غير معروف عمومًا أن سيد الأدب الروسي والمعلم الأخلاقي لزمننا، الكونت (ليو تولستوي – Leo Tolstoy) -مؤلف رائعة «الحرب والسلام»- كان مؤلفًا كبيرًا للأطفال أيضًا.
كتب (تولستوي) 629 قصة تشمل أساطير، حكايات واقعية عن الحيوانات، واسكتشات للأطفال. كتب معظمهم لسلسلته الخاصة بقراء الصف الرابع الابتدائي، ونُشرت في الرُبع الأخير من القرن التاسع عشر بعنوان «الأبجدية الجديدة» «بالروسية: азбука». الأعمال المُصغرة المعروضة هنا أغلبها من اختيار هؤلاء القُراء. أغلب القصص التي نُشِرت، وأُعيد نشرها في روسيا ثابتة في غذاء القراءة للأطفال الصغار.
يوجد دليل مهم على أن (تولستوي) عدَّ كتاباته للأطفال جزءًا عظيمًا من إنجازاته الأدبية، حيثُ كتب للقراء الذين كرّس 14 عامًا من حياته لهم: «هذه هي أفكاري الفخورة بشأن «الأبجدية»، هم القراء الوحيدون الذين سيُعلِّمون الأجيال من الأطفال الروسييين -من أطفال القيصر إلى أطفال الفلاحين- ومن هؤلاء القراء سيحصلون على أول انطباعاتهم الشعرية، وبعد كتابتي لهذه الكتب يمكنني الآن الموت في سلام.»
قصد (تولستوي) من كلمة «انطباعات شعرية» إلى أن الغنائية والتمجيد في الحياة يظهران فنيًّا وصدقًا مع المعاناة والبؤس.
كتب (تولستوي) هذه القصص المُصغرة باهتمام فني عميق، مُطبقًا موهبته الضخمة لتحويلها إلى أعمال فنية، فهم يضيئون بالبساطة والاقتصاد في الكلمات مع قوة الحدث والمشاعر.
قصص تولستوي
قصة الأسد والجرو
«عُرِضت وحوش برية في حديقة حيوانات لندن، وفي مقابل رؤيتهم يُدفَع المال أو القطط والكلاب التي استُخدمت غذاءً للحيوانات».
أراد رجل ما أن يرى الوحوش فالتقط جروًا من الشارع وأحضره إلى حديقة الحيوانات، وسمحوا له بالدخول وأخذوا منه الجرو وألقوه في قفص الأسد ليأكله. انكمش الكلب الصغير في ركن من أركان القفص، واقترب الأسد منه وشم رائحته، فانقلب الجرو على ظهره ورفع مخالبه الصغيرة ولوّح بذيله الصغير. لمسه الذئب بلطف، فقفز الكلب ووقف على ساقيه الخلفيتين. ظلّ الأسد ينظر إلى الكلب الصغير لكنه لم يؤذه. وحين ألقى الحارس بعض اللحم للأسد، قطع قطعة وتركها للجرو.
في المساء، حين اضطجع الأسد لينام، استلقى الجرو على جانبه ووضع رأسه على مخلب الأسد. ومن ذاك اليوم عاش الجرو مع الأسد في القفص. لم يؤذِه الأسد قط بل نام بجانبه وأحيانًا لعب معه.
وفي أحد الأيام، جاء رجل لحديقة الحيوانات ورأى الكلب الصغير، وادّعى أنه ملكه، فطلب من الحارس أن يُعطيه له، وأراد الحارس فعل ذلك لكن بمجرد أن نادى الحارس الكلب، وقف الأسد معاديًا له وزأر.
استمر الكلب والأسد في العيش معًا في القفص نسفه مدة سنة كاملة. وفي آخر السنة مرض الكلب ومات. توقف الأسد عن الأكل وظلّ يتشمم الكلب ويلمسه بلطف من خلال مخالبه. حين فهم الأسد أن الجرو قد مات، قفز فجأة ووقف بخشونة وجلد جانبيه بذيله، وألقى نفسه على قضبان القفص وحاول تمزيقهم.
