في عام 1972، نشر العلماء «كير وايلي وكيوري–Kerr Wyllie and Currie» ورقة بحثية تصف شكلًا مختلفًا من موت الخلية حيث تتحول الخلية لفقاعات صغيرة تحمل أجزاء صغيرة من المادة الوراثية للخلية ثم تقوم «الخلايا البلعمية-macrophages» بابتلاع هذه الفقاعات والقضاء عليها وبهذا تموت الخلية، وفي تلك الورقة البحثية تم إطلاق «موت الخلية المبرمج–Cell apoptosis» للمرة الأولى على هذا النوع من موت الخلية، رغم وجود أبحاث سابقة تصف هذا النوع من الموت الخلوي وتعتبره موتًا مبرمجًا للخلية، وقد تم التعرف على هذا النوع من موت الخلية من خلال دراسة الموت الخلوي المبرمج الذي يحدث في خلال نمو أحد أنواع الديدان الخيطية : «الربداء الرشيقة-Caenorhabditiselegans»حيث توجد 1090 خلية في هذا الكائن وخلال نقطة معينة من نموه تتعرض 131 خلية منها للموت الخلوي المبرمج
إذن، ما معنى موت الخلية المبرمج ؟
عملية منظمة و طبيعية تتطلب طاقة -أحيانًا- وتحدث هذه العملية من خلال تنشيط مجموعة من الإنزيمات تُسمى «Caspases» مما يؤدي إلى مجموعة من الأحداث المتتابعة التي تؤدي في نهاية إلى موت الخلية، هناك العديد من «المحفزات-stimuli» والظروف الطبيعية والمرضية التي تُنبه هذه العملية، مع العلم أن هناك إختلاف في إستجابة الخلايا المختلفة لنفس المحفز، ويحدث موت الخلية المبرمج طبيعيًا كجزء من مراحل نمو الخلية كآلية للحفاظ على توازن أعداد الخلايا في الأنسجة المختلفة، كما أنه قد يحدث كآلية دفاعية كإزالة الخلايا المتضررة من مرض أو خلافه بشكل لا يمكن إصلاحه.
خطوات موت الخلية المبرمج:
تبدأ عملية موت الخلية بإنكماش الخلية حيث يصبح حجمها أصغر، ثم تتكثف «كروماتينات-chromatins» المادة الوراثية داخل النواة وهذه الخطوة تسمى «Pyknosis» وهو ما يُعد الصفة المميزة لعملية موت الخلية المبرمج ، ثم يتكسر «الهيكل الخلوي-cytoskeleton» ليفقد الغشاء البلازمي شكله المميز ليتكون به عديد من البروزات والانتفاخات ثم تتمزق نواة الخلية «karyorrhexis» لتتحول بذلك الخلية إلى أجزاء صغيرة يُسمى كلًا منها «apoptotic body» يتكون كٌل منها من جزء من سيتوبلازم الخلية مع عُضيات عالية التكثف وقد يوجد فيها جزء من نواة الخلية أيضًا، مع العلم أنها مُحاطة بالغشاء البلازمي للخلية الذي لا يزال سليم، بعد ذلك تقوم الخلايا البلعمية بابتلاع هذه الأجسام.
ومن المُلاحظ أنه لا يوجد أي إلتهاب مصاحب لعملية موت الخلية المبرمج أو ابتلاعها وذلك للأسباب التالية :
- عند دخول الخلية عملية الموت المبرمج لا تطلق مكوناتها الخلوية وبالتالي لا يصل أي منها للأنسجة المجاورة حيث يظل الغشاء البلازمي للخلية سلميًا، أي أن الخلية تموت دون أي علم من الأنسجة المجاورة
- سرعان ما تقوم الخلايا البلعمية بابتلاع بقايا الخلية المنتحرة
- بعد إبتلاع الخلية المنتحرة، لا تقوم الخلايا البلعمية بإفراز أي «سيتو كينز–Cytokines» : مواد كيميائية تنبه الخلايا الإلتهابية
موت الخلية الغير مبرمج (النخر الخلوي).
