في العالم القديم لو أخبرت أحدًا أن هناك بجعة سوداء لاتهمك بالجنون. لكن ومع رؤية أول بجعة سوداء عند اكتشاف أُستراليا كان هذا بمثابة مفاجئة مدهشة للجميع وبشكلٍ خاص لعلماء الطيور وأولئك المهتمين بألوان الطيور وأشكالها. لكن ليس هذا هو الجانب الأهم من القصة حيث أن اكتشافنا للبجع الأسود قد أوضح لنا كم هى قليلةٌ معرفتنا وعلمنا الناتج عن طريق الملاحظة حتى وإن أكد لنا عالمنا الواقعي هذه المعرفة فقد كانت رؤية بجعة واحدة سوداء كفيلة لأن تٌغيِّر اعتقادًا ساد العالم القديم أجمع.
كانت هذه هي كلمات العالم ناسيم نيكولاس(Nassim Nicholas) في مقدمة كتابه البجعة السوداء(The Black Swan) حيث ظهرت نظرية البجعة السوداء لأول مرة في عام 2007. وأتم ناسيم حديثه حيث قال: «مثل هذه الأحداث والاكتشافات لها سمات ثلاثة رئيسة، وهي: أولًا أن هذه الاكتشافات تكون شاذة وغريبة لمجرد وجودها خارج عالم توقعاتنا وتفكيرنا، ثانيًا أن لها تأثيرًا كبيرًا على الإنسان، وثالثًا سمة أن هذه الاكتشافات وعلى الرغم من كونها شاذة على تفكيرنا فإن طبيعة الإنسان تجعله يخترع تفسيرات لهذه الاكتشافات بعد اكتشافها والتي تجعل منها أمرًا متوقعًا ومنطقيًا على الرغم من كونها مرفوضة تمامًا قبل اكتشافها!
أحداث كثيرة في العالم كتسونامي اليابان وأحداث 11/9 في أمريكا وغيرها إذا تم تحليلها من منظور استعادة الأحداث أو منظور مُتطلِّع للوراء لوجدنا أن معظمها تصاحبه مقدمات وظروف تجعل من حدوث مثل هذه الأحداث شيئًا منطقيًا، فلو كنا أمعنا النظر قليلًا قبل حدوثها لتغير كثيرٌ من ماضي الإنسانية.
والآن فجميع الظواهر تؤكد بما لايدع مجالًا للشك أن هناك ضريبة كبيرة تدفعها أًمنا الأرض وعالمنا البيئي المحيط بنا لحضارتنا الحالية التي جاءت على حساب مواردنا ومصادرنا الطبيعية. فهل سننتظر دمار الأرض وانيهارها وفناء حياتنا عليها حتى ننظر للأحداث بشكلٍ عكسي ونرى تتابعها لكي نجعل من حدوث مثل هذه النتيجة شيئًا متوقع وقابل للحدوث! أم أننا قد تعلمنا كثيرًا مما شاهدناه سابقًا فى حياتنا وسنأخذ احتياطاتنا لكي ننقذ الأرض!
التغير المناخي:
أول وأهم ضريبة تدفعها الأرض حاليًا هي التغير الكبير والملحوظ في المناخ على المستوى العالمي. وللأسف ورغم وضوح دور الإنسان الأساسي في تغير مناخ الأرض إلا أن هناك عددٌ لا يزال يشكك فى دخل الإنسان ونشاطاته فى حدوث مثل هذا التغير.
فدعونا ننظر بإمعان للتغير المناخي من ناحية علمية لكي نتحقق أكثر من أسبابه وهل حقًا هو نتيجة نشاطات الإنسان أم لا. وهل يستدعي القلق وأن نضع الحلول لمثل هذا الشذوذ في طبيعة الأرض حتى نتجنب حدوث كارثة أُخرى صعبة الحدوث، وإذا حدثت فعندها ستكون منطقية ومتوقعة!
دلائل تغير المناخ العالمي:
تاريخ المناخ على الكرة الأرضية تغير كثيرًا على مدار التاريخ. فخلال الـ 650 ألف عامٍ الماضية كان هناك 7 دوائر لتغير المناخ وتأثيره الواضح على ارتفاع وانخفاض مستوى الجليد ومع النهاية المفاجئة للعصر الجليدي من حوالي 7 آلاف عام حيث بدأت درجة حرارة الأرض في الزيادة التدريجية، حيث كانت الأرض في بداية ظهور الإنسان في عصرها الجليدي ثم بعد ذلك بدأت الحرارة في الارتفاع مما ساعد على نمو حضارة الإنسانية وتطورها وهذه الفترة المناخية ذات الحرارة المعتدلة تسمى (الهولوسين).