لمدة يوم كامل اندفع في القفص وأخذ يزأر، ثم استلقى بجانب الكلب الصغير الميت، وعانقه بمخالبه وبقي هكذا لخمسة أيام مقبلة..ومات في اليوم السادس.»
قصة الصديقان
«في أحد الأيام، كان يمشي صديقان في الغابة، حين قفز أمامهم دب كبير. واحد من الصديقين بدأ يجري حتى تسلق شجرة وأخفى نفسه بين فروعها السميكة. بقى الرجل الآخر كما كان، لم يجد مفرًّا سوى أن يُلقي بنفسه على الأرض والتظاهر بأنه ميت.
اقترب الدب منه وبدأ يشم رائحته فتوقف الرجل عن التنفس، ثم شم الدب وجهه وظن أنه ميت فرحل. حين اختفى الوحش عن الأنظار، نزل الرجل الآخر من الشجرة وبدأ في الضحك.
ثم قال: «حسنًا، ماذا همس الدب في أذنك؟»
فرد الآخر: «قال إن الشخص السيئ هو من يهرب حين يكون صديقه في خطر.»»
قصة الرجل العجوز وشجر التفاح
«كان هناك رجل عجوز جدًّا يزرع شجر التفاح، قال أحدهم له: «ما جدوى زرعك لشجر التفاح؟ سيمضي وقت طويل حتى تنتج الفاكهة، ولن تحيا كفاية حتى تأكل تفاحة صغيرة.»
أجاب الرجل العجوز: «ربما أنا لن آكلهم، لكن غيري سيفعل وسيشكرونني.»»
قصة البطة والقمر
«ذات مرة، كان هناك بطة تسبح في النهر، باحثة عن سمكة، ومر اليوم دون أن تجد سمكة واحدة.
وفي الليل رأت البطة انعكاس القمر على الماء، مُعتقدة أنها سمكة، فغطست لتصطادها، ورآها بط آخرون وضحكوا عليها.
ومنذ ذاك اليوم شعرت البطة بالخجل، وحتى حين رأت سمكة تحت الماء لم تحاول اصطيادها، وسرعان ما ماتت من الجوع.»
قصة السنجاب والذئب
«وثب سنجاب من شجرة إلى أخرى وسقط على ذئب نائم، فقفز الذئب من نومه وكان على وشك أن يأكل السنجاب.
فتوسل السنجاب قائلًا: «اتركني»
فرد الذئب: «حسنًا سأتركك إن أخبرتني ما الذي يجعلكم أيها السناجب سعداء هكذا، فأنا دائمًا حزين لكن عندما أنظر إليكم على الشجر أجدكم دائمًا تقفزون وتلعبون.»
فرد السنجاب: «أولًا أعدني إلى شجرتي، وسأخبرك من أعلى لأني خائف منك.»
فتركه الذئب ثم ركض السنجاب فرارًا إلى أعلى الشجرة، ثم قال:
«أنت دائمًا حزين لأنك لئيم، فاللؤم يجعل قلبك صلبًا، أما نحن فسعداء لأننا طيبون ولا نؤذي أحدًا أبدًا.»»
قصة الجد وحفيده الصغير
«أصبح الجد عجوزًا جدًّا، لا تستطيع ساقيه حمله، لا يستطيع الرؤية أو السمع، وأصبح بلا أسنان، وحين يأكل يُثير الفوضى. لدرجة أن ابنه وزوجة ابنه منعاه من الأكل معهم على الطاولة، وأصبح يأكل بمفرده بجانب الموقد، ووضعوا طعامه في كوب. وفي إحدى المرات حاول جلب الكوب بالقرب منه لكنه وقع على الأرض وتحطم.
فوبخت زوجة الابن الرجل العجوز قائلة إنه خرّب كل شيء حول المنزل، وحطم أكوابهم، وحذرته أنها منذ ذاك اليوم ستعطيه طعامه في طبق خشبي، فتنهد الرجل العجوز ولم يقُل شيئًا.
