تُسبب الحروب والنزاعات المسلحة الكثير من الدمار والخسائر المادية وكذلك الخسائر المعنوية والنفسية التي تعد أسوأ ما تخلفه الحروب، في هذا المقال نتناول الجانب النفسي للاجئين السوريين، ذاك الجانب الذي تختصره التقارير الإقتصادية والسياسية في مجموعة من الأرقام التي تحجب البعد النفسي والفردي للحروب وآثارها .
حسب التقارير الإحصائية، منذ شهر مارس 2011، تشرد أكثر من نصف المجتمع السوري؛ حيث بلغ عدد السوريين النازحيين إلى الدول المجاورة- خاصةً: لبنان،الأردن،وتركيا- 4.3 مليون لاجئ خلال شهر ديسمبر 2015، بالإضافة إلى ثمانية مليون نازح داخليًا في سوريا. [1]
خلال هذه النزاعات، عانى المواطن السوري العديد من الانتهاكات الحقوقية والاستخفاف بإنسانيته متمثلة في المذابح، عمليات القتل والاضطهاد، الاختطاف، الاختفاء القسري، والجرائم الجنسية بالإضافة إلى استغلال الأطفال وتوظيفهم في أعمال عدائية، وقد أثّرت الحرب على الحالة النفسية والصحة العقلية للفرد السوري تتمثل هذه المشاكل في:
1- الفقر: نقص الاحتياجات الأساسية والخدمات.
2- الفقد: فقدان أحد أفراد العائلة أو فقدان المتعلقات المادية.
3- القلق حيال المستقبل وماهو مقبل عليه، وتفيد التقارير بأن الخوف المستمر على سلامة أفراد العائلة يمثل مصدرًا أساسيًا للتوتر؛ حيث يترقب النازحون أي أخبار جديدة عن عائلاتهم وأصدقائهم، وكثيرًا ما تصلهم أنباء خاطئة ومتضاربة مما يؤدي إلى مزيد من الارتباك وعدم الشعور بالأمان، خاصة عندما يتعلق الأمر بالاختفاء القسري حيث يصبح مصير الفرد غامضًا فلا يتمكن ذويه من رثائه أو الاطمئان على سلامته.
4- الإقصاء والعنصرية، فقدان الدعم الاجتماعي، الغربة وفقدان الهوية، الحنين لأرض الوطن، وكفاحهم المستمر للتكيف مع وضعهم الجديد كلاجئين في دول أخرى أو في مخيمات.
**الألم النفسي والجسماني الذي يعانيه اللاجئون السوريون نتيجة هذه المشاكل، حيث أن:
المشاكل النفسية تتضمن: الشعور بالحزن، الأسى، الإحباط، الخوف، القلق، الغضب واليأس، وقد تظهر أعراض سلوكية واجتماعية، مثل: العنف والسلوك الانسحابي وصعوبات التواصل بين الأفراد، بالإضافة إلى أعراض ناتجة عن الأحداث التي شهدوها، وتتضمن هذه الأعراض: الكوابيس، الذكريات القهرية، اليقظة الدائمة، والشعور بوقوع الأحداث من جديد.
الجانب الجسماني يتضمن: الإرهاق، فقدان الشهية، اضطرابات النوم والألم العضوي دون مبرر طبي. ويجب التنبيه إلى أن هذه الأعراض ما هي إلا نتيجة طبيعية للظروف الصعبة التي تعرَّض لها اللاجئون السوريون، وظهور بعضها في شخص ما لا يشير- بالضرورة – إلى أنه مصاب بمرض نفسي، لكن ظهور هذه الأعراض مجتمعة في شخص ما وتطورها إلى الحد الذي يعيق وظائفه اليومية يعني أنه مصاب بأحد الاضطرابات النفسية أو العقلية.
