جلبته لنفسها
(ملخص كتاب لكيت هاردينج )
هل لك أن تتخيل رد الفعل الذي كان من الممكن أن يحدث لو أن معدل الإدانة في جرائم القتل صار أقل من 7% ؟
سيتم إقالة كبار رجال الشرطة بلا أدنى تردد، سيتم إقالة مسئولين حكوميين، الإعلام سيلاحق النظام القضائي حتى يتم اتخاذ التدابير الملائمة.
وبتأمل هذا، للأسف الإدانة للجاني في حوادث الاغتصاب لا تكاد تبلغ 7%،والأغلبية العظمى من مرتكبي هذه الجريمة المخزية لا يعاقبون عليها إطلاقًا، ولا يهتم الإعلام بهذه الحقيقة المؤلمة بتاتًا؛
وهذا نتيجة لثقافة المجتمع.
وإذا نظرنا سنجد الاغتصاب ليس فقط أمرًا شائعًا ولكن أصبح اللوم يوجه للضحية أيضًا.
من المعتاد أن تلام ضحية الاغتصاب على الواقعة.
تخيل أنك سمعت التصريح التالي في المحكمة ” مثل العنكبوت، جذبته لشباكها” ما نوع المجرمة التي قد توصف بهذا الوصف؟ قاتلة؟ دجالة؟ كلا, هذا الوصف قاله محامي يومًا ما ليصف فتاة في الحادية عشر من عمرها أثناء دفاعه عن الرجل الذي اغتصبها.
للأسف، مثل هذا الدفاع الجدلي يتكرر في قاعات المحاكم والمجتمع ككل.
وهذه الواقعة بالتحديد حدثت في كليفلاند، تكساس عام 2010، وفيه لم تغتصب الفتاة الصغيرة بواسطة رجل واحد، بل تعرضت لاغتصاب جماعي على يد عدد من الرجال، وبشكل متكرر.
ربما تبدو لك قضية يسهل الحكم فيها بالإدانة السريعة على الجناة، ولكن لأن الفتاة كانت تضع بعض مستحضرات التجميل وكانت _وهو الأسوأ_ من أصول لاتينية استخدمت هذه الحقائق لتوجيه الإدانة إليها، ومثل هذا التفكير المعوج لا يقتصر على محامي الدفاع في هذه القضية فقط، ففي قضايا الاغتصاب، الجناة يصوروا كضحايا.
فعندما كتب (جامس مكينلي) عن حادثة كليفلند في جريدة نيويورك تايمز، ذكر أن المجتمع مصدوم بسبب هذه القضية، ليس بسبب ما حدث للفتاة ولكن لأن الرجال تم “إغوائهم” للسقوط في مثل هذا التصرف، وأن مثل هذه القضايا قد تترك أثرًا لا ينمحي على هؤلاء الرجال.
قد تبدو ردود الفعل تلك شاذة ولكنها لم تنشأ من فراغ، هي منتج للثقافة التي نحياها، ثقافة الاغتصاب التي تلقي اللوم على الضحية، تلتمس العذر للجاني وتتسامح مع التحرش الجنسي.
“منذ زمن سحيق كانت القاعدة ألا يعاقب الذكر المعتدي، ولكن أن يتم إبعاد الضحية عن طريقه.” سوزان ب. انطوني،1896
لا يجب أن تتخلى المرأة عن حريتها حتى لا تغتصب.
منذ الصغر يتم التنبيه على الفتيات بأخذ عدد من الإجراءات الاحترازية لحماية أنفسهن من الرجال، مثل :”لا تخرجي بمفردك مساءًا”، “لا تحدثي الغرباء” “لا ترتدي ملابس كاشفة” ولكن هل في الحقيقة يمكن للفتيات أو السيدات إيقاف الاغتصاب ؟
الكثير من الناس يعتقدون ذلك، ورجال الشرطة على وجه الخصوص يتجاوبون مع جرائم الاغتصاب بمطالبة النساء بالحد من حركتهن.
