحيوي المتكامل) دقيقًا في تفسير بيانات كل من الأشعة السينية وليزر الإلكترون الحر للأشعة السينية. لكن لايزال يتعين علينا الحصول على باقي المشاهد لمعرفة الكيفية التي يكتمل بها التفاعل، وكيف يُجَهّز الإنزيم (Enzyme) للمرحلة التالية.»(2)
واختتم كيرن بالإشارة إلى أن الإنجاز التكنولوجي المعروض في هذه الورقة البحثية استفاد استفادة كبيرة من الخبرات المتنوعة للباحثين من مركز مُسرِّع ستانفورد الخطي الوطني (SLAC)، وجامعتي أوبسالا (Uppsala) وأوميو (Umeå) في السويد، وجامعة هومبولت (Humboldt University) في ألمانيا، وإمكانيات خمسة مرافق لمكتب العلوم التابع لوزارة الطاقة الأمريكية (DOE Office of Science). فهذا البحث يدعمه بشكل أساسي مكتب العلوم، وحاصل على منحة من معاهد الصحة الوطنية (National Institutes of Health).(2)
ويأمل الباحثون في مختبر بيركلي مواصلة المشروع البحثي بمجرد أن تعود مراكز الأبحاث العديدة التي يعتمد عليها الفريق الدولي بأكمله -والموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية، واليابان، وسويسرا، وكوريا الجنوبية- إلى العمل على نحو طبيعي بعد انتهاء جائحة كوفيد-19 (COVID-19 Pandemic).(2)