**طرق التأقلم مع الظروف الصعبة:
الصلاة، قراءة القرآن ومشاهدة التلفاز، بالإضافة إلى بعض الأنشطة الاجتماعية، مثل: صُحبة العائلة والأصدقاء والتحدث إلى من يثق بهم، أغلب هذه الوسائل إيجابية ومفيدة من الناحية النفسية؛ إلا أنه قد توجد بعض الوسائل السلبية التي تزيد الحالة النفسية سوءًا مثل: التدخين، متابعة الأخبار، السلوك الانسحابي، النوم لساعات طويلة والبكاء المستمر، ويلجأ النازحون إلى هذه الممارسات الضارة لشعورهم بالعجز وقلة الحيلة وفقدان التحكم في حياتهم.
**اختلاف طرق التأقلم باختلاف الأفراد:
بالنسبة للنساء السوريات، تعتبر الأسرة والعلاقات الإجتماعية وسيلة هامة لمجاراة الأوضاع الصعبة، لكن أحيانًا تتسبب ظروف الحرب والتنقل المستمر في فقدان هذه الروابط، فتلجأ النساء السوريات إلى ممارسات سلبية لمجاراة هذه الظروف مثل: البكاء، النوم لساعات طويلة، التدخين وإنكار واقعية ظروفهم الحالية.
أما الرجل السوري فيفضل الصلاة وقضاء الوقت وحيدًا كوسيلة لمجاراة الوضع الراهن، ولا يفضل البحث عن وسائل خارجية لتحسين حالته النفسية؛ لشعوره بعدم جدوى ذلك أو بسبب ثقافة المجتمع التي تتوقع من الرجل أن يكون أكثرصبرًا وقوة، وعامةً تواجه الإناث صعوبة أكبر في التكيف مع الظروف المتقلبة لا سيما إذا كانت هذا الظروف تعني تحولهن إلى لاجئات.[2]
تتغير الأنظمة والأدوار الاجتماعية بصورة ملحوظة مع التعرض للحروب والتهجير، مما يقلل من قدرة الأفراد على مجاراة الأحداث ويزيد من شعورهم بالتوتر وفقدان الهوية، ففي كثير من الحالات تصبح المرأة السورية هي العائل الوحيد للأسرة نظرًا لغياب رب الأسرة أو إصابته أو موته، بالإضافة إلى دورها في الاعتناء بأبنائها، وهذه المسؤوليات الإضافية تقلل من شعورها بالأمان.
وكذلك الرجل السوري، غالبًا تُبنى شخصيته على أنه عائل الأسرة والقادر على توفير احتياجاتها المادية، وعجزه عن توفير ذلك- مع ظروف التهجير- يزيد من ضغوطه النفسية، وقد عبر كثير من اللاجئين الرجال في الأردن عن شعورهم باليأس والخزي بسبب عجزهم عن مواصلة تعليمهم، واضطرارهم للعمل في وظائف متدنية الأجر لمساندة أسرهم.
أما الأطفال، فهم الفئة الأكثر معاناة من الحروب والتهجير؛ حيث يمثلون أكثر من نصف النازحين السوريين داخليًا وخارجيًا، ومعظم هؤلاء الأطفال دون سن الثانية عشرة، بعضهم أصيب خلال الأحداث في سوريا، والكثير منهم شهدوا أحداث بالغة العنف تتضمن فقدان عائلاتهم، وتدمير منازلهم، والتعرض للعنف الجسدي والجنسي، وحرمانهم من احتياجاتهم الأساسية، جميع هذه العوامل تزيد من التوتر والاضطرابات النفسية، ورغم حصولهم على بعض الاستقرار والأمان في الدول المُستضيفة؛ إلا أنهم يواجهون مشاكلًا أخرى تتمثل في انقطاعهم عن التعليم، التمييز العنصري، القلق بشأن عائلاتهم الموجودة في سوريا، إضافة إلى العنف الأسري والضغط الإقتصادي.
