تُعرف الكاتبة الكنديّة «مارجريت آتوود – Margaret Atwood» صاحبة الـ80 عامًا بأنّها واحدةٌ من أكثر الكتّاب أهمّيّةً على السّاحة الأدبيّة العالميّة منذ ولجت إليها في سنٍّ مبكّرةٍ في سبعينيّات القرن الماضي. أحبّت الكتابة وسرت الكلمات في عروقها سريان الدّم، فقد تفتّحت عيناها على عالمٍ لم تكن فيه وسيلةٌ للتّرفيه سوى الكتب، فصارت متعتها الوحيدة في طفولتها. وفي السّطور القادمة نقترب من عالم مارجريت آتوود ومعنى الكتابة عندها وأبرز أعمالها الأدبيّة.
المسار الأدبي
وُلدت الكاتبة الكنديّة في الثّامن عشر من نوفمبر عام 1939، وبدأ حلمها باحتراف الكتابة منذ طفولتها، فحفّزت نشأة آتوود بين غابات موطنها في كويبِك خيالها، كما أنّ غياب وسائل التّرفيه في وقتها لديها من تلفازٍ أو راديو أو مسارح ودورٍ للسّينما، وحتّى الكهرباء، عدا الكتب، جعل منها قارئةً نهمةً تلتهم الكتب والرّوايات.[1]
وحين وصلت لسنّ السّادسة كانت تكتب مسرحيّاتٍ وقصائد وكتبًا مصوّرةً، وبدأت كذلك في روايةٍ. ثمّ في المدرسة الثّانويّة عادت لكتابة القصائد. وكان كاتبها المفضّل كمراهقةٍ هو الشّاعر الأمريكيّ إدجار آلان بو، والّذي عُرِف بقصصه المُلغّزة السّوداويّة.[2]
وبعد ذلك درست مارجريت آتوود الإنجليزيّة في كليّة فيكتوريا بجامعة تورنتو، وحصلت على الماجستير من جامعة هارفرد. وإلى جانب كتابتها للرّوايات والمقالات النّقديّة فهي تدرّس في عددٍ من الجامعات.
ومن الرّواية الأولى ظهر اتّجاه آتوود في طرح قضايا عن النّوع والسّلطة والهويّة، وهو أكثر ما يميّز ويجمع رواياتها ولهذا كان لها بالغ الأثر على الأدب الكنديّ. ويتّضح تأثيرها الأكبر في رؤيتها الدّيستوبيّة عن المستقبل، كما في روايتها الشّهيرة «حكاية الأَمَة» والّتي حُوّلت إلى مسلسلٍ تليفزيونيٍّ في عام 2017.[3]
حكايات وراء الروايات
للنّساء أشكالٌ وقياساتٌ مختلفةٌ، ولديهنّ أعمارٌ ومراحل متعدّدةٌ، وهنّ مختلفات الألوان والأطوال ويأتين من كلّ البقاع في العالم. والتّوقّع بأن تكون المرأة ملائكيّةً ومثاليّةً اعتقادٌ ينبع من الثّقافة الفيكتوريّة.[4]
مارجريت آتوود
غالبًا ما تكون بطلات الأعمال الرّوائيّة لآتوود من النّساء، وحين تكتب عنهنّ تقدّر ما بهنّ من نقصٍ وحتّى صفاتهن الوضيعة.
وتكتب مارجريت آتوود بأسلوبٍ دقيقٍ وقويٍّ وفَكِهٍ في كلٍّ من نثرها وشعرها. وتزخر أعمالها بنظرتها عن الألم والظّلم. كما تمتاز رواياتها بالسّخرية اللّاذعة من المجتمع. والبطلة المثاليّة في أعمالها هي المرأة الحديثة الحضريّة، والّتي تكون غالبًا كاتبةً أو فنّانةً ولديها ارتباطاتٌ اجتماعيّةٌ ووظيفيّةٌ وتكافح من أجل نفسها ونجاتها في المجتمع، حيث يكون فيه الرّجل عدوًّا لدودًا، كما تشارك بعض النّسوة في ما تعانيه غيرهنّ.[5]
وكثيرًا ما تختبئ خلف الرّوايات الّتي تكتبها آتوود، حكاياتٍ مرّت بها أو لمست ما استفزّها لكي تكتب عنه. ففكرة روايتها أوريكس وكريك أتت من قراءتها عن تجربةٍ جينيّةٍ وانقراض الحيوانات المجترّة. كما كتبت رواية «العروس السّارقة – The Robber Bride» -والّتي أتت تسميتها من تأنيث الحكاية القديمة الّتي تدعى العريس السّارق- تنفيسًا لاستيائها من شخصٍ أخبرها أنّه لا يوجد بين النّساء من هنّ مخادعاتٍ.[6]
أمّا عن روايتها الأشهر، حكاية الأَمَة، فتقول آتوود عن أسباب كتابتها: «كتبتُ رواية حكاية الأَمَة في عام 1984 في ألمانيا الغربيّة، لكي أجيب عن سؤال إن وقعت الولايات المتّحدة تحت حكم نظامٍ شموليٍّ، فأيّ نوعٍ من الأنظمة سيكون ذاك الّذي يحكمها؟ وكتبتُ الرّواية أيضًا كي تجيب عن سؤالٍ آخر: بما أنّ النّساء الآن انطلقن للخارج وتحرّرن، فهل يمكن إعادة المرأة للبيت مجدّدًا؟ كما كان ينادي بعضٌ من المنتمين لليمين المسيحيّ في الثّمانينيّات؟ وما هي الوسيلة الّتي يمكن بها فعل ذلك؟ وكانت الإجابة العبوديّة الإنجابيّة.»[7]
الكتابة عند مارجريت آتوود
أنا لستُ عرّافةً.. علينا التّخلّص من هذه الفكرة الآن! فالنّبوءات، في حقيقتها، تدور حول الحاضر. والخيال العلميّ يناقش الحاضر دومًا، فماذا عساه أن يناقش غير ذلك؟ لا يوجد مستقبلٌ، فهناك دائمًا احتمالاتٌ، ولكنّنا لا نعلم أيٌّ من تلك الاحتمالات سوف يصبح مستقبلنا. ولكنّني أسفةٌ أن يكون الحاضر مشابهًا لما كتبته في الماضي.
