والآن، فلنتوجه إلى أهم الأسئلة في هذا الموضوع، هل مستحضرات التجميل تُشكل خطرًا على صحة الإنسان؟ قبل أن نٌكمل حديثنا عن حقيقة مخاطر (البارابين) وكل المعلومات حوله، سنتحدث عن حقيقة المخاطر بشكلٍ عام، ثم نتطرق إلى مواضع الاتهام بعينها.
تحتوي مستحضرات التجميل على منتجات كثيرة جدًا، بعض هذه المنتجات يمكن أن يُسبِّب مشاكل صحية لبعض الناس، كتهيج الجلد أو حساسية العين، ولكن هذه المخاطر قصيرة المدى وتزول بمجرد وقف استخدام المنتج. ولكن هل مستحضرات التجميل أو مُكوناتها تسبب مشاكل أكثر خطورةً أو طويلة المدى؟ هذا الأمر ليس واضحًا. وهذا لأن العديد من المنتجات لم يتم اختبارها بدقة. حتى عندما تم اختبار بعض المكونات لم تكن النتائج بسيطة وواضحة. على سبيل المثال، قد وُجِد أن بعض المكونات سامة جدًا في حد ذاتها، ولكن الكميات المستخدمة منها في مستحضرات التجميل أقل بكثير من أن تسبب ضررًا. بالإضافة إلى أن الطريقة التي يُستخدم بها المنتج يمكن أن تختلف عن الطريقة التي يُستخدم بها في الاختبارات. أيضًا، غالبًا ما يكون هناك معلومات قليلة حول كيفية امتصاص الجسم للمكونات عندما توضع عليه أثناء الاستخدام الفعلي للمنتج. لهذه الأسباب، فإن المكون يمكن ألا يسبب نفس المشاكل في الاستخدام الفعلي في مستحضرات التجميل.
ولأن دراسات الإنسان حول الأثار طويلة المدى لمعظم مستحضرات التجميل ليست موجودة، هناك القليل من الأدلة تشير إلى أن استخدام مستحضرات التجميل، أو التعرض إلى مكوناتها أثناء الاستخدام العادي لهذه المستحضرات، يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان. ومع ذلك، لأنه لا توجد دراسات على المدى الطويل، فإنه لا يُعرف إلا القليل عن الآثار الناجمة عن التعرض الطويل لكثيرٍ من المكونات في مستحضرات التجميل. ولكن هذا لا يعني أننا ندِّعي أن هذه المنتجات لن تسبب مشاكل صحية لبعض الناس.
والآن، سنتوجه إلى بعض العناصر التي تعرضت للاتهام ومدى خطورتها في وسائل الإعلام. فلنكمل حديثنا حول البارابين الذي بدأنا الحديث عنه في الجزء الأول من الموضوع.
لأن البارابين يمكن أن يُقلِّد عمل هرمون الإستروجين بشكلٍ ضعيف، ولأن هرمون الإستروجين يمكن أن يُعزز من نمو الورم، فكانت هذه هي المشكلة. وقد أخذت وسائل الإعلام وجود البارابين في سرطان الثدي دليلًا على أن البارابين يساهم في الإصابة بسرطان الثدي. ولكن كان هذا غير صحيح. في حين أن وجود البارابين ملحوظ في سرطان الثدي، ولكن لم تجد الدراسة دليلًا مباشرًا على أنه يسبب السرطان أو يساهم في نمو الورم. أورام الثدي لديها مدد كبير من الدم، ولذلك فمن الأرجح أن أي مادة كيميائية موجودة في مجرى الدم ستكون موجودة في الورم كذلك. وفي بيانٍ لاحق إلى وسائل الإعلام، قالت الدكتورة داربر مشيرةً إلى دراستها في عام 2004: «لم تعلن أي جهة على أن وجود البارابين يسبب سرطان الثدي».
حاليًا، في أستراليا وفي باقي العالم، اعتبر المجتمع العلمي أن استخدام البارابين في مستحضرات التجميل آمن. واستجابةً لطلب المستهلك، فقد بدأت بعض الشركات في تصنيع مواد تجميلية خالية من المواد الحافظة (البارابين) حيث يمكنهم شراؤها.