إذًا فما الذي يميز إحترار الأرض الذي نعيشه الآن؟ فهل هو امتداد لعصر الهولوسين أم هو بداية فترة جديدة في مناخ الأرض أُطلِق عليها(الأنثروبوسين-Anthropocene)، وهو عصرٌ جيولوجي جديد يتوقع العلماء دخول الأرض به وهو ناتج من نشاط الإنسان وتعدياته على البيئة. حيث أن معظم تغيرات المناخ على مدار التاريخ ترجع لتغير بسيط في مدار الأرض حول الشمس مما يغير من كمية الطاقة والإشعاع الشمسي الواصل للأرض.أما الآن فقد تدخل إنسان الحاضر لكي يغير من العُرف السائد بأن كل حضارة تسلم الأرض للجيل التالي كما هي، فإنسان الحاضر قد غيّر كثيرًا في طبيعة الأرض الحالية بما يهدد بقاءه وتقدم الأجيال القادمة.
فالدلائل العلمية على تغير مناخ الأرض الآن لا لبس فيها. حيث أن الارتفاع المستمر في الحرارة الفترة الحالية لم تشهده الأرض على مدار 1.300 عامًا الماضية. فالأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض الآن وغيرها من التكنولوجيا المتقدمة مكنت العلماء اليوم من رؤية الصورة الكاملة وجَمع مُختلف البيانات عن كوكبنا الأرض ومناخه العالمي وكل هذه البيانات التي تم جمعها على مدار سنين تؤكد وبلا شك الارتفاع المتزايد في حرارة الأرض.
فالاحتباس الحراري الناتج من إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون وغيرها من غازات الصوبة الزجاجية التي تم إطلاقها في القرن ال19 مع بداية الثورة الصناعية لها قدرة كبيرة على التأثير على الأشعة تحت الحمراء في الغلاف الجوي. فالدراسات أوضحت أن تغير درجة الحرارة بدأ في الارتفاع منذ عام 1880 وأكثر معدلات الارتفاع بدأت منذ عام 1970 وأن أكثر عَشرْ سنين في ارتفاع الحرارة كانت في آخر 12 عام.
وعلى الرغم من أن الأرض شهدت انخفاض في معدل الإشعاع الشمسي ما بين عام 2007-2009 إلا أن الحرارة ظلت آخذةً في الارتفاع بما يؤكد أن الارتفاع الحالي في الحرارة ليس لأسبابٍ طبيعية، بل هو لتغير في تركيب الغلاف الجوي نتيجة نشاطات الإنسان.
وبَيَّنت الدراسات أن عام 2014 كان الأكثر ارتفاعًا في الحرارة حيث وصل معدل ارتفاع الحرارة فيها إلى.(0.86 c)
ارتفاع سطح البحر:
ارتفع سطح البحر في القرن الماضي حوالي(17سم) ومعدل الارتفاع الآن يتضاعف كل 10 سنوات!
ارتفاع منسوب البحر يرجع لسببين أساسين وهما: زيادة الماء فى البحار نتيجة ذوبان الجليد، والسبب الثاني يرجع لتمدد الماء نتيجة ارتفاع درجة الحرارة حيث يقوم الماء بامتصاص قدر من الحرارة مما يؤدي إلى تمدده وارتفاع سطحه.
وقد رُصِدَ أعلى معدل في ارتفاع سطح البحر عام 2015 حيث ارتفع مستوى البحر بمقدار 65 سم.
وقد بينت دراسة أعلى 700 م من مياه المحيطات أن درجة الحرارة في مياه المحيطات زادت بنسبة(0.302 F) منذ عام 1969.
تناقص وذوبان الجليد:
الجليد يتكون نتيجة تجمد بخار الماء وله تأثير كبير على الحرارة حيث أن الجليد يعمل كعاكسٍ قوي للحرارة فيعكس الأشعة الشمسية القادمة للأرض للفضاء مرة أخرى ويعمل على تبريد الأرض ويدعم الحياة عليها.
ذوبان الجليد الطبيعي يكون موسميًا كالأنهار الجليدية حيث يَمدُ كثيرًا من مناطق العالم بالمياة الصالحة للشرب وللزراعة وتخصيب الأرض ويقلل من نسبة تصحر الأراضي وقد يؤدي إلى حدوث فيضانات في فصل الربيع عند ذوبان الأنهار الجليدية.
وقد بينت الدراسات أن كتلة الجليد تناقصت في جرين لاند(Greenland) بنسبة تتراوح من 150إلى 250كيلومتر مكعب من عام 2002إلى عام 2006.