وفي أحد الأيام جلس الابن وزوجته في الكوخ يسترخيان، وكان ابنهم الصغير يلعب في الأرض، كان يصنع شيئًا ما من قطع خشبية. فسأله أبوه: «ماذا تصنع يا ميشا؟»
فقال ميشا: «أصنع دلوًا خشبيًّا، حين تكبر أنت وأمي سأطعمكما من هذا الدلو الخشبي.»
نظر الفلاح الشاب إلى زوجته وتلألأت الدموع في أعينهم، حيثُ شعروا بالعار من معاملتهم السيئة للرجل العجوز، ومنذ ذاك اليوم تناولوا طعامهم معه على الطاولة واعتنوا به اعتناءً أفضل.»
قصة الذئب والكلب
«مرّ ذئب هزيل وجائع أمام إحدى القرى وقابل كلبًا سمينًا، فسأل الذئب الكلب: «أخبرني أيها الكلب، من أين تأتي بطعامك؟»، فأجاب الكلب: «الناس يعطونني إياه.»
فقال الذئب: «أيْ إنك تعمل جاهدًا لهؤلاء الناس.»
فأجاب الكلب: «لا، نحن الكلاب لا نعمل بجهد، كل ما نقوم به هو حراسة الحظيرة في الليل.»
فتسائل الذئب: «ومن أجل هذه الخدمة الوحيدة يطعمونك جيدًا هكذا؟ سأقبل هذه الوظيفة على الفور، فنحن الذئاب يصعب علينا العثور على الطعام.»
فأجاب الكلب: «هيّا إذن، سيغذيك سيدي جيدًا كما يُغذيني.»
لقد كان الذئب مسرورًا وذهب مع الكلب ليعمل لدى الناس، وفي حين كان يدخل الكلب إلى فنائه، لاحظ الذئب أن بعض الفرو على رقبته كان غير موجود. فسأل: «كيف حدث لك هذا، أيها الكلب؟» فأجاب الكلب: «لقد حدث.» فسأله الذئب: «ماذا تعني «لقد حدث»؟»
فأجاب الكلب: «لقد حدث من السلسلة، فهم يكبلونني في أثناء اليوم، وتفرك السلسلة فروي من عند رقبتي.»
فردّ الذئب: «حسنًا، ما دام الأمر كذلك فوداعًا أيها الكلب، أنا لن أعيش مع البشر. أُفضِّل أن أكون جائعًا، لكن حُرًّا.»»
قصة القيصر والصقر
«ذات مرة ذهب القيصر للصيد، وحرر الصقر المُفضل لديه من يده ليصطاد له أرنبة.
واصطاد الصقر الأرنبة. أخذها القيصر منه وبدأ في البحث عن الماء ليروي عطشه. ووجد الماء ينزل قطرة قطرة من صخرة تبكي. فأخذ كأسًا ووضعه تحت الصخرة، وما إن امتلأ الكأس، رفعه القيصر لفمه، وكان على وشك أن يشربه حتى هاج الصقر وصفق بجناحيه تجاه أيدي القيصر حتى انسكب كل الماء من الكأس.
ووضع القيصر الكأس مُجددًا تحت الصخرة وانتظر طويلًا حتى امتلأ، وما إن رفعه ليشرب.. سكبه الصقر مرة أخرى. وملأ القيصر الكأس للمرة الثالثة وهمّ أن يشرب، لكن الصقر سكب الماء للمرة الثالثة.
وأصبح القيصر غاضبًا جدًّا. وبكل قوته حطم الصقر على إحدى الصخور وقتله. وفي هذه اللحظة، وصل خُدام القيصر إليه، وتسلق أحدهم التلة ووصل إلى النبع الذي يُغذي الصخرة الباكية حيثُ يوجد ماء أكثر وعليه سيُملأ الكأس بسرعة. لكن عاد الخادم بالكأس فارغًا قائلًا: «لا تشرب هذا الماء، فهناك حية في النبع، وقد سممت الماء. فمن حسن الحظ أن الصقر سكب الماء، فإن كنت شربته لمُت.»
فقال القيصر حينها: «لقد جازيت الصقر جزاءً سيئًا، قتلته مع أنه أنقذ حياتي.»»