مفهوم (أجيال المستقبل- (Future generations مفهوم شائع في البحوث وصناعة السياسات في المجالات التي تأخذ رؤية بعيدة ، مثل الطاقة والبيئة، وعادة ما يتم استخدامه لاستحضار البعد الأخلاقي.
ولكن إلى من نشير حين نتحدث عن أجيال المستقبل؟
نحن نحتاج إلى معرفة مصطلح أجيال المستقبل باهتمام لأن فشلنا في فعل ذلك سوف يؤدى بدوره إلى اختصارات حادة -يحتمل أن تكون ضارة- في تحديد الإرث الذي نختار أن نتركه ومناقشة آثارها المحتملة.
خير مثال على ذلك هو النقاش حول موضوع إدارة النفايات المشعة، وهنا تم اعتبار أجيال المستقبل كمجموعة واحدة من البشر كل الأجيال التي تلينا بدون أي محاولات لتقييدهم بزمن معين، وبالتالي وبالحديث عن النفايات المشعة، فان مراعاة أجيال المستقبل يقتضي بأن نخطط للفترة الكاملة التي تظل فيها تلك المواد ضارة – أكثر من مليون سنة وفقًا لبعض التقديرات.
ويشمل هذا الإطار الزمني أحفادنا، وهؤلاء البشر- أو الأشكال الأخرى من الحياة – التي سوف نشاركهم كوكبنا لمئات أو آلاف السنين من الآن.
ومن وجهة نظر أخلاقية فإنه لا معنى لأن نتظاهر بأن هذه مجموعات متجانسة، وأن سياسات النفايات النووية سيكون لها نفس التأثير،
ومجرد المحاولة لمعالجتها سوف تؤدى إلى انحراف هذه السياسات.
إن واحدًا من أهم القرارات التي يجب أن نقررها حين نخطط ماذا نفعل بالنفايات النووية: هو أن نعطي الناس في المستقبل حق إلغاء قراراتنا، و أن ندعهم يختاروا إستراتيجيتهم الخاصة ،بعد آلاف السنين قد يتواجد حل آمن وكامل لهذا الموضوع.
إن المطالب الوسطية في هذه القضية: هو أن نضع هذه النفايات في مكان يمكننا أن نسترجعها منه في أي وقت ومكان، فلو اخترنا- مثل معظم الدول- أن نتخلص من النفايات في منشآت تحت الأرض، فإن الموقف الأخلاقي تجاه أجيال المستقبل يتضمن انه لا يجب علينا إغلاق أماكن التخلص من النفايات بشكل دائم .
للوهلة الأولى تجد أن تلك الإستراتيجية تحترم استقلالية أجيال المستقبل، ولذلك فهي أخلاقية، ولكن لنلق نظرة عن قرب، إن هذا الحكم سينفع فقط هؤلاء الذين يعلمون، أو يتذكرون أن هناك نفايات بالأسفل، إلى أن نصل لنقطة في المستقبل تكون عندها قدرة ورثتنا على أن يختاروا خيارهم الخاص لا علاقة لها بالموضوع .
ونظرا لأننا نكافح من اجل أن نجاوب على أسئلة تتعلق بالحضارات الإنسانية المفقودة من آلاف السنين، فإن التواضع يملي علينا أننا يجب أن نتحمل: أن معرفة موقع التخلص من النفايات المشعة وكيفية التعامل معها سوف يضيع بعض الوقت خلال المليون سنة القادمة.
وتفترض سلطة السلامة النووية الفرنسية أن فقدان الذاكرة هذا لن يحدث إلا بعد 500 عام على الأقل ومن الواضح أن الكثير من الممكن أن يحدث ما بين 2500 و 1002000عام.
ويدّعى بعض أنصار خيار النفايات القابلة للاسترجاع، أن الأجيال القادمة ببساطة سوف تغلق هذه الأماكن قبل فقدان الذاكرة، ولكن حتى لو كان هذا صحيحًا – ولا يوجد طريقة لنعرف ذلك- إن ذلك لا يحل المشكلة الأخلاقية بافتراض أن الأجيال القادمة ستتمكن من معالجتها بنفس الطريقة.
وفي هذه الحالة فإن مزايا استرجاع النفايات سوف تكون متعلقة فقط بهذه الأجيال التي عاشت قبل إغلاق هذه المناطق.
يرينا هذا المثال أنه لا طائل من الحديث عن أجيال المستقبل فيجب علينا بدلًا من ذلك، أن نشير إلى مجموعتين:
(أجيال المستقبل القريب وأجيال المستقبل البعيد)
ويمكننا أن نعرف هذه المجموعات اعتمادًا على تقييم المشكلة.
فبالحديث عن إدارة النفايات المشعة يتم تعريف أجيال المستقبل البعيد:
أنها تلك الأجيال التي نسيت أن النفايات هناك، والوقت المحدد الذي سيتم فقدان هذه الذكرى فيه ليس محل سؤال هنا.
نحن نفترض أنه سيحدث ونخطط وفقًا لذلك.
ادّعاء آخر بمزايا إبقاء النفايات المشعة قابلة للاسترجاع، هو أن القدرة على الحفاظ والتحكم بمواقع التخلص من النفايات، هو لسلامتهم، ولكن نظرًا لأن هذا لا ينطبق إلا على أجيال المستقبل القريب، فإن عدد الأشخاص الذين تحميهم هذه السياسة هو أقل بكثير مما هو مفترض عمومًا.
وينطبق الشيء نفسه عندما نتحدث عن تأمين النفايات، فعزل المواد المشعة التي يتم التخلص منها، والتي لا يمكن لأحد الوصول إليها
– حتى الإرهابيين- يحمي عددًا أقل بكثير مما نتصور من البشر.
وبالنسبة لأجيال المستقبل البعيد، فإن المخاطر الأمنية سوف تبدد الجميع، حتى أولئك الذين يريدون استخدامها في أغراض سيئة لأنهم قد نسوا أنها موجودة هناك.
وبما أن هناك أجيال ستفاضل بيننا وبين أجيال المستقبل، سيخلق هذا صراعات مماثلة بين أجيال المستقبل القريب والبعيد.
وهذا ينطبق أيضًا على مجموعة قضايا المدى الطويل وآثارها التي تختلف مع مرور الوقت، فعلى سبيل المثال: عند تحليل تمويل إدارة النفايات المشعة من منظور أخلاقي، فمن الضروري أن نميز بين الأجيال التي تستفيد من التكنولوجيا النووية والتي لا تفعل.
ويمكن أن يستخدم هذا التمييز كذلك، لإعلان هذا الجدل الأخلاقي المتعلق بالمشاكل الأخرى طويلة المدى، بما في ذلك تغير المناخ.
أجيال المستقبل البعيد كمثال الذين يعيشون في عالم، معدل الزيادة في درجات الحرارة فيه يتجاوز 3 درجات مئوية، ويرتفع معدل منسوب مياه البحر فيه بمعدل محدد، وحينها سوف يتم تأطير احتياجاتهم بشكل مختلف عن أجيال المستقبل القريب، التي يمكن أن يظل تركيزها على منع ارتفاع درجتي الحرارة المئويتين، أو حتى المجادلة في ما إذا كان خطر الاحتباس الحراري حقيقي أم لا؟
ترجمة: محمد أكرم
مراجعة: Sherif M.Qamar
تصميم: Ayman Samy
المصدر: http://sc.egyres.com/s5Fkx
#الباحثون_المصريون