في الحلقة السابقة من سلسلة كيف بدأ الكون؟ (الانفجار العظيم) استعرضنا نظرية الانفجار العظيم وأهم الأخطاء الشائعة عنها. في هذه الحلقة سنستعرض تاريخ نظرية الانفجار العظيم وصراعها مع الكون الثابت.
في بداية القرن التاسع عشر بدأ الفلكيون إجراء التجارب بواسطة جهاز يسمى (المطياف) وهو جهاز لتحليل الضوء الأبيض إلى مكوناته وفقا لاختلاف الأطوال الموجية لها. هذا المطياف أظهر أن الضوء المنبعث من مواد معينة له نمط معين كما لو أنه بصمة مميزة له فعنصر الهيدروجين دوما سينتج هذا النمط من الأطوال الموجية. فقد أصبح جليا أنه بالنظر إلى توزيع الأطوال الموجية من خلال هذا المطياف تستطيع أن تعرف نوع العناصر التي يصدر منها الضوء.
في الوقت ذاته كان هناك عالم نمساوي يدعى (كريستيان دوبلر) اكتشف أن تردد الموجات الصوتية يتوقف على موضع مصدر الصوت بالنسبة للمتلقي. فإذا كان مصدر الصوت يقترب من المتلقي فإن موجات الصوت ستنضغط وستسمع الصوت كأن النغمة ترتفع أما إذا كان المصدر مبتعدا فإن الموجات ستتمدد وستسمع النغمة تنخفض وهذا ما يعرف بتأثير دوبلر.
وبما أن الضوء هو أيضا عبارة عن موجات فقد لاحظ بعد الفلكيون أن هناك بعض النجوم تقع أطوالها الموجية ناحية اللون الأحمر أكثر مما يجب أن تكون عليه. بالتالي فقد صيغت نظرية بأن هذه النجوم تتحرك بعيدا عن الأرض حيث أن الأطوال الموجية يحدث لها تمدد فتنزاح ناحية اللون الأحمر الأكبر من حيث الطول الموجي من بين مكونات الضوء الأبيض. وقد أطلق على هذه الظاهرة اسم: (ظاهرة الانزياح نحو اللون الأحمر). وأصبح هذا الانزياح مقياس لسرعة النجم، فكلما كان الانزياح أكبر كلما كان النجم يتحرك مبتعدا عن الأرض أسرع.
في نفس هذا التوقيت كان المجتمع العلمي كله يعتقد بالكون الساكن وهو كون ثابت لا يتمدد، لا ينكمش، موجود منذ الأزل. حتى جاء (أينشتاين) بفكرته الخطيرة عن طبيعة الزمان والمكان وقدم تفسير فيزيائي عن طبيعة الكون، كما تجري العادة فإن التفسير الفيزيائي لابد أن يصحبه تفسير رياضي مقبول يستند عليه، فلما جاءت معادلات (أينشتاين) لتصف طبيعة الزمان والمكان فكان أحد نواتجها بأن هذا الفضاء غير ثابت فهو إما يتمدد أو ينكمش ولكن هذا مالم يكن مقبولا في الوسط العلمي وقتها بل إنه لم يكن مقبولا من (أينشتاين) نفسه، فلم يجد أينشتاين الحل لهذا إلا بإضافة ثابت والذي أطلق عليه «الثابت الكوني» ،وهو ثابت تم إضافته للمعادلات ليصبح الكون ساكن. اعتقد (أينشتاين) حينها أنه لولا هذا الثابت الكوني لانهارت معادلاته ونظريته للكون.
ليأتي العالم (إدوين هابل) في عشرينات القرن العشرين ليلاحظ أن سرعة النجوم التي تبتعد عن الأرض تتناسب مع بعدها عن الأرض «أي أنه كلما كان النجم أبعد عن الأرض كلما كانت سرعته مبتعدا عن الأرض وانزياحه نحو الأحمر أكبر». وهذا ما جاء له بفكرة أن الكون نفسه يتمدد.
هابل حينها صاغ نظريته بأن الكون يتمدد بمرور الوقت. هذا معناه أنه قبل بضعة مليارات السنين فإن هذا الكون كان أصغر حجما مما هو عليه؛ مما يعني أنه إذا رجعنا بالزمن فترة كافية فإننا سنصل إلى لحظة ما ينهار فيها الكون إلى مساحة متناهية في الصغر لها كثافة لانهائية تحوي كل المادة، والطاقة، والزمان، والمكان، والكون نفسه.
رفض (أينشتاين) أيضا هذا في البداية ولكن بعد مناقشات واطلاع على مشاهدات هابل وحساباته اقتنع أينشتاين بفكرته حتى قال أن الثابت الكوني الذي جاء به لمعادلاته كان أكبر خطأ له في حياته.
إعداد: El ako
مراجعة علمية: Ahmaad M. Hanafi
Sources
Where the Big Bang Theory Came From – How the Big Bang Theory Works | HowStuffWorks [Internet]. [cited 2016 Jan 23]. Available from: http://sc.egyres.com/fvWuH
What Is The Evidence For The Big Bang? – Universe Today [Internet]. [cited 2016 Jan 23]. Available from: http://sc.egyres.com/tkfCh
The early universe | CERN [Internet]. [cited 2016 Jan 23]. Available from: http://sc.egyres.com/ZU1uj
Inflation in the Universe [Internet]. [cited 2016 Jan 23]. Available from: http://sc.egyres.com/EK2TC