أما في القارة القطبية الجنوبية والمعروفة بأنتاركتيكا(Antarctica) فقد تناقصت صفائح الجليد بمعدل 152كيلومترمكعب من عام 2002إلى عام 2005.
تناقص الجليد في القطب الشمالي:
كثافة الجليد في القطب الشمالي قد انخفض بشكلٍ مُوسعٍ جدًا في آخر عدة عقود حيث يقل الجليد بمعدل 13.3% كل عشر سنوات وأعلى معدلات التناقص رُصدت في عام 2012.
تراجع الجبال الجليدية:
ويُقصد بها الجليد المتكون أعلى قمم الجبال كجبال الألب والهيمالايا وآلاسكا وجبال الروكي وجبال الكيليمانجارو في إفريقيا.
وقد لوحظ انخفاضًا كبيرًا في حجم الجليد على قمم هذه الجبال!
حيث خسرت الأرض حوالي 400 بليون طن من الجبال الجليدية منذ عام 1994.
تحمض المحيطات:
مع بداية الثورة الصناعية زاد تحمض أسطح المحيطات بحوالي 30% ويرجع ذلك لإطلاق الإنسان مزيدًا من غاز ثاني أكسيد الكربون(C02) والذي تمتصه الطبقات الأعلى من مياة المحيطات حيث يزيد تحمض المياه بمعدل 2 بليون طن كل عام.
الأحداث المناخية المتطرفة:
تشهد الأرض أحداثًا مناخية متطرفة كثيرًا هذه الأيام كالأعاصير والأمطار الغزيرة وغيرها، وأيضًا اختلفت طبيعة المناطق المناخية حيث يزيد هطول الأمطار عن معدلها الطبيعي في مناطق ويقل جدًا في مناطق أخرى.
أسباب تغير المناخ العالمي:
الآن وبعد أن رصدنا الدلائل العلمية على تغير المناخ العالمي دعونا نخوض قليلًا في الأسباب لذلك التغير.
بطانية حول الأرض:
معظم العلماء أكدوا أن السبب الأساسي في حدوث هذا التغير يرجع لنشاطات الإنسان التي نتج عنها زيادة نسبة غازات الصوبة الزجاجية(greenhouse) في الغلاف الجوي والتي تعمل كغطاء على الأرض.
يحدث الاحترار عندما يمتص الغلاف الجوي الحرارة المنعكسة من الأرض ويمنع خروجها للفضاء ويحدث هذا الامتصاص بفضل غازات بعينها في غلافنا الجوي.
أهم الغازات التي تساهم في تأثير الصوبة الزجايجة في غلافنا الجوي:
بخار الماء H2O.
أُكسيد النيتروز .N2O
ثاني أٌكسيد الكربون .CO2
غاز الميثان .CH4
هناك نوعان من غازات الصوبة الزجاجية أولهما: هو النوع الذي يعيش طويلًا في الغلاف الجوي ولا يتأثر فيزيائيًا أوكميائيًا بزيادة درجة الحرارة وتدعى بالقوة(Forcing) وهناك غازات أُخرى تتأثر بشكلٍ كميائي أو فيزيائي في ارتفاع الحرارة وتعرف بالصدى(feedback)أي تعمل كرد فعل كارثي على ارتفاع الحراة.
بخار الماء H2O:
من أهم غازات الصوبة الزجاجية ولكنه يعمل كصدى(feedback) حيث يتأثر بارتفاع الحرارة الذي يؤدي إلى تسخينه ويرتفع في الغلاف الجوي ويؤدي إلى تكوين السحب وهطول الأمطار ومع زيادة نسبته في الغلاف الجوي تزيد إمكانية الهطول الكثيف للأمطار على مناطق مختلفة.
ثاني أكسيد الكربون CO2:
هو غاز مهم جدًا في تكوين الغلاف الجوي على الرغم من أنه لا يمثل نسبة كبيرة فيه ولا يتأثر بارتفاع درجة الحرارة فهو من غازات القوة(Forcing).
ينتج غاز ثاني أكسيد الكربون طبيعيًا من عمليات التنفس للكائنات الحية وكذلك البراكين وعمليات التعفن، وينتج صناعيًا بفعل الإنسان من عمليات إزالة الغابات والتغير في استخدام الأرض(Built Environment) وإحراق الوقود الحفري.