يختلف «موت الخلية المبرمج-Cell apoptosis» عن عملية «النخر الخلوي-Cell necrosis» حيث أن عملية النخر الخلوي تعتبر عملية سامة تموت فيها الخلية دون الحاجة إلى طاقة، وهي عملية غير منظمة أو مبرمجة تموت فيها مجموعة من الخلايا معًا، على عكس إنتحار الخلية الذي يُعتبر عملية مبرمجة تتطلب وجود طاقة وتموت فيها خلية مفردة.
من التغيرات الأساسية التي تحدث في شكل الخلية خلال النخر الخلوي: تنتفخ الخلية، تتكون فجوات في الستوبلازم، إنتفاخ الشبكة الإندوبلازمية، إنتفاخ الميتوكوندريا أو إنفجارها، إنفصال الريبوسوم وتحطم الغشاء الخلوي مما يؤدي إلى وصول مكونات السيتوبلازم للأنسجة المجاورة التي تفرز مواد كيميائية تجذب الخلايا الإلتهابية أي يحدث إلتهاب في الأنسجة المجاورة، بينما لا يحدث أي إلتهاب في حالة موت الخلية المبرمج كما ذكرنا سابقًا.
إن الخلية التي تقرر أن ترفض الحياة تُشبه إلى حد كبير الإنسان الذي يرفض الحياة، كلاهما تبدأ قصته بالإنفصال عن النسيج المحيط، يتحلل كلٌ منهما داخليًا ويموت، دون أن يعلم أي من النسيج المحيط بذلك، وليتهم يعلمون !
هل إنتحار الخلية عملية غير إنعكاسية ؟
حتى وقت قريب، كان الإعتقاد السائد هو أن موت الخلية المبرمج عملية غير إنعكاسية حيثُ تنشط الإنزيمات المسؤولة عنها «Caspase enzyme» مما يؤدي إلى مجموعة من الأحداث المتتابعة التي تؤدي في النهاية إلى موت الخلية .
لكن دراسة الجينات المسؤولة عن ذلك أظهرت ما هو أبعد، حيث أن إغلاق الجين المسؤول عن ابتلاع الخلية الميتة قد يؤدي إلى تزايد فرص الخلايا المفترض موتها للبقاء علي قد الحياة ، وذلك وفقًا للدراسة التي أجراها «هيوبنر-Hoeppner» على الدودة الخيطية (الربداء الرشيقة).
موت الخلية المبرمج ووظائف الجسم :
تلعب عملية موت الخلية دورًا مهمًا في الحفاظ على توازن أعداد الخلايا في الجسم خلال مراحل النمو المختلفة، فعلى سبيل المثال: خلال تكوين الجهاز العصبي، يتم تكوين أعداد كبيرة من الخلايا العصبية ثم تموت الخلايا التي لم تنجح في تكوين تشابكات عصبية وظيفية، وكذلك خلال تكوين الجهاز المناعي في الجسم، يتم تكوين أعداد كبيرة من الخلايا المناعية ثم تموت خلايا المناعة التي لم تنجح في أن تكون متخصصة لمهاجمة الأجسام الغريبة عن الجسم فقط ، كما تلعب عملية إستماتة الخلية دورًا هامًا في تخليص الجسم من الخلايا المريضة والخلايا الإلتهابية خلال عملية إلتئام الجروح .
مما سبق، يتضح أن عملية موت الخلية المبرمج يجب أن تكون منظمة بدقة، لأن موت الخلايا بدرجة أكبر من اللازم أو أقل من اللازم قد يؤدي إلى أمراض خطيرة تتضمن السرطان، نقص النمو، أمراض المناعة الذاتية وأمراض الجهاز العصبي مثل: «مرض باركنسون-Parkinson’s disease» و«مرض الألزهايمر-Alzheimer’s disease».
لقد تم التعرف على الكثير من البروتينات والإنزيمات المُنظمة لعملية موت الخلية إلا أن آليات عملها وتنشيطها أو تثبيطها -على المستوى الجزيئي- مازالت غير مفهومة بصورة كاملة، والتوصل إلى فهم كامل لهذه العملية سيعطينا نظرة أكثر عمقًا للعديد من الأمراض وربما يساعد في آليات العلاج أيضًا، حيث يعد الموت المبرمج للخلية جزءًا مهمًا من صحتها وحيويتها ومن موتها أيضًا.
إعداد : Mariam Mostafa
مراجعة علمية : Mohamed Elsafi
المصدر :http://sc.egyres.com/0OY0y