النجوم كبيرة وضخمة وفي كُل مكان، النجوم تلك المصابيح التي تملأ سمائنا ليلًا، أحجار البناء لمجرات الكون، تلك الأفران الكونية الضخمة، تُنتج الأوكسجين الذي نتنفسه، الكربون المُكَوِن للخلايا العضوية، الحديد في دمك وفي المباني وغيرها، كُل العناصر التي نعرفها في الجدول الدوري، خُلقت في باطن هذه الأفران النووية الضخمة.
«مصيرنا مرتبط بمصير النجوم» قالها البروفيسور (ميتشو كاكو) وهو عالم فيزياء نظرية. النجوم تولد في حدث كبير، تعيش لملايين أو مليارات السنين، ثم تموت في أحداث عنيفة تاركةً ورائها وحوشًا كونية، لكن ما هي النجوم؟ كيف تولد وكيف تموت؟ كيف تتطور في حياتها؟ كُل ما يخص النجوم وأكثر في سلسلتنا الشيقة للتعرف عليها عن كثب، فتابعونا.
بدايةً سنتحدث عن تكوين النجوم، والنجوم ذات الأحجام المُختلفة، تموت بأشكال متعددة، منها من يوجد في نظام شمسي ولها كواكب، ومنها التي تتواجد وحيدة في الكون، منها التي يدور حول بعضها البعض في نظام نجمي متعدد، ومنها من يشع بألوانٍ مختلفة، إلا أن كل هذه الأنواع والأشكال مِن النجوم ولدت بالطريقة ذاتها، داخل السُحب الجُزيئية.
تولد النجوم في مناطق مِنَ الكون تُسمى «السُحب الجُزيئية-Molecular cloud»، وهي أعلى مناطق «الوسط النجمي-Interstellar Medium» كثافة، والتي يكون أغلب تكوينها من غاز الهيدروجين والهيليوم ونسب صغيرة من الغازات الثقيلة، وكذلك تعد المكان الأمثل لتكوين النجوم والكواكب.
السحب الجزيئية هي نوع من السحب النجمية، وعلى الصعيد الآخر يوجد مناطق أخرى من الوسط النجمي غالبًا ما تحتوي على الغازات المؤيّنة. تبلغ حرارة السحب الجزيئية حوالي عشر درجات كلفن تقريبًا، وكثافتها تقدر بـ 100-300 جزيء لكل سم3، وذلك فهي من أبرد المناطق وأشدها ظلمة في الكون.
في مجرة درب التبانة، فإن السحب الجزيئية تمثل أقل من واحد في المئة من حجم الوسط النجمي، إلا أنها تُشكل أعلى المناطق كثافةً، وهي تتركز في أذرع المجرة كما تُبينه خرائط توزيع أول أكسيد الكربون للمجرة، حيث يُعتقد أن هذه السحب قد تكونت وانفصلت عن بعضها مُنذ حوالي عشرة ملايين سنة، أي الوقت الذي تحتاجه المواد لعبور منطقة الذراع في المجرة.
ويُمكِن استخدام الضوء المُنبعث مِنَ النجوم المُجاورة لهذه السُحب أو السُدم المُضيئة مِنْ حولِها، وذلك لرؤية السُحب الجزيئية، أو ما يعرف بحاضنة «النجومStellar Nursery-».
إن فهم ودراسة السُحب الجُزيئية وتطورها لا يُساعدنا فقط على فِهم تَكون النجوم، إنما يُساعدنا أيضًا في التعرف على ديناميكية الوسط النجمي وتطور المجرات.
إن «السحب الجزيئية العملاقة-Giant molecular clouds» هي أحد أنواع السُحب الجُزيئية والتي تصل كتلتها من 103 إلى 107 مرة كُتلة الشمس، وتبلغ أقطارها من 15 إلى 600 سنة ضوئية، وكثافتها كبيرة تصل من مئة إلى ألف جزيء لكل سم3، وعلى الرغم من ذلك فكثافة الشمس لا تزال أكبر من كثافة هذه السُحب، وذلك لأن كُتلة الشمس مُركزة في مُحيط صغير بالمُقارنة بكُتلة السحابة الجُزيئية العملاقة، وذات التركيب المعقد والأشكال الغير مُنتظمة.
تُسمى الأجزاء الأكبر كَثافًة في السُحب «الأنوية الجزيئية-Molecular Cores»، كَما توجد أنوية أكبر كثافة وتصل كثافتها من 104 إلى 106 جُزيء في السنتيمتر المُكعب الواحد، حيثُ تتكَون الأنوية الكَثيفة مِن أول أُكسيد الكَربون، بينما تحتوي الأنوية الأكبر كثافة على الأمونيا.