ربما بدر سؤالٌ إلى ذهنك الآن وهو إذا كان غاز ثاني أكسيد الكربون غازًا طبيعيًا في الغلاف الجوي ومن مكوناته الأساسية فلماذا تؤثر انبعاثاته الناتجة من نشاطات الإنسان على حرارة الأرض؟ والإجابة ببساطة أن لغاز ثاني أكسيد الكربون دورة حياة طبيعية في الغلاف الجوي حيث في الظروف الطبيعية يتم استبداله طبيعًا من الغلاف الجوي عن طريق عمليات البناء الضوئي وكذلك تمتص نسبة منه المحيطات. حتى الانفجارات البركانية كانت معادلة متزنة مع تآكل الصخور نتيجة عوامل جوية كيميائية. لكن ما حدث هو أن الانبعاثات الناتجة من نشاطاتنا قد أخلَّت بهذه الدورة الطبيعية حيث أصبح إنتاج الأرض من غاز ثاني أُكسيد الكربون أكبر بكثير من معدلات استبداله فزادت نسبته كثيرًا في الغلاف الجوي حيث كانت في عام 2012 أعلى بنسبة 4% من نسبته في عام 1970عندما بدأ الإنسان باستخراج الوقود الحفري والاعتماد عليه في إنتاج الطاقة وقد بينت الدراسات أيضًا أن نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي قد زادت من 280جزء في المليون إلى 400 جزء في المليون في خلال ال150 سنة الماضية.
وقد أوضحت الدراسات أيضًا نقصًا في نسبة جزيئات الكربون C14 وC13 وعدم زيادتها في الغلاف الجوي وهذا يعد دليلًا آخر على أن الزيادة في نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون راجع لنشاطات الإنسان حيث أن الوقود الحفري لا يحتوي على جزيءC14 وكذلك يحتوي على نسبة ضئيلة من جزيئاتC13.
المشكلة الحقيقة تكمن في أن غاز ثاني أكسيد الكربون الذي أطلقه الإنسان لن يتواجد في الغلاف الجوي لسنين فقط ولكن يمكن أن يعيش في غلافنا الجوي لآلاف السنين!
غاز المثان CH4:
غاز هيدروكربون يُنتج طبيعيًا وكذلك أيضًا يٌنتج نتيجة أنشطة الإنسان كتحلل النفايات والزراعة وبخاصةٍ زراعة الأرز. وكذلك يٌنتج من عمليات استخدام مخلفات الحيوانات كسماد عضوي!
وبمقارنة غاز الميثان مع غاز ثاني أكسيد الكربون فإن الميثان أنشط من ثاني أكسيد الكربون كغازٍ دفيء ولكنه أقل انتشارًا في الغلاف الجوي.
أكسيد النيتروز NO2:
هو غاز نشيط من الغازات الدفيئة وينتج من استخدام السماد العضوي والتجاري في تخصيب الأراضي الزراعية وأيضًا ينتج من عمليات حرق الوقود الحفري والكتلة الحرارية(Bio Mass).
كلوروفلوروكربون CFCS2:
هي مركبات صناعية تمامًا تستخدم في عدد من التطبيقات الصناعية ولكن تم تحديد استحدامه وإطلاقه للغلاف الجوي عن طريق اتفاقيات عالمية للحد من استخدامه وذلك لأثرة الكبير على طبقة الأوزون كما أنه يُعتبرغاز دفيء من غازات الصوبة الزجاجية.
مما سبق ينتج أن أهم نشاطات الإنسان المسببة لزيادة الحرارة هو انبعاث كمية كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون الناتجة من عمليات حرق الوقود الحفري وكذلك باقي أنشطة الإنسان ولكن بدرجة أقل عن حرق الوقود الحفري.
لعلك تتسائل الآن ماذا سيحدث إذا استمر الحال على ما هو عليه؟!
التسلسل الطبيعي لما قد يحدث بفعل ارتفاع الحرارة:
إن التسلسل الطبيعي لما قد يحدث يصعب التنبؤ به، لكن هناك عددٌ من التأثيرات الأساسية التي قد تحدث بشكلٍ كبير:
بعض المناطق ستتكيف مع درجات الحرارة المرتفعة والبعض الآخر قد لا يستطيع التكيف فتنهار.
الحرارة ستؤدي إلى مزيدٍ من التبخر وهطول الأمطار بشكلٍ مُتفاوتٍ على المناطق المختلفة، حيث سُتصبح مناطق أكثر هطولًا للأمطار وأخرى ستصبح جافة وقد بدأ هذا في الحدوث بالفعل.
الحرارة العالية ستؤدي إلى تسخين المحيطات وذوبان الجليد وزيادة الارتفاع في منسوب أسطح البحارمما يؤدي إلى غرق كثير من الجزر والمناطق الساحلية!