الفئات أكثر عُرضة للأمراض العقلية والنفسية مثل: المراهقين، كبار السن، النساء المعيلات للأسرة، الذين تعرضوا لأحد الأمراض النفسية سابقًا، والذين تعرضوا لصور بالغة العنف أثناء الحرب، حيث أن أكثر الاضطرابات العقلية انتشارًا بين اللاجئين هو اضطراب ما بعد الصدمة «Posttraumatic stress disorder-PTSD»، والاكتئاب والقلق، واضطراب الأسى الممتد «Prolonged grief disorder»، وعادةً ما تكون هذه الاضطرابات طفيفة أو متوسطة، والبيانات المتوفرة فيما يتعلق بالحالة النفسية للسوريين قليلة، ولكن يُرجح أن تكون نسبة الاضطرابات النفسية قد ارتفعت مع زيادة تعرضهم للصدمات والأحداث المأساوية والهجرة الاضطرارية.[3]
نديم المشمش «Nadim ALmoshmosh»،أخصائي نفسي من أصل سوري، كتب في تقريره عن تجربته في توفير الاحتياجات النفسية للاجئين السوريين في الأردن وتركيا، يقول فيه: «في البداية يشعر اللاجئون أن هذه محنة مؤقتة وستزول، يشعرون بالغضب، الحنق والإحباط؛ لأن الحياة تصبح صعبة عندما تحاول أن تتكيف مع حقيقة أنك أصبحت لاجئ، ومع الوقت يزيد شعورهم باليأس وخيبة الأمل، الكثير من اللاجئين ممن يعانون من اضطرابات نفسية لا يفضلون الإفصاح عن ذلك بسبب الوصمة وبسبب نقص المختصين الذين يمكن استشارتهم».[4]
**طرق العلاج النفسى المستخدمة :
توصلت الدراسات إلى أساليب علاج نفسي خاصة باللاجئين أهمها العلاج السردي «Narrative exposure therapy-NET»، استخدام هذا الأسلوب يساعد اللاجئ على الوصول إلى التسلسل الزمني للأحداث التي تعرض لها وسردها في صورة قصة، أي أنه يقوم بربط الزمن بالحدث؛ حيث يعد الارتباك والتشوش وعدم القدرة على سرد الأحداث بتتابعها الزمني من أهم أعراض الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة، وبالتالي فإن قدرة المريض على سرد الأحداث بصورة سليمة يساعده على التعافي وتجاوز تلك الذكريات.[5]
في كثير من الحالات يكون تقديم الدعم المادي للاجئين الممثل في تحسين ظروف معيشتهم، وتوفير ما يحتاجونه من غذاء ومأوى، والعمل على حل النزاعات في بلادهم، أكثر أهمية من تقديم الدعم النفسي، حيث أن حصول العائلات على الاحتياجات الأساسية يزيد من شعورهم بالأمان، ويزيد من قدرتهم على التكيف مع التغيرات الجديدة المصاحبة لظروفهم، لكن بالنسبة لأولئك الذين يعانون من اضطرابات نفسية خطيرة يكون تضميد الجروح النفسية مهم بقدر أهمية تضميد الجروح الجسدية.
#الباحثون_المصريون
#Egyptian_Researchers
إعداد : Mariam Mostafa
مراجعة علمية: Nabila Baghdady
مراجعة لغوية: Mohammad Marashdeh
المصادر :
(1) Syria Regional Refugee Response – Regional Overview [Internet]. [cited 2016 Jan 19]. Available from: http://sc.egyres.com/AvPGT
(2) Meta-Analysis of the Use of Narrative Exposure Therapy for the Effects of Trauma Among Refugee Populations [Internet]. [cited 2016 Jan 19]. Available from: http://sc.egyres.com/rc0vA
(3) Culture, Context and the Mental Health and Psychosocial Wellbeing of Syrians – UNHCR Review [Internet]. [cited 2016 Jan 19]. Available from: http://sc.egyres.com/N8E3F
(4) Mental health of Syrian refugees: looking backwards and forwards – The Lancet Psychiatry [Internet]. [cited 2016 Jan 19]. Available from: http://sc.egyres.com/4qM61
(5) Europe’s Migrant Crisis Necessitates Alternative Psychotherapies – Scientific American [Internet]. [cited 2016 Jan 19]. Available from: http://sc.egyres.com/tABcM