فعند وقوع عدد من حالات الاغتصاب عام 2012، طالب رجال الشرطة الناس بالحذر و حذروا النساء من السفر بلا مرافق، وطالبوهم بالبقاء قريبًا من الآخرين لطلب الحماية لو شكوا في أحد.
قد تكون هذه نصائح جيدة، ولكنها ليست فعالة؛ فلا يمكنك الهرب من مغتصب بالحرص فقط، وبالإضافة لذلك تحميل مسئولية واقعة الاغتصاب على الضحية يجعل من السهل على الناس إلقاء اللوم على الضحية حال وقوع الجريمة.
الاغتصاب الجماعي هو نتيجة لثقافة الاغتصاب: فهو احتفاء بفحولة الرجل وانتقاص الأنوثة.
هل لاحظت كيف يجتمع الطلبة الصغار ضد زميل لهم أضعف منهم يختارونه من بينهم للتنمر عليه؟ تقوى روابط المجموعة عند الاتحاد ضد منبوذ للأسف هذه التصرفات، ومن الممكن أن تتخذ صور أسوأ بكثير مثل الاغتصاب الجماعي.
الاغتصاب الجماعي يعد طقس يقوي الروابط بين المغتصبين على حساب الضحية، ففي عام 1991، درست عالمة الأنثروبولوجيا، بيجي ريفز، الجوانب الاجتماعية في حوادث الاغتصاب الجماعي وتوصلت للآتي: يعد الاغتصاب الجماعي طريقة لتأكيد الرجال علي هويتهم الذكورية وتفريقها عن النساء، وتخلق بينهم روابط قوية وتؤهلهم للحصول على رضا الأقران.
وتعليقًا على واقعة اغتصاب فتاة مقعدة عام 1989 ذكر برنارد لفكويتز أن الاغتصاب مكن الرجال من الانسحاب عاطفيًا بعيدًا عن النساء وأدى لتغلبهم على أي شكوك تراودهم حول قواهم الجنسية وقدرتهم على الاندماج في علاقة حميمة.
ولا يكتفي الجناة بالاعتداء على النساء ولكن من الممكن أن يستهدفوا رجل ينظرون إليه على أنه أنثوي.
ففي عام 2012 وأثناء رحلة لصبية من كولورادوا لحضور مسابقات رياضية، قام ثلاثة مراهقين بشد وثاق صبى أصغرمنهم في عامه الثالث عشر على متن حافلة ولصقوا شريط لاصق على فمه وانتهكوه بواسطة قلم.
وللأسف هذه الحادثة ليست فردية، فالذكور كثيرا ما تتبنى هذه التصرفات المنحرفة.
ورد فعل المجتمع لمثل هذه الوقائع يوضح عمق تجذر ثقافة الاغتصاب فيه. فتكاتفوا مع الجناة و كان على الضحية وعائلته ترك المدينة للهرب من عواقب المأساة.
رجال الشرطة يساهمون في ثقافة الاغتصاب عندما يبعدون الضحية أو يأخذون صف الجانى.
تخيل أنك امرأة تعرضت توًا للاغتصاب، حتى يمكنك الإبلاغ عما حدث لابد من أن تقص تفاصيل الواقعة بالتفصيل على رمز سلطة من الذكور، لا عجب من بقاء العديد من الضحايا صامتون؛ فعندما يذهبون لرجال الشرطة يجدونهم أحيانا غير متعاونين أو لا يأخذون القضية على محمل الجد.
فعندما اعتدى لاعب كرة يدعى “بن روثليسبرجر” على فتاة جامعية عام 2010 وذهبت للإبلاغ نعتها الرقيب بلاش “بمنعدمة الأدب” واتهمها بالادعاء و اسماها “العاهرة المجنونة ” واتهمها باختلاق القصة واعتذر لمغتصبها لأنه مضطر لاستكمال المحضر، وباقي الضباط اتهموا الفتاة باختلاق الواقعة بسبب عدم اهتمام اللاعب بها.
