منذ القدم ويظل الإنسان هو المفسر الأعظم على هذا الكوكب، حيث اشترك العقل البدائي، والعقل الحاضر للإنسان في ضرورة حتمية واحدة: وهي التفكير لتفسير الكون حوله، حتى وإن كان هذا التفسير قائمًا على خرافات، أو فلكلور معين؛ ومن هنا كانت الميثولوجيا أو علم الأساطير.
كان من بين هذا علاقة الإنسان بالأشجار باعتبارها كائنًا جبارًا، وصلبًا، وغامضًا كذلك، من هنا كانت هيكلة العقل البشري لتفسير غموض، وقوة هذا الكائن الضخم، فتناوبت الأراء حول شيطنة البعض، وألوهية البعض الأخر، واعتبار بعضهم آباءًا لألهة ، وهنا سنوضح قليلًا من الميثولوجيا، والأساطير التي تعلقت بالأشجار.
لا يوجد تاريخ محدد يوضح لنا متى بدأ البشر في النظر للأشجار بعين الألهة أو الشياطين على حد سواء غير أن المؤكد أن هذا التاريخ لم ينقضي بعد باعتبار بعض هذه الاعتقادات ما زالت منتشرة ليومنا هذا ، ولم ترتبط هذه الاعتقادات بجانب اجتماعي معين، ولا بمنطقة جغرافية محدودة، وكان للدين نصيب لا بأس به، ومنها ما يرتبط بديانات منتشرة كالمسيحية، والإسلام، واليهودية، فشجرة الحياة اشتركت في هذه الديانات الإبراهيمية الثلاثة، ليس هم فحسب فنجد في الحضارة الفارسية فيما كانت تسمى ب (شجرة العالم – (Gaokerena، كما كانت موجودة في الحضارة الآشورية كذلك فيما واليهودية، والإسلام؛ ليعطو الصورة الحالية لشجرة الحياة، والخلود، أو المعرفة، والتي ارتبطت بآدم. وشجرة الحياة يعتقد أنها شجرة كانت في الجنة، وحين أكل آدم كانت تسمي ب(شجرة الآشورية- (Assyrian tree ، ثم جاءت المسيحية،
منها تسبب في عصيان الرب، وصور الفنان (غوستاف كيلمت– (Gustav Klimt الشجرة في لوحته الشهيرة (شجرة الحياة).
وكان للتنوع الجغرافي من هذه الاعتقادات نصيبه كذلك؛ منها ما يدعيه أفراد قبائل (النيام نيام– Niam Niam) من أنهم يسمعون في حفيف الأشجار أصوات الشياطين وهي تتأمر عليهم، وبالجوار كانت النيجر تؤمن بروح تدعى (هانتن): وهي شجرة قطنية، وكذلك العفريت (سازا بونسم) الذي كان يأكل الذين يتوهون في الغاب ليلًا، وله زوجة تدعي (سراهمان) كانت تعلم الناس أسرار الغاب، والسحر.
لم تكن إفريقيا الوحيدة التي تعتقد بسكون الأشجار ففي اليابان يوجد عفاريت (التنجوس) والتي كانت تعيش في الأشجار العالية كذلك في روسيا نجد العفريت (ليشي) صاحب قوائم التيس، والكثير من هذه الأساطير يملأ بقاعًا عديدة، ويسكن نفوسًا كثيرة من البشر.
وفي الهند توجد (أرواح الفانادفيتا)، وتعد بمثابة حارسة للشجر؛ حيث تقوم بالانتقاممن كل من يحاول أن يقطع شجرة حيث كانت تقصم عنقه، وحيث أننا في الهند لا يمكننا المرور من دون ذكر واحدة من أكبر أساطير الهند المتعلقة بالأشجار: وهي (أكشاي فات – Akshay Vat) والتي ما زال يذهب لها الحجاج، وتعتبر شجرة تين المقدسة هذه من الأساطير الهندوسية المنتشرة في الهند، فوفقًا للأسطورة فإن الحكيم
(ماركنديا – (Markandeya سأل (نيارانا – (Narayana بأن يريه جزءًا من قوته فأغرق الأرض كلها، ولم يكن فوق سطح المياه سوى هذه الشجرة.
ويبدو واضحًا الآن أن الإنسان البدائي كان يخاف الأشجار الغريبة، والضخمة، ويعتبرها مجهولًا لا بد من الاحتراز منه غريزيًا، إلا أن تعامل الإنسان لم ينحصر في نطاق الخوف من الشجر، ولا التقديس المرتبط بوحشيتها، لكن تحول الأمر إلى الاعتقاد بوجود أرواح طيبة كذلك.
فقد كان موجود لدى الرومانيين شبحًا شجريًا يدعى (بادورا) حيث كان يساعد الآباء في العثور على أطفالهم المفقودين في الغابات، بل وينقذهم أحيانًا، وكان بعضهم مثير للشفقة أو مساكين بشكل مزرِ، ومن ذلك زوجات الغاب، حيث كان يعتقد سكان سكاندينافيا أنهم كانوا مخلوقات صغيرة، وجميلة، وأحيانًا كانوا بشعات، وعاجزات، وتذكر بعض الآراء أنهم كانو سيئات المظهر، وقبيحات من الخلف، ولكن جميلات
من الأمام، وتروي الحكايات أنهن دائما ما يضايقن النساء حين يخبزن، ويطلبن منهم الكعك، والخبز، أو يتحرشن بالحطابين، ويطلبن منهم إصلاح العجلات اليدوية، فإن تم إعطائهم ما يريدونه كافئن صاحبه بأن يجعلوا له ذهبًا من الخشب أو سلة تفاح كل هذا كان يعد رمزيًا لبعض البشر وواقع لا يقبل النقض للآخر، غير أنهم جميعًا إتفقوا على الجهل بهذا الكائن، وفيما كانت الفلسفة تعطي لبلادها الدافع لتكوين
صورة مجتمعية بهيكلة واعية، إلا أنها لم تمنع زحف العقل البشري من الانفلات وهذا ما كانت عليه الحضارة اليونانية، والرومانية، وآلهة الأوليمب، وعلاقتهم بالأشجار وهذا ما سيتناوله الجزء الثاني .
المصادر:
- جون ستويرات كوليس، انتصار الشجرة، ترجمة: مروان الجابري، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،2013)
- tps://archive.org/stream/popularreligion00croogoog#page/n 10/mode/2up
- http://www.britannica.com/topic/haoma
- مصادر الصور:
- http://www.gustav-klimt.com/The- Tree-Of- Life.jsp
- http://www.indianetzone.com/57/akshayavat_allahabad.htm
#الباحثون_المصريون