كذلك فإن بعض المحاصيل والنباتات ستؤدي إلى زيادة غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بشكل كبير مما يؤثر على كفاءة استخدام المياه وأيضًا ذلك سيؤثر على المناطق الزراعية والمجتمعات النباتية الطبيعية!
قانون نشاطات الإنسان:
في التقرير الرابع لمنظمة(Intergovernmental Panel on Climate Change) وهم مجموعةٌ من 1.300 عالم خبير بأمور البيئة والمناخ على مستوى العالم، خلصوا في تقريرهم إلى أنه وباحتمال أكبر من 90% أن نشاطات الإنسان على مدار250عامًا الفائتة هي أساس التغير في درجة الحرارة على الأرض! وأن الارتفاع في حرارة الأرض الحالي لم يسبق له مثيل على مدار 1000 عام أو أكثر!
لعلك الآن ترى الصورة سوداويةٌ جدًا، لكن الحقيقة ليست بهذا السواد فكما قال الأديب السعودي عبدالرحمن منيف في إحدى روياته: «مهما ضاقت الدنيا ومهما صغرت فإن فيها شِقًا ينفذ منه الضوء ويحمل الهواء.»
دعونا نرى شِقَّ الأمل في حاضرنا الذي يمنح الأجيال القادمة أمل الحياة بشكلٍ أفضل.
فهناك الآن محاولات جادة من منظمات وجمعيات ومتطوعين لزيادة الوعي لدى الإنسان عن خطورة التغير المناخي على مستقبلنا وعن خطورة أفعالنا غير المسؤولة تجاه البيئة.
لكن دعنا نركز على دور العمارة والمعماريين، وذلك لأن المباني تستهلك أكبر قدر من الطاقة. حيث أوضحت الدراسات أن المباني في أمريكا تُنتج حوالي 39%من غاز ثاني أكسيد الكربون المنطلق للغلاف الجوي وذلك من خلال استخدامها لـ 40 % من حجم الطاقة المستخدمة والتي ينتج عنها هذه الكمية من الانبعاثات.
إذًا فدور المعماري خطيرٌ جدًا للحد بشكل كبير من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون والحد من التغير المناخي العالمي.
دور العمارة تجاه التغير المناخي:
من منا لم يسمع سابقًا مصطلح المباني الخضراء أو المباني المستدامة؟!
مصطلح المباني المستدامة باختصار هو تعامل المعماري مع المبنى في كل مراحل تصميمهِ على أنه كائن حي، له مدخلاته ومخرجاته، يستهلك من البيئة قدرًا لا بأس به من الطاقة ويَنتج عن استخدامه للطاقة قدرًا أيضًا لا يُستهان به من غازات الصوبة الزجاجية.
تعامُل المعماري مع المبنى على أنه كائنٌ حي يتلخص في الحد من كمية المواد الأساسية التي يستخدمها المبنى، وكذلك تقليل الاعتماد على الطاقة وتحديدًا تلك التي ينتج عنها كمية من الانبعاثات، كذلك يفكر كيف يقلل من مساحة البيئة التي سينمو عليها المبنى وكيف سيغير شكل هذه المساحة واستخدامها وكيف يؤثر ذلك التغير والاستخدامات الجديدة على البيئة! تُعنى ضمان كفاءة المبنى بيئيًا في جميع أنحاء دورة حياة المبنى: من تحديد الموقع للتصميم للبناء والتشغيل للصيانة والترميم وحتى الهدم!
وظهرت كثيرٌ من المنظمات ونظم تقييم المباني على أسس كفاءة المبنى من حيث كمية الطاقة المستخدمة ومواد البناء وكميتها والماء المستخدم في المبنى وكيفية الاستفادة منه مرةً أخرى داخل المبنى ومن هذه النظم على سبيل المثال لا الحصر (PASSIVHAUS) و(LEED) و(LIVING BUILDING CHALLENGE) و(BREEAM) وحديثًا في مصر تم الانتهاء من إعداد نظام (استدامة-ESTIDMA ) ونظام (Green Pyramid).
وسوف نتحدث بالتفصيل عن بعض الأمثلة المعمارية الواعدة في هذا الاتجاه وأيضًا عن بعض من هذه الأنظمة في الجزء القادم.
إعداد\ ترجمة: ايمن الهادي
مراجعة علمية:Mahmoud Mohamed Ouf
مراجعة لغوية: Mohamed Sayed Elgohary
المصادر:
http://sc.egyres.com/Iwapp
كتاب Climate change evidence and causes
http://dels.nas.edu/resources/static-assets/exec-office-other/climate-change-full.pdf