” لدينا مشكلة، هذه العاهرة السكرانة، تتهم بن بالاغتصاب” الرقيب جيرى بلاش.
تتردد النيابة العامة فى إحالة قضايا الاغتصاب للقضاء.
القليل من قضايا الاغتصاب يحال للقضاء، فذكر تقرير لمجلس البيت الأبيض عام 2014 أن ثلثي قضايا الاغتصاب التى تصل للنيابة العامة يتم رفض احالتها للقضاء عكس رغبة 80% من الضحايا.
فحوالي 12،5% فقط تمرر وعلى الأقل نصف هذا العدد يرفض تصعيده بعد ذلك، فإجمالًا فقط 6% من حوادث الاغتصاب تصل لقاعات المحاكم.
وهناك سبب بسيط لذلك، وهو أن المدعون لا يرغبون رفع قضية لأنه نادرًا ما يشعرون أنهم يمتلكون الأدلة الكافية التي قد تقنع المحلفين، حيث عادة ما تقدم الضحية ككبش فداء، فلا يندفعون للقضاء إلا في حالة امتلاكهم أدلة دامغة مثل تصوير للواقعة أو إصابات واضحة للعيان أوقعها الجاني بالمجني عليها.
بعض الفئات المناهضة للإجهاض لها طريقة فريدة في تعريف الاغتصاب ” الحقيقي”
يدعي بعض المتشددون من الجمهوريين بالولايات المتحدة أنه من غير الممكن أن يتم حمل بسبب الاغتصاب؛ حيث يدعون امتلاك المرأة لنظام دفاعي يمنع الحمل إذا رفضت شريكها، فإذا حملت امرأة يستنتجوا فورًا بأنها أرادت تلك العلاقة ولو لم تردها لما حملت.
فكتب طبيب يدعى “جون ويلك ” فى مقالة عام 1999 أن الصدمة النفسية الناجمة عن اغتصاب “حقيقي” تمنع التبويض، وكتب بأنه يكاد يكون من المستحيل أن تحمل امرأة نتيجة لاغتصاب، ولكن نفت دراسة أقيمت على ألف ضحية اغتصاب هذه المزاعم فيما بعد، وثبت أن المرأة لا يد لها بيولوجيًا في السيطرة على الحمل، ولا يجب أن يكون حملها عنصر لتعريف ماهية الاغتصاب.
الإعلام وصناعة الترفيه تخلد ثقافة الاغتصاب.
هناك العديد من الأفلام الإباحية على الشبكة العنكبوتية ومن المألوف أن نجد مشاهد اغتصاب متكررة، وليست هذه المواقع فقط ما جعلت من الاغتصاب أمر طبيعي مألوف، بل الإعلام حولنا يؤسس لذلك أيضًا، فالإعلام يؤسس لفكرة أن النساء يردن أن يتم اغتصابهن وأنهن يتمنعن وهن الراغبات.
“قديما كنا نسميه فقط موعد غير سار.” جورجى، فى مسلسل “أخوات” الذي عرض فى التسعينيات.
فمما سبق يتضح أن الاغتصاب لا ينجم عن قلة من المنحرفين، فالمفاهيم الثقافية تسهم أيضًا في الإبقاء على الظاهرة حية ومستشرية.
في المرة القادمة عندما تسمع عن قضية اغتصاب أو تحرش، انتبه للطريقة التي يتحدث بها الناس عن الضحية، هل يشيرون إلى أنها اختلقت الواقعة؟ أو أنها تسببت فيها بشكل ما أو بآخر؟ هل وجهوا أصابع اللوم تجاهها؟ انتبه لطريقة حديثهم عن المعتدي أيضًا، هل يلتمسون له الأعذار؟ هل هم مهتمون بتأثير الواقعة عليه وعلى مستقبله أكثر من عليها؟ هل يتحدثون عنه كشخص طيب تم استدراجه؟ انتبه فكر ابدأ التغيير.
___________________________________________________________________
ترجمة : ماجدة جنينة
مراجعة:FaTma IsmAil
#الباحثون_المصريون