سننتقل الآن إلى الألمونيوم الذي ارتبط استخدامه أيضًا في مزيلات العرق بمخاوف الإصابة بالسرطان. في أوائل عام 2000 ذكرت وكالات الأنباء المختلفة أن هناك صلة بين سرطان الثدي ومزيلات العرق التي تحتوي على الألمونيوم، كما أوضحت الدراسات أيضًا مدى اتصاله بالإصابة بمرض الزهايمر. ولكن رغم تعدد هذه الدراسات إلا أنه لا يوجد أي دليل علمي واضح على صحتها.
الألمونيوم يعمل على سد مسام العرق لمنع التعرق، وقد قيل أن هذا يمنع انطلاق السموم من أجسادنا، مما يمكنها من البقاء في الغدد الليمفاوية (غدد تقع على جانبي العنق وتحت الإبط، كما توجد في الرأس وفي الرقبة) لدينا. ومع ذلك، فإن أورام الثدي لا تنشأ في الغدد اليمفاوية، إنها تبدأ من الثدي ثم تنتقل إلى الغدد اليمفاوية. لا يوجد اتصالٌ واضح بين الألمونيوم والإصابة بسرطان الثدي. كما أنه لا يوجد علاقة بين مرض ألزهايمر واستخدام مزيلات العرق. فنحن نتعرض للألمونيوم كل يوم باستخدامنا أواني الطهي والمقالي والدواء وحتى الماء والهواء. وبالرغم من هذه النتائج، إلا أن المُصنعون بدأوا في تصنيع منتجات خالية من الألمونيوم للمستهلكين الذين يراودهم الشك.
والآن سننتقل لإحدى المنتجات التي تُستخدم بكثرة وقد تعرضت أيضًا للشك. وهي كريمات الوقاية من الشمس، قد لا تُعتبر كريمات الحماية من الشمس من مستحضرات التجميل ولكنها تؤخذ كعلاج، حيث أن استخدمها يقي الجلد من أشعة الشمس الضارة التي قد تصيبه بالسرطان.
في السنوات الأخيرة، وُجِد بعض القلق حول الجسيمات النانوية الموجودة في كريمات الوقاية من الشمس. وهذا يرتبط بوجود أكسيد الزنك وثاني أكسيد التيتانيوم النانوية وقدرتها على اختراق الجلد لتصل إلى الخلايا، وأيضًا السُمّية المحتملة من وجود هذه المواد الكيميائية. كان موقف إدارة السلع الإنتاجية «TGA» استنادًا إلى العديد من الأبحاث المنشورة حتى مايو 2013، وكذلك استعراضات السلطات الدولية، أن النانو جزيئات آمنة، فقد أظهرت الاختبارات المُجراة على كلٍّ من الحيوان والجلد البشري أن هذه المصادر النانوية لا تخترق الطبقة السفلية من الجلد، مع تغلغلٍ يقتصر على الطبقة القرنية مما يجعل الامتصاص الجهازي غير محتمل.
واستنادًا إلى الأدلة الحالية، لا ثاني أكسيد التيتانيوم ولا أكسيد الزنك يسبب ضررًا عند استخدامهم كمكوناتٍ في واقيات الشمس. بل هناك العديد من المخاطر التي تنبع من تجنب استخدام كريمات الوقاية من الشمس كحروق الشمس وسرطان الجلد.
وقد تعرضت مواد أخرى كثيرة للاتهام، في حين أن التفكير العلمي الحالي أن العديد من هذه المواد الكيميائية آمنة للإستخدام. والأمر متروك للمستهلك، ولكن ينبغي على المستهلكين شراء الماركات ذات السمعة الطيبة ولا يلجؤوا إلى المنتجات الرخيصة أو المعروضة على الإنترنت لأنها قد لا تخضع للاختبار والتقييم السليم.
المصادر:
إعداد وتصميم: Amira Esmail
مراجعة علمية: Esraa Adel
مراجعة لغوية: Mohamed Sayed Elgohary
#الباحثون_المصريون