مارجريت آتوود في حوارٍ مع الجارديَن البريطانيّ
تصف مارجريت نفسها بأنّها حين تكتب تشبه «متزلّجًا على منحدرٍ جليديٍّ ينحدر للأسفل» تسير بسرعةٍ وتكتب ما يرد في خاطرها وتتركه يتدفّق بحرّيّةٍ وتلقائيّةٍ ثمّ تعود مجدّدًا للخلف لتسدّ الثّغرات الّتي تركتها في تفاصيل ما خطّته. وهذه الطّريقة تجعل العمليّة الكتابيّة لديها تلقائيّةً أكثر.
وتعدّ آتوود مخطّطًا لكلّ شخصيّةٍ تتضمّن السّنة الّتي ولدت فيها، كي تعرف عمرها وتستطيع التّحكّم بزمام الشّخصيّات ولا تخرج عن سيطرتها.[8] وتميل إلى كتابة مسودّاتها الرّوائيّة بخطّ اليد، ممّا يساعد على انسياب أفكارها بيسرٍ. وهي لا تبدأ روايتها بالفكرة، بل بالأشخاص والأصوات السّرديّة والمشاهد الرّوائيّة. وتقول عن عمليّة الكتابة لديها: «أنا لا أبدأ أبدًا بالأفكار، فالنّاس يدرسون الكتب حين تكون قد انتهت بالفعل. ولهذا يمكنهم الحديث عن الأفكار، ففي هذا الوقت يمكنهم معرفة الفكرة أو الأفكار الّتي يطرحها الكتاب.»[9]
أعمال بارزة
القاتل الأعمى (The Blind Assassin): فازت هذه الرّواية بجائزة البوكر الأولى للكتابة في عام 2000. وهي روايةٌ متعدّدة الطّبقات تسترجع فيها بطلة القصّة «إيريس تشاس» ذكرياتها عن حادثة سقوط أختها «لورا» من فوق الجسر، وفيها تُتَضَمَّن روايةٌ أخرى بعنوان الرّواية الرّئيسيّ من نوع الخيال العلميّ. ويتخلّل أحداث الرّواية فترة الحربين العالميّتين، ممّا يجعلها روايةً تزخر بتفاصيل تاريخيّةٍ لهذا العصر.[10]
المرأة الصّالحة للأكل (Edible Woman): هي أولى روايات الكاتبة الكنديّة، ونٌشرت في عام 1969. وهي روايةٌ ساخرةٌ عن حكاية امرأةٍ تعمل في أبحاث السّوق، وترى نفسها مثل المنتجات. وتتحدّث الرّواية عن النّساء وعلاقتهنّ بالرّجال والمجتمع والطّعام الّذي يتناولونه، ومن خلال الطّعام والأكل تناقش الكاتبة تمرّد امرأةٍ شابّةٍ على الهيمنة الذّكوريّة في العصر الحديث.[11]
حكاية الأَمَة (Handmaid’s Tale): الرّواية الأكثر شهرةً للكاتبة، وهي تحكي عن دولةٍ قمعيّةٍ شموليّةٍ تُدعى «جلعاد – Gilead»، تعيش فيها النّساء بوصفهنّ وسيلةً للإنجاب فقط لا غير. وتُروى القصّة على لسان الشّخصيّة الرّئيسيّة «أوفريد».
الوصايا (The Testaments): وهي تتمّة رواية «حكاية الأمة» وجاءت بعد ثلاثين عامًا من كتابة الجزء الأوّل. وفي هذه الرّواية يتحوّل السّرد إلى منظور شخصيّاتٍ أخرى في جلعاد، وتقفز الكاتبة خمسة عشر عامًا بعد نهاية الرّواية الأولى. حازت هذه الرّواية على جائزة البوكر لعام 2019 مناصفةً مع الكاتبة بيرناردي إيفاريستو.
عين القطّة (Cat’s eye): صدرت هذه الرّواية في عام 1988 وتتتبّع فيها الكاتبة قصّة بطلتها إليني الّتي تعود إلى تورنتو وتطاردها ذكرياتٌ من طفولتها حين تُجبر على مقابلة صديقةٍ كانت تتنمّر عليها لأعوامٍ.
أوريكس وكريك (Oryx and Crake): هي الرّواية الأولى في سلسلة «ماد آدم – MaddAddam»، وهي سلسلةٌ خياليّةٌ تدور حول سنومان وعالم ما بعد الكارثة الّذي يعيش فيه. وتلمس هذه الرّواية مواضيع عدّةً، مثل التّجارب الجينيّة والكوارث البيئيّة، ولكنّ ما يميّزها أنّها مغامرةٌ رومانسيّةٌ.[12]