إنَ هذا التركيز مِن الغُبار النجمي في الأنوية الجُزيئية كافٍ ليمنع الضوء المُنبعث مِنَ النجوم التي توجد ورائه مِنَ المرور خلاله، لذلك تَظهر هذه المناطق في صورة «سديم مظلم-Dark nebula».
وهناك نوعٍ آخر مِنَ تِلك السُحب وهو صغير بالمُقارنة مع الأنواع الآخرة وعادةً ما يُسمى «كرة بوك- Bok Globule»، والتي يبلغ كتلتها من2 إلى 50 كتلة شمسية وتحتل منطقة بقُطر تقريبيّ يبلغ سنة ضوئية واحدة أو ما يُقارب حجم 1047×4.5 مترًا مكعبًا، وتحتوي هذه السحابة على غازات الهيدروجين والهيليوم والكربون وحوالي 1% من غبار السيليكا، وغالبًا ما تكُون كُرة بوك حَاضنة لولادة نجمين أو أكثر.
وكَان أول من رصد كرات بوك عام 1940 العالم (بارت بوك)، وقد نُشرت ورقة بحثية في 1947 حول تلك الكُرات والتي تتحدث عن افتراض أنها تُشبه شرانق الحشرات ثُم تخضع لإنهيار الجاذبية مُكونًةً نجومًا أو مجموعاتٍ نجمية. إلا أن تِلك الإفتراضات كَان مِنً الصعب تقبلها في بادئ الأمر؛ بسبب كثافة السُحب المظلمة والتي تُعسر رؤية عملية تًكون النجم داخل السحابة.
لكن في 1990 أكد تحليل أشعة ما تحت الحمراء لأحد كُرات بوك القريبة عن تكون نجوم بداخلها، كَما كشفت مُلاحظات أُخرى عن وجود مصادر حارة ونشطةً جدًا بداخل تِلك الكُرات، كَما تتضمن أيضًا أجسام «هيربج هارو- Herbig–Haro (HH) objects»، وهي مناطق صغيرة تتواجد مع النجوم حديثةً النشأة، وتحدُث بسبب الغازات المُتدفقة مِن عَملية تكوين هذه النجوم واصطدامها بالسُدم المُجاورة.
إن الإلكترونات تتواجد في مستويات طاقة مُعينة في الذرة، ولا تُغير من موقعها إلا عن طريق إمتصاص طاقة أو إطلاقها، ويُمكن للجزيئات أن تهتز أو تدور بمُعدل معين، أي أن الجُزيء يمتص طاقة تُستهلك في تغيير حالته الدورانية، مع فرق بسيط في الطاقة يُقابله انبعاث لأطوالٍ موجية.
إن جُزيء الهيدروجين هو الجزيء الأغلب في السُحب الجُزيئية، إلا أنهُ مِنَ الصعب رؤيته، وذلك لأن قوة الإشعاع الطَيفي تتعلق بالكيفية الغير مُتماثلة للجزيء، وجُزيء الهيدروجين مُتماثل تمامًا -يحتوي على ذرتي هيدروجين- وبالتالي فإن الإشعاع الطيفي له ضعيف جدًا.
بالإضافة إلى أن الطاقة المطلوبة لكي يُغير الجُسَيم من حالة دورانه تعتمد على كتلته، ولأن جُزيء الهيدروجين هو أخف الجُزيئات، فهو يحتاج تقريبًا 500 درجة كلفن لكي يغير من حالته الدورانية، وهذا في وسط يبلغ عَشر درجات تقريبًا، وبالتالي يبقى الهيدروجين في حالته المُستقرة دون أن يبعث أي شيء.
إن جُزيئات الهيدروجين يَصعب رصدها عن طريق الأشعة تحت الحمراء أوموجات الراديو، لذلك غالبًا ما يُستخدم جُزيء أول أكسيد الكربون CO لتحديد وجود جُزيئات الهيدروجين وبالتالي تحديد أماكن وجود تِلك السُحب الجزيئية، حيث يُعتقد أن النسبة بين لمعان أول أُكسيد الكربون وكُتلة الهيدروجين ثابتة تقريبًا.
وأخيرًا، بعد تحديد أماكن السحب، يتم مُتابعة عملية ولادة النجوم، ذلك الحدث الضخم، وتلك اللحظات المهمة في حياة النجم الشاب، وبعدما تحدثنا بشكل مفصلٍ نسبيًا عن «السُحب الجُزيئية-Molecular cloud» أو كما تدعى «حاضنة النجوم»، انتظرونا في الحلقة القادمة لنتحدث عن عملية تكون النجوم، كيف تشكلت؟ كيف بدأت حياتها؟ في الحلقة القادمة، فتابعُونا.
إعداد: Mohammed Abkareno
مراجعة: Ahmed M. Gawish
مراجعة علمية: Ahmaad M. Hanafi
تصميم: Bothaina Mahmoud
المصادر: